إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

♣♣~مكتبة الأديب الفلسطيني الشهيـــد // غســــان كنفاني ♣♣

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    رسائل غسان كنفاني الى غادة السمان :

    11/4/1967


    غاده....

    لست أعرف ماذا يتعين عليّ أن أكتب لك .... لقد أرسلت لك رسالة مطولة منذ أسبوع ،ومع ذلك فرسائلك تقول أنك لم تتسلمي شيئا ،وأناأشعر بالذنب،وأخشى أن تعتقدي للحظة أنني ألعب دورا ، أو أن نبضي لك قد أخذ يخفق في فراغ ،أو أنه صمت , أو أنه أتجه نحو مرفأ آخر :دونك أيتها الغالية لا شيء ولا أحد .....وغيابك ليكن من يكن الذي سيختاره لن يعوض ..... بعدك مستحيل .دونك لا شيء و لكن غيرك غير ممكن .

    أنت في جلدي ، وأحسك مثلما أحس فلسطين : ضياعه كارثة بلا أي بديل ، وحبي شيء في صلب لحمي ودمي ، وغيابها دموع تستحيل معها لعبة الاحتيال .
    لقد وقع الأمر ، ولا فرار .... العذاب دونك ،ولكنه ، دائما ، عذاب جارح ، صهوة تستعصي على الترويض .

    انني أكره ما يذكرني بك ، لأنه ينكأ جراحا أعرف أن شيئا لن يرتقها. أنا لا أستطيع أن أجلس فارتق جراحي مثلما يرتق الناس قمصانهم .....و يا لكثرة الأشياء التي تذكرني بك :الشعر الأسود حين يلوّح وراء أي منعطف يمزّع ، النظارات السود ما تزال تجرحني ...السيارات ،الشوارع ، الناس ، الأصدقاء الذين تركت على عيونهم بصماتك ، المقاعد ، الأكل ، الكتب ، الرسائل ،المكتب ، البيت ، الهاتف ، كل ذلك ، كله .... هو أنت ، وقبله : أذكرك طالما أنا أنا ... وحين أنظر . الى كفي أحسك تسيلين في أعصابي ... وحين تمطر أذكرك ، وحين ترعد أسأل :من معها ؟ وحين أرى كأسا أقول : هي تشرب ؟ثم ماذا ؟

    لقد صرت عذابي ،وكتب عليّ أن ألجأ مرتين الى المنفى ، هاربا أو مرغما على الفرار من أقرب الأشياء الى الرجل وأكثرها تجذرا في صدره الوطن والحب .

    واذا كان عليّ أن أناضل من أجل أن أسترد الأرض فقولي لي ،أنت أيتها الجنية التي تحيك ، كل ليلة ، كوابيسي التي لا تحتمل ..... كيف أستردك ؟
    .
    وحين أكتب ليس ثمة قارئ غيرك , وحين أقود سيارتي في تعب الليل وحيدا أتحدث اليك ساعات من الجنون ، أتشاجر ، أضحك ، أشتم السائقين ، أسرع ، ثم أقف : أحتويك وأقبلك و أنتشي .
    انني على عتبة جنون ولكنني أعرف قبل أي أنسان آخر أن وجودك معي جنون آخر له طعم اللذة ,ولكنه لأنك أنت ، التي لا يمكن أن تصلح في قالب أريده أنا .جنون تنتهي حافته الى الموت !

    أمس رن الهاتف في المنزل ، ورفعت السماعة ... لم يكن ثمة أحد يتكلم على الطرف الآخر وهمست ، بعد لحظة ، بصوت جبان : غادة ؟
    وهذا كله لا يهمك ....أنت صبية وفاتنة وموهوبة ... و بسهولة تستطيعين أن تدرجي اسمي في قائمة التافهين ، وتدوسي عليه وأنت تصعدين الى ما تريدين .... ولكنني أقبل ... انني أقبل حتى هذه النهاية التعيسة !
    ماذا أقول لك ؟ انني أنضح مرارة ... يعصر لساني الغضب مثلما ... يعصرون البرتقال على الروشه ، لا أستطيع أن أنسى ، ولا أستطيع أن أبعد عن وريدي شفرة الخيبة التي بذلت جهدا ، يشهد الله كم هو كبير ، لتجعلينني أجترعها بلا هوادة !
    ماذا يهم ؟ ها أنت تكتبين الآن وأنت على بعد ألفي ميل ما كنت تستطيعين أن تقوليه حين كنا يدا في يد ..... ومع ذلك فهاتي الحب ! كيف ؟ كيف ؟
    لا أعرف ماذا أريد . لا أعرف ماذا أكتب . لا أعرف الى أين سأنتهي . و الآن خصوصا أنا مشوش الى حد العمى : ان النقرس يفتك بي مثل ملايين الابر الشيطانية . أشفقي عليّ أيتها الشقية ... فذلك على الأقل شيء يقال .
    قلت : لنتحدث في الهاتف ... أما أنا فليس لدي قرش أستطيع أن أصرفه ، وأن أصرفه خصوصا على عذاب لا أحتمله . لقد تقوّض هذا الشيء الذي كنته ، وأنا حطام، وأعرف أن ذلك شيء لا يسرّك كثيرا ، ولكنه حدث : عنوان القصة .
    حازم؟ أجل حازم (أحد أبطال قصص كتابي ليل الغرباء) من نوع أكثر صميمية :أنني أكثر شجاعة منه في وجه العدو المعذّب ، ولكنني أقل منه شجاعة في وجه الحب .
    انني أعطيك بطل قصة ، مخلوق جدير بالتفحص في أنبوب أختبار ... وسأكون سعيدا لو عرفت كيف تكتبين عن رجل أحبك حقا ، و لم يخطئ معك ، وظل يحترمك ، ولم يكترث يأيما شيء في سبيلك .... دون أن تمنحيه بالمقابل شيئا الا (آذان الآخرين) و الاغتراب والصمت .

    لا !

    لا تتحدثي معي بالهاتف .... اكتبي لي كثيرا ..... أنا أحب رسائلك الى حد التقديس ، وسأحتفظ بها جميعا وذات يوم سأعطيها لك .... انها – أيتها الشقية – أجمل ما كتبت أنت وأكثرها صدقا....
    كنت قلت لك في رسالتي السابقة أنهم يريدونك لتكتبي للمصور من لندن .... حاولي أن تفعلي ، واكتبي لأحمد بهاء الدين.
    أرجوك : أكتبي لي .

    غسان كنفاني






    تعليق


    • #17
      غزة في 29/11/1966 Gaza



      غادة

      كل هذه العناوين المسجلة فوق، على ضخامتها ، ليست إلا أربع طاولات على شاطئ البحر الحزين ، وأنا ، وأنت، في هذه القارورة الباردة من العزلة والضجر. إنه الصباح، وليلة أمس لم أنم فقد كان الصداع يتسلق الوسادة كجيوش مهزومة من النمل ، وعلى مائدة الفطور تساءلت: هل صحيح أنهم كلهم تافهون أم أن غيابك فقط هو الذي يجعلهم يبدون هكذا؟ ثم جئنا جميعاً إلى هنا : أسماء كبيرة وصغيرة، ولكنني تركت مقعدي بينهم وجئت أكتب في ناحية، ومن مكاني أستطيع أن أرى مقعدي الفارغ في مكانه المناسب ، موجود بينهم أكثر مما كنت أنا.

      إنني معروف هنا ، وأكاد أقول (محبوب) أكثر مما كنت أتوقع ، أكثر بكثير . وهذا شيء، في العادة ، يذلني، لأنني أعرف بأنه لن يتاح لي الوقت لأكون عند حسن ظن الناس ، وأنني في كل الحالات سأعجز في أن أكون مثلما يتوقعون مني . طوال النهار والليل أستقبل الناس ، وفي الدكاكين يكاد الباعة يعطونني ما أريد مجاناً وفي كل مكان أذهب إليه أستقبل بحرارة تزيد شعوري ببرودة أطرافي ورأسي وقصر رحلتي إلى هؤلاء الناس وإلى نفسي. إنني أشعر أكثر من أي وقت مضى أن كل قيمة كلماتي كانت في أنها تعويض صفيق وتافه لغياب السلاح وأنها تنحدر الآن أمام شروق الرجال الحقيقيين الذين يموتون كل يوم في سبيل شيء أحترمه ، وذلك كله يشعرني بغربة تشبه الموت وبسعادة المحتضر بعد طول إيمان وعذاب ، ولكن أيضا بذل من طراز صاعق.........
      ولكنني متأكد من شيء واحد على الأقل، هو قيمتك عندي..أنا لم أفقد صوابي بك بعد ، ولذلك فأنا الذي أعرف كم أنت أذكى وأنبل وأجمل. لقد كنتِ في بدني طوال الوقت ، في شفتي، في عيني وفي رأسي. كنتِ عذابي وشوقي والشيء الرائع الذي يتذكره الإنسان كي يعيش ويعود...إن لي قدرة لم أعرف مثلها في حياتي على تصورك ورؤيتك..وحين أرى منظراً أو أسمع كلمة وأعلق عليها بيني وبين نفسي أسمع جوابك في أذني ، كأنك واقفة إلى جواري ويدك في يدي . أحياناً أسمعك تضحكين، وأحياناً أسمعك ترفضين رأيي وأحياناً تسبقينني إلى التعليق ، وأنظر إلى عيون الواقفين أمامي لأرى إن كانوا قد لمحوك معي، أتعاون معك على مواجهة كل شيء وأضع معك نصل الصدق الجارح على رقابهم. إنني أحبك أيتها الشقية كما لم أعرف الحب في حياتي، ولست أذكر في حياتي سعادة توازي تلك التي غسلتني من غبار وصدأ ثلاثين سنة ليلة تركت بيروت إلى هنا .

      أرجوك..دعيني معك. دعيني أراك.إنك تعنين بالنسبة لي أكثر بكثير مما أعني لك وأنا أعرف ولكن ما العمل؟ إنني أعرف أن العالم ضدنا معاً ولكنني أعرف بأنه ضدنا بصورة متساوية، فلماذا لا نقف معاً في وجهه؟ كفي عن تعذيبي فلا أنا ولا أنت نستحق أن نسحق على هذه الصورة. أما أنا فقد أذلني الهروب بما فيه الكفاية ولست أريد ولا أقبل الهروب بعد. سأظل، ولو وُضع أطلس الكون على كتفيّ، وراءك ومعك. ولن يستطيع شيء في العالم أن يجعلني أفقدك فقد فقدت قبلك ، وسأفقد بعدك ، كل شيء.

      (إنني لا أستطيع أن أكرهك ولذلك فأنا أطلب حبك) ..أعطيك العالم إن أعطيتني منه قبولك بي..فأنا، أيتها الشقية، أعرف أنني أحبك وأعرف أنني إذا فقدتك فقدت أثمن ما لديّ ، وإلى الأبد..

      سأكتب لك وأنا أعرف أنني قد أصل قبل رسالتي القادمة، فسأغادر القاهرة يوم 5 كانون وتأكدي : لا شيء يشوقني غيرك.




      غسان كنفاني





      تعليق


      • #18
        رسالة غبر مؤرخة ، ولكن سياق الكلام فيها يدل على أنها كتبت في القاهرة أواخر تشرين الثاني (نوفمبر)وقبل 29/11/1966 بيوم أو اثنين



        عزيزتي غادة..


        مرهق إلى أقصى حد : ولكنك أمامي ، هذه الصورة الرائعة التي تذكرني بأشياء كثيرة عيناك وشفتاك وملامح التحفز التي تعمل في بدني مثلما تعمل ضربة على عظم الساق ، حين يبدأ الألم في التراجع . سعادة الألم التي لا نظير لها . أفتقدك يا جهنم ، يا سماء، يا بحر. أفتقدك إلى حد الجنون . إلى حد أضع صورتك أمام عيني وأنا أحبس نفسي هنا كي أراك .


        ما زلت أنفض عن بذلتي رذاذ الصوف الأصفر الداكن. وأمس رأيت كرات صغيرة منها على كتفي فتركتها هناك. لها طعم نادر كالبهار ....إنها تبتعث الدموع إلى عيني أيتها الشقية. الدموع وأنا أعرف أنني لا أستحقك: فحين أغلقت الباب وتركتني أمضي عرفت ، عرفت كثيراً أية سعادة أفتقد إذ لا أكون معك. لقد تبقت كرات صغيرة من الصوف الأصفر على بذلتي ، تتشبث بي مثلما أنا بك ، وسافرت بها إلى هنا مثلما يفعل أي عاشق صغير قادم من الريف لأول مرة.


        لن أنسى. كلا. فأنا ببساطة أقول لك: لم أعرف أحدا في حياتي مثلك، أبداً أبداً . لم أقترب من أحد كما اقتربت منك أبداً أبداً ولذلك لن أنساك، لا...إنك شيء نادر في حياتي. بدأت معك ويبدو لي أنني سأنتهي معك.


        سأكتب لك أطول وأكثر...لقد أجلوا المؤتمر إلى 30 ولكنهم سيسفروننا غداً ، الأحد إلى غزة كي نشترك بمآتم التقسيم. يا للهول. ويبدو أنه لن يكون بوسعي أن أعود للقاهرة قبل الرابع . وسأكون في بيروت يوم 6 كانون الأول على أبعد تعديل...إلا إذا فررت من المؤتمر وأتيتك عدْواً..


        حين
        قرأ أحمد بهاء الدين حديثك لي خطفه، بل أجبرني على التعاقد معه لأكتب له مواضيع مماثلة ......قال لي وهو يهز رأسه: أخيراً أيها العفريت وجدت من يُسكت شراستك. سينشر الموضوع في (المصور) التي علمت أنها توزع في كل البلاد العربية أعداداً هائلة وتحوز على ثقة الناس واحترامهم ...ولكنني بالطبع لا أعرف متى..

        وزعت كتبك
        .تحدثت عنك كثيراً .فكرت بك.بك وحدك..وأنت لا تصدقين..وأنت حين (أعذب نفسي في المساء) موجودة في الماي فير مع الناس والهواتف والضحك..

        حاولي أن تكتبي لي: فندق سكارابيه شارع 26 يوليو .القاهرة فسيكون أحلى ما يمكن أن يلقاني حين عودتي رسالة منك لأنني أعرف أنك لن تأتين..



        آه.. يا عزيزة

        غسان كنفاني





        تعليق


        • #19
          20/1/1967

          عزيزتي غادة

          صباح الخير..


          ماذا تريدين أن أقول لك ؟ الآن وصلت إلى المكتب ، الساعة الثانية ظهراً ، لم أنم أبداً حتى مثل هذه الساعة إلا أمس ودخلت مثلما أدخل كل صباح : أسترق النظر إلى أكوام الرسائل والجرائد والطرود على الطاولة كأنني لا أريد أن تلحظ الأشياء لهفتي وخيبتي. اليوم فقط كنت متيقناً أنني لن أجد رسالة منك ، طوال الأيام ال17 الماضية كنت أنقب في كوم البريد مرة في الصباح ومرة في المساء . اليوم فقط نفضت يدي من الأمر كله، ولكن الأقدار تعرف كيف تواصل مزاحها . لقد كانت رسالتك فوق الكوم كله، وقالت لي: صباح الخير ! أقول لك دمعتُ


          منذ سافرتِ سافرت آني ، وإلى الآن ما تزال في دمشق وأنا وحدي سعيد أحياناً ، غريب ٌ أحياناً وأكتب دائماً كل شيء إلا ما له قيمة ...حين كنتِ على المطار
          كنت أعرف أن شيئاً رهيباً سيحدث بعد ساعات: غيابك وتركي للمحرر، ولكنني لم أقل لك. كنتِ سعيدة ومستثارة بصورة لا مثيل لها وحين تركتك ذهبتُ إلى البيت وقلت للمحرر أن كل شيء قد انتهى.

          إنني أقول لك كل شيء لأنني أفتقدك. لأنني أكثر من ذلك ( تعبت من الوقوف) بدونك.. ورغم ذلك فقد كان يخيل إلي ذات يوم إنك ستكونين بعيدة حقاً حين تسافرين.


          ولقد آلمتني رسالتك. ضننت عليّ بكلمة حارة واحدة واستطعت أن تظلي أسبوعاً أو أكثر دون أن أخطر على بالك، يا للخيبة! ورغم ذلك فها أنا أكتب لك: مع
          عاطف شربنا نخبك تلك الليلة في الماي فير وتحدثنا عنك وأكلنا التسقية بصمت فيما كان صاحب المطعم ينظر إلينا نظرته إلى شخصين أضاعا شيئاً.

          متى سترجعين؟ متى ستكتبين لي حقاً؟ متى ستشعرين أنني أستحقك؟ إنني انتظرت ، وأنتظر ، وأظل أقول لك : خذيني تحت عينيك..



          غسان

          ــــــــــــــــــــــــ




          تعليق


          • #20
            إذا كنا مدافعين فاشلين عن القضية، فالأجدر بنا أن نغير المدافعين لا أن نغير القضية. غسان كنفاني




            تعليق


            • #21
              حينما تقرأ سطور هذه الرواية البديعة
              (‏ بـــــرقــوق نــيسـان‏)‏
              لكاتبها المناضل الفلسطيني
              الراحل غسان كنفاني ينتابك
              علي الفور إحساس
              بالمرارة والحزن العميق‏..‏
              ثم لاتلبث أن تتأمل سطورها القليلة المكثفة

              فتشعر بالدهشة لقدرة
              هذا المناضل السياسي علي صياغة
              رواية قصيرة, دقيقة, مفعمة بالمشاعر
              والعواطف وحافلة باللمسات الإنسانية
              والرومانسية العذبة التي تطل
              علينا وسط العنف والدماء والموت.

              نحن هنا أمام مشهد قصير
              يعكس معه نضال الفلسطينيين
              في مواجهة الإرهاب الصهيوني..
              مشهد صاغه الكاتب عبر روايته
              القصيرة الموجزة التي لم تكتمل سطورها
              إذ اغتالته الصهيونية في يوليو عام 1972

              يحمل أبو القاسم
              باقة من زهور البرقوق
              التي جمعها بيديه وقطفها وسط الطريق
              ليقدمها إلي سعاد..
              لقد اكتشف لتوه أنه لم يقدم
              لها شيئا عبر زياراته ومقابلاته العديدة لها..
              منذ سنة وأنا آتي لسعاد بكفين فارغتين
              كل شهر ولا ريب أن منظر هذه الزهور
              سيبدو علي الطاولة البيضاء جميلا.

              وما أن يصل أبو القاسم إلي بيتها
              ويطرق بابها حتي تدفعه أياد غليظة.

              يفتشون جيوبه.. يركلونه..
              يبدأون في استجوابه وإهانته..

              تسقط باقة الورد الحمراء علي الأرض.
              هناك طفل صغير يبكي..
              وصحن من الكنافة علي الطاولة..
              سعاد ليست موجودة..

              أين هي؟ ما الذي يحدث في بيتها؟
              من هذا الطفل؟ وهؤلاء الجنود ماذا يفعلون هنا؟
              أسئلة كثيرة تتدافع في الرؤوس
              ولن يجد القارئ إجابة واضحة عليها
              عبر متن الرواية القصيرة
              ربما تنير تلك الهوامش الطويلة
              الملحقة بالرواية بعض النقاط
              ولكن تظل هناك زوايا غامضة
              تتيح للقارئ قدرا من التأمل والاستنتاج..

              لقد فضلت أن أقرأ سطور الرواية أولا
              دون اللجوء إلي الهوامش التوضيحية
              تاركة العنان لخيالي كي يكمل النقاط الغامضة
              التي لم يبح بها المتن
              ثم أعدت قراءتها ثانية مستعينة
              هذه المرة بالهوامش
              فإذ بالإحساس العميق
              الذي اعتمل داخلي يتأكد وينضج.

              فالهوامش تسير هنا
              جنبا إلي جنب مع المتن الروائي..
              توضح نقاطا تشرح بشكل محايد أحداثا.
              وتؤرخ في لغة تقريرية محايدة
              لأجواء الرواية دون أن تفسدها
              ودون أن تضفي عليها تلك الصبغة
              الإخبارية السياسية التي ربما لاتلائم
              ذلك السياق الرومانسي والإنساني
              الناعم الذي يعرض له قلم الكاتب.

              ومن السياق
              ( المتن والهوامش)
              تأتي التفاصيل وتتشكل الصورة
              رويدا رويدا وإن بقيت العتمة
              تجتنب بعض جوانبها

              أبو القاسم ذلك الكهل الخيتار
              الذي استشهد ابنه, وشاهد جثته وتعرف عليها
              لكنه أنكر ذلك في حضور الشرطة..
              سعاد المناضلة السياسية
              التي تركت دراستها وانخرطت
              في النضال السياسي
              وكان بيتها بمثابة بؤرة اتصال..
              طلال الذي لايظهر هنا في متن الرواية
              لكننا نعلم انه مناضل
              وعلي صلة وثيقة بسعاد..
              زياد الجار الذي بعث بابنه الصغير
              إلي بيت سعاد ليقدم لها صحن الكنافة كعادة
              أهل فلسطين حينما يعدون الحلوي
              ويقدمونها للجيران.

              وتداهم الشرطة البيت في كمين مفاجئ.
              وتتشابك الخيوط مع بعضها بعضا:
              الكهل.. الجنود.. الطفل الذي يبكي..
              سعاد صاحبة البيت التي لانعلم عنها شيئا..
              زياد الذي جاء يبحث عن ولده..
              خطوات طلال علي الدرج..
              وفي المشهد أيضا تطل
              باقة ورد البرقوق القانية وصحن الكنافة الذهبية
              ربما كرمز للحياة والحب والمودة
              التي تبقي رغم أنف
              الدماء والموت والمؤامرات!

              أستوقفتني كثيرا كلمات كنفاني المؤثرة..
              مضيت أقرأها أكثر من مرة فهي تشبه
              أبيات الشعر الناعمة التي تدخل
              القلب ولاتكاد تبرحه.

              يقول في مطلع روايته:
              عندما جاء نيسان أخذت الأرض
              تتضرج بزهر البرقوق الأحمر
              وكأنها بدن رجل شاسع مثقب بالرصاص
              كان الحزن, وكان الفرح المختبئ فيه
              مثلما تكون الولادة ويكون الألم
              هكذا مات قاسم قبل سنة
              وقد دفن حيث لايعرف أحد دون اسم
              ويبدو الآن بعيدا وكأنه لم يكن طوال العمر
              إلا واحدا من هذه الأحلام العظيمة
              التي تطل مع المرء وكأنها جزء منه
              وترافقه إلي الفناء دون أن توجد حقا
              ومع ذلك فإنها قادرة علي أن تكون
              مثل حقيقة ما يفتقدها المرء
              من حين إلي آخر ويشعر
              في لحظة أو أخري
              ملمسها وكأنها فرت للتو من بين راحتيه.

              وفي مطلع آخر يقول:
              كانت نابلس
              ذلك الصباح منكفئة
              علي نفسها وكأنها لاتزال نائمة..
              وقال أبو القاسم لنفسه:
              إن المدن مثل الرجال
              تشعر بالحزن, تفرح وتنام, وتعبر عن نفسها
              بصورة فريدة تكاد لاتصدق وتتعاطف
              بغموض مع الغرباء أو تركلهم
              بل إن الأحياء في المدينة
              مثل الأولاد في العائلة, لكل منهم شخصيته
              ومنزلته ومزاجه, فثمة شوارع محببة وأخري
              تتفاذف العابرين فيها بفظاظة
              وشوارع خبيثة, وأخري صريحة.

              نحن هنا أمام كاتب روائي محنك وقدير
              لغته الأدبية الرفيعة والرصينة
              تنحت صورا بديعة يوظفها جيدا
              لخدمة رسالته السياسية دونما
              أن يغفل تفاصيل الحياة اليومية
              ولكل الأشياء الصغيرة البسيطة
              التي تضفي عليها طعما وخصوصية.

              ويترك كنفاني قارئه معلقا
              خلف عباراته واشاراته
              التي تؤكد جميعها حبه للحياة
              وتعلقه باهدابها رغم رائحة الموت والدماء
              التي تطل من كل مكان
              ( باقة الورد الحمراء, صحن الكنافة,
              تلك المودة التي تربط الجيران بعضهم ببعض,
              المدن التي تشبه الصبيان وأولاد العائلات,
              الأحلام العظيمة التي تسكن المرء
              ولاتكاد تغادره رغم أنها مجرد أحلام.. الخ).
              صدرت الرواية في طبعتها الجديدة
              عن وزارة الثقافة والفنون
              ـ قــــطــــر ـ
              كتاب الدوحة
              وهي تضم معها قصصا قصيرة أخري للكاتب.
              قدم لها الكاتب الصحفي عزت القمحاوي
              وهي مرفقة بدراسة مستفيضة
              لاعمال غسان كنفاني
              يعرض لها الناقد الكبير فيصل دراج



              بقلم

              الاستاذة ليلى الراعى

              جريدة الأهرام




              تعليق


              • #22
                رسومه الشهيـــد // غســــان كنفاني











                تعليق


                • #23




                  تعليق


                  • #24
                    قصص مختاره

                    موت سرير رقم 12

                    رابط مباشر

                    http://rooosana.ps/Down.php?d=j5jZ






                    رجــــال في الشمس

                    أنصح الجميــع بقرائتهـــا سيستمتع جدا


                    رابط مباشر
                    http://rooosana.




                    تعليق


                    • #25
                      عائد الى حيــفا

                      رابط مباشر

                      http://rooosana.ps




                      تعليق


                      • #26
                        تنقّلتُ في سيرة الرائع بإعجاب ملأ قلبي
                        انتقاء جميل وراقي وسيثري مكتبة الروز

                        التألق حليفكِ دوماً غاليتي


                        تعليق

                        يعمل...
                        X