إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فقة الواقع

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فقة الواقع


    فقة الواقع


    بسم الله الرحمن الرحيم

    قال تعالى

    الآية : 7 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}


    في هذه الأيام الإسلام محارب في جميع الأرض، وبعدم اهتمام من الكل، فماذا علينا نحن في هذا الأمر، وهل نأثم بجلوسنا بعدم عمل أي شيء؟



    السؤال كأنّه مِن حيث ظاهره وألفاظه، أقل مما يقصده لافظه؛ حين يقول: نقعد، ولا نعمل أي شيء؛ فهو يعني بأي شيء، ليس أي شيء مطلقًا؛ وإنما يعني شيئًا معينًا؛ لأنه لا أحد -إطلاقًا- يقول بأنَّ المسلم عليه أن يعيش كما تعيش الأنعام لا يعمل أي شيء؛ لأنَّه خُلِقَ لشيء عظيم جدًا؛ وهو عبادة الله وحده لا شريك له؛ ولذلك فلا يتبادر لذهن أحد من مثل هذا السؤال أنه يقصد أنه لا يعمل أي شيء؛ وإنما يقصد أن لا يعمل شيئًا يُناسب هذا الواقع الذي أحاط بالمسلمين من كلِّ جانب. هذا هو الظاهر من مقصود السَّائل وليس من ملفوظ السَّائل.



    وعلى ذلك نقول:


    إن وضع المسلمين اليوم لا يختلف كثيرًا ولا قليلاً عمَّا كان عليه وضع الدَّعوة الإسلاميَّة في عهدها الأول؛ وأعني به: العهد المكِّي.




    1-أقول: لا يختلف وضع الدَّعوة الإسلاميِّة -اليوم- لا في قليل ولا في كثير- عما كانت عليه الدَّعوة الإسلامية في عهدها الأول؛ ألا وهو: العهد المكي، وكلنا يعلم أن القائم على الدعوة يومئذٍ هو نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

    أعني بهذه الكلمة أنَّ الدعوة كانت محاربة مِن القوم الذين بُعِثَ فيهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أنفسهم كما في القرآن الكريم؛ ثمَّ لما بدأت الدعوة تنتشر وتتسع دائرتها بين القبائل العربية؛ حتى أُمِرَ النَّبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة.



    2-طبعًا نحن نأتي -الآن- برؤس أقلام؛ لأن التاريخ الإسلامي الأول، والسيرة النبوية الأولى معروفةٌ معلومةٌ عند كثير من الحاضرين؛ لأنني أقصد بهذا الإيجاز والاختصار، الوصول إلى المقصود من الإجابة على هذا السؤال؛ ولذلك فإني أقول: بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وتبعه بعض أصحابه إلى المدينة، وبدأ عليه الصَّلاة والسَّلام يضع النَّواة لإقامة الدولة المسلمة هناك في المدينة المنورة. بدأت أيضًا عداوة جديدة بين هذه الدعوة الجديدة -أيضًا- في المدينة؛ حيث اقتربت الدعوة من عقر دار النَّصارى؛ وهي سوريا يومئذٍ، التي كان فيها هرقل ملك الروم؛ فصار هناك عداءٌ جديد للدَّعوة ليس فقط من العرب في الجزيرة العربية؛ بل ومن النَّصارى -أيضًا- في شمال الجزيرة العربية؛ أي: من سوريا؛ ثمَّ -أيضًا- ظهر عدو آخر؛ ألا وهو: فارس.



    فصارت الدَّعوة الإسلاميِّة محاربةٌ من كلِّ الجهات: من المشركين في الجزيرة العربية، ومن النَّصارى واليهود في بعض أطرافها، ثمَّ من قِبَلِ فارس التي كان العِداءُ بينها وبين النَّصارى شديدًا؛ كما هو معلوم من قوله تبارك وتعالى: ﴿الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ .. ﴾



    3-الشاهد هنا: لا نستغربن وضع الدعوة الإسلامية الآن من حيث أنها تُحارب من كل جانب؛ فمن هذه الحيثيِّة كانت الدعوة الإسلامية في منطلقها الأول أيضًا كذلك محاربة من كل الجهات.


    وحينئذٍ يأتي السؤال والجواب: ما هو العمل؟ ماذا عمل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه الذين كانوا أو كان عددهم يومئذ قليلاً بالنسبة لعدد المسلمين اليوم حيث صار عددًا كثيرًا، وكثيرًا جدًا؟

    هنا يبدأ الجواب:


    هل حارب المسلمون العرب المعادين لهم؛ أي: قومهم في أول الدعوة؟ هل حارب المسلمون النَّصارى في أول الأمر؟ هل حاربوا فارس في أول الأمر؟ الجواب: لا، لا، كلُّ ذلك الجواب: لا.


    4-إذن ماذا فعل المسلمون؟


    نحن الآن يجب أن نفعل ما فعل المسلمون الأولون تمامًا؛ لأن ما يُصيبنا هو الذي أصابهم تمامًا، وما عالجوا به مصيبتهم هو الذي يجب علينا أن نعالج مصيبتنا.


    وأظنُّ أنَّ هذه المقدمة توحي للحاضرين جميعًا الجواب إشارة، وستتأيد هذه الإشارة بصريح العبارة؛ فأقول:

    يبدو من هذا التسلسل التاريخي والمنطقي في آن واحد: أن الله -عزَّ وجلَّ- إنما نصر المؤمنين الأوليين الذين كان عددهم قليلاً جدًا بالنسبة للكافرين والمشركين جميعًا من كل مذاهبهم ومللهم؛ إنما نصرهم الله -تبارك وتعالى- بإيمانهم.

    إذن ما كان العلاج أو الدواء يومئذٍ لذلك العداء الشديد الذي كان يحيط بالدعوة؛ هو نفس الدواء هو نفس العلاج الذي ينبغي على المسلمين اليوم أن يتعاطوه؛ لتتحقق ثمرة هذه المعالجة؛ كما تحققت ثمرة تلك المعالجة الأولى.

    والأمر كما يُقال: "التاريخ يعيد نفسه"؛ بل خيرٌ من هذا القول أن نقول: إنَّ لله -عزَّ وجلَّ- في عباده وفي كونه الذي خلقه وأحسن خلقه ونظَّمه وأحسن تنظيمه، له في ذلك كله سننًا أو سننٌ لا تتغير ولا تتبدل، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً، ولن تجد لسنة الله تحويلاً.

    هذه السنن لابد للمسلم أن يلاحظها وأن يرعاها حقَّ رعايتها، وبخاصة ما كان منها من السنن الشرعية.





    5-هناك سننٌ شرعية، وهناك سننٌ كونية، وقد يُقال اليوم في العصر الحاضر سننٌ طبيعية، هذه السنن الطبيعية الكونية يشترك في معرفتها المسلم والكافر، والصالح والطالح؛

    بمعنى: ما الذي يُقوِّم حياة الإنسان البدنية؟ الطعام والشرب والهواء النقي ونحو ذلك. فإذا الإنسان لم يأكل، لم يشرب، لم يتنفس الهواء النقي، فمعنى ذلك أنَّه عرض نفسه للموت موتًا ماديًا.


    هل يمكنه أن يعيش إذا ما خرج عن اتخاذه هذه السنن الكونية؟ الجواب: لا، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

    هذا كما قلتُ آنفًا: يعرفه معرفة تجربية كلُّ إنسان لا فرق بين المسلم والكافر، والصالح والطالح.



    6-لكن الذي يهمنا الآن: أن نعرف أنَّ هناك سننًا شرعية، ، من اتخذها وصل إلى أهدافها، وجنى منها ثمراتها، ومن لم يتخذها فسوف لن يصل إلى الغايات التي وُضِعت تلك السنن الشرعية لها، تمامًا كما قلنا بالنسبة للسنن الكونية، إذا تبناها الإنسان وطبَّقها وصل إلى أهدافها، كذلك السنن الشرعية؛ إذا أخذها المسلم تحقَّقت الغاية التي وضع الله تلك السنن من أجلها، من أجل تحقيقها؛ وإلا فلا.أظن أن هذا كلام مفهوم؛ ولكن يحتاج إلى شيءٍ من التَّوضيح؛ وهنا بيت القصيد؛ وهنا يبدأ الجواب عن ذاك السؤال الهام.


    كلنا يقرأ آية من آيات الله -عزَّ وجلَّ-؛ بل إن هذه الآية قد تُزيَّن بها صدور بعض المجالس أو جدر بعض البيوت؛ وهي قوله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾ . لافتات توضع وتكتب بخط ذهبي جميل رقعي أو فارسي إلى آخره، وتوضع على الجُدُر، مع الأسف الشديد هذه الآية أصبحت الجدر مُزيَّنة بها، أما قلوب المسلمين فهي منها خاويةٌ على عروشها، لا نكاد نشعر ما هو الهدف الذي ترمي إليه هذه الآية ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾[1]؛ ولذلك أصبح وضع العالم الإسلامي اليوم في بلبلة وقلقلة لا يكاد يجد لها مخرجًا؛ مع أنَّ المخرج مذكور في كثير من الآيات، وهذه الآية من تلك الآيات.


    7-إذا ما ذكَّرنا المسلمين بهذه الآية؛ فأظن أن الأمر لا يحتاج إلى كبير شرح وبيان؛ إنما هو فقط التذكير، والذكرى تنفع المؤمنين.

    كلنا يعلم إن شاء الله، أنَّ قوله -تبارك وتعالى-: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ شرطٌ؛ جوابه: ﴿يَنْصُرْكُمْ﴾. "إن تأكل، إن تشرب، إن، إن،" الجواب: "تحيا".إن لم تأكل، إن لم تشرب؛ ماذا؟ تموت.


    كذلك تمامًا المعنى في هذه الآية: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ. المفهوم -وكما يقول الأصولويون-: مفهوم المخالفة إن لم تنصروا الله لم ينصركم. هذا هو واقع المسلمين اليوم.توضيح هذه الآية جاءت في السنة؛ في عديد مِن النُّصوص الشرعية، وبخاصة منها: الأحاديث النبوية.﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾ معلومٌ -بداهةً- أنَّ الله لا يعني أن ننصره على عدوه بجيوشنا، وأساطيلنا، وقواتنا المادية، لا، إنَّ الله -عزَّ وجلَّ- غالبٌ على أمره؛ فهو ليس بحاجة إلى أن ينصره أحدٌ نصرًا ماديًّا؛ هذا أمرٌ معروفٌ بدهيًا؛ لذلك كان معنى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾؛ أي: أن تتبعوا أحكام الله؛ فذلك نصركم لله -تبارك وتعالى-.


    8-والآن هل المسلمون قد قاموا بهذا الشرط؟ قد قاموا بهذا الواجب أولاً، ثمَّ هو شرطٌ لتحقيق نصر الله للمسلمين ثانيًا؟

    الجواب عند كل واحد منكم؛ ما قام المسلمون بنصر الله -عزَّ وجلَّ-.

    وأريد أن أذكر هنا كلمة أيضًا من باب التذكير، وليس من باب التعليم - إنَّ عامة المسلمين -اليوم- قد انصرفوا عن معرفتهم أو عن تعرُّفهم على دينهم، عن تعلمهم لأحكام دينهم؛ فأكثرهم لا يعلمون الإسلام. وكثير، أو الأكثرون منهم إذا ما عرفوا من الإسلام شيئًا عرفوه ليس إسلامًا حقيقيًّا، عرفوه إسلامًا منحرفًا عما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه؛ لذلك فنصر الله الموعود به من نصر الله يقوم على معرفة الإسلام أولاً معرفة صحيحة كما جاء في القرآن والسنة، ثمَّ على العمل به ثانيًا؛ وإلا كانت المعرفة وبالاً على صاحبها؛ كما قال تعالى:

    ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾

    إذن، نحن بحاجة إلى تعلِّم الإسلام، وإلى العمل بالإسلام.


    فالذي أريد أن أُذكِّر به -كما قلتُ آنفًا-: هو أن عادة جماهير المسلمين -اليوم- أن يصبوا اللوم -كلَّ اللوم- بسبب ما ران على المسلمين قاطبة من ذلٍّ وهوان على الحكام، أن يصبُّوا اللوم كل اللوم على حكامهم الذين لا ينتصرون لدينهم؛ وهم -مع الأسف- كذلك لا ينتصرون لدينهم، لا ينتصرون للمسلمين المذللين من كبار الكفار مِن اليهود والنصارى وغيرهم.

    هكذا العرف القائم اليوم بين المسلمين: صب اللوم كل اللوم على الحكام، ومع ذلك أن المحكومين كأنهم لا يشملهم اللوم الذي يوجهونه إلى الحاكمين، والحقيقة: أنَّ هذا اللوم ينصب على جميع الأمَّة حكامًا ومحكومين، وليس هذا فقط؛ بل هناك طائفةٌ من أولئك اللائمين للحكام المسلمين بسبب عدم قيامهم بتطبيق أحكام دينهم وهم محقون في هذا اللوم؛ ولكن قد خالفوا قوله تعالى: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ﴾؛



    9-أعني: نفس المسلمين اللائمين للحاكمين حينما يخصونهم باللوم قد خالفوا أحكام الإسلام حينما يسلكون سبيل تغيير هذا الوضع المحزن المحيط بالمسلمين بالطريقة التي تخالف طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم.

    حيث أنهم يعلنون تكفير حكام المسلمين هذا أولاً.ثمَّ يعلنون وجوب الخروج عليهم ثانيًا.



    10-فتقع هنا فتنة عمياء صمَّاء بكماء بين المسلمين أنفسهم؛ حيث ينشق المسلمون بعضهم على بعض؛ فمنهم -وهم هؤلاء الذين أشرت إليهم- الذين يظنون أن تغيير هذا الوضع الذليل المصيب للمسلمين إنما تغييره بالخروج على الحاكمين؛ ثم لا يقف الأمر عند هذه المشكلة؛ وإنما تتسع وتتسع حتى يصبح الخلاف بين هؤلاء المسلمين أنفسهم، ويصبح الحكام في معزلٍ عن هذا الخلاف.

    بدأ الخلاف من غلو بعض الإسلاميين في معالجة هذا الواقع الأليم؛ أنَّه لابد من محاربة الحكام المسلمين لإصلاح الوضع؛ وإذا بالأمر ينقلب إلى أنَّ هؤلاء المسلمين يتخاصمون مع المسلمين الآخرين الذين يرون أنَّ معالجة الواقع الأليم ليس هو بالخروج على الحاكمين؛ وإن كان كثيرون منهم يستحقون الخروج عليهم بسبب أنهم لا يحكمون بما أنزل الله؛ ولكن هل يكون العلاج -كما يزعم هؤلاء الناس- هل يكون إزالة الذل الذي أصاب المسلمين من الكفار، أن نبدأ بمحاكمة الحاكمين في بلاد الإسلام من المسلمين، ولو أنَّ بعضهم نعتبرهم مسلمين جغرافيين –كما يُقال- في العصر الحاضر؟

    هنا نحن نقول:

    أورها سعدٌ، وسعد مشتملٌ ... ما هكذا يا سعدُ تورد الإبل



    11-مما لا شك فيه أنَّ موقف أعداء الإسلام -أصالةًوهم: اليهود، والنَّصارى، والملاحدة من خارج بلاد الإسلام، هم أشد -بلا شك- ضررًا من بعض هؤلاء الحكام الذين لا يتجاوبون مع رغبات المسلمين أن يحكموهم بما أنزل الله، فماذا يستطيع هؤلاء المسلمون -وأعني: طرفًا أو جانبًا منهم؛ وهم الذين يعلنون وجوب محاربة الحاكمين من المسلمين-، ماذا يستطيع أن يفعل هؤلاء لو كان الخروج على الحكام واجبًا قبل البدأ بإصلاح نفوسنا نحن، كما هو العلاج الذي بدأ به الرسول عليه السلام.

    إن هؤلاء لا يستطيعون أن يفعلوا شيئًا إطلاقًا، والواقع أكبر دليل على ذلك مع أن العلاج الذي يبتغونه وهو أن يبدأوا بمحاربة الحكام المسلمين لا يثمر الثمرة المرجوة؛ لأنَّ العلة -كما قلتُ آنفًا- ليست في الحاكمين فقط؛ بل وفي المحكومين أيضًا. فعليهم جميعًا أن يصلحوا أنفسهم؛ المهم، الآن المسلمون كلهم متفقون على أن وضعهم أمرٌ لا يحسدون عليه، ولا يغبطون عليه؛ بل هو من الذلِّ والهوان؛ بحيث لا يعرفه الإسلام؛



    12-فمن أين نبدأ؟ هل يكون البدأ بمحاربة الحاكمين ؟ أو يكون البدأ بمحاربة الكفار أجمعين من كل البلاد؟

    أم يكون البدأ بمحاربة النفس الإمارة بالسوء؟


    من هنا يجب البدأ؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما بدأ بإصلاح نفوس إفراد من المسلمين المدعوين في أول دعوة الإسلام -كما ذكرنا في أول هذا الكلام- بدأت الدعوة في مكة؛ ثم انتقلت إلى المدينة ثم بدأت المناوشة بين الكفار والمسلمين ثم بين المسلمين والروم، ثم بين المسلمين وفارس، وهكذا -كما قلنا آنفًا-: "التاريخ يعيد نفسه".

    فالآن المسلمون عليهم أن ينصروا الله لمعالجة هذا الواقع الأليم، وليس بأن يعالجوا جانبًا لا يثمر الثمرة المرجوة فيها لو استطاعوا القيام بها؛ ما هو هذا الجانب؟




    13-الجواب: ، الأمر تمامًا كما كان المسلمون الأولون في العهد المكي، كانوا مستضعفين أذلاء محاربين معذبين مقتَّلين لماذا؟ لأنهم كانوا ضعفاء، لا حول لهم ولا قوة إلا إيمانهم الذي حلَّ في صدورهم بسبب اتباعهم لدعوة نبيهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم.هذا الاتباع مع الصبر على الأذى هو الذي أثمر الثمرة المرجوة التي نحن ننشدها اليوم. فما هو السبيل للوصول إلى هذه الثمرة؟



    نفس السبيل الذي سلكه الرسول عليه الصلاة والسلام مع أصحابه الكرام.

    إذن اليوم لا يستطيع المسلمون محاربة الكفار على اختلاف ضلالاتهم، فماذا عليهم؟

    عليهم أن يؤمنوا بالله ورسوله حقًا؛


    ولكن المسلمين اليوم؛ كما قال رب العالمين: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ، المسلمون اليوم مسلمون اسمًا، وليسوا مسلمين حقًا، أظنكم تشعرون معي بالمقصود من هذا النفي؛ ولكني أذكركم بقوله تعالى:

    ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ؛ أي: الباغون الظالمون.


    14-فإذا أخذنا هذه الخصال فقط، ولم نتعدى هذه الآيات المتضمنة لهذه الخصال إلى آيات أخرى التي فيها ذكر لبعض الصفات والخصال التي لم تذكر في هذه الآية، وهي كلها تدور حول العمل بالإسلام؛ فمن تحققت هذه الصفات المذكورة في هذه الآيات المتلُوَّة آنفًا، وفي آياتٍ أخرى؛ أولئك هم الذين قال الله -عزَّ وجلَّ- في حقهم: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّافهل نحن مؤمنون حقًا؟ الجواب: لا.



    إذن -يا إخواننا!- لا تضطربوا، ولا تجهلوا، وتذكروا لتعرفوا داءكم فتعرفوا دواءكم.

    المسلمون اليوم ليسوا مؤمنين حقًا؛ لأن الإيمان الحقّ يتطلب العمل بالحقّ؛ فنحن المصلِّين اليوم هذه خصلة: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾ هل نحن خاشعون في صلاتنا؟ أنا ما أتكلم عن فرد اتنين خمسة عشر مائة مائتين ألف ألفين، لا، بتكلم عن المسلمين –على الأقل- الذين يتساءلون: ما هو الحل لما أصاب المسلمين؟ لا أعني أولئك المسلمين اللاهين الفاسقين الذين لا يهمهم آخرتهم؛ وإنما يهمهم شهواتهم وبطونهم، لا، أنا اتكلم عن المسلمين المصلين، فهل هؤلاء المصلون قد اتصفوا بهذه الصفات المذكورة في أول سورة المؤمنون؟

    الجواب: كجماعة، كأمة: لا؛ إذن


    ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها .. إن السفينة لا تجري على اليبس


    فلابد من اتخاذ الأسباب التي هي من تمام السنن الشرعيّة بعد السنن الكونيّة؛ حتى يرفع ربنا -عزَّ وجلَّ- هذا الذلَّ الذي ران علينا جميعًا.

    أنا ذكرت هذه الأوصاف من صفات المؤمنين المذكورة في أول هذه السورة؛ لكن هناك في الأحاديث النبوية التي نذكِّرُ بها إخواننا دائمًا ما يُذكِّر بسوء حال المسلمين اليوم، وأنهم لو تذكروا هذا السوء؛ لكان من العار عليهم أن يتساءلوا: لماذا أصابنا هذا الذل؟ لأنهم قد غفلوا عن مخالفتهم لشريعة الله.



    15-من تلك الأحاديث: قوله عليه الصلاة والسلام: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ؛ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاًّ لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)).

    هذا الحديث لن ادندن حول فقة كثيرا وإنما أنا أقف فقط عند قوله: ((إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ)).

    العينة: نوعٌ من الأعمال الربوية، ولا أريد -أيضًا- أن أدخل فيها بالذات.

    فهل منكم من يجهل تعامل المسلمين بأنواع مِن الربا، وهذه البنوك الربوية قائمة على ساقٍ وقدم، في كل بلاد الإسلام ومعترف فيها بكل الأنظمة القائمة في بلاد الإسلام.



    16-وأعود لأقول:


    ليس فقط من الحكام، بل ومن المحكومين؛ لأن هؤلاء المحكومين هم الذين يتعاملون مع هذه البنوك، وهم الذين إذا نوقشوا وقيل لهم: أنتم تعلمون أن الربا حرام، وأن الأمر كما قال عليه السلام: ((دِرْهَمُ رِبًا يَأْكُلُهُ الرَّجُلُ أَشَدُّ عِنْدَ اللهِ -عزَّ وجلَّ- مِنْ سِتَّةٍ وَثَلاثِينَ زَنْيَةً)). لماذا -يا أخي!- تتعامل بالربا؟

    بيقولك: "اية نعمل؟! عايزين نعيش!"

    إذن، القضية ما لها علاقة بالحكام! لها علاقة قبل الحكام بالمحكومين.


    المحكومون هم في حقيقة أمرهم يليق بهم مثل هؤلاء الحكام، وكما يقولون: "دود الخل منه وفيه"، "دود الخل منه وفيه".

    هؤلاء الحكام ما نزلوا علينا من المريخ؛ وإنما نبعوا منَّا وفينا، فإذا أردنا صلاح أوضاعنا؛ فلا يكون ذلك بأن نعلن الحرب الشعواء على حكامنا، وأن ننسى أنفسنا.


    ونحن من تمام مشكلة الوضع القائم اليوم في العالم الإسلامي؛ لذلك نحن ننصح المسلمين أن يعودوا لدينهم، وأن يطبقوا ما عرفوه من دينهم؛ ويومئذ يفرحُ المؤمنون بنصر الله. كل المشاكل القائمة -اليوم- والتي يتحمس بعض الشباب ويقول:

    ما العمل؟

    سواء قلنا ما هو بجانبنا من المصيبة التي حلت بالعالم الإسلامي، والعالم العربي؛ وهو: احتلال اليهود لفلسطين، أو قلنا مثلاً: محاربة الصليبيين للمسلمين في إرتيريا، في الصومال، في الشام، في ..، في .. إلى آخر البلاد المعروفة اليوم.

    هذه المشاكل كلها لا يمكن أن تُعالج بالعاطفة؛ وإنما تعالج بالعلم والعمل؛

    ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

    ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾ الآن نقف عند هذه النقطة.



    17-العمل للإسلام اليوم في السَّاحة الإسلامية له صور كثيرة وكثيرة جدًا وفي جماعات وأحزاب متعددة، والحقيقة أنَّ هذه الأحزاب من مشكلة العالم الإسلامي التي تكبِّر المشكلة أكثر مما يراها بعضهم، بعضهم يرى أن المشكلة أكثر مما يراها بعضهم، بعضهم يرى أن المشكلة احتلال اليهود لفلسطين، أن المشكلة -ما ذكرناه آنفًا- محاربة الكفار لكثير من البلاد الإسلامية وأهلها.

    لا، نحن نقول: المشكلة أكبر؛ وهو: تفرق المسلمين. المسلمون أنفسهم متفرقون شيعًا وأحزابًا؛ خلافَ قول الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ * مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾

    الآن الجماعات الإسلامية مختلفون في طريقة معالجة المشكلة التي يشكو منها كل الجماعات الإسلامية؛ وهي: الذل الذي ران على المسلمين، وكيف السبيل للخلاص منه؟


    18-هناك طرق:


    الطريقة الأولى؛ وهي الطريقة المثلى التي لا ثاني لها؛ وهي التي ندعو إليها دائمًا أبدًا:

    وهي فهم الإسلام فهمًا صحيحًا، وتطبيقه، وتربية المسلمين على هذا الإسلام المصفَّى، تلك هي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما ذكرنا ونذكر دائمًا وأبدًا.فرسول الله بدأ بأصحابه أن دعاهم إلى الإيمان بالله ورسوله، أن علمهم بأحكام الإسلام وأمرهم بتطبيقها، وحينما كانوا يشكون إليه ما يصيبهم من ظلم المشركين، وتعذيبهم إياهم؛ كان يأمرهم بالصبر، وأن هكذا سنة الله في خلقه أن يُحارب الحق بالباطل، وأن يُحارب المؤمنون بالمشركين، وهكذا.

    فالطريق الأولى لمعالجة هذا الأمر الواقع؛ هو: العلم النافع والعمل الصالح.




    19-هناك حركات ودعوات أخرى كلها تلتقي على خلاف الطريقة الأولى والمُثلى والتي لا ثاني لها؛ وهي: اتركوا الإسلام الآن جانبًا من حيث وجوب فهمه، ومن حيث وجوب العمل به؛ الأمر الآن أهم من هذا الأمر؛ وهو أن نتجمع وأن نتوحد على محاربة الكفار.

    سبحان الله! كيف يمكن محاربة الكفار بدون سلاح؟! كل إنسان عنده ذرة من عقل أنه إذا لم يكن لديه سلاح مادي فهو لا يستطيع أن يحارب عدوه المسلح ليس بسلاح مادي؛ بل بأسلحة مادية؛ فإذا أراد أن يحارب عدوَّه هذا المسلح، وهو غير مسلح؛ ماذا يُقال له؟

    حاربه، حاربه دون أن تتسلح أم تسلح ثم حارِب؟

    لا خلاف في هذه المسألة أنَّ الجواب: تسلَّح ثم حارِب؛ هذا من النَّاحية المادية.لكن من الناحية المعنوية: الأمر أهم بكثير من هذا.


    إذا أردنا أن نحارب الكفار؛ فسوف لا يمكننا أن نحارب الكفار بأن ندع الإسلام جانبًا؛ لأن هذا خلاف ما أمر الله -عزَّ وجلَّ- ورسوله المؤمنين في مثل آيات كثيرة؛ منه قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

    ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ: نحن الآن بلا شك في خسر لماذا؟ لأننا لم نأخذ بما ذكر الله -عزَّ وجلَّ- من الاستثناء حين قال: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.

    نحن الآن نقول: آمنا بالله ورسوله؛ لكن حينما ندعو المسلمين المتحزبين المتجمعين المتكتلين على خلاف دعوة الحق، الرجوع إلى الكتاب والسنة؛ يقولون: هذا ندعه الآن جانبًا؛ الأمر الأهم هو محاربة الكفار؛ فنقول: بسلاحٍ أم بدون سلاح؟



    -لابد من سلاحين:



    السلاح الأول: السلاح المعنوي؛ وهم يقولون الآن: دعوا هذا السلاح المعنوي جانبًا، وخذوا بالسلاح المادي؛ ثم لا سلاح مادي؛ لأن هذا غير مستطاع بالنسبة للأوضاع التي نُحكَم بها نحن الآن، ليس فقط من الكفار المحيطين بنا من كل جانب؛ بل ومن بعض الحكام الذين يحكموننا.فنحن لا نستطيع اليوم -رغم أنوفنا- أن نأخذ بالاستعداد بالسلاح المادي، هذا لا نستطيعه؛ فنقول: نريد أن نحارب بالسلاح المادي، وهذا لا سبيل إليه.والسلاح المعنوي الذي هو بأيدينا


    ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العلم؛ ثم العمل في حدود ما نستطيع، هذا نقول –بكل -يعني- بساطة متناهية-: دعوا هذا جانبًا.

    هذا مُستطاع، ونؤمر بتركه جانبًا!وذاك غير مُستطاع؛ فنقول: يجب أن نحارب، وبماذا نحارب؟

    خسرنا السلاحين معًا؛ السلاح المعنوي العلمي؛ نقول نؤجله! لأن هذا ليس وقته وزمانه.

    السلاح المادي لا نستطيعه؛ فبقينا خرابًا يبابا ضعفاء في السلاحين؛ المعنوي، والمادي.

    إذا رجعنا إلى العهد الأول الأنور، وهو عهد الرسول عليه السلام الأول، هل كان عنده السلاح المادي؟ الجواب: لا.

    بماذا -إذن- كان مفتاح النصر؟ آالسلاح المادي أم السلاح المعنوي؟

    لاشك أنه كان السلاح المعنوي،



    وبه بدأت الدعوة في مثل تلك الآية: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُإذن، العلم قبل كل شيء، العلم بالإسلام قبل كل شيء؛ ثم تطبيق هذا الإسلام في حدود ما نستطيع، نستطيع أن نعرف العقيدة الإسلامية الصحيحة -طبعًا-، نستطيع أن نعرف العبادات الإسلامية، نستطيع أن نعرف الأحكام الإسلامية، نستطيع أن نعرف السلوك الإسلامي، هذه الأشياء كلها -مع أنها مستطاعة- فجماهير المسلمين بأحزابهم وتكتلاتهم هم معرضون عنها؛ ثم نرفع أصواتنا عالية نريد الجهاد! أين جهاد؟! مادام السلاح الأول مفقود، والسلاح الثاني غير موجود بأيدينا.


    نحن لو وجدنا اليوم جماعة من المسلمين متكتلين حقًا على الإسلام الصحيح، وطبقوه تطبيقًا صحيحًا؛ لكن لا سلاح مادي عندهم، هؤلاء يأتيهم أمره تعالى في الآية المعروفة: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ لو كان عندنا السلاح الأول -المعنوي-؛ فنحن مخاطبون بهذا الإعداد المادي، فهل نحارب إذا لم يكن عندنا إعداد مادي؟ الجواب: لا؛ لأننا لم نحقق الآية التي تأمرنا بالإعداد المادي، فما بالنا كيف نستطيع أن نحارب، ونحن مفلسون من السلاحين: المعنوي والمادي؟!المادي الآن لانستطيعه، المعنوي نستطيعه، إذن لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، فاتقوا الله ما استطعتم.

    21-فالذي نستطيعه الآن هو العلم النافع والعمل الصالح.


    لعلي أطلت في الجواب أكثر من اللازم؛ لكني ألخص الآن فأقول:

    ليست مشكلة المسلمين في فلسطين فقط -يا إخواننا!- لأن -مع الأسف الشديد- من جملة الانحرافات التي تصيب المسلمين اليوم: أنهم يخالفون علمهم عملا، حينما نتكلم عن الإسلام وعن الوطن الإسلامي؛ نقول: كل البلاد الإسلامية هي وطنٌ لكل مسلم، ما فيه فرق بين عربي وعجمي، ما في فرق بين -مثلاً- حجازي، وأردني، ومصري، وإلى آخره؛


    لكن هذه الفروق العملية موجودة، هذه الفروق العملية موجودة ليس فقط سياسيًا؛ فهذا غير مستغرب أبدًا؛ لكن موجود حتى عند الإسلاميين؛ مثلاً: تجد بعض الدعاة الإسلاميين يهتمون بفلسطين؛ ثمَّ لا يهمهم ما يصيب المسلمين الآخرين في بلاد أخرى؛ مثلاً: حينما كانت الحرب قائمة بين المسلمين الأفغان، وبين السوفيت وأذنابهم من الشيوعيين، كان هناك حزب أو أحزاب إسلامية لا يهتمون بهذه الحرب القائمة بين المسلمين الأفغان والشيوعيين؛ لأن هؤلاء ليسوا -مثلاً- سوريين أو مصريين أو ما شابه ذلك.إذن، المشكلة الآن ليست محصورة في فلسطين فقط؛ بل تعدت إلى بلاد إسلامية كثيرة؛ فكيف نعالج هذه المشكلة العامة؟

    بالقوتين: المعنوية، والمادية.



    22-بماذا نبدأ؟


    نبدأ قبل كل شيء بالأهم فالأهم، وبخاصة إذا كان الأهم ميسورًا؛ وهو السلاح المعنوي: فهم الإسلام فهمًا صحيحًا، وتطبيقه تطبيقًا صحيحًا؛ ثمَّ السلاح المادي إذا كان ميسورًا.


    اليوم -مع الأسف الشديد- الذي وقع في بلاد الاسلام ، الأسلحة المادية التي يحارب المسلمون بها ، هل كانت أسلحة إسلامية؟ الجواب: لا، كانت أسلحة غربية، إذن، نحن -الآن- من ناحية السلاح المادي مستعبدون، لو أردنا أن نحارب وكنا أقوياء من حيث القوة المعنوية، إذا أردنا أن نحارب بالسلاح المادي، فنحن بحاجة إلى أن نستورد هذا السلاح؛ إما بثمن، وإما بالمنحة، أو شيء مقابل شيء، كما تعلمون السياسة الغربية اليوم

    يعني: أي دولة الآن حتى بالثمن، لا تبيعك السلاح إلا مقابل تنازلات تتنازل أنت أيها الشعب المسلم مقابل هذا السلاح الذي تدفع ثمنه أيضًا.فإذن -يا إخواننا!- الأمر ليس كما نتصور عبارة عن حماسات وحرارات الشباب، وثورات كرغوة الصابون؛ تثور ثم تخور بأرضها، لا أثر لها إطلاقًا.أخيرًا أقول:

    وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ إلى آخر الآية؛ لكن أكرر أن العمل لا ينفع إلا إذا كان مقرونًا بالعلم النافع، والعلم النافع؛ إنما هو:

    (قال الله، قال رسول اللهكما قال ابن القيِّم -رحمه الله-:


    العلم قال الله قال رسوله .. قال الصحابة ليس بالتمويه

    ما العلم نصبك للخلاف سفاهة .. بين الرسول وبين رأي فقيه

    كلا، ولا جحد الصفات ونفيها .. حذرًا من التعطيل والتشبيه



    23-مصيبة العالم الإسلامي-اليوم- مصيبة أخطر -وقد يستنكر بعضكم هذا الذي أقوله-، مصيبة العالم الإسلامي اليوم أخطر من احتلال اليهود لفلسطين، مصيبة العالم الإسلامي اليوم أنهم ضلوا سواء السبيل، أنهم ماعرفوا الإسلام الذي به تتحقق سعادة الدنيا والآخرة معًا، وإذا عاش المسلمون في بعض الظروف أذلاء مضطهدين من الكفار والمشركين وقُتِّلوا وصُلِّبوا ثم ماتوا فلا شك أنهم ماتوا سعداء، ولو عاشوا في الدنيا أذلاء مضطَّهدين.

    أما من عاش عزيزًا في الدنيا، وهو بعيد عن فهم الإسلام كما أراد الله -عزَّ وجلَّ- ورسوله؛ فهو سيموت شقيًا، وإن عاش سعيدًا في الظاهر.

    إذن، بارك الله فيكم –



    - العلاج؛


    هو: (فِرُّوا إلى الله) العلاج: (فِرُّوا إلى الله).

    فِرُّوا إلى الله؛ تعني: افهموا ما قال الله ورسول الله، واعملوا بما قال الله ورسول الله، وبهذا أنهي فاقول

    .


    واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين







يعمل...
X