إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شاعر المقاومة الفلسطينية: محمود درويش (جميع قصائده )متجدد.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شاعر المقاومة الفلسطينية: محمود درويش (جميع قصائده )متجدد.



    محمود درويش الابن الثاني لعائلة تتكون من خمسة ابناء وثلاث بنات ، ولد عام 1941 في قرية البروة ( قرية فلسطينية مدمرة ، يقوم مكانها اليوم قرية احيهود ، تقع 12.5 كم شرق ساحل سهل عكا) ، وفي عام 1948 لجأ الى لبنان وهو في السابعة من عمره وبقي هناك عام واحد ، عاد بعدها متسللا الى فلسطين وبقي في قرية دير الاسد (شمال بلدة مجد كروم في الجليل) لفترة قصيرة استقر بعدها في قرية الجديدة (شمال غرب قريته الام -البروة-).
    تعليمه:
    اكمل تعليمه الابتدائي بعد عودته من لبنان في مدرسة دير الاسد متخفيا ، فقد كان تخشى ان يتعرض للنفي من جديد اذا كشف امر تسلله ، وعاش تلك الفترة محروما من الجنسية ، اما تعليمه الثانوي فتلقاه في قرية كفر ياسيف (2 كم شمالي الجديدة).


    حياته:
    انضم محمود درويش الى الحزب الشيوعي في اسرائيل ، وبعد انهائه تعليمه الثانوي ، كانت حياته عبارة عن كتابة للشعر والمقالات في الجرائد مثل "الاتحاد" والمجلات مثل "الجديد" التي اصبح فيما بعد مشرفا على تحريرها ، وكلاهما تابعتان للحزب الشيوعي ، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر .

    لم يسلم من مضايقات الاحتلال ، حيث اعتقل اكثر من مرّة منذ العام 1961 بتهم تتعلق باقواله ونشاطاته السياسية ، حتى عام 1972 حيث نزح الى مصر وانتقل بعدها الى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وقد استقال محمود درويش من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الحتجاجا على اتفاق اوسلو.

    شغل منصب رئيس رابطة الكتاب والصحفيين الفلسطينيين وحرر في مجلة الكرمل ، واقام في باريس قبل عودته الى وطنه حيث انه دخل الى اسرائيل بتصريح لزيارة امه ، وفي فترة وجوده هناك قدم بعض اعضاء الكنيست الاسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء في وطنه ، وقد سمح له بذلك.



    وحصل محمود درويش على عدد من الجوائز منها:
    جائزة لوتس عام 1969.
    جائزة البحر المتوسط عام 1980.
    درع الثورة الفلسطينية عام 1981.
    لوحة اوروبا للشعر عام 1981.
    جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي عام 1982.
    جائزة لينين في الاتحاد السوفييتي عام 1983.

    شعره:
    يُعد محمود درويش شاعر المقاومة الفلسطينة ، ومر شعره بعدة مراحل .

    بعض مؤلفاته:

    عصافير بلا اجنحة (شعر).
    اوراق الزيتون (شعر).
    عاشق من فلسطين (شعر).
    آخر الليل (شعر).
    مطر ناعم في خريف بعيد (شعر).
    يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص).
    يوميات جرح فلسطيني (شعر).
    حبيبتي تنهض من نومها (شعر).
    محاولة رقم 7 (شعر).
    احبك أو لا احبك (شعر).
    مديح الظل العالي (شعر).
    هي اغنية ... هي اغنية (شعر).
    لا تعتذر عما فعلت (شعر).
    عرائس.
    العصافير تموت في الجليل.

    تلك صوتها وهذا انتحار العاشق.
    حصار لمدائح البحر (شعر).
    شيء عن الوطن (شعر).
    وداعا ايها الحرب وداعا ايها السلم (مقالات).


    هنا سأجمع قصائد الشاعر الكبير اتمنى ان تنال استحسانكم.






    اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

  • #2
    وعود من العاصفة
    محمود درويش - فلسطين
    وليكن
    لا بدّ لي أن أرفض الموت
    وأن أحرق دمع الأغنيات الراعفةْ
    وأُعري شجر الزيتون من كل الغصون الزائفة
    فإذا كنت أغني للفرح
    خلف أجفان العيون الخائفة
    فلأن العاصفة
    وعدتني بنبيذ
    وبأنخاب جديدة
    وبأقواس قزح
    ولأن العاصفة
    كنّست صوت العصافير البليدة
    والغصون المستعارة
    عن جذوع الشجرات الواقفة

    وليكن ...
    لا بد لي أن أتباهى بك يا جرح المدينة
    أنت يا لوحة برق في ليالينا الحزينة
    يعبس الشارع في وجهي
    فتحميني من الظل ونظرات الضغينة

    سأغني للفرح
    خلف أجفان العيون الخائفة
    منذ هبّت في بلادي العاصفة
    وعدتني بنبيذ وبأقواس قزح

    اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

    تعليق


    • #3



      حــــالة حصـــار
      محمود درويش - فلسطين
      هنا، عند مُنْحَدَرات التلال، أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت
      قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،
      نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،
      وما يفعل العاطلون عن العمل:
      نُرَبِّي الأملْ!

      بلادٌ علي أُهْبَةِ الفجر. صرنا أَقلَّ ذكاءً
      لأَنَّا نُحَمْلِقُ في ساعة النصر:
      لا لَيْلَ في ليلنا المتلألئ بالمدفعيَّة
      أَعداؤنا يسهرون وأَعداؤنا يُشْعِلون لنا النورَ
      في حلكة الأَقبية

      هنا، بعد أَشعار أَيّوبَ لم ننتظر أَحداً

      سيمتدُّ هذا الحصارُ إلي أن نعلِّم أَعداءنا
      نماذجَ من شِعْرنا الجاهليّ

      السَّماءُ رصاصيّةٌ في الضُحى
      بُرْتقاليَّةٌ في الليالي. وأَمَّا القلوبُ
      فظلَّتْ حياديَّةً مثلَ ورد السياجْ

      هنا، لا أَنا
      هنا، يتذكَّرُ آدَمُ صَلْصَالَهُ...

      يقولُ على حافَّة الموت:
      لم يَبْقَ بي مَوْطِئٌ للخسارةِ:
      حُرٌّ أَنا قرب حريتي. وغدي في يدي.
      سوف أَدخُلُ عمَّا قليلٍ حياتي،
      وأولَدُ حُرّاً بلا أَبَوَيْن،
      وأختارُ لاسمي حروفاً من اللازوردْ...

      في الحصار، تكونُ الحياةُ هِيَ الوقتُ
      بين تذكُّرِ أَوَّلها.
      ونسيانِ آخرِها.

      هنا، عند مُرْتَفَعات الدُخان، على دَرَج البيت،
      لا وَقْتَ للوقت.
      نفعلُ ما يفعلُ الصاعدون إلى الله:
      ننسي الأَلمْ.

      الألمْ
      هُوَ: أن لا تعلِّق سيِّدةُ البيت حَبْلَ الغسيل
      صباحاً، وأنْ تكتفي بنظافة هذا العَلَمْ.

      لا صدىً هوميريٌّ لشيءٍ هنا.
      فالأساطيرُ تطرق أبوابنا حين نحتاجها.
      لا صدىً هوميريّ لشيء. هنا جنرالٌ
      يُنَقِّبُ عن دَوْلَةٍ نائمةْ
      تحت أَنقاض طُرْوَادَةَ القادمةْ

      يقيسُ الجنودُ المسافةَ بين الوجود وبين العَدَمْ
      بمنظار دبّابةٍ...

      نقيسُ المسافَةَ ما بين أَجسادنا والقذائفِ بالحاسّة السادسةْ.

      أَيُّها الواقفون على العَتَبات ادخُلُوا،
      واشربوا معنا القهوةَ العربيَّةَ
      فقد تشعرون بأنكمُ بَشَرٌ مثلنا.
      أَيها الواقفون على عتبات البيوت!
      اُخرجوا من صباحاتنا،
      نطمئنَّ إلى أَننا
      بَشَرٌ مثلكُمْ!

      نَجِدُ الوقتَ للتسليةْ:
      نلعبُ النردَ، أَو نَتَصَفّح أَخبارَنا
      في جرائدِ أَمسِ الجريحِ،
      ونقرأ زاويةَ الحظِّ: في عامِ
      أَلفينِ واثنينِ تبتسم الكاميرا
      لمواليد بُرْجِ الحصار.

      كُلَّما جاءني الأمسُ، قلت له:
      ليس موعدُنا اليومَ، فلتبتعدْ
      وتعالَ غداً !

      أُفكِّر، من دون جدوى:
      بماذا يُفَكِّر مَنْ هُوَ مثلي، هُنَاكَ
      على قمَّة التلّ، منذ ثلاثةِ آلافِ عامٍ،
      وفي هذه اللحظة العابرةْ؟
      فتوجعنُي الخاطرةْ
      وتنتعشُ الذاكرةْ

      عندما تختفي الطائراتُ تطيرُ الحماماتُ،
      بيضاءَ بيضاءَ، تغسِلُ خَدَّ السماء
      بأجنحةٍ حُرَّةٍ، تستعيدُ البهاءَ وملكيَّةَ
      الجوِّ واللَهْو. أَعلى وأَعلى تطيرُ
      الحماماتُ، بيضاءَ بيضاءَ. ليت السماءَ
      حقيقيّةٌ قال لي رَجَلٌ عابرٌ بين قنبلتين

      الوميضُ، البصيرةُ، والبرقُ
      قَيْدَ التَشَابُهِ...
      عمَّا قليلٍ سأعرفُ إن كان هذا
      هو الوحيُ...
      أو يعرف الأصدقاءُ الحميمون أنَّ القصيدةَ
      مَرَّتْ، وأَوْدَتْ بشاعرها


      إلي ناقدٍ: لا تُفسِّر كلامي
      بملعَقةِ الشايِ أَو بفخِاخ الطيور!
      يحاصرني في المنام كلامي
      كلامي الذي لم أَقُلْهُ،
      ويكتبني ثم يتركني باحثاً عن بقايا منامي

      شَجَرُ السرو، خلف الجنود، مآذنُ تحمي
      السماءَ من الانحدار. وخلف سياج الحديد
      جنودٌ يبولون ـ تحت حراسة دبَّابة ـ
      والنهارُ الخريفيُّ يُكْملُ نُزْهَتَهُ الذهبيَّةَ في
      شارعٍ واسعٍ كالكنيسة بعد صلاة الأَحد...

      نحبُّ الحياةَ غداً
      عندما يَصِلُ الغَدُ سوف نحبُّ الحياة
      كما هي، عاديّةً ماكرةْ
      رماديّة أَو مُلوَّنةً.. لا قيامةَ فيها ولا آخِرَةْ
      وإن كان لا بُدَّ من فَرَحٍ
      فليكن
      خفيفاً على القلب والخاصرةْ
      فلا يُلْدَغُ المُؤْمنُ المتمرِّنُ
      من فَرَحٍ ... مَرَّتَينْ!

      قال لي كاتبٌ ساخرٌ:
      لو عرفتُ النهاية، منذ البدايةَ،
      لم يَبْقَ لي عَمَلٌ في اللٌّغَةْ

      إلي قاتلٍ: لو تأمَّلْتَ وَجْهَ الضحيّةْ
      وفكَّرتَ، كُنْتَ تذكَّرْتَ أُمَّك في غُرْفَةِ
      الغازِ، كُنْتَ تحرَّرتَ من حكمة البندقيَّةْ
      وغيَّرتَ رأيك: ما هكذا تُسْتَعادُ الهُويَّةْ

      إلى قاتلٍ آخر: لو تَرَكْتَ الجنينَ ثلاثين يوماً،
      إِذَاً لتغيَّرتِ الاحتمالاتُ:
      قد ينتهي الاحتلالُ ولا يتذكَّرُ ذاك الرضيعُ زمانَ الحصار،
      فيكبر طفلاً معافي،
      ويدرُسُ في معهدٍ واحد مع إحدى بناتكَ
      تارِيخَ آسيا القديمَ.
      وقد يقعان معاً في شِباك الغرام.
      وقد يُنْجبان اُبنةً (وتكونُ يهوديَّةً بالولادةِ).
      ماذا فَعَلْتَ إذاً ؟
      صارت ابنتُكَ الآن أَرملةً،
      والحفيدةُ صارت يتيمةْ ؟
      فماذا فَعَلْتَ بأُسرتكَ الشاردةْ
      وكيف أَصَبْتَ ثلاثَ حمائمَ بالطلقة الواحدةْ ؟

      لم تكن هذه القافيةْ
      ضَرُوريَّةً، لا لضْبطِ النَغَمْ
      ولا لاقتصاد الأَلمْ
      إنها زائدةْ
      كذبابٍ على المائدةْ

      الضبابُ ظلامٌ، ظلامٌ كثيفُ البياض
      تقشِّرُهُ البرتقالةُ والمرأةُ الواعدة.

      الحصارُ هُوَ الانتظار
      هُوَ الانتظارُ على سُلَّمٍ مائلٍ وَسَطَ العاصفةْ

      وَحيدونَ، نحن وحيدون حتى الثُمالةِ
      لولا زياراتُ قَوْسِ قُزَحْ

      لنا اخوةٌ خلف هذا المدى.
      اخوةٌ طيّبون. يُحبُّوننا. ينظرون إلينا ويبكون.
      ثم يقولون في سرِّهم:
      ليت هذا الحصارَ هنا علنيٌّ.. ولا يكملون العبارةَ:
      لا تتركونا وحيدين، لا تتركونا.

      خسائرُنا: من شهيدين حتى ثمانيةٍ كُلَّ يومٍ.
      وعَشْرَةُ جرحى.
      وعشرون بيتاً.
      وخمسون زيتونةً...
      بالإضافة للخَلَل البُنْيويّ الذي
      سيصيب القصيدةَ والمسرحيَّةَ واللوحة الناقصةْ

      في الطريق المُضَاء بقنديل منفي
      أَرى خيمةً في مهبِّ الجهاتْ:
      الجنوبُ عَصِيٌّ على الريح،
      والشرقُ غَرْبٌ تَصوَّفَ،
      والغربُ هُدْنَةُ قتلي يَسُكُّون نَقْدَ السلام،
      وأَمَّا الشمال، الشمال البعيد
      فليس بجغرافيا أَو جِهَةْ
      إنه مَجْمَعُ الآلهةْ

      قالت امرأة للسحابة: غطِّي حبيبي
      فإنَّ ثيابي مُبَلَّلةٌ بدَمِهْ

      إذا لم تَكُنْ مَطَراً يا حبيبي
      فكُنْ شجراً
      مُشْبَعاً بالخُصُوبةِ، كُنْ شَجَرا
      وإنْ لم تَكُنْ شجراً يا حبيبي
      فكُنْ حجراً
      مُشْبعاً بالرُطُوبةِ، كُنْ حَجَرا
      وإن لم تَكُنْ حجراً يا حبيبي
      فكن قمراً
      في منام الحبيبة، كُنْ قَمرا
      هكذا قالت امرأةٌ
      لابنها في جنازته

      أيَّها الساهرون ! أَلم تتعبوا
      من مُرَاقبةِ الضوءِ في ملحنا
      ومن وَهَج الوَرْدِ في جُرْحنا
      أَلم تتعبوا أَيُّها الساهرون ؟

      واقفون هنا. قاعدون هنا. دائمون هنا. خالدون هنا.
      ولنا هدف واحدٌ واحدٌ واحدٌ: أن نكون.
      ومن بعده نحن مُخْتَلِفُونَ على كُلِّ شيء:
      علي صُورة العَلَم الوطنيّ (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ يا شعبيَ الحيَّ رَمْزَ الحمار البسيط).
      ومختلفون علي كلمات النشيد الجديد
      (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخترتَ أُغنيَّةً عن زواج الحمام).
      ومختلفون علي واجبات النساء
      (ستُحْسِنُ صُنْعاً لو اخْتَرْتَ سيّدةً لرئاسة أَجهزة الأمنِ).
      مختلفون على النسبة المئوية، والعامّ والخاص،
      مختلفون على كل شيء. لنا هدف واحد: أَن نكون ...
      ومن بعده يجدُ الفَرْدُ مُتّسعاً لاختيار الهدفْ.

      قال لي في الطريق إلى سجنه:
      عندما أَتحرّرُ أَعرفُ أنَّ مديحَ الوطنْ
      كهجاء الوطنْ
      مِهْنَةٌ مثل باقي المِهَنْ !

      قَليلٌ من المُطْلَق الأزرقِ اللا نهائيِّ
      يكفي
      لتخفيف وَطْأَة هذا الزمانْ
      وتنظيف حَمأةِ هذا المكان

      على الروح أَن تترجَّلْ
      وتمشي على قَدَمَيْها الحريريّتينِ
      إلى جانبي، ويداً بيد، هكذا صاحِبَيْن
      قديمين يقتسمانِ الرغيفَ القديم
      وكأسَ النبيذِ القديم
      لنقطع هذا الطريق معاً
      ثم تذهب أَيَّامُنا في اتجاهَيْنِ مُخْتَلِفَينْ:
      أَنا ما وراءَ الطبيعةِ. أَمَّا هِيَ
      فتختار أَن تجلس القرفصاء على صخرة عاليةْ
      إلى شاعرٍ: كُلَّما غابَ عنك الغيابْ
      تورَّطتَ في عُزْلَة الآلهةْ
      فكن ذاتَ موضوعك التائهةْ
      و موضوع ذاتكَ. كُنْ حاضراً في الغيابْ

      :يَجِدُ الوقتَ للسُخْرِيَةْ
      هاتفي لا يرنُّ
      ولا جَرَسُ الباب أيضاً يرنُّ
      فكيف تيقَّنتِ من أَنني
      !لم أكن ههنا

      :يَجدُ الوَقْتَ للأغْنيَةْ
      في انتظارِكِ، لا أستطيعُ انتظارَكِ
      لا أَستطيعُ قراءةَ دوستويفسكي
      ولا الاستماعَ إلى أُمِّ كلثوم أَو ماريّا كالاس وغيرهما
      في انتظارك تمشي العقاربُ في ساعةِ اليد نحو اليسار...
      إلي زَمَنٍ لا مكانَ لَهُ
      في انتظارك لم أنتظرك، انتظرتُ الأزَلْ

      يَقُولُ لها: أَيّ زهرٍ تُحبِّينَهُ
      فتقولُ: القُرُنْفُلُ .. أَسودْ
      يقول: إلى أَين تمضين بي، والقرنفل أَسودْ ؟
      تقول: إلى بُؤرة الضوءِ في داخلي
      وتقولُ: وأَبْعَدَ ... أَبْعدَ ... أَبْعَدْ

      سيمتدُّ هذا الحصار إلى أَن يُحِسَّ المحاصِرُ، مثل المُحَاصَر،
      أَن الضَجَرْ
      صِفَةٌ من صفات البشرْ

      لا أُحبُّكَ، لا أكرهُكْ ـ
      قال مُعْتَقَلٌ للمحقّق: قلبي مليء
      بما ليس يَعْنيك. قلبي يفيض برائحة المَرْيَميّةِ
      قلبي بريء مضيء مليء،
      ولا وقت في القلب للامتحان. بلى،
      لا أُحبُّكَ. مَنْ أَنت حتَّى أُحبَّك؟
      هل أَنت بعضُ أَنايَ، وموعدُ شاي،
      وبُحَّة ناي، وأُغنيّةٌ كي أُحبَّك؟
      لكنني أكرهُ الاعتقالَ ولا أَكرهُكْ
      هكذا قال مُعْتَقَلٌ للمحقّقِ: عاطفتي لا تَخُصُّكَ.
      عاطفتي هي ليلي الخُصُوصيُّ...
      ليلي الذي يتحرَّكُ بين الوسائد حُرّاً من الوزن والقافيةْ

      جَلَسْنَا بعيدينَ عن مصائرنا كطيورٍ
      تؤثِّثُ أَعشاشها في ثُقُوب التماثيل
      أَو في المداخن، أو في الخيام التي
      نُصِبَتْ في طريق الأمير إلي رحلة الصَيّدْ...

      على طَلَلي ينبتُ الظلُّ أَخضرَ
      والذئبُ يغفو علي شَعْر شاتي
      ويحلُمُ مثلي، ومثلَ الملاكْ
      بأنَّ الحياةَ هنا ... لا هناكْ

      الأساطير ترفُضُ تَعْديلَ حَبْكَتها
      رُبَّما مَسَّها خَلَلٌ طارئٌ
      ربما جَنَحَتْ سُفُنٌ نحو يابسةٍ
      غيرِ مأهولةٍ،
      فأصيبَ الخياليُّ بالواقعيِّ،
      ولكنها لا تغيِّرُ حبكتها.
      كُلَّما وَجَدَتْ واقعاً لا يُلائمها
      عدَّلَتْهُ بجرَّافة.
      فالحقيقةُ جاريةُ النصِّ، حَسْناءُ
      بيضاءُ من غير سوء ...

      إلي شبه مستشرق: ليكُنْ ما تَظُنُّ
      لنَفْتَرِضِ الآن أَني غبيٌّ، غبيٌّ، غبيٌّ
      ولا أَلعبُ الجولف
      لا أَفهمُ التكنولوجيا،
      ولا أَستطيعُ قيادةَ طيّارةٍ!
      أَلهذا أَخَذْتَ حياتي لتصنَعَ منها حياتَكَ؟
      لو كُنْتَ غيرَكَ، لو كنتُ غيري،
      لكُنَّا صديقين يعترفان بحاجتنا للغباء.
      أَما للغبيّ، كما لليهوديّ في تاجر البُنْدُقيَّة
      قلبٌ، وخبزٌ، وعينان تغرورقان؟

      يتبع...

      اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

      تعليق


      • #4
        في الحصار...
        في الحصار، يصير الزمانُ مكاناً
        تحجَّرَ في أَبَدِهْ
        في الحصار، يصير المكانُ زماناً
        تخلَّف عن أَمسه وَغدِهْ

        هذه الأرضُ واطئةٌ، عاليةْ
        أَو مُقَدَّسَةٌ، زانيةْ
        لا نُبالي كثيراً بسحر الصفات
        فقد يُصْبِحُ الفرجُ، فَرْجُ السماواتِ،
        جغْرافيةْ !

        الشهيدُ يُحاصرُني كُلَّما عِشْتُ يوماً جديداً
        ويسألني: أَين كُنْت ؟ أَعِدْ للقواميس كُلَّ الكلام الذي كُنْتَ أَهْدَيْتَنِيه،
        وخفِّفْ عن النائمين طنين الصدى

        الشهيدُ يُعَلِّمني: لا جماليَّ خارجَ حريتي.

        الشهيدُ يُوَضِّحُ لي: لم أفتِّشْ وراء المدى
        عن عذارى الخلود، فإني أُحبُّ الحياةَ
        علي الأرض، بين الصُنَوْبرِ والتين،
        لكنني ما استطعتُ إليها سبيلاً، ففتَّشْتُ
        عنها بآخر ما أملكُ: الدمِ في جَسَدِ اللازوردْ.

        الشهيدُ يُحاصِرُني: لا تَسِرْ في الجنازة
        إلاّ إذا كُنْتَ تعرفني. لا أُريد مجاملةً
        من أَحَدْ.

        الشهيد يُحَذِّرُني: لا تُصَدِّقْ زغاريدهُنَّ.
        وصدّق أَبي حين ينظر في صورتي باكياً:
        كيف بدَّلْتَ أدوارنا يا بُنيّ، وسِرْتَ أَمامي.
        أنا أوّلاً، وأنا أوّلاً !

        الشهيدُ يُحَاصرني: لم أُغيِّرْ سوى موقعي وأَثاثي الفقيرِ.
        وَضَعْتُ غزالاً على مخدعي،
        وهلالاً على إصبعي،
        كي أُخفِّف من وَجَعي !

        سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!.

        أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّة
        القلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ:
        داءِ الأملْ.

        وفي ما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجي
        وفي ما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.

        سلامٌ على مَنْ يُشَاطرُني الانتباهَ إلي
        نشوة الضوءِ، ضوءِ الفراشةِ، في
        ليل هذا النَفَقْ.

        سلامٌ على مَنْ يُقَاسمُني قَدَحي
        في كثافة ليلٍ يفيض من المقعدين:
        سلامٌ على شَبَحي.

        إلي قارئ: لا تَثِقْ بالقصيدةِ ـ
        بنتِ الغياب. فلا هي حَدْسٌ، ولا
        هي فِكْرٌ، ولكنَّها حاسَّةُ الهاويةْ.

        إذا مرض الحبُّ عالجتُهُ
        بالرياضة والسُخْريةْ
        وَبفصْلِ المُغنِّي عن الأغنيةْ

        أَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةً
        للوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُ
        وشاهدةً من رخام الزمن
        فأسبقهم دائماً في الجنازة:
        مَنْ مات.. مَنْ ؟

        الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الى . . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ!

        الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ
        وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيد
        وجارةُ عمِّ الشهيد الخ ... الخ ..
        ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن،
        فالزَمَنُ البربريُّ انتهى.
        والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ،
        والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ الخ ... الخ ف

        هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون
        في هذه الساعة الاستماع إلي الأغنيات
        التي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحة
        البُنّ في دمهم، طازجة.

        هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ ؟
        قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا،
        فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس.
        عندئذٍ نتباري على حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ.
        فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْس
        يفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد ؟
        فقلنا: وماذا ؟ ... وَبعْد ؟

        الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْ
        الكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ..

        فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُ
        الأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائط
        نحو آخرَ مثل الغزالة.
        والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنا
        من سماء. وأشياءُ أخرى مؤجَّلَةُ الذكريات
        تدلُّ على أن هذا الصباح قويّ بهيّ،
        وأَنَّا ضيوف على الأبديّةْ.

        رام الله ـ يناير 2002

        اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

        تعليق


        • #5
          هكذا قالت الشجرة المهملة


          خارج الطقس ،
          أو داخل الغابة الواسعة
          وطني.
          هل تحسّ العصافير أنّي
          لها
          وطن ... أو سفر ؟
          إنّني أنتظر ...
          في خريف الغصون القصير
          أو ربيع الجذور الطويل
          زمني.
          هل تحسّ الغزالة أنّي
          لها
          جسد ... أو ثمر ؟
          إنّني أنتظر ...
          في المساء الذي يتنزّه بين العيون
          أزرقا ، أخضرا ، أو ذهب
          بدني
          هل يحسّ المحبّون أنّي
          لهم
          شرفة ... أو قمر ؟
          إنّني أنتظر ...
          في الجفاف الذي يكسر الريح
          هل يعرف الفقراء
          أنّني
          منبع الريح ؟ هل يشعرون بأنّي
          لهم
          خنجر ... أو مطر ؟
          أنّني أنتظر ...
          خارج الطقس ،
          أو داخل الغابة الواسعة
          كان يهملني من أحب
          و لكنّني
          لن أودّع أغصاني الضائعة
          في رخام الشجر
          إنّني أنتظر ...
          ***
          اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

          تعليق


          • #6
            اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

            تعليق


            • #7
              قصيدة الأرض
              محمود درويش - فلسطين

              -1-

              في شهر آذار، في سنة الإنتفاضة، قالت لنا الأرضُ أسرارها الدموية. في شهر آذار مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بنات. وقفن على باب مدرسة إبتدائية، واشتعلن مع الورد والزعتر البلديّ. افتتحن نشيد التراب. دخلن العناق النهائي – آذار يأتي إلى الأرض من باطن الأرض يأتي، ومن رقصة الفتيات – البنفسج مال قليلاً ليعبر صوت البنات. العصافيرُ مدّت مناقيرها في اتّجاه النشيد وقلبي.

              أنا الأرض
              والأرض أنت
              خديجةُ! لا تغلقي الباب
              لا تدخلي في الغياب
              سنطردهم من إناء الزهور وحبل الغسيل
              سنطردهم عن حجارة هذا الطريق الطويل
              سنطردهم من هواء الجليل.
              وفي شهر آذار، مرّت أمام البنفسج والبندقيّة خمس بناتٍ. سقطن على باب مدرسةٍ إبتدائيةٍ. للطباشير فوق الأصابع لونُ العصافيرِ. في شهر آذار قالت لنا الأرض أسرارها.

              -2-

              أُسمّي الترابَ امتداداً لروحي
              أُسمّي يديّ رصيفَ الجروح
              أُسمّي الحصى أجنحة
              أسمّي العصافير لوزاً وتين
              وأستلّ من تينة الصدر غصناً
              وأقذفهُ كالحجرْ
              وأنسفُ دبّابةَ الفاتحين.

              -3-

              وفي شهر آذار، قبل ثلاثين عاما وخمس حروب،
              وُلدتُ على كومة من حشيش القبور المضيء.
              أبي كان في قبضة الإنجليز. وأمي تربّي جديلتها وامتدادي على العشب. كنت أحبّ "جراح الحبيب" و أجمعها في جيوبي، فتذبلُ عند الظهيرة، مرّ الرصاص على قمري الليلكي فلم ينكسر،
              غير أنّ الزمان يمرّ على قمري الليلكي فيسقطُ سهواً...
              وفي شهر آذار نمتدّ في الأرض
              في شهر آذار تنتشرُ الأرض فينا
              مواعيد غامضةً
              واحتفالاً بسيطاً
              ونكتشف البحر تحت النوافذ
              والقمر الليلكي على السرو
              في شهر آذار ندخلُ أوّل سجنٍ وندخلُ أوّل حبّ
              وتنهمرُ الذكريات على قرية في السياج
              وُلدنا هناك ولم نتجاوز ظلال السفرجل
              كيف تفرّين من سُبُلي يا ظلال السفرجل؟
              في شهر آذار ندخلُ أوّل حبٍّ
              وندخلُ أوّل سجنٍ
              وتنبلجُ الذكريات عشاءً من اللغة العربية:
              قال لي الحبّ يوماً: دخلت إلى الحلم وحدي فضعتُ وضاع بي الحلم. قلت تكاثرْ!
              تر النهر يمشي إليك.
              وفي شهر آذار تكتشف الأرض أنهارها.

              -4-

              بلادي البعيدة عنّي.. كقلبي!
              بلادي القريبة مني.. كسجني!
              لماذا أغنّي
              مكاناً، ووجهي مكانْ؟
              لماذا أغنّي
              لطفل ينامُ على الزعفران؟
              وفي طرف النوم خنجر
              وأُمي تناولني صدرها
              وتموتُ أمامي
              بنسمةِ عنبر؟

              اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

              تعليق


              • #8
                تابع....

                ...قصيدة الارض ....


                -5-

                وفي شهر آذار تستيقظ الخيل
                سيّدتي الأرض!
                أيّ نشيدٍ سيمشي على بطنك المتموّج، بعدي؟
                وأيّ نشيدٍ يلائم هذا الندى والبخور
                كأنّ الهياكل تستفسرُ الآن عن أنبياء فلسطين في بدئها المتواصل
                هذا اخضرار المدى واحمرار الحجارة-
                هذا نشيدي
                وهذا خروجُ المسيح من الجرح والريح
                أخضر مثل النبات يغطّي مساميره وقيودي
                وهذا نشيدي
                وهذا صعودُ الفتى العربيّ إلى الحلم والقدس.
                في شهر آذار تستيقظ الخيلُ.
                سيّدتي الأرض!
                والقمم اللّولبية تبسطها الخيلُ سجّادةً للصلاةِ السريعةِ
                بين الرماح وبين دمي.
                نصف دائرةٍ ترجعُ الخيلُ قوسا
                ويلمعُ وجهي ووجهك حيفا وعُرسا
                وفي شهر آذار ينخفضُ البحر عن أرضنا المستطيلة مثل
                حصانٍ على وترِ الجنس
                في شهر آذار ينتفضُ الجنسُ في شجر الساحل العربي
                وللموج أن يحبس الموج ... أن يتموّج...أن
                يتزوّج .. أو يتضرّح بالقطن
                أرجوك – سيّدتي الأرض – أن تسكنيني صهيلك
                أرجوك أن تدفنيني مع الفتيات الصغيرات بين البنفسج والبندقية
                أرجوك – سيدتي الأرض – أن تخصبي عمري المتمايل بين سؤالين: كيف؟ وأين؟
                وهذا ربيعي الطليعي
                وهذا ربيعي النهائيّ
                في شهر آذار زوّجتُ الأرضُ أشجارها.

                -6-

                كأنّي أعود إلى ما مضى
                كأنّي أسيرُ أمامي
                وبين البلاط وبين الرضا
                أعيدُ انسجامي
                أنا ولد الكلمات البسيطة
                وشهيدُ الخريطة
                أنا زهرةُ المشمش العائلية.
                فيا أيّها القابضون على طرف المستحيل
                من البدء حتّى الجليل
                أعيدوا إليّ يديّ
                أعيدوا إليّ الهويّة!

                -7-

                وفي شهر آذار تأتي الظلال حريرية والغزاة بدون ظلال
                وتأتي العصافير غامضةً كاعتراف البنات
                وواضحة كالحقول
                العصافير ظلّ الحقول على القلب والكلمات.
                خديجة!
                - أين حفيداتك الذاهباتُ إلى حبّهن الجديد؟
                - ذهبن ليقطفن بعض الحجارة-
                قالت خديجة وهي تحثّ الندى خلفهنّ.
                وفي شهر آذار يمشي التراب دماً طازجاً في الظهيرة. خمس بناتٍ يخبّئن حقلاً من القمح تحت الضفيرة. يقرأن مطلع أنشودةٍ على دوالي الخليل، ويكتبن خمس رسائل:
                تحيا بلادي
                من الصفر حتّى الجليل
                ويحلمن بالقدس بعد امتحان الربيع وطرد الغزاة.
                خديجةُ! لا تغلقي الباب خلفك
                لا تذهبي في السحاب
                ستمطر هذا النهار
                ستمطرُ هذا النهار رصاصاً
                ستمطرُ هذا النهار!
                وفي شهر آذار، في سنة الانتفاضة، قالت لنا الأرض أسرارها الدّمويّة: خمسُ بناتٍ على باب مدرسةٍ ابتدائية يقتحمن جنود المظلاّت. يسطعُ بيتٌ من الشعر أخضر... أخضر. خمسُ بناتٍ على باب مدرسة إبتدائيّة ينكسرن مرايا مرايا
                البناتُ مرايا البلاد على القلب..
                في شهر آذار أحرقت الأرض أزهارها.

                -8-

                أنا شاهدُ المذبحة
                وشهيد الخريطة
                أنا ولد الكلماتُ البسيطة
                رأيتُ الحصى أجنحة
                رأيت الندى أسلحة
                عندما أغلقوا باب قلبي عليّا
                وأقاموا الحواجز فيّا
                ومنع التجوّل
                صار قلبي حارةْ
                وضلوعي حجارةْ
                وأطلّ القرنفل
                وأطلّ القرنفل
                -9-

                وفي شهر آذار رائحةٌ للنباتات. هذا زواجُ العناصر. "آذار أقسى الشهور" وأكثرها شبقاً. أيّ سيفٍ سيعبرُ بين شهيقي وبين زفيري ولا يتكسّرُ ! هذا عناقي الزّراعيّ في ذروة الحب. هذا انطلاقي إلى العمر.
                فاشتبكي يا نباتات واشتركي في انتفاضة جسمي، وعودة حلمي إلى جسدي
                سوف تنفجرُ الأرضُ حين أُحقّقُ هذا الصراخ المكبّل بالريّ والخجل القرويّ.
                وفي شهر آذار نأتي إلى هوس الذكريات، وتنمو علينا النباتات صاعدةً في اتّجاهات كلّ البدايات. هذا نموُّ التداعي. أُسمّي صعودي إلى الزنزلخت التداعي. رأيت فتاةً على شاطئ البحر قبل ثلاثين عاماً وقلتُ: أنا الموجُ، فابتعدتْ في التداعي. رأيتُ شهيدين يستمعان إلى البحر: عكّا تجئ مع الموج.
                عكّا تروح مع الموج. وابتعدا في التداعي.
                ومالت خديجة نحو الندى، فاحترقت. خديجة! لا تغلقي الباب!
                إن الشعوب ستدخلُ هذا الكتاب وتأفل شمسُ أريحا بدونِ طقوس.
                فيا وطن الأنبياء...تكامل!
                ويا وطن الزارعين .. تكاملْ!
                ويا وطن الشهداء.. . تكامل!
                ويا وطن الضائعين .. تكامل!
                فكلّ شعاب الجبال امتدادٌ لهذا النشيد.
                وكلّ الأناشيد فيك امتدادٌ لزيتونة زمّلتني.

                -10-

                مساءٌ صغيرٌ على قريةٍ مهملة
                وعيناك نائمتان
                أعودُ ثلاثين عاماً
                وخمس حروبٍ
                وأشهدُ أنّ الزمانْ
                يخبّئ لي سنبلة
                يغنّي المغنّي
                عن النار والغرباء
                وكان المساءُ مساء
                وكان المغنّي يغنّي
                ويستجوبونه:
                لماذا تغنّي؟
                يردّ عليهم:
                لأنّي أغنّي
                .....
                وقد فتّشوا صدرهُ
                فلم يجدوا غير قلبه
                وقد فتّشوا قلبه
                فلم يجدوا غير شعبه
                وقد فتشوا صوته
                فلم يجدوا غير حزنه
                وقد فتّشوا حزنه
                فلم يجدوا غير سجنه
                وقد فتّشوا سجنه
                فلم يجدوا غيرهم في القيود
                وراء التّلال
                ينامُ المغنّي وحيداً
                وفي شهر آذار
                تصعدُ منه الظلال
                -11-

                أنا الأملُ والسهلُ والرحبُ – قالت لي الأرضُ والعشبُ مثل التحيّة في الفجر
                هذا احتمالُ الذهاب إلى العمر خلف خديجة. لم يزرعوني لكي يحصدوني
                يريد الهواء الجليليّ أن يتكلّم عنّي، فينعسُ عند خديجة
                يريد الغزال الجليليّ أن يهدم اليوم سجني، فيحرسُ ظلّ خديجة وهي تميل على نارها.
                يا خديجةُ! إنّي رأيتُ .. وصدّقتُ رؤياي تأخذني في مداها وتأخذني في هواها. أنا العاشق الأبديّ، السجين البديهيّ. يقتبس البرتقالُ اخضراري ويصبحُ هاجسَ يافا
                أنا الأرضُ منذ عرفت خديجة
                لم يعرفوني لكي يقتلوني
                بوسع النبات الجليليّ أن يترعرع بين أصابع كفّي ويرسم هذا المكان الموزّع بين اجتهادي وحبّ خديجة
                هذا احتمال الذهاب الجديد إلى العمر من شهر آذار حتّى رحيل الهواء عن الأرض
                هذا الترابُ ترابي
                وهذا السحابُ سحابي
                وهذا جبين خديجة
                أنا العاشقُ الأبديّ – السجينُ البديهيّ
                رائحة الأرض توقظني في الصباح المبكّر..
                قيدي الحديديّ يوقظها في المساء المبكّر
                هذا احتمال الذهابِ الجديد إلى العمر،
                لا يسأل الذاهبون إلى العمر عن عمرهم
                يسألون عن الأرض: هل نهضت
                طفلتي الأرض!
                هل عرفوك لكي يذبحوك؟
                وهل قيّدوك بأحلامنا فانحدرت إلى جرحنا في الشتاء؟
                وهل عرفوك لكي يذبحوك
                وهل قيّدوك بأحلامهم فارتفعت إلى حلمنا في الربيع؟
                أنا الأرض..
                يا أيّها الذاهبون إلى حبّة القمح في مهدها
                احرثوا جسدي!
                أيّها الذاهبون إلى صخرة القدس
                مرّوا على جسدي
                أيّها العابرون على جسدي
                لن تمرّوا
                أنا الأرضُ في جسدٍ
                لن تمرّوا
                أنا الأرض في صحوها
                لن تمرّوا
                أنا الأرض. يا أيّها العابرون على الأرض في صحوها
                لن تمرّوا
                لن تمرّوا
                لن تمرّوا!
                اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                تعليق


                • #9
                  اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                  تعليق


                  • #10
                    قطار الساعة الواحدة


                    رجل و امرأة يفترقان
                    ينفضان الورد عن قلبيهما ،
                    ينكسران .
                    يخرج الظلّ من الظلّ
                    يصيران ثلاثة :
                    رجلا
                    و امرأة
                    و الوقت ...
                    لا يأتي القطار
                    فيعودان إلى المقهى
                    يقولان كلاما آخرا ،
                    ينسجمان
                    و يحبّان بزوغ الفجر من أوتار جيتار
                    و لا يفترقان ...
                    .. و تلفت أجيل الطرف في ساحات هذا القلب .
                    ناداني زقاق ورفاق يدخلون القبو و النسيان في مدريد .
                    لا أنسى من المرأة إلّا وجهها أو فرحي ...
                    أنساك أنساك و أنساك كثيرا
                    لو تأخّرنا قليلا
                    عن قطار الواحدة .
                    لو جلسنا ساعة في المطعم الصيني ،
                    لو مرّت طيور عائدة .
                    لو قرأنا صحف الليل
                    لكنّا
                    رجلا و امرأة يلتقيان ...
                    اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                    تعليق


                    • #11




                      أربعة عناوين شخصية

                      محمود درويش - فلسطين

                      1 - متر مربع في السجن

                      هو البابُ، ما خلفه جنَّةُ القلب. أشياؤنا
                      - كُلُّ شيء لنا - تتماهى. وبابٌ هو الباب،
                      بابُ الكنايةِ، باب الحكاية. بابٌ يُهذِّب أيلولَ.
                      بابٌ يعيد الحقولَ إلى أوَّل القمحِ.
                      لا بابَ للبابِ لكنني أستطيع الدخول إلى خارجي
                      عاشقًا ما أراهُ وما لا أراهُ
                      أفي الأرض هذا الدلالُ وهذا الجمالُ ولا بابَ للبابِ؟
                      زنزانتي لا تضيء سوى داخلي..
                      وسلامٌ عليَّ، سلامٌ على حائط الصوتِ
                      ألَّفْتُ عشرَ قصائدَ في مدْح حريتي ههنا أو هناك
                      أُحبُّ فُتاتَ السماءِ التي تتسلل من كُوَّة السجن مترًا من الضوء تسبح فيه الخيول،
                      وأشياءَ أمِّي الصغيرة..
                      رائحةَ البُنِّ في ثوبها حين تفتح باب النهار لسرب الدجاجِ
                      أُحبُّ الطبيعةَ بين الخريفِ وبين الشتاءِ
                      وأبناءَ سجَّانِنا، والمجلاَّت فوق الرصيف البعيدِ
                      وألَّفْتُ عشرين أُغنيةً في هجاء المكان الذي لا مكان لنا فيهِ
                      حُرّيتي: أن أكونَ كما لا يريدون لي أن أكونَ
                      وحريتي: أنْ أوسِّع زنزانتي: أن أُواصل أغنيةَ البابِ
                      بابٌ هو البابُ: لا بابَ للبابِ
                      لكنني أستطيع الخروج إلى داخلي، إلخ.. إلخ..

                      2- مقعدٌ في قطار

                      مناديلُ ليست لنا
                      عاشقاتُ الثواني الأخيرةِ
                      ضوءُ المحطة
                      وردٌ يُضَلِّل قلبًا يُفَتِّش عن معطفٍ للحنانِ
                      دموعٌ تخونُ الرصيفَ. أساطيرُ ليست لنا
                      من هنا سافروا، هل لنا من هناك لنفرحَ عند الوصول؟
                      زنابقُ ليست لنا كي نُقَبِّل خط الحديد
                      نسافر بحثًا عن الصِّفْر
                      لكننا لا نحبُّ القطارات حين تكون المحطات منفى جديدًا
                      مصابيحُ ليستْ لنا كي نرى حُبَّنا واقفًا في انتظار الدخانِ
                      قطارٌ سريعٌ يَقُصُّ البحيراتِ
                      في كُل جيبٍ مفاتيحُ بيتٍ وصورةُ عائلةٍ
                      كُلُّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ
                      نسافرُ بحثًا عن الصفرْ كي نستعيد صواب الفراش
                      نوافذُ ليستْ لنا، والسلامُ علينا بكُلِّ اللغات
                      تُرى، كانت الأرضُ أوضحَ حين ركبنا الخيولَ القديمةَ؟
                      أين الخيول، وأين عذارى الأغاني، وأين أغاني الطبيعة فينا؟
                      بعيدٌ أنا عن بعيديَ
                      ما أبعد الحبّ! تصطادنا الفتياتُ السريعاتُ مثل لصوصِ البضائعِ
                      ننسى العناوين فوقَ زجاج القطاراتِ
                      نحن الذين نحبُّ لعشر دقائقَ لا نستطيع الرجوعَ إلى أي بيتٍ دخلناه
                      لا نستطيع عبور الصدى مرتين

                      3 - حجرة العناية الفائقة

                      تدورُ بيَ الريحُ حين تضيقُ بيَ الأرضُ
                      لا بُدَّ لي أن أطيرَ وأن ألجُمَ الريحَ
                      لكنني آدميٌّ.. شعرتُ بمليون نايٍ يُمَزِّقُ صدري
                      تصبَّبْتُ ثلجًا وشاهدتُ قبري على راحتيَّ
                      تبعثرتُ فوق السرير
                      تقيَّأت
                      غبتُ قليلاً عن الوعي
                      متُّ
                      وصحتُ قبيل الوفاة القصيرةِ:
                      إني أحبُّكِ، هل أدخل الموت من قدميكِ؟
                      ومتُّ.. ومتُّ تمامًا
                      فما أهدأ الموت لولا بكاؤك
                      ما أهدأ الموتَ لولا يداكِ اللتان تدقّان صدري لأرجع من حيث متُّ
                      أحبك قبل الوفاةِ، وبعد الوفاةِ
                      وبينهما لم أُشاهد سوى وجه أمي
                      هو القلب ضلَّ قليلاً وعادَ، سألتُ الحبيبة:
                      في أيِّ قلبٍ أُصبتُ؟ فمالتْ عليه وغطَّتْ سؤإلى بدمعتها
                      أيها القلب.. يا أيها القلبُ كيف كذبت عليَّ وأوقعتني عن صهيلي؟
                      لدينا كثير من الوقت، يا قلب، فاصمُدْ
                      ليأتيك من أرض بلقيس هدهدْ
                      بعثنا الرسائل
                      قطعنا ثلاثين بحرًا وستين ساحلْ
                      وما زال في العمر وقتٌ لنشرُد
                      ويا أيها القلب، كيف كذبتَ على فرسٍ لا تملُّ الرياحَ
                      تمهَّل لنكملَ هذا العناقَ الأخيرَ ونسجُدْ
                      :تمهَّل.. تمهَّلْ لأعرفَ إن كنتَ قلبي أم صوتَها وهي تصرخ
                      خُذني

                      4 - غرفة في فندق

                      سلامٌ على الحب يوم يجيءُ
                      ويوم يموتُ، ويومَ يُغَيِّرُ أصحابَهُ في الفنادِقِ
                      هل يخسرُ الحبُّ شيئًا? سنشربُ قهوتنا في مساءِ الحديقةِ
                      نروي أحاديثَ غربتنا في العشاءِ
                      ونمضي إلى حجْرةٍ كي نتابع بحث الغريبين عن ليلةٍ من حنانٍ، إلخ.. إلخ..
                      سننسى بقايا كلام على مقعدين
                      سننسى سجائرنا، ثم يأتي سوانا ليكمل سهرتنا والدخان
                      سننسى قليلاً من النوم فوق الوسادة
                      يأتي سوانا ويرقد في نومنا، إلخ.. إلخ
                      كيف كُنَّا نُصَدِّقُ أجسادَنا في الفنادقِ؟
                      كيف نُصَدِّقُ أَسرارنَا في الفنادق؟
                      يأتي سوانا، يُتابع صرختنا في الظلام الذي وَحَّدَ الجسدينْ
                      ولسنا سوى رَقمين ينامان فوقَ السرير .. إلخ.. إلخ..
                      المشاع المشاع، يقولان ما قاله عابرانِ على الحبِّ قبل قليلٍ
                      ويأتي الوداعُ سريعًا سريعًا
                      أما كان هذا اللقاء سريعًا لننسى الذين يحبوننا في فنادق أخرى؟
                      أما قلتِ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيري؟
                      أما قلتُ هذا الكلام الإباحيَّ يومًا لغيرك في فندقٍ آخر أو هنا فوق هذا السريرِ؟
                      سنمشي الخطى ذاتها كي يجيءَ سوانا ويمشي الخطى ذاتها.. إلخ.. إلخ

                      اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                      تعليق


                      • #12
                        اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                        تعليق


                        • #13
                          ريتا
                          محمود درويش - فلسطين

                          بين ريتا وعيوني ... بندقية
                          والذي يعرف ريتا، ينحني
                          ويصلي
                          لإله في العيون العسلية

                          ... وأنا قبَّلت ريتا
                          عندما كانت صغيرة
                          وأنا أذكر كيف التصقت
                          بي ، وغطت ساعدي أحلى ضفيرة
                          وأنا أذكر ريتا

                          مثلما يذكر عصفورٌ غديره
                          آه ... ريتا
                          بينما مليون عصفور وصورة
                          ومواعيد كثيرة
                          أطلقت ناراً عليها ... بندقية

                          اسم ريتا كان عيداً في فمي
                          جسم ريتا كان عرساً في دمي
                          وأنا ضعت بريتا ... سنتين
                          وهي نامت فوق زندي سنتين
                          وتعاهدنا على أجمل كأس ، واحترقنا
                          في نبيذ الشفتين
                          وولدنا مرتين
                          آه ... ريتا
                          أي شيء ردَّ عن عينيك عينيَّ
                          سوى إغفاءتين
                          وغيوم عسلية
                          !قبل هذي البندقية
                          كان يا ما كان
                          يا صمت العشيّة
                          قمري هاجر في الصبح بعيداً
                          في العيون العسلية
                          والمدينة
                          كنست كل المغنين، وريتا
                          بين ريتا وعيوني ... بندقية

                          اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                          تعليق


                          • #14
                            اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                            تعليق


                            • #15
                              الصهيل الأخير

                              و أصبّ الأغنية
                              مثلما ينتحر النهر على ركبتها .
                              هذه كل خلاياي
                              و هذا عسلي ،
                              و تنام الأمنية .
                              في دروبي الضيقة
                              ساحة خالية ،
                              نسر مريض ،
                              وردة محترفة
                              حلمي كان بسيطا
                              واضحا كالمشنقه :
                              أن أقول الأغنية .
                              أين أنت الآن ؟
                              من أي جبل
                              تأخذين القمر الفضي ّ
                              من أيّ انتظار ؟
                              سيّدي الحبّ ! خطانا ابتعدت
                              عن بدايات الجبل
                              و جمال الانتحار
                              و عرفنا الأوديه
                              أسبق الموت إلى قلبي
                              قليلا
                              فتكونين السفر
                              و تكونين الهواء
                              أين أنت الآن
                              من أيّ مطر
                              تستردين السماء ؟
                              و أنا أذهب نحو الساحة المنزويه
                              هذه كل خلاياي ،
                              حروبي ،
                              سبلي .
                              هذه شهوتي الكبرى
                              و هذا عسلي ،
                              هذه أغنيتي الأولى
                              أغنّي دائما
                              أغنية أولى ،
                              و لكن
                              لن أقول الأغنية .
                              اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                              تعليق

                              يعمل...
                              X