إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الخصائص الروحية للماء وفلسفة الطهارة في الاسلام

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الخصائص الروحية للماء وفلسفة الطهارة في الاسلام



    الخصائص الروحية للماء وفلسفة الطهارة في الاسلام




    قد لا يعنينا الماء كثيرا في حياتنا اليومية، فهو مجرد مادة من المواد يتم استهلاكها وتبذيرها، غير أن الأهمية الكبيرة التي أولاها الله للماء في القرآن وفي الإسلام عموما ، يدحض كل أوهامنا حوله، ويبرز الماء بشكل مختلف تماما. وسأتناول هذه القضية من خلال ذكر خصائص الماء الروحية، ثم أهميته في العبادة في الإسلام بشكل خاص.




    أولا خصائص الماء الروحية، وهي:
    خاصية الحياة
    خاصية الوجود على مسافة واحدة بين الروح والمادة
    خاصية التنزل
    خاصية الوحدة


    1- خاصية الحياة:


    إن هذه الخاصية الأولى هي التي يتكلم عنها القرآن من حيث مصدر الحياة التي أتت من الماء كما في سورة الأنبياء: " أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (30)


    أو في سورة الفرقان" وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَىٰ أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)


    وفي سورة لقمان " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ ۚ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (10) وغيرها من الآيات الكثيرة الأخرى.


    فالحياة بتنوعها مصدرها الماء، لأنه يحمل خصائص القدرة على إعطاء الحياة، وبمعنى آخر المنح اللانهائي للأشياء والظواهر والمخلوقات، وهذه قدرة عجيبة لا يمكن لأي كان خلقه الله أن يقوم بها.


    إن الماء بما أنه قادر على فعل هذا فلا بد أنه يحمل طاقة هائلة تمكنه من ذلك، ولا نستطيع فهمها حتى الآن . إن هذه الطاقة لم تقم فقط ببعث الحياة، بل هي تعمل في كل يوم على استمرارها، ولنتذكر أن الجسد الإنساني أو أي كائن حي آخر، يعشق الماء، ولا يستطيع أن يتخلى عنه، فهو ينتظره دائما، وإذ لم يأتي مات الكائن. وهذه الظاهرة الملفتة في الحياة تعطينا مؤشرا عن مدى الطاقة التي يتمتع بها الماء.


    2-خاصية الوجود بين الروح والمادة:


    هذه الخصائص الغريبة التي لا يختص بها أي كائن آخر، تدل على أن الماء قريب جدا من الروح، فالروح كما نعتقد، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة
    إن الخاصية الثانية للماء، تكمن في طبيعته، فهو لا لون له ولا رائحة ولا طعم، وهذه الخصائص الغريبة التي لا يختص بها أي كائن آخر، تدل على أن الماء قريب جدا من الروح، فالروح كما نعتقد، لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، ولذا يقف الماء على مسافة متساوية بين الروح والمادة ، أي أنه حلقة اتصال بينهما، يقوم بتأسيس العلاقة بينهما والحفاظ عليها، ويتجلى ذلك في المظهر الحياتي لكل كائن. حيث يتسبب الماء الذي لا شكل له ولا طعم ولا رائحة ولا لون في جميع الألوان والأشكال والروائح والأذواق، فهو أساسي وضروري لكل عملية حياتية ، فبسبب طبيعته الروحية ، يكون قادرا دائما على إعطاء الحياة والوجود. ولذلك يمتاز الماء كما هي الروح بالطهارة: " وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۚ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا ( الأنبياء 48). بمعنى أن الروح طاهرة بالأساس" كل مولود يولد على الفطرة" كما في الحديث الشريف، فالطهارة التي يتمتع بها الماء لا تعني النظافة، وإنما تعني قربه الشديد من الروح الطاهرة. ولذا فهو ينفذ إلى الأعماق ويمارس تأثيرا روحيا عليها كما سنرى لاحقا.


    3-خاصية الوحدة:


    وهذه الخاصية تتجلى في أن الماء ذو طبيعة واحدة في أي مكان، أي أن له القدرة على أن يكون معيارا لكل شيء، كما نجد ذلك في الآية الكريمة من سورة الرعد " وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَىٰ بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) وكذلك في سورة النور" وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ ۖ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَىٰ أَرْبَعٍ ۚ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (45)


    أي أن الوحدة هي من سمات الماء الأساسية، والتعدد سواء في النبات كما في سورة الرعد أو الحيوان كما في سورة النور هو من مظهر هذه الوحدة ، ولذا يكتسب الماء أهمية أساسية في الحياة بسبب وحدته وقدرته على أن يكون معيارا للحياة جميعها، ولنفترض أن هناك مياها متعددة، ذات أذواق متعددة وألوان متعددة، وروائح متعددة أيضا، إن هذا بالتأكيد لن يكون قادرا على أن يعطي أساسا للحياة.


    4-خاصية التنزل:


    وهذه ظاهرة مهمة أيضا، فالماء الذي نجده في الأرض، هو متنزل من السماء، وكم في القرآن من آيات تتحدث عن التنزل العلوي للماء، وذلك لأن الأرض مليئة بما يخل بطبيعة الماء، بسبب الإنسان أولا وبسبب الكثير من الظواهر الأخرى، ونجد ذلك واضحا في سورة الكهف " وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا (45) فالماء في طبيعته طاهر، وما يختلط به هو الذي يؤدي إلى تغير طبيعته، ويدل على ذلك لفظ " فاختلط به" وكأن الماء طاهر، ونبات الأرض هو الذي اختلط به فكون الحياة، ولهذا يصعد الماء إلى السماء ليمارس عملية تطهيره الذاتية ، ثم يتنزل صافيا وطبيعيا ليكون قادرا في كل مرة على ممارسة دوره.


    إن هذا الدور مرتبط بالصعود والنزول، وهي العملية التي تؤدي إلى تطهير الماء في كل مرة. والنزول مرتبط بإرادة الله تعالى أولا وأخيرا . وكأن الماء مرتبط أكثر بالله ، لقربه منه كما في الآية "وكان عرشه على الماء "


    ثانيا: الماء في العبادة :


    بسبب هذه الخصائص نجد الماء قد أخذ دوره الأساسي في الإسلام، في العبادة خاصة، حيث يظهر ذلك جليا في عملية الوضوء والغسل، أي في التهيؤ الضروري للدخول في علاقة مع الله، أي أنه لا يوجد هناك شيء آخر أطهر من الماء ليؤدي دور الطهارة اللازمة لاستقبال الله في القلب. وهذا المعنى ضروري لكل مسلم، فتطهير الأطراف هو كف لها عن ممارسة كل ما يخل بدخول لحظة الصلاة. إن الأطراف المعنية بالغسل ، هي الأطراف التي تكون في علاقات مادية كثيرة كل يوم، كالمشي والعمل، والكلام والسمع والبصر، وهي أمور مادية تعيق الروح عن رؤية بارئها، والماء بسبب الخصائص السابقة، يقوم بتطهيرها من كل ذلك. حيث يمارس تاثيرا روحيا عليها، محاولا تخليص النفس من كل المتعلقات التي علقت بها . ألا ترى الحالة التي يشعر بها المسلم بعد الوضوء، أو حين يمسه ماء من السماء. إنها حالة اقرب لعملية الاستعداد والتهيؤ والتنشيط. لأن الجسد المادي وهو من طين، حين يمس بالماء يستعيد ذكراه القديمة حين امتزج لأول مرة مع الماء، فيقوم من مكانه ويستمد منها الحياة، وهذه الحادثة هي التي لا تزال تتكرر في كل عملية وضوء، ونحن لا نقوم بإدراكها على ذلك النحو القديم ، بل كإحساس مختلف نشعر به ولا نستطيع تفسيره.


    إن الجسد المادي وهو من طين، حين يمس بالماء يستعيد ذكراه القديمة حين امتزج لأول مرة مع الماء، فيقوم من مكانه ويستمد منه الحياة، لذا لا يزال يشعر بنفس الإحساس.
    أي أن الوضوء هو استعادة لذكرى بعث الحياة نفسها، وهي الذكرى التي أدت إلى نشوء الكائن الإنساني. وقد أمر الإسلام بالوضوء لهذه الغاية، وقد جعل لذلك طريقة في الوضوء تقوم على غسل أعضاء معينة بترتيب معين، ولا بد أن هذا الترتيب، كان له مغزى ما في ذلك الحين، وليس مجرد ترتيب اعتباطي.


    إن الأعضاء التي تشكلت أولا من الكائن الإنساني ، لا بد أنها الأعضاء التي كانت قريبة الشبه بالجماد كالرجلين، أما الأعضاء التي تشكلت أخيرا، فإنها الأعضاء التي تمارس الوعي الإنساني، والبدء بها دليل على عملية الاسترجاع والاستعادة، وهذا مجرد محاولة للتبسيط قد تكون خاطئة، ولكننا لابد أن نفهم قيمة الخلق الأول في عملية الوضوء.


    أما الصلاة التي تأتي بعد الوضوء، فهي العودة إلى الله، حينما كانت العلاقة بيننا وبينه أكثر قربا. أي أنها أكثر روحانية من الوضوء، ورأينا سابقا خاصية من خصائص الماء هي وجوده على نفس المسافة بين الروح والمادة، أي أن الوضوء هو الصلة بين الجسد المادي والصلاة الروحية. فلدينا إذن ثلاث مراحل:


    -المادة ( التراب) وهي الحالة التي يكون فيها الجسد مستغرقا في ماديته بالكلام أو النظر أو السمع أو المشي والعمل، وهي الحالات التي تقف حاجزا عن إدراك الروح. وهذه الحالة هي التي كان عليها الجسد حين كان ترابا لا يعي شيئا.
    - الوضوء ( الماء) وهي كف هذه المادة عن عملية الاستغراق واستثارتها ثانية بنفس الطريقة الأولى التي تعلمها الجسد، حيث يصبح مهيئا للمرحلة التالية، وهذه المرحلة تضاهي عملية امتزاج التراب بالماء، حيث انتقل إلى وضع جديد تماما هيأه للدخول في مرحلة العبادة والعبودية.
    - الروح ( الصلاة) وهي الانتقال إلى الروحانية بصورة مطلقة، حيث يصبح الجسد مستغرقا في الروحانية بشكل كامل، وهي تضاهي اكتمال الإنسان لأول مرة وإدراكه لخالقه.


    إنه الانتقال عبر الحياة نفسها منذ أن ابتدأها الله، ونحن نتوضأ ونصلي لاسترجاعها بصورة يومية، فهي الذكرى التي لا يجب أن تغيب عن الإنسان مهما كلف الأمر.


    إن الظاهرة الملفتة الأخرى هي ظاهرة الغسل، ويكون ذلك حين الحدث الأكبر، وهو الجنابة، والجنابة هي العملية التي تقوم بوظيفة النسل، فيجب غسل الجسد كله بالماء. وهذه العملية الأساسية أيضا، والتي بدونها يكون على المسلم ألا يدخل في علاقة مع الله، تعني أن العلاقة الجسدية بين الكائنين الإنسانيين، أي الرجل والمرأة، هي علاقة أكثر مادية من أي علاقة أخرى، ويجب تطهير الجسد من ذلك، لأن الجسد كله هو الذي كان يمارس الشهوة التي هي اقرب إلى المادية منها إلى الروحانية، ونستنتج من هذا أنه كلما انخرط الإنسان في علاقة مادية، سواء بطريق الحواس أو الجسد كله، كلما كان عليه أن يستعيد العلاقة الروحية بالتطهر بالماء، عندما يريد أن يدخل في اتصال روحي مع الله. أي أن الماء كما كان طريقا أرانا الله إياه، هو أيضا نفس الطريق إليه.


    وكما قلنا سابقا، فإن هذا يعني وفاء لذكرى الإنسان نفسه، حيث يقوم بعملية نشوء ثانية، أو استعادة للنشوء، ولإرادة الله بخلق الإنسان، حيث يتطهر بالماء، ليقوم ثانية بوظيفة الروح، مبتعدا في كل مرة عن المادة. وهذا ما يميز الإنسان كإنسان.


    بقلم: عمر مناصرية

  • #2
    أي أن الوضوء هو استعادة لذكرى بعث الحياة نفسها، وهي الذكرى التي أدت إلى نشوء الكائن الإنساني. وقد أمر الإسلام بالوضوء لهذه الغاية، وقد جعل لذلك طريقة في الوضوء تقوم على غسل أعضاء معينة بترتيب معين، ولا بد أن هذا الترتيب، كان له مغزى ما في ذلك الحين، وليس مجرد ترتيب اعتباطي.
    موضوع رائع سبحان الخالق الذي وضع في كل خلق سر
    شكرا جزيلا ربان للطرح القيم بارك الله فيك وجعله في ميزان حسناتك.
    اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

    تعليق


    • #3
      شكرا سلمى

      وبارك الله بكم

      تحياتي

      تعليق


      • #4
        الله يجزيك الخير ربان

        تعليق


        • #5
          المشاركة الأصلية بواسطة SoOoMa مشاهدة المشاركة
          الله يجزيك الخير ربان
          والقايل يا رب

          شكرا سوما

          تحياتي

          تعليق

          يعمل...
          X