إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فوت اضحاك مع يوميات تشتوش

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #16
    التشتوشية الثالثة عشرة :
    تمثيل



    - لا أعتقدُ أنَّ ياسر العظمة في مسلسل (بقعة ضوء) أفضل منِّي !!
    - لكنَّ ياسر العظمة يُمثِّل في مسلسل (مرايا) لا في مسلسل (بقعة ضوء).
    قالتْ وقدِ احمرَّ وجهها :
    - أخطأْتُ بالاسم ..
    وهكذا يتضح لك من أنَّ ثقافتها الفنية كثقافتِي في اللغة النرويجية لو كنْتَ تتقنها، وهذا بِحدِّ ذاته لا يؤهِّلها لتكونَ فنَّانةً... فقلْتُ لها:
    - ولكنَّه رجلٌ، وهل تقارنيْنَ نفسكِ بهِ؟
    - لا يهمُّ .. بل هذهِ براعةٌ أن أستطيعَ تأدية أدوار الرجال والنساء على حدٍّ سواء !!
    وأيقنْتُ كالعادةِ أنَّنِي لن أستطيعَ إثناءَها عن عزمِها ورأيِها..

    ولكنْ ....
    كيف بدأت حكايتنا ؟!


    **** **** **** ****

    صارتْ بسلامتها كثيرة الاهتمام بِمشاهدة المسلسلات والأفلام العربية والأجنبية، ولم يقفِ الأمر عند مشاهدتِها من التلفاز بل هرعتْ إلى محلات الفديو لتستأجر عدداً كبيراً من الأفلام والمسلسلات، وسجنتْ نفسها في غرفة الصالون وصرْتُ كلَّما دخلْتُ عليها وجدْتُها جالسةً على الأرض وهي تحملق في الشاشة وبيدها دفتر ضخم كدفاتر المحاسبيْنَ تُدوِّن عليهِ بعض العبارات التِي تسمعها وتراها بعد أن تُوقِفَ العرضَ بجهاز التحكم، إلى هنا وجنونُها طبيعيٌّ !!

    بعد أيَّامٍ تطوَّر الأمرُ معها ..
    كنْتُ في المطبخ أجلي صحون الغداء عندما ارتفع صوتُها من الصالة وهي تنْهَقُ وهكذا كان صوتُها دونَ مبالغةٍ لأنَّنِي أجفلْتُ من صوتِها المرعب :

    - عليكَ اللعنةُ !!
    فتجمَّدْتُ للتوِّ ... أهذا جزائِي بعد كل هذا التعبِ الذي أبذله لأجلها ؟!!
    والتفتُّ لأراها عند باب المطبخ وهي تضع طنجرةً على رأسِها – ولا أدري من أين جاءتْ بِها فكل أدوات المطبخ عندي ؟ - وتحمل عصاً ضخمةً كنَّا نستعملُها للغسيل :

    - واللهِ لأحزمنَّك حزم السَّلَمةِ، ولأضربَنَّك ضرب غرائب الإبل !!

    مع أنَّنِي لم أفهم شيئاً من هذهِ السَّلمة، ولكنَّنِي أدركْتُ أنَّهُ تَهديدٌ ووعيدٌ، ناهيكَ عن منظرِها الذي جعلنِي أشكُّ بأنَّ عقلِها – أو ما كان منه موجوداً – قد فُقِدَ من كثرة مشاهدتِها للأفلام والمسلسلات، وأيقنْتُ بالهلاكِ ولكنَّ حبِّي للحياة جعلنِي أُداريْها قائلاً:
    - كما تشائيْن يا حياتِي .. عليَّ مليون لعنةٍ، المهمُّ أن تكونِي سعيدةً..
    وبدأْتُ أتحرَّكُ تدريجياً للهاتف المعلَّق بالقرب من البرَّاد في زاوية المطبخ لأتصل بالعصفورية، ولكنَّها واصلتْ بصوتِها الحِماريِّ وهي تدنو منِّي:

    - اثبتْ مكانكَ، وإلاَّ طعنْتُكَ في صدركَ وجعلْتُ دماءَكَ تسيلُ أنْهاراً !!

    تأكَّدْتُ من أنَّها قدْ جُنَّتْ، ولاسيَّما قد رأَيْتُ على مُحيَّاها نظراتٍ زائغةً، ومنظرها المرعب بالطنجرة وقد باتت على بُعد ذراعٍ منِّي، وكدْتُ أضحكُ رغم هول الموقف فبسلامتها قد أخذتْ طنجرة البامياء ووضعَتْها على رأسها قبل أن أنظِّفها وسالتْ مَرَقةُ البندورة الحمراء على شعرها؛ ولولا علمِي بالطنجرة التِي طبخْتُها بنفسي أمسِ لظننْتُ أنَّها دماؤها!!

    - ستندم أيُّها الملعونُ على استخفافِكَ بِي !!

    قلْتُ لَها مُستعطفاً : - آسفٌ يا روحي .. من جهلي وقلَّة أدبِي لم أعرفْ قيمتكِ!!
    قاطعتْنِي بصوتِها الذي فاق ذبذبات صوت أبي صابر:

    - اخرسْ .. وإلاَّ فرمْتُ لحمَكَ قِطعاً ناعمةً، وألقيْتُها للكلابِ تأكلُها!!

    غلَى الدَّمُ في عروقِي فقد بلغتْ إهاناتُها حدّاً لا يُوصف وصحْتُ بِها وأنا أمسكُ بالمقلاةِ للدفاعِ عن نفسي حتَّى الموتِ :
    - اصمتِي .. فسأضربُكِ ضرباً شديداً إنْ لمْ تنصرفِي من هنا !!
    وقفتْ جامدةً تحملق بِي إذْ يبدو أنَّ ثورتِي أرعبتْها، وفجأةً انفرجتْ أساريرُها وهي تقول :

    - ما رأيُكَ يا حبيبِي ؟

    قلْتُ لها : - رأيي بِماذا ؟ أبتهديدِكِ لي بالقتل أم بشتائمك التِي لم تَهدأ منذ دخلْتِ عليَّ ؟! أم....
    قاطعتْنِي : - ليس هكذا يا بُنِيَّ ..الأمرُ كلُّه لا يعدو مجرَّد تَمثيلٍ وحسب !!
    تمتمْتُ وراءَها : - تَمثيل !!
    الحقُّ أنَّنِي أشهدُ لها بالبراعة فقد اعتقدْتُها قدْ جُنَّت بالفعل، فقلْتُ لَها :
    - لا بأسَ بِهِ!!
    نَهَقَتْ : - نعمْ ... نعمْ .. آهٍ لو رأيْتَ نظرة الرعبِ في عينيكَ .. حتَّى أنتهِيَ من جدالِها العقيم قلْتُ لها :
    - من فضلِك أعطِني الطنجرة لأغسلها، ففي المرَّة المقبلة تأكَّدي من نظافتِها قبل ارتدائِها..
    نظرتْ لِي بِمقْتٍ، ولم تستطعِ اتَّهامِي بشيءٍ فالحقُّ عليها هذه المرَّة لا عليَّ .. وقالتْ:
    - أريدُ التحدُّثَ معك !!
    قلْتُ لها وأنا أستدير للمجْلَى وأفتح الماء على طنجرة البامياء التي تلوَّثتْ من شعرها:
    - اذهبِي الآنَ واغسِلِي شعْرَكِ ..

    **** **** **** ****

    ونعود الآن إلى البداية حيث كانت تعتقد أنَّ مواهبَها التمثيلية تُضاهي ياسر العظمة، ولتعلموا جهلها الأشد مِمَّا رأيتموها في مَطْلعِ حكايتنا، فإنَّه قالتْ لِي :
    - لا أظنُّ أنَّ أسلوب غوَّار البورزان أفضل من أسلوبِي!!
    قلْتُ لها : - تقصديْنَ غوَّار الطَّوشة أو حسنِي البورزان !!
    من جديدٍ تعلَّلَتْ قائلةً : - آه .. صحيح كلامك أنا مرهقةٌ لكثرة ما شاهدْتُ من مسلسلات وأفلامٍ فاعذرنِي !!
    قلْتُ لَها : - التمثيل ليس كارَكِ (مهنتك) فاسمعي منِّي واتركيهِ ..
    كعادتِها ترفض نصائحي وقالتْ لِي :
    - أنتَ تقفُ في وجه نَجاحي الفنِّي !!
    فكَّرْتُ في مشهدِها وهي جالسةٌ أمام أحد الممثِّليْنَ في أحد المشاهد الغرامية ، فتصاعد الدَّمُ إلى رأسِي وصحْتُ بِها :
    - لا ... أرفض تماماً الفكرة من أساسِها، أنا زوجك ومن حقِّك طاعتِي ... أنا الرجل هنا ..
    وأعجبتْنِي العبارة الأخيرة وأنا أدنو منها لأضربَِها شرَّ ضربةٍ لو أمسكتْها بيدي :
    - أنا الرجل هنا.. أنا الرجل هنا.. أنا الرجل هنا..

    ففرَّتْ من وجهِي كما تفرُّ الذُّبابةُ من التاسومةِ (الحذاء) التي تتوجَّهُ نَحوها لضربِها..

    **** **** **** ****

    عادتْ زوجتِي غاضبةً وهي تسبُّ الفنَّ والفنَّانيْنَ والمسلسلاتِ والأفلامَ .... واختلتْ في غرفة النَّومِ تبكي وتتمخَّطُ وتشهقُ وأنا شامتٌ بِها لأنَّها من الأساس لم تسمع كلامي ورفضتِ الانصياعَ لأوامري..

    وبعد أيَّامٍ عرفْتُ ما جرى معها..

    غصباً عنِّي – كعادتِها – ذهبَتْ إلى استوديو التمثيل الذي تَمَّ افتـتاحهُ حديثاً بالقرب من عمود (سنكلس) لاستقطاب المواهب من أمثال سلامتها كما كانت تظنُّ..
    دخلتْ إلى غرفة المدير وهي تتبختر كالطَّاووسِ واثقةً من قدراتِها التمثيلية..
    وبعد حِوارٍ عقيمٍ فهمَ المدير غرض حرمنا، فتأمَّل جمالها الذي يفتنُ التماسيح والقرود – وللأسف كنت أعمى قلبٍ مثلهم – ثُمَّ قال لها :
    - في الحقيقة إنَّ لكِ مواهبَ مخصوصةً !!
    نفخَتْ صدرها وأرجعَتْ رأسها للخلف وقد أعجبها إطراؤه من أنَّها ذات مواهب مخصوصةٍ، فتابع قائلاً :
    - مواهبكِ تؤهِّلك لدور لوسيفر !!
    أعجبها الاسم برنينِه الموسيقي فقالتْ له :
    - بالتأكيد .. ولكن مَنْ هو (لوسيفر) ؟
    قال لها كلمةً واحدةً جعلتها تقف على أربعٍ كإخوانِها من بنِي أبِي صابرٍ، وتوجِّه له شتائم يَنْدَى لها الجبيْنُ وحُذِفَتْ من هنا للرقابة الذاتيَّةِ، وجعلتْهُ يتأسَّفُ على أيَّامي السوداء معها، وتركتْهُ إلى غيْرِ عودةٍ!!
    ودمتم سالميْنَ !!


    ماذا لا تريدونَ منِّي الذهاب دون معرفة معنَى (لوسيفر)، ألا تعرفونَ معناها حقَّاً؟!!


    يا لكم من خبثاءَ تريدون معرفةَ كلِّ شيءٍ لتشمتوا بِها..


    حسناً .. حسناً ... إنَّها تعنِي باللاتينيةِ (الشيطان)!!



    تعليق


    • #17
      التشتوشية الرابعة عشرة : موبايل

      يسمُّونه في اللاذقية (الموبايل) نسبةً للتسمية الأجنبية،
      وأنا أُسمِّيهِ الجوال لأنَّهُ يتجوَّل في جيب صاحبهِ بكلِّ مكانٍ!!
      هو ذلك الهاتف الخُلويُّ الذي تحمله معك أينما ذهبْتَ وحللْتَ، يصحبُكَ في حلِّكَ وترحالِكَ، ويرافقُكَ حيثما تكون..
      اخترعهُ مَنِ اخترعه من أجل الفائدة والمنفعة والحاجة في حال انقطعْتَ أو أصابتْكَ مُصيبةٌ، أو حلَّتْ بِكَ مُشكلةٌ، أو أي شيءٍ ينفعك.. هذا في بلاد الغربِ.. لكنَّه عندنا في بلاد الشرق له مآثر أُخرى تافهة ، فهو للتباهي والتفاخر أمام الناس، فترى الفقيرَ الذي لا يملك ثَمن رغيف خبزٍ يستدينُ مالاً ليشتريه ولو بِخمسين ألف ليرة ناهيكَ عن الفاتورة التي تصل في الشهر إلى ألف ليرةٍ أو أكثر!!
      بل صدِّقونِي أنَّني كنْتُ جالساً مرَّةً على الشرفة أستمتع بالنسمات الباردة وجوِّي الأثيري مع أركيلة وفنجان قهوة ... عندما رأيْتُ الزبَّال – وهو رجلٌ أشهد له بالإتقان في عمله – يتوقَّفُ عن الكناسة في الشارع، ثُمَّ يُخرج من جيبهِ جوَّالاً عفواً – موبايلاً كي يرضَى اللواذقة - ويتحدَّث بِهِ، وكِدْتُ ألطمُ رأسي من هول المشهد، لا استخفافاً بالرجل – لا سَمَح الله فكل الناس خيرٌ وبركةٌ – وإنَّما لأنَّ الجهاز مع الخط الهاتفي وفواتيره قد يبلغ مئة الألف، وذلك في أول أيام انطلاقهِ...
      لماذا هذهِ الحُمَّى الموبايلية المحمومة؟
      ألـهذهِ الدرجة صار الناس كلهم رجال أعمالٍ مشغولين جداً ليحتاجوا هذا الجهازَ الملعونَ؟!!
      أمْ أنَّها كما قُلْتُ هي المباهاة الفارغة التِي تذكِّرك بقصة الثعلب الذي رأى طبلاً تضربه أغصان الشجرة فيسمع صوتاً مدوياً فاعتقده مليئاً بالشحم واللحم، فاحتال حتَّى استولَى عليهِ ولمَّا بَقَرَهُ (فتحه) وجده فارغاً !!
      وكذلك الناس كالطبلِ أصحاب مظهر وحسب، ولكنَّهم فارغوْنَ من الداخل !!
      **** ***** *****
      كانَ لا بُدَّ لحرمنا المصون أن تركب هذهِ الـهَوْجَةَ الحمقاءَ!!
      فلئنْ كان الناس حمقى مرَّةً واحدةً فإنَّها بسلامتها أشدَّ حمقاً منهم بِمئة بل مليون مرَّةٍ..
      - تصوَّر فافي اشترتْ موبايلاً لها وواحداً آخر لزوجها، رغم أنَّه موظف مثلك!!
      - من أين يأتيهِ المالُ؟
      - إنَّه يُحسن التحرُّكَ ويجدُّ في عملهِ!!
      - كيف ؟
      - يعمل ... يعمل ... يعمل ...
      - يعمل ماذا ؟
      - لا أدري ..تحرَّك مثله !!
      - أنا أسألك كيف؟ وماذا يعمل؟
      - هذه مشكلتُك!!
      فأقول لها ببرودٍ : - أيَّةُ مشكلةٍ؟
      تُجيبُ بنرفزةٍ: - مشكلة توفيْر المال..
      - هل مشكلتِي أن أوفِّر لكِ المال لتشتري هذا الجهاز التافهَ ؟!
      - كل الناس تملكهُ الآن ..
      - هم سُـذَّج حمقى وأنا عاقلٌ ..
      - النقاش معك لا يُجدي ..
      وتنسحب بعيداً عنِّي وهي تُتَمتمُ بكلماتٍ غير مفهومةٍ، ولكنَّنِي أدرك من سابقِ تجاربِي معها أنَّها شتائم من جنابِها لِجنابِي ولكنَّنِي اعتدْتُ وقاحتها ..

      **** ***** *****
      - تصوَّرْ أُم فهد زوجة البوَّاب اشترت موبايلاً لونه رائع وخفيف!!
      - هل نسيتِ أنَّ زوجها يأخذُ فلوساً من كل سكَّان البناية بسببٍ وبدون سببٍ حتَّى بِتُّ أعتقدُ أنَّهُ يُعطِّل المصعد ليستغلَّ السكَّان ويحمل عنهم الأغراض ويأخذ الفلوس منهم ؟
      - ما لكَ والرُّجلَ؟
      - أنا أوضِّح لكِ كيف اشترى لها موبايلاً وحسب؟!
      نظرتْ لِي بِغُلٍّ وانصرفَتْ..
      **** ***** *****
      وفي العمل :
      صارتْ صورة كلِّ واحدٍ أن يحمل موبايلاً أُسوةً بِخلقِ اللَّهِ، ونسيَ الموظَّفون أعمالهم وصاروا طيلة الوقت يتصلون بِموبايلاتِهم أو يتلقون اتصالاتِهم، وصار البعض منهم ينظر لي باشمئزازٍ باعتباري متخلِّفاً لم يسايرِ الرَّكْبَ ويقتنِيَ موبايلاً أو بَخيلاً لا يريدُ أن ينفقَ مالاً رغمَ أنَّنِي لا أملكه بالفعلِ، ولأنَّ زوجتِي بِمعاركها التِي لا تنتهِي معي علَّمتْنِي الصَّبْرَ الطَّويْلَ والتطنيشَ – الإعراض – فطنشتُهمْ على أساس أنَّنِي راشدَ العقل لا جاهلاً مثلهم..
      **** ***** *****
      في جلسةٍ صباحيةٍ قال لِي صبري زميلي في العمل:
      - لماذا لا تشتري موبايلاً ؟
      - أولاً لا فائدةَ له ... وثانياً لا أملك مالاً ...
      - الناس كلُّها تَملكه ..
      - اعتبرونِي غيْر الناس ..
      - لا .. لا .. يجب أن تعيش يومك!!
      - الذي يجب أن يعيش يومه ألا يجب أن يمتلك مالاً؟!!
      مال على أذني :
      - اليوم ستوزِّعُ المؤسسة حوافز مادية ..
      - أي حوافز ؟
      - تراكمات من الشهور الماضية !!
      - أليسَ من الأفضل أن أشتريَ شيئاً نافعاً للبيت؟
      - عشْ كالناس ولا تبقَ متخلِّفاً..
      - لا ... لا ... أعتقد أنَّنِي سأفعل شيئاً مفيداً بِهذه الحوافز ..

      **** ***** *****
      في محل ( تشليح موبايل) :
      - أريدُ جوَّالاً ...
      - تقصد مُـوبايلاً!!
      - نعمْ .. هذا ما أريدهُ ..
      - مـا نوعهُ؟
      - لَحظة من فضلك .. هل تسمح لي باستخدام الـهاتف ؟
      - تقصد الهاتف الأرضي !!
      - نعم ..
      - هاهاهاهاها ... قد أصبح موضةً قديْمةً ..
      - كيف سأتصل ؟
      - خذ موبايلي واتَّصِلْ منه !!
      وهكذا اتصلْتُ برقم منـزلنا:
      - ألو ... كيف أنتِ يا حبيبتِي ؟ ما نوع الموبايل الذي أشتريهِ ... همممم نوكيا ...
      أغلقْتُ الموبايل ...
      قال لي البائع : - هل تريده بألوانٍ أم لا ؟
      قلْتُ لهُ بِخجلٍ:- هل تسمح لِي بالاتصال بزوجتِي؟
      احتارَ ماذا يقولُ لِي ثُمَّ أعطانِي موبايله ..
      - هل أشتريهِ بالألوان ؟ همممم .... حسناً ..
      أغلقْتُ الخطَّ ...
      قال البائع : - هل تريدهُ الصابونة أم الشفرة أم...؟!!
      - لم أفهمْ ..
      شرع يشرح لِي مزايا كلِّ تسميةٍ .. ولمَّا فرغَ قلْتُ لهُ : - هل لِي أن أتصل بالهاتف؟
      بغيظٍ مكتومٍ قال لِي : - خذْ ...
      ناولنِي موبايله ...
      - هل أشتري الصابونة أم الشفرة ؟ أم ....
      وتتوقعونَ أنَّها سألتنِي السؤال ذاته الذي سألته للبائع ... فأجبتها باستفاضةٍ ... والبائع يرمقنِي بنظراتٍ مليئةٍ بالكره، فأنا للحق لم أعلم حينها القيمة المادية الباهظة للمكالمات ... سامحوني فأنا جديد على عالم الموبايلات ..
      أغلقْتُ الخطَّ ...
      - هل تريده ببطاقة ذاكرة أم لا ؟
      - ما هذه البطاقة الذاكرة ؟
      شرح لِي المقصود منها، ولمَّا رآنِي ازددْتُ حيْرةً ناولنِي موبايله وقال لِي :
      - خذْ واستشرِ المدامَ !!
      أعجبنِي ذكاؤه الذي أنقذنِي من حيرتِي، ولم أعرفْ أنَّه سخريةٌ بِي لا ذكاء منه !!
      وهكذا .....
      كلَّما سألنِي عن شيءٍ يَتعلَّقُ بخصائص الموبايل كنْتُ أستشيْرُ زوجتِي ...
      **** ***** *****
      وأخيراً ... وبعد ثلاث ساعات من النقاش والمجادلة والحوار مع الرجل اشتريْتُ موبايلاً، فتنفَّسَ الصُّعداءَ، وقبل أن أخرجَ .... قال لِي البائع وهو يكتم غيظه :
      - ألم يكن من الأفضل أن تأتِي بالمدام لِتختارَ الموبايل بنفسها؟
      قلْتُ مندهشاً : - أيُّ موبايل؟
      قال بعصبيَّةٍ :- الذي اشتريْتَهُ الآن!!
      قلْتُ بدهشةٍ أشدَّ : - زوجتِي اشترتْ موبايلاً منذ زمنٍ ... هذا الموبايل لِي ..
      نظر لِي وعلى وجهه أعتَى أمارات الحزن والبكاء والغضب، ولمَّا رآنِي أنظر له بِبلاهةٍ وبراءةٍ يَحسدنِي عليها طفلٌ لا زال يَمصُّ إصبعهُ وهو يَحبُو بالبامبرز...
      وكانتْ ردَّة فعلِهِ عجيبةً ... سقط مغشياً عليهِ وهو يَهذِي...
      وأسعفناه إلى المشفى الوطنِي ...
      وبعد أيَّامٍ حدثت مشكلة بسيطةٍ في الموبايل فذهبْتُ إلى المحل نفسهِ لحلِّها، فوجدْتً شاباً آخر ... وبعدما أصلح مشكلة موبايلي سألتهُ عن الشاب الذي كان يعمل من قبل هنا ...
      قال : - المسكين أُصيبَ بانْهيارٍ عصبِيٍّ ثُمَّ جُنَّ، وهو الآن في العصفورية يسب ويهذي ويقول : "الله يلعن التشتوش وعيشته ..." ويردِّدها دائماً ..
      نظر لِي الشاب : - هل تعرفه؟
      احمرَّ وجهِي : - البائع المسكين .. طبعاً ..
      قال لِي : - أقصد التشتوش ..
      لأول مرَّة في حياتِي قلْتُ له بخجلٍ وأنا أكذب :
      - لا ... لا أعرفه !!
      وحينها عرفْتُ أنَّ الناس تُسمِّي أمثالي بِـ (التشتوش)..



      تعليق


      • #18
        التشتوشية الخامسة عشرة :
        انسَ همومك



        هناكَ في منطقة الرِّيف في اللاذقية أماكن كأنَّها قطعٌ من الجنَّةِ على الأرض ... حيث الهواء البارد في أَوْجِ اشتدادِ الحرِّ في الصَّيفِ، والمناظر الطبيعية الخلاَّبة، و .....
        هناك في قرية هادئة اسمها (دورين) - تقع بعد مصيف (سلمى) حوالي كيلومتراً واحداً - استراحة اسمها (انسَ همومك)، وهي تطلُّ على وادي سلمى ودورين في منظرٍ بديعٍ ، وقد أخبرنِي بِهذا المكان أخي الصغير (حمودة) الذي جاء من الإمارات في إجازةٍ سريعةٍ تَمتد عشرة أيَّامٍ، ووجدتُها فرصةً سانِحةً لنجلس في هذا المكان السَّاحِر..
        وبطبيعة الحال كانت حرَمُنا المصون ترى في أخي نَموذجاً من سذاجتِي وبلاهتِي لَمَّا كنْتُ في عمرهِ، والحقُّ أنَّنِي أشهدُ لَها بفراستِها في هذا المجال، وأُقرُّ لها بأنَّنِي ساذجٌ فعلاً ... لأنَّه لولا سذاجتِي لَمَا تزوَّجتُها !!
        حضرَ أخِي الذي يعرف تلك المنطقة وقرَّرْتُ أن أركبَ بسيَّارتِي الجديدة لأذهبَ معه وأرى هذه الاستراحة التِي يقول أخِي عنها :
        (( عندما تراها فلن تنساها أبداً )) ..
        فقلْتُ له ضاحكاً : (( اسمٌ على مسمَّىً )) ..
        **** **** ****
        ولأنَّها أشدُّ إلحاحاً من ذُبابةٍ تطنُّ فوق رأسِكَ وأنت نائِمٌ ألحَّتْ بسلامتها أن تكونَ معنا لترى بنفسها المكان وتعاينه وكأنَّنا سنشتريهِ!!
        وهكذا تصدَّرتِ المقعد عن يَمينِي وهو ينوءُ تَحتَ ثقلِها، ولأنَّ أخي – الساذج مثلِي على رأيِها – جلس خلفها عندما ركبْنا السيَّارة، وأرجعتِ المقعد للخلف بسبب ضخامة بطنها الذي ارتطمَ بالتابلوه، ولأنَّ سيَّارتِي (دايو متيز) صغيرة الحجم جداً فإنَّها حشرتْ أخي من الخلف ولم يعدْ يستطيعُ التحرُّكَ.. ولمعرفتهِ بطول لسانِها ووقاحتها معي - وأنا زوجها- فكيف ستكون قلَّة أدبِها معه؟!!
        وتَحمَّلَ المسكين ساعةً كاملةً طيلة المسافة من اللاذقية إلى دورين عفواً بل إلى (المريج) كما ستعلمون يعد قليلٍ!!
        ولمن لا يعلمُ الطريق فإنَّ المسافة من (كفرية) إلى (دورين) كلُّها صعودٌ ومنحنياتٌ خطرةٌ، وفي بعض الأماكن الطريق شديد الصعود وأشفقْتُ على السيارةِ وهي تئنُّ بِحملِها الزائد في صعودها ... بل إنَّها توقفت قرب قرية تُدعَى (المريْج) فلمَّا نزلتْ بسلامتها نزل (حمودة) كالبرق ليرتاحَ من ضغط مقعدها على قدميهِ، والعجب أنَّ السيارة - لمَّا نزلتْ جرمنا المصون - قفزتْ كالأرنب عندما يفرُّ دون مبالغةٍ !!
        وقالت لي : - ما هذه السيارة التعسة؟!
        قلْتُ لها : - لكنَّها ما إن نزلْتِ عادت للعمل !!
        صاحتْ بصوتٍ عالٍ أجفل له أهل القرية حتَّى الحماران اللذانِ كانا عن عين الماء يشربان :
        - نعم ... نعم ... سيارتك التي تشبه النملة في حجمها هي السبب لا أنا !!
        لاحتْ على بعض القروييْن البسطاء نظرات الإشفاق عليَّ والاشمئزاز منها، وصدِّقوا أو لا تصدِّقوا أنَّ الحماريْنِ بدورهما نظرا لي وقد أرخيا أذنيْهما كنايةً عن حزنِهما عليَّ، بل رأيْتُ أحدهما يدير حافره الخلفي باتجاهها ليرفسها لولا أنَّها هرعت إلى السيارةِ لتنجوَ بنفسِها..
        ****** ****** ******
        كان المنظر عند استراحة (انسَ همومك) فعلاً يفوق الوصف!!
        هدوء تامٌّ إلاَّ من بعض زقزقة العصافير وحفيفي أوراق الشجر مع النسمات الهادئة المنعشة، وهواءٌ باردٌ عليلٌ ينعش القلب يهبُّ بيْنَ الفيْنةِ والأخرى ، ومناظر طبيعية خلاِّبة يغلب عليها اللون الأخضر بجميعِ تَموُّجاتِهِ، ولم يكن يفسد هذه الروعة إلاَّ وقوفها على رأس تلَّةٍ كأنَّها ديناصورٌ من عصور ما قبل التاريخ !!
        اتفقنا مع صاحب الاستراحة على حجز طاولاتٍ لنا عصر يوم الجمعة ...
        ولمَّا ركبْنا في طريق العودة دار بينِي وبينها هذا الحوار :
        - هل ستتصل بأهلي اليوم ؟
        - ولماذا سأتصل بِهم اليوم ؟
        - اليوم الثلاثاء وباقٍ على العزيمة يومان فقط، فلا بدَّ من أن تتصل بِهم اليوم ليجهِّزوا أنفسهم قبل أن يرتبطوا بمواعيد أخرى !!
        - ما علاقة أهلك ؟
        كعادتِها صاحتْ بصوتِها (الصابري) – وكما لْتُ قبلاً هو نسبة لأبي صابر ويبدو أنَّنِي سأطلب من مجامع اللغة العربية تسجيل هذا المسمَّى باسمي- ولولا أنَّ زجاج النوافذ مفتوحٌ لتكسَّر كله من صوتِها :
        - ألا تنوي أن تعزمهم ؟
        - العزيمة لأخي وأهلي فما علاقة أهلك ؟!
        - نعم ... نعم ... هل من الحرام أن تدعوَ أُمِّي وأهلي !!؟
        تذكَّرْتُ أمَّها وفصولها المخزية المخرِّبة لعلاقتنا فانفجرْتُ قائلاً:
        - بالذات أمك لا ... لن أعزمها .. مجرَّد وجودها في مكانٍ كفيلٌ بتدميره دماراً شاملاً ...
        بُهتتْ من هجومي على أمها، فهي أول مرَّةٍ تسمعنِي أهاجمها بِهذهِ الطريقة، فتابعْتُ :
        - لو أستطيع الاتصال بالوكالة الذرية لطلبْتُ منهم وضع أمِّكِ على لائحة أسلحة الدمار الشامل المحظورة دولياً..
        التقطْتُ نَفَسِي ثُمَّ قلتُ:
        - العزيْمة لأخي العائد من السفر .. فما علاقة أهلكِ بهِ !!
        يبدو أنَّ صمَّام الأمان الخاص بتحكُّم أعصابِها قد تلف لهجومي المفاجئ عليها فصاحت :
        - تباً لك ولأهلك .. ألهذه الدرجة تكرهنا ؟
        - حافظي على لسانكِ الحرباء ..
        - لسانِي حرباء يا شبيه الضفدع ..
        - واللهِ رأسك الشبيه بالفدان يحتاج إلى عشرين (صرماية) و (شاروخ) و (كَسْرية) و (تاسومة) ...
        [أسماء لشيء واحد في اللهجة
        اللاذقانية وهو الحذاء أو ما يعادله]
        وبدأت موشحها من الشتائم التِي أذهلت (حمودة) فهو لم يتوقع أن يكون قاموسها يحتوي كل هذه البذاءة ..
        - الحق عليَّ أنَّنِي لا أطلقك وأرميكِ في وجهِ أمكِ الذي يقطع الرزق ..
        - ليتك تفعل فأرتاح منك ومن رؤية وجهك السمج القبيح ...
        وتفاءلَ (حمودة) خيْراً من أنَّنِي سوف أطلقها فعلاً وأخلص منها، فهو لا يطيقُها بتاتاً !!
        ****** ****** ******
        بالفعل في جوٍّ شاعريٍّ رائعٍ ضمَّ عشرين مِمَّنِ استطاعَ الحضور ... والهواء يتلاعب من حولنا حاملاً البرودة المنعشة .. والطعام الشهي من لحوماتٍ مشويةٍ على أنواعها: لحم غنمٍ ودجاجٍ وسمكٍ، وتوابل وسَـلَطاتٍ ومشروباتٍ وأراكيل ..
        مِلْتُ بسيخ لحمةٍ مشويٍ :
        - تفضلي يا روحي !!
        - شكراً ..
        والتهمَـتْهُ كسمك قرشٍ جائعةٍ تفتح فكيها عن آخرهما ...
        والتفتُّ للجهة المقابلة من الطاولة :
        - أتفضلين الأركيلة الآن يا حماتِي، أم بعد قليلٍ؟!

        **** **** ****

        قالت لِي زوجتِي هامسةً :
        - كانَ من الأجدى أن تدعوَ (حمودة) معنا!!




        تعليق


        • #19
          التشتوشية السادسة عشرة :

          كل من قرأ تشتوشياتي ضحك مني واستعرض رجولته علي ، ولكنَّني أقول لكم :

          من حولك تشاتيش كثرٌ !!!

          قد تعجب أخي القارئ من العنوان ... وتقول : ماذا يقصد بقوله ؟

          ولكن توقف قليلاً وتأمَّلْ في شرائح الناس حولك فستجد العجب العُجاب ..

          التشاتيش من حولك في كلِّ مكانٍ ، في عملك ... في مدرستك ... في جامعتك ... في النادي .... في الشارع .... ربَّما وراء كلِّ شجرة ... أو تحت كلِّ حجرة ... ولعلَّك لو دخلْت الحمَّام وفتحْتَ الصنبور ( الحنفية ) لنزل لكَ تشتوش ...

          وأمثلة ذلك كثيرة ... منها :
          العاشق الذي لا يقول لمعشوقته : " لا " ... بل يقول لها : " سأجلب لكِ لبن العصفور " ... لبن العصفور !!
          إذن هو تشتوش !


          الموظف الذي يقول لمديره : " قراراتك صائبة .. حكيمة ... وبصيرتك نافذة ... لا يُوجد منك اثنان " ... ثمَّ يخرج ليقول : " واللهِ سلينكو / شخصية لاذقانية / يفهم أكثر منك ".
          إذن هو تشتوش !


          الطالب الذي يقول لأستاذه – في الجامعة لا في المدرسة لأنَّ طالب المدرسة ولله الحمد لا يحترم أحداً - : "أنتَ أول أستاذ أفهم عليهِ بهذه الطريقة الرائعة " ... ثمَّ يخرج ليقول : " عندما ينتهي الامتحان وأنجح لكلِّ حادثٍ حديث ".
          إذن هو تشتوش !


          حضرْتُ مرةً صاحباً لنا أراد شراء جوَّالٍ – موبايل كما تقولون – فلمَّا عرض البائع عليهِ أنواع الجوالات اتصل بزوجته : " حبيبتي رورو ما رأيك أأشتري نوكيا أم موتورولا ؟ " ثمَّ أنصت لها وقال : " حياتي أأجلبه بكاميرا أم بدونها " ومن هذه الأسئلة التي جعلت البائع يضجر منَّا وكاد يطردنا ... ولمَّا خرجنا قلت له : " الجوال لكَ أو لحبيبتك رورو !! " فقال : " بل لي لماذا تسأل ؟ ! "

          نظرْتُ له شزراً ثمَّ انفجرْتُ بالضحك لأنني وجدتُ نفسي أمام أكبر تشتوشٍ في العالم !!!!!!!!!!!


          فهل تأكدتم من أنَّ التشاتيش فعلاً من حولكم في كل مكانٍ !!

          فكفوا عن الضحك مني

          وكلَّ تشتشةٍ وأنتم بخيرٍ ..



          الكاتب: سامر خالد منى



          تعليق


          • #20
            التشتوشية السابعة عشرة :
            رمضانيات


            كلكم مسرور وسعيد برمضان ، وليالي رمضان العذبة والسوس والخرنوب والتمر بالكسيبة وخبز رمضان في الصليبة التي تشعر فيها بأنَّ رمضان غير العالم كله ...

            وكلكم يستمتع بموائد رمضان العامرة بالفتوش والكبة نية والشوربات ... وبعضكم بعد الفطور يضع الأركيلة وفنجان قهوة ويستمتع بالجو الرمضاني المتميز بعد صلاة التراويح ... إلاَّ أنا !!!!

            منذ اليوم الأول عدت من عملي منهكاً متعباً من الجو الحار جداً .. ومن معاناة اليوم الأول التي يعانيها الصائم ، ومع ذلك قلتُ لنفسي أن أمرَّ عصراً على الصليبة لأحضر السوس والخرنوب وخلافه .. وهكذا تراني انوءُ بحملي صاعداً على الدرج وانا أمنِّي نفسي بقرب الفطور -بعد ساعة - حيث لم يبقَ إلا القليل وأستمتع بأطايب الطعام ..

            ولكن وآه مليون مرة من لكن هذه ...

            بعد حربي المتواصلة مع السلم وحملي الثقيل قرعْتُ جرس الباب وأنا أمسح عرقي بكم قميصي إذ فتح لي دراكولا ... فاستعذتُ بالله من الشيطان الرجيم ...فعلا الصوت الرجولي :
            " ما بك يا حوبة تستعيذ هل رأيت الشيطان ؟ "

            وأدركْتُ أنَّها حماتي - وهذه المصيبة الأولى في أول أيام رمضان - فقلتُ مدارياً اشمئزازي وراسماً ابتسامةٍ كاذبةٍ :
            " أنا أستعيذ من هول السلَّم يا حماتي " .
            قالت بلؤمٍ : " قلت لنفسي لا يجوز أن أترك ابنتي أول يومٍ دون أن أساعدها " ..
            قلْتُ منافقاً : " حلت علينا البركة " .

            المفروض أن تعزمنا أول يوم كما كانت تفعل أمي رحمها الله ولكنَّكم بتم تعرفون جبروت حماتي وصلفها ولذا آثرت طريق السلامة كيلا أصطدم بها ونتشتاتم ويضيع صيامي !!

            دخلْتُ المطبخ ووضعت الأغراض ولكنِّي لم أجد حرمنا المصون لأتفاجأ - وهذه المصيبة الثانية - أنّ الغاز مطفأٌ ولا شيء قد أُعدَّ فتمتمتُ :
            " يا سلام وقال شو جاية تساعد بنتها "

            صرخت بأعلى صوتي : " أين أنت يا زوجتي ؟ " .
            وبعدما كررتُ النداء جاءت بتثاقلٍ وقالت : " لم تصرخ في هذا اليوم الرمضاني الهادئ ؟ "
            قلت لها : " أين الطعام ؟ " .
            قالت : " متعبةٌ أنا من الصيام فلم أقدر على فعل شيءٍ " .
            قلت : " وأمك لماذا لم تطبخ ؟ " .
            كشَّرت عن أنيابها : " تريد من أمي وهي ضيفتنا اليوم أن تعمل عندنا ... استحِ على وجهك " .

            تنبهتُ إلى صوتٍ عالٍ في البيت !!
            قلْتُ لها : " ما هذا الصوت العالي ؟ " .
            قالت : " نتابع مسلسل باب الحارة و ..... " .
            قاطعتها : " أعرف تباً للتلفزيون ومسلسلاته التي أهلكتنا !! " .
            نظرتْ لي ببرودٍ وقالت : " اللهم إني صائمة فلن أردَّ عليك " .

            قلت بغيظٍ شديدٍ : " وماذا سنأكل ؟ " .
            قالتْ ببرودها : " رمضان ليس للأكل والشرب كما قال الشيخ في قناة اقرأ " .
            قلت بغضبٍ : " ألم يقل لكم الشيخ أنَّ المسلسلات حرام , ........ " .
            قاطعتني : " دع الشيخ وشأنه وهاك المطبخ أمامك فافعل ما شئتَ " .

            صحْتُ بغضبٍ : " أنا ذاهبٌ لأفطر عند أخي " .

            *********************************
            قالت حرمنا : " نريد كأس سوس " .
            نظرْتُ إلى حماتي التي تأكل آخر فخذةٍ من الفروج الذي التهمته وحدها ، وقلت لها :
            " تكرم عينك " .

            وتطلَّعْتُ إلى أخي الذي كان يرمقنا بغيظٍ مكظومٍ وهو يرانا نلتهم إفطاره أول يومٍ !!

            وهززْتُ كتفيَّ مقهوراً وأنا أتمتم :
            " حاضر يا روحي ... من فضلك يا سليم أريد كأس سوسٍ لزوجتي " .



            تعليق


            • #21
              التشوشية الثامنة عشرة

              حمودة

              كلكم تعرفون أخي الصغير (حمودة) لو قرأتم تشتوشية (انس همومك) !!

              المهم ردَّ لي أخي هذا ثقتي بنفسي وشعرْتُ أنَّني لست التشوش الوحيد في العالم، بل ربَّما فاقني تشتشةً !!

              لماذا ؟

              اسمعوا حكايته - المسكين - !!!

              بدأت حكايته عندما جنَّ حمودة بفتاةٍ - وأقول جنَّ لا أحبَّ -

              نعم لقد أصابه هوس أن يحب امرأةً ليتزوجها، وهو على الحديدة - حسب التعبير العامي- لا يملك شروى نقير ... كل ما في الأمر أنَّه سافر للإمارات وعمل في شركةٍ صغيرةٍ براتبٍ مقبولٍ ... وظنَّ أنَّ ما معه من نقودٍ قليلةٍ فتحت له أبواب الثراء على مصاريعه .. ناسياً - أو متناسياً - الموجة المرعبة لارتفاع الأسعار التي تجتاح سوق العقارات والتي تصبي الحليمَ فتجعلهُ حيرانَ !!

              وحمودة هذا من النمط المدلل عند أمي - رحمها الله تعالى - فهو آخر العنقود ، وكل طلباته أوامر، ولا أحد في البيت يجرؤ أن يعصيَ له أمراً أو يقولُ له : لآ ... مِمَّا أفسده فساداً لا برء منه ... وكم نصحنا المرحومة أن تخفف دلالها بلا فائدة، وكانت النتيجة أنَّه نشأ شاباً مبذراً مسرفاً ينفق ما معه دون أن يقتصد لغده، ناهيكَ عن عجرفتهِ وعنادهِ وعدم استماعه لنصائح الآخرين وخاصةً من المجرَّبينَ نار التشتشة والزواج أمثالي ..

              حينما عاد إلى اللاذقية خلال إجازته في الصيف الماضي، لم يهدأ البتة، بل صار كالملسوع يبحث عن فتاةٍ ليركِّب عليها عواطفه المتأججة في صدره، ويتخيل أنَّها يحبها وتحبه دونما مراعاةٍ لوضعه المادي في الدرجة الأولى، الأمر الذي أعمى عينيه عن حسن الاختيار..

              وتقلَّب وراء هذه وتلك في شارع بغداد شارع العشَّاق، وأخير اً غرق في حب فتاةٍ أصغر منه بإحدى عشرة سنة، ورأى فيها الجمال والكمال والحُسن والأدبَ وما أبعد ذلك عنها !!

              ولم نعد نراه أبداً بعدها إلاَّ في الرابعة صباحاً من كلِّ يومٍ ، حيث بات يقضي وقته عند أهلها حتَّى قبل أن يخطبها أو نطلبها له ..

              والأدهى أنَّه التقى بها وبأهلها في (سومر) يدخِّنون الأراكيل من نمط المعسِّل الذي يزكم برائحته الأنوف، ويضحكون بصوتٍ عالٍ وغمزت له بعينيها - وتعرفون خبث الأنثى - فوقع صريع هواها، ورفيقه الذي كان معه يعرفهم، فجرَّه إلى طاولتهم كالنعجة إلى المسلخ، فعلَّقه بها شرَّ تعليق ..

              قلت له : " عهدي بك تكره الأركيلة !! " .
              قال : " سأجعلها تتركها " .
              فقلت له : " غيرك كان أشطر !! كلهنَّ يتظاهرن بطاعة الخطيب وعندما يصبح زوجهنَّ يذقنه المرَّ والويل " .
              قال نافشاً صدره : " أنا غيركم جميعاً ... فرجولتي ستريكم من أكون ؟ "
              نظرْتُ لشاربه الذي لم يكتمل نموه بعد وقلت :
              " أنت عنيد... ولا تقبل بالنصيحة !! ".
              قال بصلف : " حياتي وأنا حرٌّ بِها " .
              قلْتُ له : " ستندم لاتَ لا ينفع النَّدم " .

              وقالت لي حرمنا المصون حينما رأت ولهه العجيب بها :
              " شوف التشوش الثاني شو عم يعمل !! هه "

              وبيني وبينكم لم أفهم مدلول عبارتها من أنَّها تقصدني بالتشتوش الأول إلاَّ متأخراً، وإلاَّ أوقفتها عند حدِّها فأنتم تعلمون رجولتِي التي ورثها عنِّي أخي الصغير حمودة !!

              وسافر المتعوس حمودة وهو يظن أنه أسعد رجل في العالم بعدما أنفق مئة وخمسين ألف ليرة ذَهَبَاً لها، نعم صدِّقوا المجنون أنفق كل هذا المبلغ وهو لا يملك نصفه ... ورحل إلى الإمارات مديوناً بسببها!!

              وبدأت الاتصالات من الإمارات لها ... بالساعات يومياً ... ولا أبالغ لو قلت : إنَّ هذه الاتصالات ابتلعت أكثر من ثلثي راتبه .. والمسكين يتوهم أنَّها غارقةٌ في حبه .. ناهيك عن طلباتها التي لا تنتهي إلا بجبلٍ من النقود ...

              قالت لي حرمنا : " لا أدري ماذا أعجب هذه الشلفونة به ؟! " .
              قلتُ لها : " كما أُعجبت أنتِ بي " .
              قالت لي : " يا له من إعجاب !! لكنََّك على الأقل تعرف كيف تتكلم وليس مثله .. أمَّا هو فلا يحسن منطقاً ولا عبارةً ... " .
              قلت لها : " قالت العرب : كل فتاةٍ بأبيها معجبة !! " .
              قالت : " لكنَّه لم يتأجل من عسكريته ... وليس عنده بيت " .
              قلت : " هو شاب نبت شاربه ويعرف كيف يدبِّر نفسه " .

              وتذكَّرْتُ شاربه الذي لم ينبتْ بعدُ جيِّداً ...

              ======================================

              اتصل حمودة بي من الإمارات هو يبكي، فقلت له وجلاً :

              " خيراً مالك تبكي ؟ هل حدث لك شيءٌ ؟ " .

              قال : " بنت الكلب " ...

              قلْتُ له بسذاجةٍ : " هل تربِّي كلباً في منزلك ؟ " .

              وانهال بفيضٍ من السباب لحماقتي ، وسيلٍ آخر من السباب على من كانت خطيبته ........ - واعذروني من ذكر المسبات لأنَّني لو ذكرتها لحذفتها الرقابة - وقال شاكياً باكياً بعدها :

              " أنفقت عليها الكثير ... ثمَّ هجرتني ".

              قلْتُ : " أمتأكدٌ أنت ؟ " .
              قال : " نعم لم تعد تردُّ على هاتفي ... ومنذ ساعة ردَّ عليَّ رجلٌ ...
              صمت وهو يَشْرقُ مُخاطه وتابعَ :


              قال لي : ماذا تريد؟

              قلت له : أريد أن أكلِّمَ خطيبتي ...

              فقال لي : هذا رقمي أنا ...

              ظننْتُ نفسي مخطئاً وقلت له : لكنْ من أنت ؟

              قال لي بعد ضحكةٍ طويلةٍ :

              خطيبها السادس يا أحمق !! "

              وأغلق السمَّاعة بوجهي ...


              انتهى كلام حمودة معي ...

              هل عرفتم لماذا قلت لكم إنَّه أكثر تشتشةٍ مني؟!!

              أنا على الأقل تزوجت من أم أربعة وأربعين حرمنا - وليتها فعلت كخطيبة حمودة - أمَّا هو فعاد بِخُفَِّي حنين !!



              تعليق


              • #22
                التشتوشية التاسعة عشرة :

                القاووش

                *********


                القاووش أو النظارة أو الليمان كلُّها مسمياتٌ لشيءٍ واحدٍ هو غرفة الحبس قي مخفر الشرطة ...
                بعض الخبثاء يسميه : (بيت خالتِي)، ولكنَّ خالتِي امرأةٌ طيِّبةٌ جداً أحبها وتحبنِي، ولا سيَّما أنَّها تكره الحيزبون التِي في داري، ولعمري هذا سببٌ جوهريٌّ لأحبَّ خالتِي أكثر، ومع هذا لا أدري لماذا يسمون السجن ببيت خالتي ؟!
                من هذا المكان المظلم مع عتاولة المجرمين من لصوصٍ وقتلة وحشاشين أكتب لكم تشتوشيتي هذه ..
                وتتساءلون : ما الذي جاء بي إلى هنا ؟
                بعضكم أو لنقل : معظمكم استنتج أنَّها حرمنا – غراب البين – سبب بليَّتِي، لأنَّ كل مصائبِي بسببها !!
                ولكنَّكم جميعاً لا تعرفون : كيف ؟


                ***********************

                يوماً ما قرأْتُ مقولةً تقول : "وراء كل رجل عظيم امرأة" .
                لو أعرف من قالها لخنقته بيديَّ هاتينِ ولقلتُ له :
                "وراء كل مصائبِي شمطاء" لأنَّني أخجل من تسمية هذه البليَّة التي بُليتُ بها (امرأة).
                رحمك الله يا أمي ما الذي جعلكِ توافقينَ على خطبتِي فالزواج منها؟
                ولعلمكم عارضت المرحومة أشدَّ المعارضة فهي كامرأةٍ خبيرةٍ حصيفةٍ أدركتْ أنَّ حرمنا خبيثة سليطة اللسان رغم أنَّها كانت تلبس رداء البرءاة أمامها ولكن هيهات أن تخدع أمي رحمها الله، ولكنَّني أنا الـمُغفَّل الذي أصررْتُ على الاقتران بِها قائلاً: (هي أو لا امرأة بعدها).

                وأذعنتِ المرحومة قائلةً : (ستجنِي الشوك بيديك) .

                رحمك الله يا أمي ما أحصفكِ !
                فعلاً ها أنا ذا أقتلع الشوك بيديَّ ..

                نصيحة لكل العزابية : لا تتزوجوا إلا من ترضى عنها أمكم ، ولئن كانت أمكم متوفاة فلا تتزوجوا أبداً !!


                ***********************

                لا أدري ما الذي يجعل الشباب يجنون ويجرون كحمرٍ مستنفرة وراء الزواج!!

                ************************

                دعوكم من المقدِّمات التِي لا بدَّ منها لمن يقرأ حماقاتي وتشتوشياتي!!
                آخر تقاليع حرمنا أنَّها قرَّرتْ أن تتعلَّم قيادة السيَّارة.
                - ليست فيفي وميمي وناغي أحسن منِّي !!
                قلْتُ لها : - ومن ناغي ؟
                قالتْ : - ناريمان هي ناغي.. زوجة عمَّار الجواهرجي.
                قلْتُ : - أول مرة أسمع أنَّ دلع ناريمان هو ناغي .
                قالتْ : - لأنَّها تلدغ بحرف الراء فتنطقه غيناً .
                قلْتُ : - ومع ذلك ما علاقة ..............؟
                قاطعتنِي بصوتِها الرجولي الصابري :
                - هات ثماني آلاف ليرة لأدفعها لمدرسة السياقة.

                ولأنَّني تعلَّمْتُ أنَّنِي الخاسر معها في كلِّ جدالٍ ونقاشٍ أعطيتها النقود قائلاً : - لعلمك لم يبق معنا إلاَّ أربع آلاف ليرة لآخر الشهر .
                قالتْ : - ستبقى جاهلاً ... السيارة صارتْ موضة العصر وهي أهمُّ من الأمور التافهة .
                قلْتُ : - وهل صار الأكل والشرب أموراً تافهةً ؟!
                قالتْ بنبرةٍ خشنةٍ زادتْها قُبحاً :
                - لماذا تركب أنت سيارةً؟
                قلْتُ متلعثماً : - لأرتاح من عناء المواصلات إلى الشغل و ....
                قالتْ : - ومن حقِّي أن أرتاح من عناء انتظار الباص أو التاكسي.
                نسيْتُ أن أخبركم أنَّني اشتريْتُ سيارةً وهو ما دفع أم أربعة وأربعين لتتعلَّم سياقة السيارة.

                طبعاً أنا لا أملك ثمن سيارة ولكنَّ عمِّي البخيل الذي عاش عزباً كلَّ عمره – وكم أغبطه على خطوته الجريئة – ترك للعائلة ثروةً لا بأس بها وكان نصيبي نصف مليون ليرة.. وفوراً – قبل أن تبدِّدها المبذِّرة- اشتريت سيارة من نوع (دايو متيز) الكورية وهي صغيرة كما تعلمون، وكان هدفي ألاَّ تركب الحيزبون فيها، فضخامتها لا تقلُّ عن ضخامة الفيل وبشاعة الغوريلاَّ، ولذلك اعتقدْتُ أنَّها لن تركب معي..

                ولكن ...
                كما قلْتُ لكم من قبلُ مليون آهٍ من كلمة (لكن).
                فاجعتْنِي – لا فاجاءتنِي- بنيتها تعلُّم قيادة السيارة، وكالعادة عندما تغيب أشعر بالهناء والراحة وأجلس مطوَّلاً في الشرفة أشرب الأركيلة وحدي وأحتسي القهوة المُرَّة التِي صرْتُ أشربها في عهدها لأنَّها أحالتْ حياتِي جحيماً.
                ولأنَّ حرمنا أذكى من (الحُبارى) – بل الحُبارى أذكى منها – وهو لمن لا يعلم حيوانٌ غبيٌّ تضرب العرب المثل بغبائه !! فلم يكن الأمر سهلاً كما تصوَّرتْ... باتتْ عندما تعود مساءً من مدرسة القيادة تنسى أن توبِّخنِي وتصبُّ جام غضبها على المدرِّب الذي ابتُلِي بِها، وإنِّي لأجزم أنَّ المدرِّبَ مغضوب الأبوين وإلاَّ ما ابتُلِيَ بحرمنا، وصرْتُ أشفقُ عليهِ منها، فما ذنبهُ أن يعلِّم ذات المخ السميك، وفكَّرْتُ أن أشتريَ له هديةً قيِّمةً لأنَّه استطاع إزعاجها!!
                ولأنَّه ضايقها فعلاً صرْتُ أتخيَّله ممشوق القوام، رياضيَّ الطلَّة، عريض المنكبين، ذا عضلاتٍ مفتولةٍ، حتَّى التقيْتُهُ صدفةً، ويا لها من صدفةٍ !!

                كنْتُ متوجِّهاً إلى المنطقة الصناعية لأركِّبَ للسيارة جهاز تحكُّم كما نبَّهنِي لذلك صديقي يوسف، فرأيتُها تركبُ في سيارة التدريب وبالكاد رأيته لضآلة حجمه الذي يذكِّرك بالأطفال في المدرسة الابتدائية، ورأيْتُهُ مذعوراً وجلاً منها، لا ريبَ عندي أنَّها كانت تسمعه موشحاتها في الشتائم التِي تفوق سائقي (موتورات المشنص أيام زمان)، والمسكين ملتصقٌ بالنافذةِ مبتعداً عنها قدر الإمكان، وأمَّا هي فبجهامتها كانت تملأ مقعدها ونصف مقعده، وبالكاد تستطيع تدوير المقود والسيارات تفرُّ من أمامها ومن خلفها لأنَّها تتمايل بسيارة التدريب كالسكران، ومن هنا عرفْتُ سرَّ عدم تعلُّمها القيادة، ووقر في ظنِّي أنَّ المدرِّبَ لخوفه منها لا يجرؤ أن يطلب استبداله بغيرهِ!!

                الناسُ مهما بلغ توترهم تنجح بعد مرتين أو ثلاثة من اختبارات القيادة التِي تجريها شرطة المرور للمتدرِّبينَ الجُدد، إلاَّ حرمنا التي شاء الله تعالى أن أرتاح كلَّ يومٍ لساعاتٍ منها ولأكثر من ستة شهور، فهي قد رسبتْ عشرينَ مرَّةً، وفي نهاية المطاف ملَّ – أو فزعَ – الضابط المسؤول عن اختبارات القيادة فأعطاها الرُّخصة وهو صاغرٌ، يريدُ الخلاصَ وحسب.

                جاءتنِي ظهر ذلك اليوم المنحوس يوم الثلاثاء وابتسامة تعادل ابتسامة فرس النهر على وجهها، وهي تنهق بصوتٍ أجفل منه أهل البناية النائمين :
                - بارك لي يا حبيبِي نجحْتُ أخيراً ...
                توجَّسْتُ – كالعادة من هذه الكلمة – وتابعتْ بإصرارٍ :
                " لا بُدَّ من أن تركب معي لترى مهارتِي" .
                قلْتُ لها مرعوباً : " لا أرجوكِ لا زلْتُ صغيراً وأريد أن أستمتعَ بحياتِي".
                قالتْ لِي " دون نقاش أنت الخسران ... على كلٍّ هات المفاتيح سأذهب لأغيظ ناغي التي قالتْ لباقي الشلة سأدفع عشرة آلاف ليرة لو أخذْتُ رخصة القيادة".

                نزلْتُ معها لأساعدها في الدخول من باب السيارة الضيق على حجمها، وبعد جهدٍ جهيدٍ تمكَّنت من الركوب، وأدارت السيارة ودعست الحمقاء على دواسة البنزين فقفزت السيارة من مكانها وصدمتْ رجلاً عجوزاً كان ماراً بالصدفة، ولقوة الصدمة ارتمى أرضاً وقد فارق الحياة!!

                وما حدث بعدها كان أغرب من الخيال ... فقد هُرعت إلى الرجل أتفقده، وفي الوقت ذاته – ولا أدري كيف؟ – فرَّت حرمنا بعدما تركتِ السيارة دائرةً، ولم أشعر إلاَّ بيدٍ من حديدٍ تقبض على ثيابي من الخلف وإذ برجلٍ يقول لي :
                " يا مجرم قتلْتَ أبي !! "
                قلْتً خائفاً : "لستُ أنا بل هيَ؟"
                وأشرْتُ لحرمي ولكنَّ السيارة كانت فارغةً، وقال الرجل :
                "طبعاً هي السيارة ولكنَّك كنْتَ من يقودها!!"
                وأُسقطَ في يدي !

                ****************

                كانَ الرُّجلُ ابنُ المتوفَّى صادقاً فردَّ الأمر أمام القاضي للقضاء والقدر وليس التعمُّد، وحكم القاضي عليَّ بمليون ليرة تعويضاً، ولأنِّني لا أملك إلا نصفها وهو ثمن السيارة - ولم أكن أعلم أنَّ حرمي وأمها البلدوزر قد احتكرا سيارتي الجديدة لهما - ، وجدْتُ نفسي محبوساً مع عتاة المجرمين بانتظار تدبير المبلغ.

                **************

                قالت لها الشمطاء أمها : " اتركيه في السجن لعله يصبح رجلاً فالسجن للرجال" .

                لأول مرة تحرَّكت عواطف حرمنا وقالت : " حرام يا أمي سأبيع الذهب له وأدفع الدية ... فأنا السبب " .

                قاطعتها البلدوزر قائلةً : " اخرسي يا حمقاء لا يسمعنَّك أحدهم فتحبسي مكانه، على الأقل يا غشيمة السيارة لكِ ولي الآن".

                نظرتْ لها فرأتْ على وجه أمِّها البلدوزر ابتسامةً صفراء فقهقهتْ حرمنا كما يقهقه المجرمون في السجن معي، وبادلتْها أُمُّها بقهقهةٍ مثلها:
                ((نياهاااااااااا))


                ***********************

                ولا زلْتُ بعد شهورٍ أنتظر يوسف الذي بدأ حملةً واسعةً للمِّ التبرعات لمنكوب الحياة الزوجية والتشتشة!!




                تعليق


                • #23
                  التشوشية العشرون :

                  نور .... ما بعدها نور !!!

                  كثيرون تابعوا هذا المسلسل السخيف التافه (نور ومهنَّد) والذي صنَّفته في قائمة المسلسلات الهابطة التي لا قيمة معنوية أو أخلاقية له، والأدهى أنَّني سمعْتُ في بلدٍ عربيٍّ متظاهرين يلبسون بلوزاً عليها صورة نور ومهنَّد أمام مسجدٍ قال إمامه قولة الحقِّ من كون المسلسل هابطاً أخلاقياً، ولكنْ من يستجيبُ لنداء العقل في هذه الأيام السوداء!!

                  ********************

                  مع اعتذاري للشيخ فالمسلسل فعل ما تعجز عنه المدافع والطائرات حيث جمع أمام شاشة التلفاز – ساعة عرضه أو إعادته – كلَّ التافهين والحمقَى أمامه، وأقترح على رجال الشرطة تقديم جائزة للممثلين لأنَّهم أراحوهم ولو لساعة من عبء الجرائم ...
                  وصار الناس شيباً وشباناً في سوادهم الأعظم يتابعون المسلسل، وحذارِ أن تزور أحداً خلال عرضه فلن يستقبلك !!

                  مرةً دخلْتُ إلى دكَّان أبي محمد الذي شارف الثمانين وكاد يعانق قبره لأشتريَ بعض الأغراض، فكنْتُ أكلِّمه فلا يستجيب لي فرفعْتُ صوتي فحوَّل بصره عن التلفاز في غضبٍ شديدٍ وقال لي :
                  - لعمى بعيونك – أي أعمى الله عينيك – ألا تراني أتابع نور الجميلة الفاتنة ..
                  كدْتُ أقول له ماذا أُريد ولكنَّه أدار وجهه اشمئزازاً نحو التلفاز يتابع في نهمٍ كلَّ كلمةٍ وحركةٍ ... ونظرْتُ له ودمعةٌ تترقرق في عينيه على وجهه المليء بالتغضنات حزناً على شيءٍ ما في المسلسل !!
                  أرأيتم نموذجاً من تفاهات الناس!!


                  ********************

                  وليستْ حرمنا بأقلَّ تفاهةً من سائر الناس، بل هي تفوقهم تفاهةًٍ وحمقاً وبلاهةً حيث كنْتُ أراها وقد جلست أمام التلفاز تتابع المسلسل بشغفٍ كبيرٍ، وقد وقف شعرها المنكوش – دلالةً على استمتاعها – ويسيل خيطٌ من اللعاب من فمها شأن أخواتها نزيلات العصفورية !!

                  وتراها قد فقدتْ حواسها إلا عيناً ترى وأذناً تسمع وحسب، والويل والثبور لي لو طلبْتُ منها شيئاً ساعة بثه، وإنَّما أفعل ذلك بين الإعلانات التي يتكرَّم المسؤولون عن القناة بوضعها لراحة أمثالي ممن لا يأبهون بهذه السخافات، وتقضيها حرمنا تسبُّ كأبناء الحواري:

                  - أبناء الكلب ............... لماذا يقطعون هذه اللحظات الثمينة علينا؟

                  ولأنَّ الشيطان يسحر الناس في مثل هذه المستنقعات من الرذائل، طال المسلسل لأكثر من المئات في حلقاته ..

                  ولأنني مرةً بحثْتُ عن الكرافتة – ربطة العنق – فلم أجدها وسألت أم أربعة وأربعين عنها فلم تجبنِي ، فأمسكت بجهاز التحكم وأطفأت التلفاز فقفزت كالنسر على فريسته تمسك برقبتِي بيديها القويتين كقبضتي محمد علي كلاي وهي تقول :

                  - ماذا فعلْتَ يا حيوان ؟

                  وأيقنْتُ بالهلاك وأنا لا أكاد أستطيع التقاط أنفاسي ولولا أنَّ يدي ضغطت على زر إعادة تشغيل التلفاز فرجعتْ كالأرنب المستكين أمامه لهلكْتُ شرَّ مهلكٍ، ولأصبحْتُ أوَّلَ شهيدٍ في التاريخ يُسمَّى شهيد (نور ومهنَّد)!!


                  ********************

                  بمرور الوقت صار كل حديثها إمَّا عن نور وإمَّا تقليداً لصوت نور وتخيلوا معي صوتها الشبيه بأخيها أبي صابر كيف يمكن له أن يكون رقيقاً كصوت نور، بل الأمرُّ أنَّها صارت تقلِّد نور في مشيتها، وتتغنَّج أمامي قائلةً :

                  - ألسْتُ أجمل من نور ؟

                  فأنظر إلى بطنها المتدلِّي أمامها وإلى خصرها الذي يبلغ محيطه مترين دون مبالغةٍ، وأكاد أفاجعها بالحقيقة ثُمَّ أتذكر قبضتيها فأتحسَّسُ رقبتِي وأنا أقول لها منافقاً:

                  - فشر أنتِ أحلى !!

                  فتبتسم بفمها الواسع الذي تخاله فكي التمساح وتقول لي :

                  - شكراً يا مُهنَّد !!

                  أي واللهِ صارت تراني أمامها نسخةً من مهنَّد وأنا لا أزعم لنفسي الجمال إلاَّ لو كان عود القصب الذي يحمل رأس قردٍ جميلاً !!


                  ********************

                  يبدو أنَّ ناغي صديقتها المزعجة بانتقادها والتي صرْتُ أعتبرها ضمنياً حليفاً استراتيجياً لي – على رأي أهل السياسة – حيث جاءت حرمنا مرةً وقد احمرَّ وجهها القبيح وهي تقول :
                  - هذه الآفة المزعجة ..
                  - من نور ؟
                  - (باحتقار) نور آفة يا متخلف عقلياً .
                  - عمَّن تتكلمين .
                  - الوغدة ناغي ..
                  - ماذا بها ؟
                  - تتهمني بأنَّ رشاقتي لا تبلغ رشاقة نور، بل تمادت زاعمةً أنَّني لو مثَّلْتُ مع نور في دور الفيل لنجحْتُ نجاحاً باهراً ..
                  الحق أنَّ ناغي هذه تروق لي جداً .
                  - ولا يهمك يا أرق من النسمة إنَّها تغار من جمالك الفتَّان!!
                  نظرتْ لِي لتتأكَّد من أنَّني لا أسخر منها فتصنَّعْتُ الجِدَّ فهزَّت رأسها عالمةً أنَّني أفوق عبد الله بن سلول في نفاقه فتمتمتْ بكلامٍ أعلمه يقيناً سباباً لي ولعائلتِي !!


                  ********************

                  جاءتْنِي في اليوم التالي وقالتْ :
                  - هات عشرة آلاف ليرة ..
                  نظرْتُ لها متعجباً من فداحة المبلغ فتابعتْ :
                  - سأثبت لناغي أنِّني أرشق منها ومن نور !!
                  قلْتُ بصوتٍ مخنوقٍ : - كيف ؟
                  قالتْ : - التحقْتُ بنادي الدلفين للرشاقة ..
                  الله يخرب بيتك يا ناغي هل من الضروري أن تستفزي هذا البركان الذي أمامي ..
                  وتعلمون أنَّنِي لا أقوى على معارضتها ، فمنحتها النقود مع سيلٍ من اللعنات عليها وعلى نور وعلى القنوات الفضائية وعلى ناغي وعلى البشرية جميعاً .... وكعادتها حين تنال النقود تنصرف هادئةً مهما ثرْتُ وغضبْتُ فقد نالتْ بغيتها !!

                  ********************

                  والحقُّ أنني استفدْتُ كثيراً إذ منعها مدرِّبها عن تناول الطعام وبدأْتُ أنهل من أطايبه بعيداً عنها فكانت ترمقنِي بضيقٍ شديدٍ أتناول الفراريج واللحوم وتوشك أن تتكلَّم فأقول لها :
                  - تذكري يجب أن تسبقي نور في رشاقتها !!
                  فتسكتُ على مضضٍ ولسان حالها يصب الويلات عليَّ وعلى مدرَِّبها فهي شرهةٌ جداً للطعام !!
                  والغريب أنَّها وبعد شهرٍ من عذاب الإمساك عن الطعام بدأن تنحف بشكلٍ ملحوظٍ ، وصارت تتباهى برشاقتها ولكنَّ وجهها الذي ازدادا نحولاً صار أشبه ما يكونُ بالسلاقي ، وهو من فصيلة الكلاب طويلة الوجه !!

                  ويبدو أنَّ ابن الرومي عندما قال :

                  وجهك يا عمروٌ فيهِ طولُ *** وفي وجه الكلابِ طولً

                  يقصد حرمنا لأنَّها بملامحها الذكورية تستحق اسم عمروٍ ليصدق فيها قول ابن الرومي !!


                  ********************

                  تعلمون أنَّ دوام الحال من المحال !!
                  فقد انتهى المسلسل – سامح الله القناة التِي تعرضه – وانتهت حُمَّى مسلسل نور من أذهان الناس ... وبدأت أم أربعة وأربعين تعود لسابق عهدها ...


                  ********************

                  كنْتُ قد دعوْتُ أخي سليم للغداء عندنا بعدما اشتريْتُ ثلاثة فراريج مشوية وكيلو من اللحم المشوي ... ونقصنا بعض الفاكهة فذهبْتُ عند أبي محمد الذي استقبلنِي بابتسامةٍ عريضةٍ – وكأنَّ شيئاً لم يكن أيام المسلسل التافه – وعدْتُ للمنزل لأجد البلدوزر أمها فتفاجأْتُ بها ولم تكلِّمني كعادتها بل أدارتْ وجهها فهي لا تطيقني كما لا أطيقها ..

                  وحين جاء أخي سليم وزوجته وضعت حرمنا أطباقاً من الزيت والزعتر والزيتون وما شابه ذلك .. وتركتني وذهبتْ للمطبخ عند أمها ..

                  وخرس لساني فقال لي أخي :
                  - خيَّبك الله أتعزمني على هذا الغداء ؟!

                  ذهبْتُ للمطبخ أستفسر فوجدْتُ المفجوعة حرمنا تلتهم آخر فخذة دجاج وأمها تتناول بكل يدٍ سيخين من أسياخ اللحمة .. وبادرتني البلدوزر :
                  - ما لك تنظر لنا كالمحرومين ؟

                  قلْتُ لحرمنا : - وأخي !!!
                  قالتْ حرمي : - اللحم يرفع الكوليسترول ... ثمَّ قوامه هكذا وزوجته يشبه قوام مهنَّد ونور ... حرام أن يضيِّعا رشاقتهما !!
                  فنظرتْ لِي البلدوزر وهي تأكل آخر سيخ لحمة وضحكتْ وقطع اللحم تتناثر في وجهي :

                  - نيا هاااااااااه ...

                  وحين عدْتُ للصالة لم أجد أخي وزوجته بل ورقة مكتوب عليها:
                  " متى ستصبح رجلاً لا تشتوشاً ؟" .

                  فطفرتْ من عينِي دمعةٌ وقلْتُ :
                  - حتَّى أنت يا سليم !!




                  تعليق


                  • #24
                    التشتوشية الحاديةُ والعشرون

                    *********************


                    عليك اللعنة !!

                    ***********




                    - عليك اللعنةُ أيُّها الوغدُ القذرُ !!

                    نظرْتُ لها مبهوتاً وقد فرَّ النومُ من عينيَّ وأنا في فراشي في قيلولةٍ ما بعد الظهر .

                    - سأنـتقمُ منك شرَّ انتقامٍ !!

                    حدَّقْتُ فيها وقد استلَّت سكين المطبخ الطويلة التي أستعملها في تقطيع اللحم عندما أطبخ الطعام لهذه المفجوعة التي بتُّ واثقاً أنَّها جائعةٌ وتريد أن تلتهمني نيئاً دون طهيٍ..
                    وقفزْتُ من فراشي كالملسوعِ .. أفرُّ من وجهها الذي انقلب - أو قل عاد - إلى هيئة غولٍ وهي تلوِّح بالسكين من ورائي وما زال صوتها الصابري يزأر قائلاً :

                    - لتندمنَّ على الساعة التِي خُلِقْتَ فيها أيُّها العتلُّ الزنيم الأثيم !!

                    ولم أجد أمامي إلا التواليت لأختفي فيه وأُغلق الباب فراراً من الغولة التي وقفتْ على الباب تُرغي وتزبدُ مولولةً :

                    - لأقعدنَّ لك على الباب حتَّى تخرج يا أقبح خلق اللهِ قاطبةً !!

                    وخطر لي وأنا أسمعها تنعتني بالقبح جمالها الذي يشبه جمال أفعى الأناكوندا ، ألا تعرفها ؟ لو كنت تعرفها فلقد أرحتنِي من عناء الوصف ، ولئن كنتَ لا تعرفها فأستميحك عذراً في وصفها فأنا نفسي لا أعرفها ولكنَّني أسمعهم يتكلمون عنها، ولا أدري إن كانَ اللفظُ صحيحاً !!

                    لعلَّكم لا حظتم سبابها وشتائمها ، ولا ريب أنَّكم بعدما قرأتم كل اليوميات السابقة اعتدتم عليها ، ولو مضت يومية دون سبابٍ لكرهتموها وأنفتم من قراءتها، ولكنَّ الغريب هو استخدامها للغة العربية الفصحى وهي أجهل من دابَّةٍ في أبواب العلوم والمعرفة كلِّها، فمن أين تعلمتها؟

                    بِما أنَّ بقائي سيطول في التواليت فسأروي لكم جنونها الجديد ، ونظرْتُ إلى حفرة التواليت بنظرةٍ مقهورةٍ ورائحتها تكاد تزكم أنفي وتصيبني بالغثيان ..

                    أليس من المعيب وأنا ربُّ البيت أن أقيم هنا مذعوراً ؟!
                    منك للهِ يا حيزبون يا ابنة الأوغاد !!

                    **********************************


                    بدأ جنونها - أو على الأصح زاد جنونها فهي مجنونةٌ أصلاً - من هوجة مسلسلات رمضان والتي يتفنَّن القائمون على القنوات الفضائية في إضاعة وقت خلق الله في متابعة كل ما هو ساذج وتافه وما لا قيمة له ، ولا أدري أيَّ قناةٍ كانت تعرض مسلسلاً عن العرب في الجاهلية حيث الثأر والقتل والانتقام والعصبية القبلية ، وقلَّما تمضي حلقةٌ دونما إراقة دماء، ناهيكم عن اللغة العربية الفصحى البديعة التي يستخدمها الممثلون بأسلوبٍ بارعٍ ، ولكنَّها لغةٌ تدور في فلك ( عليك اللعنة - أيها الوغد القذر ..... ) مِمَّا سمعتموه منها في البداية.

                    ولأنَّها - أي حرمنا لا اللغة العربية - تافهةٌ كبقية خلق الله الذين يتابعون بشغفٍ هذا الهراء بدأت تتأثر بلغتهم، وليت الأمر توقف عند هذا الحد بل تعدته إلى أفعالهم ، وأكثر من مرةٍ كانت تلتحف بشراشف السرير وتقف أمام المرآة وتحدث نفسها كالمعتوهين ، كما يجري في المسلسل :

                    - سأجعلك يا علقمة تذوق العلقم .

                    وتردُّ على نفسها قائلةً : - الويل لك يابن الوضيعةِ فأنا الحارث فارس بني تميم ، ولسْتُ علقمة ..

                    - خذها من عربيٍّ يأبى الضيم ..

                    وترمي المرآة بعصا الأباجورة بعدما خلعتها واعتقد خيالها المريض أنَّها رمحٌ .. ويتناثر الزجاج على الأرض وعلى وجهها ولحسن حظها - ولسوء حظي - لا تُصاب بسوءٍ وتتابع في هذيانٍ مسعورٍ :

                    - أتضربني وأنا ابن الأكرمين ؟

                    وتمسك بعمود الثياب لتهجم على الخزانة لولا أنني أحوشها خوفاً من تفاقم الخسائر المادية ..


                    وتطور الأمر معها وبدأت تصبُّ عليَّ سيل لعناتِها التي يندى لها الجبين ، فأحملق فيها مبهوتاً من تطور حالتها ، فأهدِّئ روعها خوفاً من ردة فعلٍ حمقاء تؤذيني بها، فتنظر لي في بلاهةٍ وتمضي وكأنَّ شيئاً لم يكن .. وأنا أتمتم :
                    - تباً لهذه الفضائيات التي أتلفت البقية الباقية من عقلها ..



                    مرةً جاء يوسف - صديقي الذي ساعدني للخروج من القاووش - لزيارتي بعد صلاة التراويح ، ففتحت له الباب وهي تضع على رأسها طنجرة الضغط ، والعجب أنَّها تتحمل ثقلها ، ألم أقل لكم أنَّها تضاهي الفيل حجماً وصلابةً ؟!
                    وفي يدها السكين إياها التي تشبه ساطور اللحام ، وبرعبٍ يقول لها :
                    - مساء الخير يا سيدتي .
                    لا تردُّ عليه بل تتأمله بنظرةٍ متفحصةٍ من أعلى راسه إلى أخمص قدميهِ الأمر الذي يزيده ذعراً فيقول لها متلعثماً :
                    - جئتُ لزيارة .....
                    فتقاطعه بلهجةٍ منذرةٍ بالثبور والويل وبصوتٍ جهوريٍّ يحسدها عليه معلقو المباريات :
                    - أنت الهلجامةُ القمين الذي أرسله بنو ذبيان ليؤذوا فرسان قبيلتنا ..

                    فيعجز لسان يوسف عن الردِّ بينما تتابع :
                    - خسئتم يا أبناء اللخناء .. سأذيقكم ويل الحارث التميمي ..
                    وتهمُّ بطعنه فيفر منها فرار الناجي من نارٍ كادت تحرقه وهو يصيح :
                    - الله يلعنك ويلعن الساعة التي تعرفت بها على المنحوس زوجك !


                    وهكذا ما عاد أحدٌ يجرؤ على زيارتنا من صديقٍ أو أخٍ أو قريبٍ .

                    حتَّى كان المشهد الذي افتتحت به يوميتي معها !!
                    وأدركْتُ أنَّه حان الوقت لعرضها على طبيبٍ نفسيٍّ لعله يأمر بِها إلى العصفورية فأرتاح منها ..

                    **********************************


                    فتحْتُ باب التواليْت بحذر عندما شعرْتُ بشيءٍ يرتطم برأسي - ولم يكن غير يد الهاون والحمد لله أنَّها خشبٌ لا نحاسٌ - ولعزم الضربة أقع خلفاً لأسقط في التواليت ويقع رأسي في الحفرة النتنة !!
                    فيثور غضبي وأصيح :
                    تباً لكِ أيتها المأفونة ... والله لأفرجيك الويل والطعن عن جد ...
                    وأهبُّ ثائراً ، وحين رأت غضبتي هربت من وجهي لا تلوي على شيءٍ ..
                    وبعد أن داويْتُ الكدمة على رأسي بقطعة ثلج واغتسلْتُ من القذارة ، خرجْتُ للصالة فوجدتها جالسةً فقلْتُ لها :
                    - البسي ثيابكِ !
                    قالت وهي تنظر متسائلةً : - لماذا ؟
                    قلْتُ لها : - سنذهب عند الطبيب .
                    قالت لي ببرودٍ : - هل أنت مريض ؟
                    رأيْتُ أن أسايرها فقلْتُ لها : - نعم ..
                    قالت لي وقد أعرضت نحو التلفاز تتابع مسلسل (أبطال الديجتال) في قناة سبيس تون ، وتلاحظون من جديدٍ أنَّها لم تعد تتابع إلا الأفلام أو المسلسلات التي فيها قتلٌ وضربٌ وغير ذلك :
                    - اذهب وحدك فأنا مشغولةٌ .

                    وبعد نصف ساعة أقنعتها أنني أخاف من الذهاب للطبيب وحدي ، وهكذا قامت لتلبس ثيابها ، ونزلنا معاً إلى الطريق وما إن رآها الزبال نازلةً حتَّى صاح فزعاً ثمَّ ركب كالأطفال على عربية الزبالة ذات الدولابين وتركها تهبط به في الطريق النازل ، وتذكرْتُ أنَّها رمته بالجبسة مرةً وهي تظن نفسها تقاتل فارس بني عبسٍ ، وكاد الأمر يومها يتطور للشرطة فقد تأذَّى منها لولا أنني طيبتُ خاطره ببعض النقود، وصار من يومها يتحاشى تنظيف الشارع تحت بيتنا خوفاً من شيءٍ يسقط على رأسه موقناً أنَّه (ما كل مرة بتسلم الجرة).

                    **********************************


                    دخلنا عيادة الطبيب النفسي شبه الخالية وطلبْتُ منها الانتظار ودخلْتُ للطبيب أتامل شكله الغريب بشعره المنكوش وتأكدت أنه طبيب نفساني فعلاً، كان مشغولاً بالتهام قطعة (بوظة) يمصها في نهمٍ وشغفٍ ، و ما إن رآني حتَّى قال لي متضايقاً :
                    - تمددْ على الكرسي ..
                    قلتُ : - لكن ..
                    قال لي بضجرٍ : - لا تقاطعني فأنا مشغولٌ جداً ...
                    وكان يرمق قطعة البوظة في حسرةٍ وهو يشاهدها تذوب تدريجياً ، أهذا ما يشغله ؟
                    قلت : - الأمر يا دكتور !!
                    قال لي بلهجةٍ منذرةٍ : - اجلس ..
                    فجلسْتُ وجلاً وتمدَّدْتُ فقال لي : - ما هي مشكلتك ؟
                    حينها سردْتُ عليه حكايتي ... وكان مصغياً يدون ملاحظاته ثم قال لي :
                    - هل المدام معك ؟
                    قلْتُ : - نعم .
                    قال :- أرسلها لي ..
                    توقعتُ معارضتها وأنا أبلغها برغبة الدكتور .. ولكنَّها قامت صاغرةً ..

                    **********************************


                    بعد ساعةٍ خرجا كليهما عليَّ وقلْتُ للدكتور متلهفاً:
                    - طمئني يا دكتور !!

                    لم أنتبه إلى أنَّهما يبتسمان في مكرٍ ويحملانِ معاً أنبوبةً كبيرةً تنتهي بإبرة يُحقنُ بها المريض، وصاحا معاً :

                    - عليك اللعنة أيها الحقير ، سنجعل العرب في سوق عكاظ يعرفون نذالتك وحقارتك بعدما نعلِّق جثتك على باب السوق..


                    فركضْت أسرع من (بن جونسون) بطل العالم في الجري !!

                    وإلى تشتوشيةٍ أخرى ...



                    تعليق


                    • #25
                      التشتوشية الثانية والعشرون

                      ********************


                      أبو سلمى

                      كثيرون يظنون أنني أكبر تشتوشٍ قرؤوا عنه !!
                      على الأقل أنا عرفتموني على الملأ .. ولكن هناك تشاتيش مختفون في الظلِّ، أو كما يقول العوام: (متخفون تحت ثيابهم).

                      هذا المحترم الذي يكتب عنِّي فضحني في أدقِّ تفاصيل حياتي، وأنا لا أعرف عنه شيئاً!!
                      ما علينا ...

                      منه لله !!

                      ***********************


                      سأحكي لكم حكاية عمِّي غسَّان أبو سلمى !!

                      ليس أخ أبي بل هو أبو حرمنا وزوج البلدوزر حماتي، والتي لو رآها بوش لأعلن أنَّها من ضمن قائمة الإرهابيات ولشن عليها حرباً حمقاء ، ولكنه لم يرها فتركني أتلظَّى تحت نيرانِ انتقامها مني ..

                      ولماذا تنتقم مني لا أدري ؟
                      مع أنني أرحتها من ابنتها التي لولاي لكانت أبشع عانس تقتحمه العين !!
                      وتباً لعيني العمياء كيف لم ترها؟!
                      هو القلب الأهوج اللجوج الذي يغرق في مستنقع الحب فيعمي العين عن رؤية القبائح .
                      دعوني من ندب حظي كالمرأة التي تولول على زوجها الميت !!

                      **********************


                      - هات القهوة يا أبا سلمى .
                      طبعاً هذه من البلدوزر التي تخاطب زوجها المسكين والذي طيلة فترة خطبتي لم أره إلا خارجاً من المطيخ لابساً (المريولة) حاملاً القهوة لها.
                      وبكلِّ خنوعٍ يوزع القهوة علينا ويمضي دون أن يفوهَ بكلمةٍ .
                      وكنْتُ أظنه - بادئ بدء - أنَّه يساعد البلدوزر في أعمال المنزل قبل أن أعلم أنَّ كل شغل البيت عليهِ، وكانت تلك علامة لأفرَّ فرار السليم من المجذوم، ولكن كما قلت لكم كانت عيني عمياء.

                      **********************


                      يوم كتب الكتاب جاء الشيخ إلى منزلهم بناءً على رغبة البلدوزر وكان أبي رحمه الله ما زال حياً وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث نصف ساعةٍ قبل أن يتنحنح أبي ويقول :
                      - أين أبو سلمى ؟
                      قالت البلدوزر التي كانت جالسةً معنا - تصوروا - : لماذا ؟
                      قال الشيخ : - لنكتب الكتاب .
                      قالت : - أنا موجودةٌ .
                      قال الشيخ : - لا يصح لا بدَّ لنا من ولي أمر العروس .
                      قالت : - أنا ولية أمرها .
                      وكدنا نعتقد أنَّها فعلاً ولية الأمر لخشونة صوتها ، ولكن الشيخ قال :
                      - لا ... لا .. لا بدَّ من وجود الأب .
                      قامت متضايقةً وهي تزفر بقرفٍ ، وكان أبي يغمزني أمام أعمامها وأخوالها ويشير برأسه لنهرب قبل أن نتورط .. فتصرف أمها البلدوزر دليل على ما سأعانيه مستقبلاً ..

                      ولكنني بحماقتي المعهودة لم أستجب له كالعادة ، كنت أظن العسل موجوداً تحت لسع النحل، ولم أكن أدري - كما أدرك أبويَّ - أنَّ الدبابير ستهجم عليَّ بعد لسع النحل.

                      جاء المسكين بمريولة المطبخ يجفف يديه ويقول بصوتٍ خافتٍ ذليلٍ :
                      - خيراً لماذا طلبتموني ؟
                      قال الشيخ : - نريد أن نكتب الكتاب فعندي كتابٌ آخر بعد قليلٍ .
                      تمتم أبو سلمى : - ولكن ..
                      ونظر لزوجته التي حضرت بهيكلها الضخم فغمزت له أن يجلس ..
                      فجلس ..

                      قال الشيخ وهو يفتح دفتره : - هل اتفقتم على المهر؟
                      قال أبو سلمى بعفويةٍ : - لا يهم المهم العريس ابن ناس وأكابر و ...
                      زعقت البلدوزر كمن وُخزَ بإبرة (الملاحف) فأجفل كل من كان في المجلس وكان ماراً في الطريق:
                      - لم نتفق بعد .. اكتب مليون متقدم ومليونين متأخر.

                      شهق أبي وكاد يُصاب بجلطةٍ دماغيةٍ من غيظه منها فالمبلغ فادح بكل المقاييس آنذاك، فأختي تزوجت من تاجرٍ غنيٍّ بمهرٍ مقداره مائتا ألف مقدم ومثلها متأخر ..

                      قال أبي : - هذا مبلغ ضخم .
                      قالت بنت .الـ..... : من يشرينا لا بدَّ أن يدفع.

                      غمزني أبي بعينيه حتَّى كاد رمشاه يسقطان أن لا توافق ولكنني - ولا أدري أهو الحب أم خوفي من البلدوزر ؟- قلت :
                      - موافق ... فأنتم قومٌ يتمنَّى أن يصاهرهم كل الناس !!

                      أرأيتم غبائي الذي لا يعدله غباء في الوجود ؟!

                      ***************************


                      بعد كتب الكتاب كنت يومياً عندهم أجلس مع حرمنا التي كانت تتظاهر لي بالطاعة والحب آنذاك..
                      ويوماً ما سمعتُ أمها تزأر على أبي سلمى المسكين:
                      - قلت لك قم واشترِ لي فستاناً من (آزارو) .
                      ولعلمكم - ولجهلها الشديد- هو محل ثياب رجالية !!
                      فجاءني صوت أبي سلمى واهناً : أريد أن أرتاح قليلاً ... ثمَّ ليس معي نقود .
                      زعقت : - ليست مشكلتي .. قم يا وغد وإلا بتَّ ليلتك خارج المنزل ..
                      قال : - حاضر .. حاضر .. لاتزعلي نفسك ..
                      سألت عروسي : - هل البيت باسم أمك ؟
                      قالت : - بل باسم أبي ..
                      قلت : - لماذا تفعل به أمك هذا ؟
                      قالت بضيقٍ : -دعنا منهما فهذا شأنهما ..

                      ************************


                      أصرَّت البلدوزر في ليلةٍ شتويةٍ من ليالي اللاذقية الباردة جداً على غير عادتها أن تأكل سمكاً، وبحث أبو سلمى في كل مسامك البلد ولم يحد إلا البلاميدا !!
                      فرفضت وأصرَّت عليهِ أن يذهب لملاقاة الصيادين العائدين من البحر ليشتري منهم السمك!
                      ولم يفلح بإقناعها أنَّ الصيادين في مثل هذا اليوم لا يخرجون بسبب أمواج البحر العالية .. ولكنَّها دفعته خارج البيت ليذهب أو يبيت ليلته خارجاً ..
                      وفعلاً ذهب أبو سلمى لملاقاة الصيادين ...

                      **************************


                      كان صوت الشيخ يتهادى وهو يتلو القرآن الكريم في سرادق العزاء والناس صامتون حولي مطأطئون رؤوسهم، وحين فرغ بدأت الأحاديث ..

                      - رحم الله أبا سلمى .
                      - الله يرحمه هل هناك من يجلس على شاطئ البحر في ذلك اليوم الشتوي البارد الممطر ؟
                      - مات متجمداً من البرد القارص .
                      - يبحث عن السمك ..
                      - معقول !! سمك في مثل هذا الجو .
                      - الظاهر انَّه يحب السمك جداً ..

                      همس أحدهم لجاره الجالس قربي :
                      - ليس هو من يريد السمك بل زوجته !
                      همس الجار : - يا له من تشتوش !!
                      قال الأول وهو لا يعلم من أنا :
                      - سمعتُ أن زوج ابنته الجديد تشتوش أكثر منه ..

                      **********************


                      لولا الملايين الثلاثة لفررت ولكن هيهات هيهات وقعت في المصيدة البلدوزرية ..

                      رحمك الله يا أبا سلمى !!

                      رحمك الله يا أبي تلفت جفونك ليلة كتب الكتاب وأنت تغمزني !!

                      برأيكم ألا أستحق ما أنا فيه!!



                      تعليق


                      • #26
                        التشتوشية الثالثة والعشرون :

                        العيد

                        ***************************

                        العيد عند كل خلق الله تعالى فرحةٌ لا تعدلها فرحةٌ إلاَّ عند العبد لله !!

                        *************************


                        انتظرْت بفارغ الصبر العيد وعطلته لأرتاح من عبء العمل، ولأنَّ الله حرمني من الخَلَف فهذا يعني عيداً هادئاً ، ولكن من كانت حرمه مثل حرمنا - التي تعرفون نكدها - في عصمته فبالتأكيد سيكون العيد أياماً عصيبةً !!

                        ************************


                        صباح العيد بعدما فرغْتُ من صلاة العيد في مسجد (المغربي) ثُمَّ زرْتُ قبر أبي وأمي وأجدادي، عدْتُ إلى المنزل في حبورٍ لأجهز الفطور، وأحتسي فنجان قهوةٍ على الشرفة في هذا الصباح الباكر السعيد ، لأتفاجأ بها مستيقظةً وعمشُ (بقايا) النوم في عينيها، وبدلاً من أن تحييني وتبارك لي في هذا اليوم السعيد لنجعله فاتحة خير بيننا قالتْ :
                        - ماذا ستفعل؟
                        - سأفطر وأشرب القهوة .
                        لم تعلِّقْ بل أدارت وجهها ناحية التلفاز تتابع- بكل غباء - برامج الغناء!!

                        بصراحة لعب الفأر في عبِّي - كما يقولون - ولكنني مضيْتُ إلى المطبخ وجهَّزت الفطور من زيتون وزيت وزعتر وجبنة ولبنة وشنكليش وكأس كبيرٍ من الشاي، وجلسْتُ على الطاولة أتلذذ به، عندما سدَّتِ الباب بهيكلها الضخم..

                        - عندما تفرغ أريدك أن تأخذني إلى ساحة العيد .

                        كنتُ أرشف رشفةً كبيرةً من الشاي عندها غصصْتُ بها وشرقْتُ وكدْتُ أختنق وهي تنظر لي ببرودٍ، ونظرْتُ لها وأنا أجفف فمي بالمنشفة وأتخيلها كالأطفال - بجسمها الفيلي - تركب في المراجيح في ساحة العيد في الصليبة!!

                        قلت لها برفقٍ وأنا أظنها قد جُنَّتْ :
                        - ألم نكبرْ على مثل هذه الأمور يا زوجتي العزيزة؟

                        قالت بقرفٍ : - خيبك الله هل تظنني سأركب في المراجيح !!
                        - لماذا إذن تريدين الذهاب للعيد ؟

                        قالت : - وعدْتُ أبناء أختي منيرة أن آخذهم للعيد !!
                        قلْتُ : - وما علاقتي أنا ؟
                        قالتْ : - أريد رجلاً معي ليساعدني !!
                        قلْتُ : - لماذا لا يقوم زوج منيرة بأخذ أولاده بدلاً منكِ .
                        قالتْ : - إنَّه متعبٌ من عملهِ .
                        قلْتُ : - يا سلام هو متعب وأنا لا .
                        قالت بإصرارٍ : - ستذهب معي !!

                        غلا الدم في عروقي وصحْتُ فيها : هيَّأتُ نفسي لأرتاح اليوم في المنزل و ....
                        تركتني أصيح وذهبتْ !!

                        *******************


                        تزاحم علينا البائعون اللزجون كذبابةٍ عندما رأوني أمسك بولدين وزوجتي بولدين مثلهما، وكنْتُ أصرفهما ولكنَّ حرمنا كانت كلَّما قال لها أحد الأولاد:

                        - خالتي أريد هذه اللعبة !
                        - خالتي اشتري لي من هذا الطعام !
                        وصارتْ تصرف مالي عليهم وتقول بشفقةٍ :
                        - حرام .. خليهم يفرحوا ..
                        تمتمْتُ وأنا أرمق النقود التي تضيع على أشياء تافهة :
                        - الله يخرب بيتك يا منيرة !!
                        فقالت لي : - نعم ... نعم ماذا تقول ؟
                        قلْتُ بسرعةٍ : - أقول معكِ حقٌّ يا روحي ... أطفال خليهم ينبسطوا .

                        ولم أعرف كيف سأنتهي من مشروعها في تبذير مالي؟

                        ******************


                        أصرَّ أحد الأولاد أن يركب المرجيحة فبادرت حرمنا إلى إحداها، وكانت واقفةً في انتظار الراكبين من الصغار ، وصعد الولدان اللذان كانا معي، ولمَّا صعدت البنتان اللتان معها ، تمسكت الصغيرة بثياب حرمنا وصارت تبكي وتقول :
                        - أخاف من الركوب وحدي !!
                        نظرتْ لي حرمنا و قالت لي بحزمٍ :
                        - اصعد معها ..
                        صحْتُ مرعوباً : - أعوذ بالله فأنا أخاف جداً من الأماكن العالية وأشعر بالدوار والاستفراغ ..
                        كانت تعلم ذلك، ونظرتْ لترى علامات الرعب على وجهي، فتنهدت وقالت :
                        - سأركب أنا ..

                        وشككْتُ أنَّها فعلتْ ذلك لأجلي وخوفاً عليَّ، بل لتركب في المرجوحة فهي تحب هذه الألعاب - الله لا يكبرها - المهم أنَّها حشرت نفسها في الأرجوحة قرب ابنة أختها وصاحب الأرجوحة ينظر لها في ارتياعٍ خوفاً من أن تتحطم الأرجوحة، ونظر لها يهمُّ بأمرها النزول ، ولكنَّ منظرها جعله يسكت على مضضٍ ، تصوروا حتَّى هؤلاء يخافون منها، وأهل الصليبة معروفون بصلابتهم وشدة بأسهم، ولكن من يقدر على مخالفة رغبة غولتنا !!

                        وعلى هدير الأرجوحة ، وأنشودة (يا ولاد الحارة) كنت أسمع صوتها القبيح يغطي على كل الأولاد وهي تصيح (يويو) ، ومن هول صوتها الذي أفزع الرجل قام بإسراع الأرجوحة فصارت حرمنا تصرخ مرعوبةً كالكلب الذي وجد لصاً في الليالي المظلمة، وأنا أضحك سعيداً مع الرجل الذي (فشَّ غلِّي) فيها.. وكنْتُ أربِّت على كتفه سعيداً ليزيد، ولولا خوفه على الأطفال لما توقف ..

                        نزلت حرمنا دائخةً فزعةً تترنح كالسكران ونحن لا زلنا نضحك فقد صارت فرجة الناس، وحين استعادت روعها صرخت فيه :
                        - تباً لك أيها الأحمق !!
                        وكاد يهجم عليها لولا أنَّني احتويته بذراعيَّ وهمست له :
                        - إنَّها مجنونة فليس عليها حرجٌ !!

                        فهدأ الرجل ولكنَّه أصرَّ أن يأخذ أجرةً منها باعتبار أنَّها أخذت مكان راكبين بحجمها المرعب، فرفضت وهي تشتمه، وكاد الأمر أن يفضيَ لا ستدعاء الشرطة !!

                        تذكرْت تلك الأيام السوداء التِي قضيتها في (القاووش) ، فأخرجت النقود لأحاسبه، ولكنَّه نظر لي في ازدراءٍ وقال لي :

                        - روح يا عمي الله يسامحك ..


                        فانصرفْتُ سعيداً ولكنَّه واصل :

                        - أنا لا آخذ من تشاتيش !!




                        تعليق


                        • #27
                          التشوشية الرابعة والعشرون :


                          أم سعيد

                          ***************

                          كلكم كرهني كرهاً شديداً بسبب أبي سعيد !!
                          طيلة مذكراته وهو يتكلَّم عنِّي ليصفني بأقبح النعوت، ويقدح في سيرتي، حتَّى اعتقدتموني غولةً خرجت عليكم من كتاب الأساطير.
                          ولكن ....
                          هل الحقُّ عليَّ دائماً ؟
                          حسناً اسألوا أية امرأةٍ تخبرْكم أنَّها تحبُّ في بعلها الرجولة والصلابة والحزم.
                          ولكنَّ أبا سعيد منذ أن تزوجته سلبيٌّ - لا بيهش ولا بينش - على رأي أمي حفظها الله.
                          لم أشعر به رجلاً أبداً، دائماً متردِّدٌ، لا يحسن تصرفاً في موقفٍ يعرض لنا، وحين نُبتلى بالمصائب ينحو عليَّ باللائمة وكانني أنا الرجل لا هو!!
                          حاولْتُ مراراً إصلاحه ولكن دون فائدةٍ.

                          اسمعوا واحكموا.


                          **************

                          كنت عند فافي وقد دعت ناغي وماكي، اعذروني فهي أسماء الدلع لصديقاتي ولا يهمكم اسمهنَّ، ودار هذا الحوار:
                          فافي : - يا حرام بعدما ماتت أم محمد جارتنا تقاسم أولادها ورثتها.
                          أنا : - لا بأس يا فافي فهذه سنَّةُ الله تعالى في عباده.
                          فافي : - صحيح ولكنَّ بناتها الجشعات ضيعن الورثة.
                          ماكي : - كيف؟
                          رشفت فافي القهوة وسحبت نفساً من أركيلتها :
                          فافي : - تعلمن أنَّ أبا محمد الحداد رحمه الله كان غنياً .
                          ناغي : - ونعلم أنَّه كان له عدة بيوت في مصيف سلمى ودورين وفي اللاذقية .
                          فافي : - اختلفن فيما بينهنَّ وتسابقْنَ لتضييع البيوت وبيعها .
                          أنا : - المهم ربحن من الورثة .
                          فافي : - لا يا عزيزتي تصوري أنهنَّ بعن بيت العائلة في دورين بثلاثة أرباع المليون .
                          ماكي : - بيت في المصيف وهل يستحق أكثر من ذلك؟
                          فافي : - بالتأكيد الذي اشتراه منهنَّ باعه بثلاثة ملايين .
                          شهقت ناغي : - ثلاثة ملايين !!
                          فافي : - تخيلن .
                          أنا : - يا لهنَّ من حمقاواتٍ .
                          فافي : - والأمرُّ من ذلك أنَّهن عرضن بيت العائلة في اللاذقية بمليون ونصفٍ.
                          جاء دوري لأشهق : - فقط .
                          فافي : - فقط وهو يستحق أكثر من أربعة ملايين في هذه الأيام.


                          *********************

                          طيلة طريق العودة للبيت وأنا أحلم بأنني اشتريْتُ بيت أم محمد - رحمها الله - فهو أكبر من بيتي بمرتين، كما أنَّ موقعه في حارةٍ هادئةٍ ونظيفةٍ جعلني أرغب فيه بشدَّةٍ، وقررت عرض الموضوع على أبي سعيد.

                          دخلْتُ المنزل لأجده كعادته يقرأ في جريدة (الوحدة) إضافةٍ لنشرة حطين الرياضية وجريدة (الرياضية) وغيرها من الحرائد الرياضية فهو مولعٌ بالكرةِ وأهلها .
                          - مساء الخير أبا سعيد .
                          أجابني بضيقٍ : - خير !! اللهمَّ اجعله خيراً .
                          قلْتُ بتوترٍ وقد أدركْتُ أنَّنا سنتصادم كعادتنا :
                          - هل كفرْتُ عندما قلْتُ مساء الخير ؟
                          نظر لي طويلاً ثم عاد لجريدته بعد أن قال : - أبداً، مساء النور .
                          جلسْتُ قربه وقلْتُ : - جاءتنا فرصة العمر .
                          أزاح جريدته ورفع حاجبيهِ مستفهماً فتابعْتُ :
                          - بيت أكبر من بيتنا .. سيجعلنا نقضي ما بقي من عمرنا سعداء .
                          لم يتكلَّم بل تابع تحديقه بي ، فحكيْتُ له حكاية أم محمد ومنزلها المعروض للبيع.
                          قال : - أنا غير مطمئن أبداً ، بيتنا كبيرٌ ومريحٌ ونحن اثنان وحسب .
                          قلْتُ له بدلالٍ : - هبْ أننا خلَّفنا أولاداً ألا نحتاج بيتاً كبيراً .
                          قال : - من خمسة عشر عاماً ونحن متزوجان ولم نرزق بولدٍ، بصراحة أن يئست من حكاية الخلف هذهِ.
                          قلْتُ : - ألم نستشر الأطباء وقالوا ليس هناك عيبٌ فينا والأمر بيده تعالى ؟
                          قال : - لا إله إلا الله .. ولكننا كبرنا ولم يعد عندنا مطمحٌ في الولدِ..
                          صحْتُ مقاطعةً : - كبرنا !! أنا لم أزل في الثلاثين .
                          نظر لي مستنكراً : - ثلاثين ! حين تزوجتكِ كنت في الرابعة والعشرين ..

                          أرأيتم كيف يحب أن يؤلمني ويجرح مشاعري؟

                          قلتُ له مغيرةً الحديث :- لنعد إلى موضوعنا .
                          قال : - الحقيقة أنا غير منشرح الصدر ..
                          قلْتُ : - هذه فرصة عمرنا فلا تفوتها .
                          قال بإصرارٍ : - لا ... الموضوع منتهٍ .

                          ***********************


                          كنَّا عند السمسار بعدما أقنعته - أبا سعيد لا السمسار طبعاً - ببيع بيتنا ..
                          السمسار : - بيتكم لا يستحق أكثر من مليون ..
                          صاح أبو سعيد : - مليون فقط !
                          السمسار : - لا تنس أنَّه قديم وبحاجةٍ لتجديدٍ يتكلَّف أكثر من نصف مليون .
                          قال أبو سعيد : - وتبيعه بعدها بثلاثة ملايين .
                          السمسار بنرفزةٍ : - هذا شأني .
                          شعرْتُ أنَّ أبا سعيد سيضيع الفرصة فتدخلت :
                          - طبعاً لا علاقة لنا بك .. هذا شأنك فاعذرنا.
                          ونظرْتُ إلى أبي سعيدٍ غاضبةً فأدار وجهه متضايقاً في حين انفرجت أسارير السمسار وصار يوجِّه حديثه لي، ألم أقل لكم : إنَّ أبا سعيد لا يحسن التصرف.
                          قلْتُ مسايسةً : - لكنَّ المبلغ قليل .
                          وبعد جدالٍ معي استمرَّ نصف ساعةٍ قال :
                          - سأعطيكم مليون مئتي ألف ليرة ولن أزيد قرشاً .
                          تنهَّدْتُ مغلوبةً على أمري وقلْتُ : - حسناً .
                          كتبْنا عقداً مبدئياً وأعطانا مئتي ألف ليرةٍ عربوناً، والباقي عند تسجيل البيت باسمه في المحكمة العقارية!
                          عندما خرجْنا ثار أبو سعيد : - اللص كيف توافقينه .
                          قلْتُ بهدوءٍ : - معه حق يا أبا سعيد فالبيت لا يستحق أكثر من ذلك .
                          صاح في وجهي مما جعل رجلين مارين قربنا يلتفتانِ نحونا : - هل أنتِ معه ضدي ؟
                          قلْتُ : - اخفض صوتك فالناس تتفرج علينا .
                          نظر للرجلين وهمَّ بمشاجرتهما لولا أن ذهبا وهما يبتسمانِ ، فعاد يقول لي بلهجةٍ أقلَّ حدةٍ :
                          - واللهِ خسرنا .
                          قلْتُ له : - يا أبا سعيد تذكر البيت الذي سنشتريه فأرباحنا في مضاعفة ..
                          راقت له الفكرة فقال بهدوءٍ :
                          - ومن أين ستتدبرين باقي المبلغ ؟
                          قلْتُ له : - أبيع ذهبي وأستدين الباقي من أمي.
                          هزَّ رأسه وقال : - من أين لأمك المال وهي تستولي على النقود منكِ ؟
                          أرأيتم كيف يستهزئ بأمي ؟

                          قلْتُ : - من معاش أبي التقاعدي .
                          قال : - معاش أبيك ست آلاف ليرةٍ فقط ، بالكاد يكفي للأكل والشرب .
                          قلْتُ : - أمي امرأة مدبِّرةٌ وتعرف كيف توفِّر المال .
                          قال : - طبعاً توفِّر مالها وتأكل من مالي .
                          صحْتُ فيهِ : - أعوذ باللهِ منك .. أنا ذاهبة .
                          قال : - إلى أين ؟
                          قلْتُ : - عند فافي لنذهب إلى بيت بنات أم محمد وأحجز البيت لنا .
                          ومضيْتُ وهو يقول كالبوم : - الله يستر .

                          **************************


                          كنتُ ألهث من مشيي السريع وصعود الطابق الخامس عند بيت فافي وأنا أقول لها ووجهي محمرٌّ انفعالاً:
                          - هاك ... النقود ... أم محمد .. البيت ..
                          قالتْ لي فافي مشفقةً : - خذي نَفَسكِ وارتاحي قليلاً يا أم سعيد .
                          بعدما هدأْتُ قلْتُ لها : - بيت أم محمد الذي عرضته بناتها للبيع أريد شراءه ومعي مئتي ألف ليرة دفعة أولى لهنَّ .
                          قالتْ فافي في أسفٍ : - تأخرتِ يا أم سعيد .
                          وقع قلبي بين قدميَّ وقلْتُ : - لماذا ؟
                          قالت فافي : - منذ ساعة أخبرتني خديجة ابنة أم محمد أنهنَّ وجدن بائعاً للبيت وتمَّ البيع !
                          صحْتُ جزعةً : - ومن اشتراه .
                          قالت : - أبو أيمن السمسار ..
                          هو عينه السمسار الذي اشترى بيتنا قبل قليلٍ كما خمنتم !!
                          وهرولْتُ نازلةً وفافي تناديني :
                          - أين ذهبْتِ ولم تشربي القهوة بعد ؟
                          قلْتُ : - فيما بعد .. فيما بعد ..

                          **************************


                          كما تتوقعون قصدت مكتب أبي أيمن أطلب منه شراء البيت ..
                          أبو أيمن : - البيت لي قررت أن أسكن فيهِ .
                          قلت بضراعةٍ : - أرجوك أريده لي .
                          أبو أيمن : - صعب فكما قلْتُ لك أم أيمن معجبةٌ بهِ .
                          قلْتُ : - ألم يبقَ غير هذا البيت في اللاذقية؟
                          أبو أيمن : - تعرفين مساحة البيت الواسع ومنطقته الهادئة ..
                          وتجادلْتُ معه لساعةٍ فقال أخيراً منهكاً :
                          - حسناً سأبيعك إياه .. أمري لله سأقنع أم أيمن بغيرهِ ..
                          قلْتُ وسعادتي لا توصف : - هاك مئتي ألف وسأكمل المليون وثلاثمئة ألف عندما تبيع منزلنا.
                          قال : - ومن قال سأبيعه بمليون ونصف ؟
                          قلْتُ : - ألم تشترهِ بهذا السعر ؟
                          قال : - نعم ولكنني سأبيعه بأربعة ملايين .
                          سُقط في يدي : - أربعة ملايين !!
                          قال بحزمٍ : - لا تنقص ليرةً .
                          قلْتُ : - ولكنَّك اشتريته بمليون ونصف .
                          قال : - أنا حرٌّ أبيعه كما أشاء ..
                          ورفض أن يتزحزح عن ملاينه الأربعة !!

                          ************************


                          صاح بي أبو سعيد مزمجراً : - أرأيت يا وجه النحس لم يرض أبو أيمن أن يعيد بيتنا إلا بعدما دفعنا ثلاثمئة ألف ليرة !!
                          قلْتُ بحزنٍ : - الوغد .
                          قال بغضبٍ : - قلْتُ لكِ لا أريد بيع بيتي .. فلم نربح شيئاً بل خسرنا !
                          قلْتُ : - أهذا جزائي لأنني أردتُ أن أوسِّع عليكَ ؟
                          صاح : - توسعين عليَّ ، ضيَّق الله قبركِ .. انصرفي عني قبحكِ الله .

                          ************************


                          ما رأيكم هل أنا مخطئة لأن طموحي كبير لا حدَّ له ، بينما أبو سعيد لاطموح له ؟




                          تعليق


                          • #28
                            التشتوشية الخامسة والعشرون :

                            نهاية تشتوش !!

                            تركتكمْ في المرة الماضية تصغون إلى ذات العفاف والصون حرمنا وهي ترغي وتزبد وتتظاهر بالبراءة أمامكم، كما زعم أخوة يوسف عليه السلام أنَّهم بريئون من دم أخيهم، ورأيتم بأنفسكم كيف تتصرفُ ولا ترعى في مالي إلاَّ ولا ذمَّةً ثُمَّ تزعمه طموحاً!!
                            هل الطموح أن تتلف المال هكذا ؟
                            ستقولون : دفعت من جيبها وجيب أمها ،
                            ولكن أليس من الأولَى لو صرفته على تجديد بيتنا بدلاً من الجري وراء أوهامٍ خادعةٍ؟
                            أنا لن أحكم ، فالعاقل فيكم قد حكم وعرف من هي .

                            قالت لكم : تحبُّ في بعلها الرجولة والصلابة والحزم.
                            وكلُّكم توقفتم برهةً وقلتم : معها حقٌّ، لو كان أبو سعيد رجلاً لاختلف الحال !!
                            ولكنَّكم لو عرفتم (فرعون) لما لمتموني أبداً ..


                            *********************


                            مداخلة مني : يستر على عرضك أبا سعيد لو صرْت رجلاً لانتهت حلقات حكاياتك، أرجوك ابق كما أنت ودعني أسترزق من ورائك!!

                            *********************


                            فرعون هذا الطاغية المفتول العضلات..
                            فرعون الذي لم يعرف إلا البغي في حارات اللاذقية وخاصة حارة بيت عمي أبي سلمى .
                            فرعون الذي صار (بلطجياً) والويل لمن يجرؤ على أن يعارضه .
                            فرعون ذاك ...

                            تقاطعونني في دهشةٍ قائلين : ومن فرعون هذا؟
                            ليس فرعون موسى عليه السلام ، لا أبداً ، بل لتشابه الشخصين في الأذى والجبروت والطغيان أطلقت على فتوة حارة بيت عمي لقب فرعون.
                            ألم تقرؤوا عن فرعون ملاحقته لقوم موسى عليه السلام، وكذا فرعون زماننا يلاحق الأبرياء ويؤذيهم؟

                            ************************


                            اسمه الحقيقي (قيصر).
                            وكأني باسم قيصر أحسن من فرعون !

                            إي واللهِ اسمه (قيصر) لماذا ؟

                            لأنَّ أمَّه حين ولدته ملأ الدنيا صراخاً وعويلاً جعل القابلة القانونية (أم حسن) تلطمه برفقٍ على خده قائلةً :
                            - من يراك يظنك قيصر الروم يصدر أوامره لجنوده .
                            ولا تسألوني كيف استطاعت أم حسن معرفة قيصر هذا ؟

                            رفعت الأم المتعبة من ألم الولادة رأسها قائلةً :
                            - سيكون اسمه قيصر فهذا الاسم فريدٌ من نوعه، وليكوننَّ له شأنٌ.

                            ونشأ قيصر هذا على الدلال المفرط من أمه، وعوضاً من أن يتحول لأنثى - مجازاً - لفرط التدليل صار عكس ذلك خشن الطباع من طفولته، يضرب أقرانه ويشتمهم بأقذع السباب، وبدلاًمن أن يُلام على ذلك يُقابلُ بالضحك والاستحسان من أمه.

                            وكانت أمه تحلم بأنه يوماً سيكون في منصبٍ مرموقٍ كمديرٍ أو وزيرٍ، وصارت تعدُّه وتشجِّعه على الدراسة ولكنَّه لم يُخلق إلا للبلطجة و(الزعرنة) .
                            واستلم بالفعل منصباً ولكنَّه لم يكن مرموقاً حيث صار زعيم (شلة) الخنازير من أمثاله فكانوا في المدرسة يسرقون طعام الطلاب ونقودهم، وكلَّما جلده المدير على ذلك عاد أشدَّ ضراوةً في أذاه للطلاب المساكين لأنَّه يعتقدهم قد شكوه للإدارة، وهل يجرؤ أحد على فعل ذلك؟ ولكن من يقنع هذا البلطجي بأنَّهم لم يشكوه!

                            وبطبيعة الحال ترك المدرسة عند الصف الثالث الإعدادي إذ رسب مرتين ثُمَّ طردوه كالبعير الأجرب ناهيكم عن رسوبه المتكرر في السنوات السابقة إذا بلغ التاسعة عشرة وهو في الصف التاسع!
                            ولم توجِّهه أمه ليلتحق بعملٍ شريفٍ بل كانت تغدق عليه بالمال الذي تسلبه من أبيه المسكين وتعطيه له ليصرفه على التدخين والقمار في القهاوي .

                            وتفاقم أمر قيصر وصار يروِّع أهل الحارة الذين شكوه لأمه وأبيه دون فائدةٍ ، لقد انفلت العقال ولم يعد أحدٌ قادراً على السيطرة عليهِ، وبات أهل الحارة يفرون منه كالأرانب المذعورة تحاشياً لأذاه وسفاهته هو وشلَّة البلطجية التي معه.

                            وبطبيعة الحال كنت أرنباً من هذه الأرانب، بل قل وبسببٍ من طبيعتي الخجول الهادئة كنت أشدَّ الأرانب ذعراً منه.
                            والحمد لله أنَّ حارته بعيدةٌ عن حارتي .

                            ولكنَّني قدمتُ إلى المقصلة مطواعاً ليمارس هذا النذل قيصر بذاءته وفتوته وزعرنته عليَّ، ذلك لأنني تقدمت لخطبة أم سعيد ابنة عمي أبي سلمى رحمه الله، فلم يعد هناك مفرٌّ من المواجهة مع عصابة الخنازير عصابته التي جرَّعتني الويل والثبور في غدوي ورواحي.

                            بل صدِّقوا امتدَّ أذاه إلى بيت عمي فكنت ألعوبته التي يمارس عليها طبيعته العدوانية عليَّ، وآهٍ لو ترون ابتسامته الوحشية التي تعدل ابتسامة فرعون وهو يؤذي السحرة الذين أسلموا أمام معجزة موسى عليه السلام، بل تزداد ابتسامته القذرة همجيةً عندما يرى ملامح الرعب على وجهي !!

                            ***********************


                            أراكم تتوقفون عن القراءة وتقولون : ما علاقة قيصر هذا بأم سعيد وأهلها؟
                            بتُّ أشكُّ بذكائكم بالفعل ..
                            هل يجرؤ قيصر على الدخول لمنزل بيت عمي لو لم يكن حضرته أخا أم سعيد بشحمها ودمها ..
                            أرأيتم سعادتي البالغة حين ناسبْتُ هؤلاء القوم؟
                            إنَّه أخوها واللهِ ، لا تتعجبوا ..

                            ماذا تحسبون البلدوزر ستُخلِّف غير هذه الأشكال؟
                            فرس النهر : حرمنا ،
                            فرعون : قيصر الملعون ،
                            الحرباء صـاحـبة المشاكل : منيرة ..
                            وباقي الذرية المصونة ستتعرفون عليهم تباعاً في أيامٍ مقبلةٍ..

                            المسكين الوحيد في هذه العائلة هو أبو سلمى شهيد رغبة البلدوزر المجنونة؛ شهيد السمك، رحمه الله تعالى، لم يتحمل البقاء طويلاً مع عائلة دراكولا المفترسة فرحمه الله وقبض روحه، ليتركني وحيداً بين هذه الوحوش الفتَّاكة.

                            كنت أذكره رحمه الله ونظرات اللطف والدعة في عينيه، صحيحٌ كان لا يكلِّمني إلاَّ لماماً لكنَّه بتصرفاته الهادئة ونظراته كان يحنو عليَّ، غير أنَّه لم يجرؤ أبداً أن ينبهني على خطر هذه الوحوش التي يقتنيها في بيته.

                            ولنبقَ مع فرعون زماننا.
                            فبدلاً من أن أكون في حمى فرعون باعتباري صهره صرْتُ مضحكته لأنه بزعمه أفتقر للرجولة .

                            وهل الرجولة أن أقف معه على قارعة الطريق لأسب خلق الله تعالى وأشتمهم؟

                            تخيلوا أنَّ هذا العنف في شخص فرعون لم يكن يوقفه إلاَّ البلدوزر حماتي ، نعم فرغم همجيته كان مقدِّراً لواجب احترام أمه، أمَّا أبوه فلا ، صحيحٌ لم يتجرَّأ على شتم أبيه ولكنَّه لم يكن يستجيب له بل - تخيلوا العاق - كان ينظر له بازدراءٍ !

                            ***********************


                            أذكِّركم أنني في بداية حكايتي هذه قلت لكم لو عرفتم (فرعون) لما لمتموني أبداً .. نعم فهو من هزم رجولتي أمامها فما عدْتُ أجرؤ على التحرك قيد أنملةٍ أمامه أو أمامها.

                            مرةً خلال خطبتنا كنت أزور خطيبتي التي تتظاهر بالرقة ، وتأملوا فرس نهرٍ حقيقيٍّ جالساً قربكم ويتظاهر بالرقة،
                            رحمك الله يا أبي حذرتني ولكنني كنت أبلهاً كعادتي!!

                            ما علينا كنَّا في ذلك اليوم المشؤوم نتجادل في مكان العرس وكانت تريده في فندق (المريديان)
                            وكأنَّ فرس النهر يصلح له أن يقيم عرساً في غير حديقة الحيوان، وأنا أداريها بكياسةٍ وأقنعها أن نقيمه على سطح بيتنا فهو واسعٌ وكبيرٌ وعليه أسرابٌ من الحمام لجارنا أبي صطيف، وصوَّرت لها مشهد الحمائم التي سترفرف فوق رؤوسنا جالبةً لنا السلام، وبالغْتُ في وصف الجو الرومانسي على السطح وخاصةً قرب قن دجاجات جارتنا أم رأفت وكنت أهزر معها قائلاً:
                            - سنأكل بيضاً طازجاً .

                            فصاحت صيحةً مروِّعةً أجفل لها الموتى : - نعم .. نعم .. سنقيم العرس بين كشاشي الحمام وقن الدجاجات ..

                            وحين علا صوتها دخل فرعون بهامته المرعبة ..
                            فأظلمت الدنيا في عينيَّ ، وصار النهار ليلاً !!

                            وصاح بغلظةٍ : - ماذا هناك ؟
                            صاحت باكيةً تستنجد به وأنا أستعطفها بحركات بديَّ وعينيَّ أن تصمت :
                            - تصور يريد أن يقيم عرسي على السطح ..
                            قاطعتها : - كنت أقصد أننا سنقيمه على سطح برج بيزا ..
                            صاحت : - أسمعت يسخر مني سيجلسني على كرسي من البيتزا ليلوث ثيابي ليلة عرسي ؟

                            ** ملاحظة : العوام في اللاذقية يقولون للبيتزا : بيزا ..

                            وكأني بها تعرف البيتزا، وهي التي لم تذق في حياتها إذا رفهت نفسها أكثر من (سندويتشة) فلافل عند برهان !!
                            ما ذنبي في هذه العائلة الجاهلة التي لا تعرف أين يقع برج بيزا ؟
                            واستفزت ببكائها هذا الوحش الذي أمسك بقميصي وجذبني نحوه فتمزق ، وأحكم على فكي قبضته التي تشبه - قبضته لا فكي - فك التمساح الذي إن أُغلق لم يُفتحْ وضغط على فكي مِمَّا منعني من الكلام لأوضح لهم مقصودي وقال لي :
                            - ويلك يا حيوان لو أغضبت أختي الصغيرة المدللة التي ربيناها كل شبرٍ بندرٍ ..

                            واضح الدلال وهي التي لم تفرق بين البيتزا و برج بيزا !!

                            - أختي حملٌ وديعٌ ورضاؤها فرضٌ عليك ..
                            وأسبلت عينيها مسرورةً لتشبيهها بالحمل الوديع،
                            عليكم اللعنة يا أخس عائلةٍ في البلد ،
                            هذه حملٌ وديعُ إذاً ماذا سأكون أنا ؟
                            ولئن كانت فرس النهر حملاً وديعاً فالديناصور فراشةٌ لطيفةٌ .

                            وتركني ألتقط أنفاسي وأتأمل بحسرةٍ قميصي الجديد الذي تحوَّل إلى أشلاء ممزقةٍ وتابع :
                            - سيكون آخر يومٍ في حياتك لو اشتكت أختي منك !!
                            وانصرف فعمَّ السلام وأشرقت الشمس ونظرت لها بغيظٍ شديدٍ وقبل أن أتفوه بكلمةٍ قالت وهي تضع سبابتها على فمها :
                            - حافظ على كلامك وإلا ناديته ..
                            فسكتُّ مقهوراً ..

                            تقولون : لماذا لم تتركها حينذاك وأنت على البرِّ ؟
                            أقول لكم : - لأنني أكبر حمار حين كتبْت كتابي عليها، هو نصيبي التعس ، لا تنسوا مهرها الذي جعلتني أكتبه بالملايين !!


                            ******************


                            ومن يومها تهدِّدني به ..
                            في إحدى المرات عدت إلى المنزل من عملي وأنا متضايقٌ جداً أريد الدخول إلى التواليت، ولكنَّها كانت واقفة على الباب بهيكلها الضخم وقالت لي :
                            - سأدخل أولاً ..
                            فصحت فيها : - لم أعد أستطيع امتلاك نفسي ..
                            قالت بهدوءٍ لتثيرني : - أنا أولاً ..
                            صحتُ بغضبٍ : - ثوانٍ فقط ..
                            قالت لي : - سأتصل بقيصر ..
                            تذكرت قميصي الذي تمزق، وفكي الذي أوشك أن يحطِّمه، فقلْتُ لها منهزماً :
                            - خيبكِ الله أسرعي !!
                            وتأخرت عمداً ربع ساعة ثمَّ خرجت وقالت بقرفٍ :
                            - ادخل ولا تنس أن تنظف الحمَّام جيِّداً ..
                            قلْتُ لها : - لا داعي ..
                            نظرت لي باستفهامٍ ورأت بنطالي مبتلاً فصاحت باشمئزازٍ :
                            - يا لك من نتنٍ .. التواليت أمامك !
                            دائماً الحقُّ عليَّ .

                            ******************


                            وعلى الباغي تدور الدوائر ..
                            فنهاية فرعون في القرآن الكريم كانت عبرةً لكل الجبابرة ..
                            ولكن من يعتبر في هذه الأيام ..
                            كل واحدٍ معتد برأيه ويرى أنَّه على صوابٍ دائماً .

                            واستجاب الله دعائي على فرعون زماننا ودارت عليه الدائرة ..
                            جار عليه بغيهُ وحطَّه في أتفه منزلةٍ .
                            لقد عشق ..

                            تقولون : - وهل هذه نهاية مأساويةٌ تتشدق بها ؟
                            عهدي بكم دائماً متسرعون .. اسمعوا بقية المأساة .. عفواً بل الملهاة على صعيدي الشخصي ، فمصائب قومٍ عند قومٍ فوائد ..

                            كلُّنا يحبُّ ولو كان حظه أسود فإنَّه يقع في امرأةٍ من طراز فرس النهر ، ولكنَّ فرعون أحبَّ امرأةً بائعةً ..
                            ولو كانت بائعةً وحسب لهان الأمر ..
                            إنَّها من تلك اللواتي يبعن لبن الماعز في سوق الداية .. ونسميها قرباط ..

                            كان هناك ليمارس بلطجته مع عصابته من الخنازير على بعض البائعين البسطاء إذ رآها، وكالمغناطيس ينجذب نحو الحديد انجذب نحوها، وجلس يفترش الأرض قربها وسط نظرة الدهشة من أعوانه ومن الناس فأشار لهم أن ينصرفوا، وجعل يحدثها حتَّى هام بِها حباً واتفق معها أن يجلب البلدوزر أمه في اليوم التالي إلى السوق ليخطبها !!

                            ولمَّا أخبر البلدوزر - يا شماتة قلبي به وبها - أرغت وأزبدتْ وهاجت وماجت وأقامتِ الدنيا ولم تقعدها ..

                            - قرباطية !! على آخر عمري أناسب القرباط ..
                            - الناس كلهم خير وبركة يا أمي ..
                            - الناس مقامات يا بني آدم ..
                            - لكنني أحبها ..
                            - لعنة الله عليك وعلى هذا الحب ..
                            - لكن يا أمي ..
                            - انصرف من وجهي ولا تحدثني في الموضوع ثانيةً .

                            ولكنَّه استمرَّ على أسطوانته واستمرت على صياحها، ولمَّا خافت فرس النهر - الله لا يسامحها - على أمها جاءت بها لتقضي بضعة أيامٍ عندنا، وهكذا ارتاح فرعون من الجحيم وتركني أتلظَّى بهِ.

                            تباً للحب وأهله ..

                            *********************


                            دُقَّ جرس الباب فصاحت حرمي :
                            - افتح الباب يا أبا سعيد ..

                            تركْتُ الجليَ في المطبخ ونشفت يديَّ بالمنشفة وما إن فتحت الباب حتَّى رأيت فرعون بشحمه ولحمه وكانت أول مرةٍ يزورني ، الله يخرب بيت البلدوزر وفرس النهر اللتين أتاحتا لي رؤية هذا الوغد في داري.

                            رغم علامات الانكسار والذل على وجهه وكتفيه المتهدلتين، هربْتُ من وجهه كفأرٍ مذعورٍ ولم أجد أمامي إلا التواليت لأختبئ فيهِ ، وواربْت الباب ، فسمعته يدخل وينادي أمه ، فحفَّت فرس النهر لاستقباله، وأدخلته على أمهما .

                            لم أسمع شيئاً في البداية سوى خليطٍ من الهمهمات وفجاةً ارتفع صوت البلدوزر :
                            - نجوم السماء أقرب لك من أن أذهب لأزوجكَ بها ..
                            - ستخسرينني يا أمي ..

                            وبجرأةٍ نادرةٍ فتحْت الباب لأرى منظراً أفرحني ورقص قلبي له طرباً وحقَّق انتقامي من هذا الوغد ..
                            رأيته منكباً على قدم أمه يقبلها ويتضرع لها، وصاحت فرس النهر :
                            - أغلق الباب يا نسونجي ..

                            فأغلقت الباب بسرعةٍ وأنا أتمتم :
                            ( الله ينتقم منك ومن أهلك في بيتي وأسجن في التواليت! ) .
                            ورغم إغلاق الباب سمعته يقول : - سأموت يا أمي لولم تخطبيها لي .. حياتي متعلقةٌ بها ..
                            زأرت البلدوزر : - الموت أهون من الزواج من هذه الحثالة ..
                            صاح : - لا تقولي عن حبيبتي حثالة ..

                            زأرت بصوتٍ ارتجَّت له جدران التواليت ووقع خرطوم الماء أرضاً : - حثالة ومئة حثالة ..
                            وتدخلت فرس النهر تهدِّئ من روعهما .. وهدأت أصواتهم ولم أعد أسمع شيئاً ..
                            وكدت أختنق بعد ربع ساعةٍ في مكاني ، حين ناداني فرعون ، فخرجْتُ مسرعاً لأتنفس الصعداء، وقلت له بكل أدبٍ وأنا أجلس معهم في الصالة :
                            - نعم يا أخي قيصر !!

                            قال لي بلهجةٍ كسيرةٍ : - أقنعْ أمي أرجوك ..
                            نفخت صدري وقد صرْتُ الأقوى منه وصار بحاجتي وصرْتُ كالديكِ نظرْتُ لحماتي قائلاً : - يا حماتي .. أنا أرى ..
                            أدارت وجهها الغاضب نحوي وما إن رأيت نظرة الشيطان في وجهها حتَّى نفثتُ الهواء من صدري وصرْتُ دجاجةً أمامها وقلْتُ لها :
                            - الرأي رأيك ..

                            قال لي بغضبٍ : - تعساً لك .. هذا حزائي أنني استعنت بك .. اعتقدتك رجلاً .
                            همسْتُ له : - من يجرؤ على مجابهة أمك ؟
                            فصاح بي : - انقلعْ ..
                            وهممْتُ بالرد حين قالت البلدوزر : - افرنقع من هنا .. فهذه أمورٌ عائليةٌ لا نحب عرضها على الأغراب .
                            قلْتُ منكسراً : - وهل أنا غريبٌ عنكم ؟ ثُمَّ البيت بيتي ..و .....
                            وقف فرعون ليضربني فهربْتُ إلى التواليت من جديدٍ ..

                            بعد ربع ساعةٍ أخرى وأنا في هذا المكان القذر سمعته يقوم ويمرُّ قرب باب التواليت فأغلقته بالمفتاح من الداخل خوفاً من أن يفتح الباب وينفث غلَّه بي ، ولكنَّه ولله الحمد مضى دون كلمةٍ .

                            *************************


                            اختفى فرعون ..
                            لم يعد أحدٌ يسمع عنه شيئاً ..
                            ولله الحمد ..
                            ومضى عامان ونسيته وعشت في أمنٍ وسلامٍ نفسيٍّ ، ولم تعد أم سعيد تهددني به ، بل صارت تهددني بالبلدوزر لأنَّها أثبتت للجميع أنَّها أعتى من جحافل فرعون وحروبه، على كلٍّ هي أهون من قبضة فرعون ..
                            الوحيد الذي كان يذكره بحسرةٍ بين الفينة والأخرى هو البلدوزر ..
                            في النهاية هو ابنها المدلّل ..
                            والدم - كما كانت أمي رحمها الله تقول وتكرر - لا يصير ماءً .
                            وحماتي تقول :
                            - أدفع من جيبي عشرة آلاف ليرة وأعرف أين قيصر ؟

                            **************************


                            جاء يوم عيد الأضحى وأصرت فرس النهر أن نذبح خروفاً .. فقد أخبرتها فافي أنَّها لو فعلت ذلك فلعلَّ الله تعالى يرزقها بولدٍ، وكأنَّ ذبح الخروف سيكون سبباً لتحملَ بولدٍ، ولكن من يقنع هذه الجاهلة..
                            لذا ترونني في سوق الغنم أبحث عن خروفٍ كبيرٍ، وبعد تنقُّلٍ بين قطعان الخرفان انتقيْتُ واحداً كبيراً ، وأصرَّ الغلام الذي اختاره لي أن يبيعه بعشرة آلاف ليرة، ولما رفض أن يتزحزح عن السعر، قال لي :
                            - فاوض صاحب القطيع أنا مجرَّد عاملٍ معه ..
                            وقصدْتُ الراعي لأفاوضه بالثمن ..
                            وكان يفاوض رجلاً آخر ولمَّا فرغ منه التفت إليَّ وما إن التقت عيوننا حتَّى شهق رعباً وفرَّ مني وسط دهشة الجميع، وصار يركض وأنا خلفه ..
                            لم يكن إلا فرعون ... قيصر ابن البلدوزر ..
                            كان يهرول بسرعةٍ كبيرةٍ وأنا أجري وراءه حتَّى انقطع نفسي واختفى عن ناظري ، عدْتُ ألهثُ وسألْتُ الغلام المندهش :
                            - من هذا ؟
                            قال : - زوج أختي .. ولكن لماذا فرَّ منك ؟
                            قلت له مداوراً : - لا أعرف ..
                            طبعاً كنت أريد الإمساك به لا لسواد عينيه بل لإحضاره للبلدوزر، وأقبض عشرة الآلاف منها وأكون أول من استطاع استخلاص نقودٍ منها .. ولكنَّ الحلم تبخَّر بهروبه منِّي ..


                            *************************


                            هذه حكاية فرعون الذي هجر دنياه ليصبح راعياً في مضارب بني قرباط قرب حبيبته التي صارت زوجته رغم أنف البلدوزر ..

                            وسؤالي لكم :

                            أيُّنا أشدُّ تشتشةُ هو أم أنا ؟




                            تعليق


                            • #29
                              التشوشية السادسة والعشرون :

                              **************************


                              أم رعيدة

                              **********


                              [ تعارف العوام من أهل اللاذقية تسمية الرعد بأم رعيدة، وكانوا يخيفون الأطفال الصغار بأم رعيدة والتي تحولت إلى ما يشبه الغول في أساطير اللاذقية الشعبية ].


                              **********

                              اسمها (شكرية) وليس في اسمها من الشكر شيءٌ ..
                              ومن يسمع باسمها يتفاءل به، ومن يراها يتشاءم فوراً.
                              حتَّى زوجها اسمه (شكري)، هل ذلك صدفةٌ عمياء؟
                              ولأنَّها (شكرية) فهي تحب (الشاكرية) وسمَّت ابنتها البكر (شاكر) رغم تقريعنا لها ولكنَّها أصرَّتْ وحجتها أن ينادوها (أم شاكر).
                              نسخة مصغرة عن البلدوزر في كل شيءٍ.
                              القباحة عينها، والسماجة ذاتها، والوقاحة كلُّها، والأضرار قاطبتها، وكل ما شئت من نعوت التوكيد فيها مقتبسٌ من أمِّها!!

                              *********


                              شكرية - وقد خمَّنتم وأصبتم - رابعة هذه المخلوقات المرعبة التي أسميها - اصطلاحاً لتعرفوهم - (بيت عمي).
                              هي بعد منيرة الحرباء أم لسان طويل ..
                              ثُمَّ فرعون - قيصر - الذي صار من شيوخ قبيلة بني قرباط .
                              وأم سعيد - حرمنا - أم أربعة وأربعين التي جمعت سفاهة من سبقها ..
                              ثُمَّ شكرية هذه ..
                              بالتأكيد لن تكون أحسن منهم ..

                              سمَّيتُها بـ (أم رعيدة) لهول منظرها الذي يخيف الصغار، وقد صوَّرتها مرةً على الجوال (الموبايل) لأخيف أولاد أخي الصغار كلَّما أزعجوني،
                              أضف إلى ذلك صوتُها عندما تتكلَّم فهو من أخشن ما سمعْتُ من الرجال والنساء جميعاً، وربَّما زاد من خشونته إدمانها العجيب على الأركيلة فهي لا ترفعها من فمها منذ استيقاظها حتَّى نومها، بل إنَّها تضع واحدةً تحت فراشها حتَّى تدخِّن منها لو أرقت وجفاها النوم!!
                              ولو سمعْتَ سعالها لحسبْتَ أم رعيدة في ليالي الشتاء المرعدة أمامك.

                              ********


                              لشكرية هذه في زواجها من شكري حكايةٌ لا تقلُّ حماقةً عن حكاية زواجي، بل فاقنِي شكري في كل شيءٍ..
                              كلمة أذلته قليلةٌ عليهِ واللهِ !!
                              استلبت شكري من أهله وسحرته رغم قباحتها حتَّى بات مفتوناً بها ولا يرى غيرها أمامه أبداً ..
                              فاسمعوا واحكموا ..

                              *******


                              رآها شكري ذات يوم وهو عائدٌ من وظيفته في شركة توزيع الطعام، وكانت هي موظفةً في البلدية مشرفةً على توزيع مهام الزبالين، وكانت تدكُّ الأرض بقدميها وترتعد الحجارة تحتهما، والكلُّ يفرُّ من أمامها رجالاً ونساءً؛ شيباً وشباناً؛ بشراً وحيواناتٍ؛ حياً وجماداً، إلاَّ شكري..
                              وقف وقد خذلته قدماه، ولا أدري أكان تخاذله خوفاً أم حباً ؟
                              ولكنَّها رمته بسهمٍ - عفواً برمحٍ غليظٍ - من عينيها فسقط صريع غرامها أو مخافتها !!
                              فسار وراءها كما يسير الكلب الأعور وراء صاحبه، حتَّى ولج منزلها، فعلق !

                              أيامٌ طويلةٌ في غدوه ورواحه من عمله لا يقصد إلا دارها حتَّى افتقدته أمه التي لم تعد تراه إلا في الساعة الرابعة فجراً، فانتظرته حتَّى ضبطته عائداً ولاطفته بالكلام حتّى أباح لها بسره النووي الخطير قائلاً (أنا مجنون شكرية)!
                              قالت أمه بكل بساطتها : " ولا يهمك يا روح أمك اليوم سأطبخ لك شاكرية ".
                              قال متعجباً : " من جاء بسيرة الشاكرية ؟" .
                              قالت بعفويتها : " أنت قلت قبل قليل ستجن لو لم تأكل الشاكرية " .
                              قال بضيقٍ : " يا أمي شكرية بني آدم من لحم ودم مثلنا لا من لبن ولحم غنم !! " .

                              عندها احتدَّت أمه حين علمت بسهراته المتكررة عندها وصاحت :
                              " ما هذه العائلة قليلة الذوق التي تستقبلك دون أهلك ؟ "
                              قال : " ولكنَّني خطبتها يا أمي " .
                              صاحت : " خطبتها .. خيراً إن شاء الله أبوك وأمك ميتان " .
                              قال : " العفو يا أمي " .
                              قالت غاضبةً: " الله لا يوفقك معها " .
                              قال بضراعةٍ: " لا تدعي علينا يا أمي " .
                              قالت : " الله لا يعطيكما عافية على نذالة تصرفكم أنت وأهلها " .
                              قال : " اخطبيها لي يا أمي وأريحيني .. أنا أموت فيها " .
                              قالت : " لو كان آخر يوم في عمري فلن أخطبها لك " .


                              *************


                              ولأنَّ شكري لا يعرف كيف يكتم سراً فقد باح لشكرية بموقف أمه..
                              ولو كانت امرأةً عاقلةً بنت ناس لردعته وقالت له : " لا تأتنا إلا مع أمك " .
                              ولكنَّكم تعرفون سلالة البلدوزر، تمسكت به وهي التي لم تصدق أنَّها رأت أهبلاً يهيم فيها، وصارت كل يومٍ تزنُّ كالدبور على رأسه ليكره أمه .
                              وزادت على ذلك أنَّها كانت تستولي على راتبه إمَّا نقوداً بحجة شراء خيمة لا ثياباً - لحجمها الضخم - لتلبسها، وإمَّا هدايا من الذهب، بل كان يستدين لأجلها !

                              والغريب بعد ذلك كله أنَّ فرعون الذي كان في أوج بلطجته هو وعصابته قد استأثر بشكري وأحبه ووضعه تحت حمايته، فكان شكري يمشي نافشاً ريشه، ومناخيره في السماء، ولم يعد يجرؤ أحد على مخالفته أو إزعاجه، وكان الدكنجي - البقال - ليرتاح منه ومن أذى فرعون يقول له :
                              " خذ ما شئت من دكَّاني .. ولو شئت لا تدفع نقوداً ".
                              لا حباً بشكري بل خوفاً من فرعون ، ولكنَّ شكري رغم حالة تكبره وزهوه - العارضة - كان ابن ناس ومتربياً فكان يدفع ثمن ما يشتريه .

                              وسألت شكري يوماً : " كيف سيطرت على هذا الحيوان وجعلته في صفك ؟" .
                              ابتسم بكيد الإناث وقال : " أطعم الفم تستحي العين " .
                              الأمر الذي فاتني !!

                              *************


                              أوحت له البلدوزر أن يرغم أمه بالقدوم لإعلان الخطبة ..
                              وضاقت به السبل وقد عجز عن إقناع أمه.
                              وكعادته باح لأم رعيدة بهمومه، فقالت :
                              " يا حوبة ألست رجلاً؟ "
                              قال لها بسذاجته وقد أخرج هويته :
                              " طبعاً .. حتَّى اقرئي الهوية مكتوب فيها تحت اسمي الجنس : ذكر " .
                              كادت شكرية تضرب الحائط برأسها غيظاً من سذاجته، وتلطمه لطمةً لا تقوم له قائمةٌ بعدها لولا خوفها من أن تظلَّ عانساً كل عمرها بعده، فمن أين لها بمسطولٍ مثله يحبها؟

                              فاكتفت بإطلاق رعدةٍ من حنجرتها وهي تلفظ دخان الأركيلة الذي ملأ جو الغرفة كالضباب، ولما انقشع الدخان لم تجد شكري، ثمَّ تبيَّن لها أنَّه مختبئٌ تحت الخوان (الأريكة) وقد بلل ثيابه خوفاً، فقالت له بقرفٍ :
                              " ما بك يا روح أمك ؟ " .
                              قال لها وهو لايعلم أنَّها من أصدرت صوت الرعد :
                              " من طفولتي أخاف من الرعيدة " .
                              كظمت غيظها وقالت : " الدنيا صيف فمن أين سمعت الرعيدة ؟ " .
                              هزَّ كتفيهِ حائراً فقالت له :
                              " ما علينا .. اذهب إلى بيتك لتبدِّل ثيابك وتظاهر أمام أمك أنك تموت حينها يرقُّ قلبها لك ، فالأم مهما كان من شأن ولدها فهي تحبه " .

                              أرأيتم هذا الكيد العجيب ؟

                              *************


                              دخل شكري وارتمى على الخوان وهو يصدر صوتاً كمن يلفظ أنفاسه فهرعت أمه جزعةً وهي ترى دموعه فبكت لبكائه، وقالت له :
                              " شكري حبيبي ما بك يا بُني ؟ " .
                              تمثل الضعف وقال : " قلبي متسارع في نبضه .. سأموت يا أمي " .
                              احتضنته في لهفةٍ وقالت : " بعيد الشر عنك يا روح أمك " .
                              قال مرتخياً بين أحضان أمه كأنه مريضٌ فعلاً : " لن ينفعني إلاَّ شيءٌ واحدٌ يعيد لي صحتي " .
                              قالت أمه : " سأجلب لك الطبيب جعارة " .
                              ولعلمكم الطبيب جعارة من أشهر أطباء اللاذقية قديماً مختص بالأطفال لأنَّ شكري في نظرها لا يعدو طفلاً كبيراً..
                              قال شكري : " ولكنَّه مات منذ سنين طويلة يا أمي " .
                              قالت جزعةً : " يا حرام .. لم يخبرني أحدٌ .. سأجلب لك غيره " .
                              قال : " مرضي ليس في الجسم " .
                              قالت متوجسةً : " ماذا إذاً ؟ " .
                              قال : " علتي لا يشفيها إلا شكرية " .
                              قالت : " رجعنا للشاكرية !!" .
                              تمتم : " متى ستفرقين يا أمي بين شكرية والشاكرية ؟ "
                              قالت بحزمٍ: " كله إلا شكرية " .
                              فصاح ببارعةٍ في التمثيل : " آه قلبي ... سأموت " .

                              ***********


                              ولطيبة قلب أم شكري ترونها راكبةً في السيارة مقطبة الجبين مع أختها اعتدال وكنَّاتها الثلاثة لترى شكرية، وشكري جالسٌ في الأمام فاردٌ نفسه كديك الحنش، ثُمَّ استدار لأمه وقال :
                              " عندما تدخلين افردي وجهكِ واضحكي لها، وقبِّلي الأم وشكرية " .
                              صاحت أمه : " هل ستعلمني الواجب؟ لا لن أقبِّلهما فأنا لاأعرفهما " .
                              قال مستلطفاً : " حسناً ... حسناً .. فقط اطلبيها " .
                              صاحت أمه من جديد : " ولماذا أطلبها ؟ ألم تقم بنفسك بخطبتها وكأنني ميتة ولا وجود لي ولا لأبيك ؟ " .
                              قال : " لكنَّ الواجب .... " .
                              صاحت : " واجب !! ألم تقل لأختك إنَّ خطيبتك وأمها أفضل مني فهما متعلمتان وأنا جاهلة " .
                              تمتم شكري : " الله لا يوفقك يا نظيرة كما أخبرتِ أمي بكل ما أبوح له بكِ " .

                              ***********


                              حين دخلت أم شكري وقافلتها الصغيرة بيت البلدوزر تفاجأت ..
                              أحضرت البلدوزر أخواتها الثمانية ، وعمات حرمنا التسعة، ناهيكم عن أم سعيد - حرمنا - ومنيرة وبقية العائلة اللطيفة،
                              حتَّى أم صالح وأم هاني وأم بدر وأم العبد جاراتها أحضرتهنَّ، وكل واحدة قد جلبت أولادها الصغار فتحول المكان بين الأراكيل العشرين ودخانها وبين جري الأولاد وتخريبهم وصراخهم إلى ما يشبه العصفورية، وأم شكري تدعو في سرها على شكري الذي ورَّطها هذه الورطة الملعونة.

                              وأوشكت أم شكري أن تزهق روحها فهي مُصابةٌ بالربو وهذا الجو الملوث لا يُناسبها!!
                              لذلك لم يعجبها شيءٌ وبقيت عابسةً لا تتكلم وكلَّما حاولوا إقحامها في حديث تسعل هروباً منهنَّ.
                              والبلدوزر كل قليلٍ تسألها : " احكي يا أم شكري " .
                              تريدها أن تطلب شكرية ولكنَّها لم تفعل نكايةً بشكري وسوء اختياره..
                              ولم تصدِّقْ أنَّها انتهت لتتنفس هواءً نظيفاً في الشارع بعدما احتقن وجهها وأوشكت أن تختنق حقيقةً ..
                              وحين ركبت السيارة هرع شكري ليسألها : " ما رأيك بشكرية يا أمي ؟ " .
                              فتفلت في وجهه أمام الناس، وقالت له : " لعنة الله عليك على هذا الاختيار " .
                              ولغيظه خبط باب السيارة عليها ..
                              وصعد لبيت شكرية يتابع سهرته للساعة الرابعة فجراً ..

                              *****************


                              بالطبع أنَّ أم شكري أقنعت أبا شكري ألاَّ يذهب لبيت شكرية قائلةً له :
                              " إياك أن تذهب فهم عائلة لا تليق بنا أبداً ".

                              وشكا شكري ذلك لشكرية التي قالت له بقرفٍ : " تصرف يا شكري ألست رجلاً ؟ " .
                              قال لها وهو يخرج هويته : " طبعاً رجل ومكتوب في الهوية ... " .
                              فقاطعته في ضراوة خنزيرٍ جائعٍ : " لا تريني هويتك وإلا مزقتها " .
                              أعاد هويته بهدوءٍ وقال : " ما الحل ؟ " .
                              قالت له وهي تنفث في وجهه دخان أركيلتها : " ألا يوجد عم لك يسمع أبوك كلمته ؟ "
                              قال شكري بفخرٍ : " أبي طيِّبٌ جداً ويسمع كلام الناس كلهم .. " .
                              قالت : " الموضوع محلول دع عمك يقنعه ويضغط عليه " .

                              ****************


                              كان لشكري عم اسمه (حميدان) له ابنتان إحداهما مطلقةٌ والأخرى يوشك قطار الزواج أن يفوتها، وولدٌ تزوج زيجةً بشعةً والآخر لم يتزوج رغم بلوغه الأربعين، وثالث تزوج زيجةً مقبولةً، وأنا أعرف هذا العم (حميدان).

                              وفعلاً شكا شكري له مأساته فتبنَّى الموضوع وألحَّ على أبي شكري قائلاً :
                              " دعه يتزوج .. هذا طريقه واختياره .. وهو حرٌّ " .

                              ولأنَّ أبا شكري كما قلت لكم لا يعرف كيف يقول (لا) فوافق من فوره ..


                              ****************


                              وهكذا ترون شكري متانقاً ببذلةٍ برتقاليةٍ وقميصٍ أصفر وحذاءٍ أحمر بين عمه حميدان وأبيه وأخويه فقط، فقد أصرَّ الأب ألاَّ يكونوا كثرةً ..

                              ولمَّا وصلوا حارة فرعون تفاجؤوا بناسٍ كثيرين واقفين وجالسين في الشارع على عددٍ كبيرٍ من الكراسي ..
                              فقال أبو شكري : " الموقف يا بني غير مناسب فلنعد " .
                              قال شكري وهو يعدِّل الكرافتة القصيرة التي تكاد تخنقه لصغرها : "لماذا؟".
                              قال أبوه : " يبدو أنَّ هناك عزاءً فالكراسي لا تُوضع في الشارع إلا لعزاء " .
                              قال شكري وهو يخشى أن تفوته الفرصة:
                              " سندخل بهدوء ونطلب شكرية ثُمّ نعزي بالميت فيفرح أهل عروستي بشهامتنا ".

                              **
                              ***************

                              وحين دخلوا بيت شكرية صُعقوا ..

                              فلكثرة الحضور كنتَ تظنُّ أنَّ أهل اللاذقية تركوا عملهم وجاؤوا جميعاً لبيت أبي سلمى والد شكرية !!
                              أعمامها وأخوالهم جميعاً الذين تحتاج لآلةٍ حاسبةٍ لتعدَّهم، وأولاد الأعمام والأخوال، وأزواج خالاتها وأزواج عماتها وأولادهم الكبار والصغار، وأزواج بنات البلدوزر ومنهم أنا ، وبعض العائلة الذين يقربونهم قرابة بعيدةً وأنا أعرفهم ، فهذا الجالس في صدر المجلس مثلاً هو ابن عم عمة زوجة أخت جدة شكرية!!
                              بل إنَّ بعضاً من الحاضرين كانوا من أصحاب محلات البقالة والنجارة والحدادة في الشارع والذين أعرفهم بحكم ترددي على بيت البلدوزر ..

                              حتِّى الزبالين بثياب العمل حضروا ألم أقل لكم : إنَّ شكرية تعمل في البلدية ؟ ".
                              وقد حاول شكري منعها من إحضار الزبالين فأصرت قائلةً :
                              " هذه وجاهة .. وهم زملائي في العمل " .
                              والعياذ بالله من رائحتهم الكريهة .

                              والناس في حضورهم أمرهم عجيب ..
                              بعضهم واقف وبعضهم جالس..
                              بعضهم داخل البيت وبعضهم خارج البيت ..
                              بعضهم وضع كراسي في الشارع لذا ظنه أبو شكري عزاءً !!

                              ودخل أبو شكري وهو يظنه بيت العزاء لا بيت أبي سلمى والد شكرية وقال :
                              " عظَّم الله أجركم ".

                              فسكت الجميع ينظرون له بفضولٍ وقد جلس مطرقاً متصنعاً الحزن ليتناسب مع العزاء ..
                              فتدارك شكري الموقف والذي أدرك أنَّ كل الجماعة حضروا لأجله فصاح ضاحكاً :
                              " أبي يحب المزاح " .
                              فانفجروا يقهقهون ويضحكون بصوتٍ سمعه أهل بانياس .. والأب مندهش فعلاً وقال لابنه :
                              " هؤلاء كلهم لك ولكن أين العزاء؟" .
                              وضاع صوته وسط الزحام ..

                              *****************


                              بعد نصف ساعة قال أبو شكري : " يا جماعة جئنا لنخطب بنتكم شكرية ذات العفاف والصون لابننا شكري " .
                              فصاحت البلدوزر التي أصرت على الحضور كعادتها : " حلت علينا البركة " .
                              قال أبو شكري وهو متعجبٌ لحضورها : " نريد أن نفصل الحقَّ "
                              أي تحديد المهر ..

                              فمال شكري على أذن أبيه قائلاً :
                              " قل يا أبي نصف مليون نقدي متقدِّم ومثلها متأخر " .
                              صاح أبوه مستهولاً المبلغ - في ذلك الزمان - : " ماذا قلت ؟ " .
                              همس شكري : " وافق يا أبي أرجوك . " .
                              قال أبوه وقد غضب : " كيف أوافق على هذا المبلغ الضخم ؟ " .
                              قال شكري : " انظر يا أبي حولك فأنا لا أضمن النتائج " .
                              نظر أبوه فرأى مئات العيون ترمقه وبعضها يتطاير منه الشرر فقال مغلوباً على أمره :
                              " أمري لله .. الله يخرب بيتك " .

                              ****************

                              وحدَّدوا الخطبة بعد ثلاثة أيام ..
                              فأصرت شكرية أن يشتري شكري فستان الخطبة لها، فاستدان ثلاثين ألف ليرة.
                              ونزلت البلدوزر معهما وأم سعيد على أساس أنه من العيب أن تنزل شكرية وحدها معه، وقالت أم شكري :
                              " الآن يعرفون العيب !! وعندما كانوا يستقبلونك دون شيءٍ بينك وبين شكرية ألم يعرفوا العيب ؟ ".
                              واستغلت شكرية حماقة شكري فاشترت ثلاثة فساتين وتنورتين، واشترت البلدوزر - على حسابه - فستانين وشالين من الصوف، حتَّى أم سعيد اغتنمت الفرصة واشترت ثوباً لها.

                              ***************


                              وألزموه - على غير عادة أهل اللاذقية - دفع المتقدم بعدما كتب الكتاب وأحكموا الحبل حول عنقه،لتلهف الأم نصفهم ،
                              حتَّى الذهب بلغ مئة وخمسين ألف ليرة سورية وهو مبلغ يخطب لثلاثة حينها !! وكله بالدَّين.

                              ناهيكم عن العرس في مطعم (سوار) الذي كلف آنذاك أكثر من مئتي ألف ليرة .. كالعادة استدان شكري ليدفع..

                              ومازال شكري وبعد مضي خمس سنوات من زواجه، يعيش تحت خط الفقر وهو يسدِّد ديونه للناس، غير مطالب شكرية التي لا تنتهي ..

                              *************


                              بقي أن تعلموا أنَّ شكري ليس إلا ابن عمي الذي لم يعرف كأبيه أن يقول (لا) إلا عندما سُئل : أتكره حماتك البلدوزر ؟
                              فأجاب من فوره :"لا .. لا "...

                              وعمه (حميدان) الذي لجأ إليه ليقنع أباه لم يكن سوى أبي رحمه الله تعالى ..


                              أرأيتم سوء منقلب عائلتنا ؟
                              فما رأيكم ؟
                              دام فضلكم !!



                              تعليق


                              • #30
                                التشتوشية السابعة والعشرون

                                البلدوزر


                                *****************

                                ما زلت معكم إخواني في سيرة بني بلدوز – على غرار سيرة بني هلال – وقد عرفتم بعضاً من إخوة أم سعيد ..
                                واليوم أحدثكم عن رأس الفتنة البلدوزر !!

                                بالتأكيد كوَّنتم فكرةً عنها من خلال حكاياتي السابقة التي تعدل حكايات ألف ليلةٍ وليلةٍ ..

                                وعرفتم سلسلة المآسي التِي مالها آخر معها ..
                                حتَّى بتُّ أنصح الشبان من العزبين ألاَّ يتزوجوا، رغم كون الزواج سنةً كونيةً، ولكنَّني بعد البلدوزر بتُّ أعتقد أنَّ كل الحموات جبَّارات جهِمات غليظات الطبع، ينسين العدو الصهيوني ويعتبرْنَ صهرهنَّ العدو رقم واحد الذي يجب إطلاق كل أسلحة الدمار الشامل وغير الشامل عليهِ ..

                                ذقْتُ أشدَّ المرارة منها ..
                                وبات ذكر اسمها أمامي كفيلاً بزرع الرعب في قلبي، وجعلي أغصُّ بالماء رغم نصيحة الأطباء لمن يغصُّ أن يشرب ماءً ..

                                أحالت حياتي مع أم سعيد إلى مسلسلٍ تركيٍّ أو مكسيكيٍّ لا تنتهي حلقاته..
                                وأي حلقاتٍ ...
                                حلقات من الهم والحزن والنكد والشحناء والبغضاء ..


                                ***********************************


                                حديث ذكرياتي معها يطول ..
                                وأقتطف لكم بعضاً منه ..

                                في يوم خطبتنا هذه العجوز الشمطاء المتصابية نزلت ترقص بثيابٍ تحسدها عليها فيفي عبدة، ولم تستحِ مني أنا الذي لم أكن قد كتبت كتابي بعد على حرمنا أم سعيد ..
                                وحاولت الحيزبون أن تجعل أمي ترقص فرفضت، ولا زلت أذكر أمي رحمها الله تعالى وقد رفضت تلك الليلة أن تكشف عن رأسها لكرهها العجيب لحرمنا وللبلدوزر، رحمك الله يا ست الحبايب على بعد نظرك ..
                                ولمَّا دخل أبو سلمى رحمه الله – زوج البلدوزر لمن لا يعرف - يحمل أكواب الشراب كانت حمَّى الرقص عند تلك المجنونة قد أذهبت البقية الباقية من عقلها، هذا لو كان لها عقلٌ أصلاً ، أجبرت أبا سلمى على الرقص وهي تغني بصوتها الأجش :

                                " رقصني يا جدع " .

                                وقد تفاجأ المسكين بها تتقافز - برشاقةٍ أحسدها عليها – كحيوان الكنغر الهارب من نمرٍ يريد افتراسه..

                                ولأنه لا يعرف غير عمل المطبخ وقع عدة مرات على الأرض وسط ضحكات المدعوين.. وآثر الانسحاب بكرامته المهدورة بعيداً عن الأعين ..

                                ولم يجارِ البلدوزر إلا أم أربعة وأربعين – حرمنا – وصدقوني شعرت في تلك الليلة أنَّ لها أربعة وأربعين رِجلاً وهي ترقص – ولكنني كنت مفتوناً بها لحماقتي – فكانت ترقص كما يرقص السحرة في أدغال إفريقيا رقصاتٍ مجنونةً لا معنَى لها سوى السعار والهذيان ..

                                وبالفعل لا فرق بين زوجتي ليلتئذٍ والساحر الأفريقي فكلاهما صبغ وجهه بألوانٍ منكرةٍ ليلقي الروع في قلوب الحاضرين، وإن كانت أم سعيد تظن أنَّها ستفتنني بكل هذه الأصباغ ..

                                ولماَّ أخبرها المدعوون – لعنهم الله – أن تدعوني للرقص قامت بسحبي من يدي، وتعرفون قوتها الجثمانية فانجذبت لها كريشةٍ في مهب الهواء !!

                                ولأنني لا أعرف الرقص كنت أدور حولها وهي تنبطح أرضاً وتتمايل بجسدها عليَّ كالراقصات المحترفات بل المنحرفات، وفجأةً تعثرت بثوبها الطويل فوقعت أرضاً ولم ترني حماتي التي كانت تدوِّر رأسها وشعرها كالخليجيات فتعثرت بي وسقطت عليَّ سقطةً هويلةً ارتعد لهولها الحدثان، وتوقف القمر عن مسيرته في تلك الليلة ليرقب ما سيحدث لي ..

                                وتحول الرقص إلى كوميديا وكادت روحي تزهق لوزنها الثقيل الجاثم فوقي، والتفت نحوي البلدوزر عابسةً بنظرةٍ تذكِّرك بعبسي في مسلسل (عدنان ولينا) الذي تابعناه في طفولتنا، وفحَّت بصوتٍ هامسٍ :
                                " الويل لك يا مسطول " .

                                ولأجل المدعوين تداركت الموقف بابتسامة مغتصبة لهم وقامت ترمقني بنظراتٍ تعدني بالثبور والويل، واكثر الضاحكين والشامتين بِها ليلتها كانت أمي ..

                                ************************


                                قال لي يوسف مرةً والذي صادف حماتي عندي أكثر من مناسبةٍ :
                                - لماذا لحماتك صوت خشن؟
                                قلت له : - لأنَّها بعد وفاة عمي أبي سلمى تضلعت للقيام بدور الرجل والمرأة معاً في منزلها.
                                قال بابتسامةٍ خبيثةٍ : - ولماذا جسمها ضخمٌ جداً ولا يمتُّ للأنوثة بتاتاً؟
                                نظرْتُ له متفرِّساً : - لماذا تكثر السؤال؟ هل تريد الزواج منها؟
                                ارتعد لهول الفكرة وقال : - الله يخرب بيتك وبيتها!! أي ذنبٍ جنيْتُ حتَّى تتمنَّى لي سوء الخاتمة؟
                                قلْتُ له : - على رسلك يا صاحِ .. إنَّها نائمةٌ على كنوز قارون.
                                كناية عن كثرة المال ..

                                صاح : - والله لو كانت تملك مال الدنيا لا أرضى بها، وهل هذه أنثى ؟
                                قلْتُ : - على الأقل تشاركني مأساتي .. وتكف حماتي عن مضايقتي ..
                                ثم رفعت صوتي مداعباً : - سأنادي أم سعيد لنقرأ الفاتحة ..
                                هبَّ كالملسوع وفتح باب الدار قائلاً : - لن تراني بعد اليوم ..

                                كنت أضحك ملء قلبي وأنا أتخيله مع البلدوزر هي في ثياب العرس وهو في كفنه، وأعلم أنَّ يوسف لن يتركني فهو يحبني ..

                                **********************


                                أنا نفسي كنت أجهل هذه التغيرات غير الطبيعية في جسم البلدوزر ..

                                وظللت أتحايل على أم سعيد أياماً طويلةً لمعرفة سر التغير البيولوجي في أمها، فكانت تأبى مجرد فتح الحديث عنها ..

                                وذات مرةٍ كانت متضايقةً من أمها – وهي من اللحظات النادرة – فعاودت سؤالها عن أمها فقالت لي :
                                - عدني بكتمان السر .
                                - سرك في بير ..
                                وهكذا ترون أنني لم أذع السر إلا لكم فقط فهل خنت الأمانة؟ أم أنَّ فضيحة هؤلاء واجبةٌ عليَّ!!
                                بدوري آمل منكم ألا تذيعوه لأحدٍ.

                                *************************


                                - يعود الموضوع إلى عشرين سنة خلت ..
                                هكذا كانت تتكلم شهريار زماننا ..

                                تعلمون منيرة - الحرباء البكرية الأولى للبلدوزر - ، كانت في تلك الأيام مخطوبةً لرامي، وكنَّا نعلم أنَّ رامي طبيب ولكنَّنا لم نعرف تخصصه، كل ما كنَّا نعرفه الأموال التي تتدفق عليه من عيادته الريفية في (فديو) القرية الريفية الهادئة القريبة من اللاذقية، وكانت منيرة سعيدة بالأموال التي يغدقها عليها رامي ..

                                قاطعتها : - هذا طبعكم جميعاً في عائلتكم العصامية !!
                                صاحت : - اخرس .. الحق عليَّ .. ظننتك بني آدم وفتحت لك قلبي..
                                ولخوفي من ضياع قصة البلدوزر مني قلت معتذراً :
                                - أقصد طبعكم في السعادة مع أزواجكم .
                                قالت : - يا لك من جلموء!!
                                (الجلموء في عرف لهجة اللاذقية : المنافق المداهن الذي يلحق الآخرين يعني الإمعة)..

                                ويبدو أنَّ غضبتها من أمها كبيرة لذا تابعت حكايتها في فضيحة البلدوزر :

                                - مرَّ شتاءٌ قاسٍ في أواخر الثمانينات حيث نزل الثلج – لم أقاطعها لأنني خشيت إغضابها – وبالتأكيد كنت أذكر ذلك اليوم النادر في تاريخ اللاذقية لأن الثلج لا ينزل عندنا!!
                                تابعت :

                                فمرضت أمي بسبب البرد، وحار معها الأطباء في تفسير نوبات إغمائها التي كانت تهاجمها كل فينةٍ، وصار عندها ترسانة من الأدوية دون تحسُّنٍ يذكر .. وانقطع رامي عنّا بسبب ضغط العمل في عيادته حيث يضطر للمبيت أحياناً هناك لتأخره إلى آخر الليل، وعاد بعد أيَّامٍ ليرى أمي على حالها المزرية ومنيرة تبكي أمامه بحرقةٍ وهو يطيب خاطرها ثمَّ قالت له :
                                - ألست طيبياً يا رامي ؟
                                - نعم ..
                                - عالج أمي أرجوك ..
                                - لكنَّ تخصصي ..
                                - من أجلي يا رامي ..
                                - أقول لك اختصاصي لا يناسب أمكِ ..
                                - لكنك طبيب وتفهم في هذه الأمور ..

                                قاطعت أم سعيد فالجهل أوشك أن يقتلني :
                                - يعني لو كنت أستاذ رياضيات فهل هذا يعني أنَّني سأكون خبيراً في قواعد الإعراب؟
                                قالت أم سعيد : من يقنع منيرة ويقنعنا ونحن نبكي خوفاً على أمي،
                                وهكذا ألزمناه أن يفتح حقيبته ويخرج محقناً طبياً أكبر مما هو معتاد وهو يقول :
                                - ستتحملون النتائج.
                                قالت منيرة : - كفى تواضعاً فأنت طبيب مشهور ..
                                قال : لكنَّها تحتاج لطبيبٍ مختصٍّ.
                                كانت يده ترتجف وهو يحقن أمي - المُغمى عليها - في ذراعها وسط نظراتنا المتلهفة..
                                وما عجز عنه الأطباء فعله رامي ...

                                حيث لم تمضِ دقائق بعد الحقنة إلا أفاقت أمي من غيبوبتها، ورغم ضعفها لاحظنا فيها قوةً حيث نهضت بعد أسبوعٍ من الرقاد..
                                نظرت لنا جميعاً ثم ضحكت بخشونةٍ، وتعافت بعد تلك الإبرة بسرعةٍ عجيبةٍ.

                                ورغم ذلك كرهت أمي رؤية رامي بعدها كرهاً شديداً ..

                                وسكتت شهريار عن الكلام المباح ..

                                تعلمون أنَّ هذا طبيعة في البلدوزر فهي لا تحب أي صهرٍ لها، مع ذلك سألت أم سعيد:
                                - لماذا تكرهه رغم أنَّه بعد الله تعالى شفاها ؟
                                قالت أم سعيد : - يا لغبائك !! ألم تفهم بعد ؟
                                قلت بسذاجتي : - لا ..
                                بالله عليكم هل فهمتم ؟

                                قالت أم سعيد : - يا بني آدم كان رامي يعمل في فديو طبيباً بيطرياً للدواجن والأبقار هناك، ويستحي أن يعلن ذلك لنا على الملأ!!
                                قلت لها بدهشةٍ : - هذه أول مرة أعرف فيها هذه المعلومة عن عمله.
                                ثم تداركْتُ : - والإبرة غريبة الشكل ..
                                قالت : - كانت لبقرة !!


                                **********************

                                صار دوري لأضحك ملء أشداقي وأقول :
                                - نياهاااااااااااااااااااااه ..

                                ومن يومها أنا ورامي أعز صديقين !!




                                تعليق

                                يعمل...
                                X