إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فوت اضحاك مع يوميات تشتوش

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #31
    التشتوشية الثامنة والعشرون

    أبو عصام

    *****************



    الناس هوائيون !!
    وهذا المصطلح في علم النفس – حسب قراءاتي – يعني أنَّهم سريعو التأثر، تغلبهم العواطف مهما بلغ سذاجة الموقف أمامهم .

    وبالتأكيد الناس في أيامنا ينفعلون لأشياء لقيمة لها ولا ينفعلون لأشياء لها أهميَّةٌ كبرى في حياتهم.
    فمثلاً قد تشتم أبا الرجل فيبادلك السباب بأقذع منه بل ربما يقوم ليضربك، ولو سُبَّ آباء الآخرين لم يبالِ بل قد يضحك ويهزُّ رأسه كأنَّ شيئاً لا يعنيهِ.

    ولئن كان معظم الناس تافهين مرةً؛ فحرمنا وشلَّتها أتفه منهم ألف مرةٍ.

    ***********************


    في اليوم الأول من رمضان حدثت مناحةٌ في دارنا !!

    كنت نائماً في أمان الله بعد الظهر بعد تعب العمل في انتظار أذان المغرب، إذ أفزعني صوت عويل أم سعيد .
    هرعت مذعوراً إلى الصالة لأجدها جالسةً تلطم رأسها وتبكي بصوتٍ يذكرك بموسيقا أفلام الرعب..
    فتفاءلت خيراً من أنَّ البلدوزر قد فعلتها وأراحتنا من همومها في دنياها، وذهبتْ لتقلق راحة الأموات أعانهم الله .

    قلْتُ بصوتٍ منخفضٍ : " خيراً يا أم سعيد " ..
    رفعت رأسها المنكوش الشعر وشرقَتْ مخاطها، والدموع تسبح على وجهها وقالت لي : " لقد مات " .

    اعتقدْتُ أنَّها أخطأت اللفظ وقالت (مات) بالمذكر على أمها والواجب التأنيث –أليس هذا صحيحاً يا أهل اللغة ؟- وإن كانت أمها تصح بلفظ المذكر أكثر منها بالمؤنث كما تعلمون.

    قلت متظاهراً بالجزع وأنا أكتم فرحتي فقد وقر في ظنِّي أنَّ أمها قد قُبضت لأنَّ هذا البكاء لا يكون إلا للأم، وانتهت متاعبي معها:
    " متى ؟ " .
    قالت : " اليوم ! " .
    قلْتُ : " في أي ساعةٍ ؟ " .
    قالت : " قبل نصف ساعةٍ " .
    قلْتُ لها : " سألبس ثيابي ريثما تجهزين نفسك " .
    قالت وهي تتمخط وتمسح دموعها : " إلى أين ؟ "
    قلْتُ : " إلى بيت أهلك " .
    قالتْ بدهشةٍ : " لماذا ؟ " .
    قلْتُ : " لنقوم بواجبنا تجاه المرحومة " .
    قالتْ : " أي مرحومةٍ؟ " .
    قلْتُ : " أمك " .
    زأرتْ كنباح كلبٍ عقور : " الله يخرب بيتك، الدنيا رمضان وتتمنَّى لأمي الموت".
    قلْتُ متلعثماً : " ولكنَّني ظننتُ أنَّك قلْتِ إنَّها ماتت " .
    صاحتْ : " قلت مات ولم أقل ماتتْ " .
    قلْتُ: " من مات؟ " .
    قالتْ : " أبو عصام " .
    قلْتُ ببلاهةٍ: " زوج خالتي " .
    فقد كان اسمه (أبو عصام) أيضاً..
    صاحتْ متضايقةً: " أبو عصام في باب الحارة " .

    ولأنني لم أكن أتابع المسلسلات في التلفاز قلت بعفويةٍ : " أي باب حارة؟".
    نظرت لي مندهشةً من غبائي وصاحت : " اذهب من وجهي قبل أن أفتك بك".
    ولأنَّها كانت صائمةً جائعةً عرفت أنَّها قد تفعل ذلك وتلتهمني ..
    ففررْتُ منها وأنا لم أفهم شيئاً بعد !!

    **************************************


    كانت سهرة حرمنا في الليلة الأولى من رمضان حافلةً ..
    فقد اجتمعت صديقاتها فافي وناغي وماكي اجتماعاً خطيراً على مستوى القاعدة، للتباحث بشأن أبي عصام!!
    وقد عرفت من هو أبو عصام فيما بعد ..

    حرمنا: بكيْتُ دموعاً كثيرةً على أبي عصام.
    ناغي: المسلسل لا قيمة له دونه.
    ماكي: لم أتابع المسلسل بعد علمي بموته.
    فافي: ليس من حق المخرج أن يقتله.

    دخلت عليهنَّ بأكواب السوس .. وأصغيْتُ لهرائهنَّ.

    قلت : هذه سنة الله في الأرض، الموت لا بد منه.
    فافي: ولكن المخرج يفعل ما يشاء بالأحداث.
    ماكي: لذا كان يجب الإبقاء على أبي عصام.
    لم أتحمَّلْ تفاهة الحديث فخرجْتُ .. وذهبْتُ إلى المطبخ أتابع الجلي.

    *******************************


    وبعد نصف ساعة أتاني صوت حرمنا :
    - القهوة يا أبا سعيد !!

    وعندما دخلت عليهنَّ بفناجين القهوة وجدتهنَّ مبتسمات خلاف بداية الاجتماع حيث كنَّ عابسات..
    وبعدما وزَّعْت القهوة قلت :
    - هل تقبلتنَّ فكرة وفاة أبي عصام؟
    قالت حرمنا : بالعكس لا قيمة للمسلسل دونه.
    قلْتُ : وبعد ..
    فافي : سنتصل بإدارة تلفزيون ( mbc ) .
    قلْتُ : ولماذا ؟
    ماكي : سنطلب منهم إيقاف عرض المسلسل أو يعود أبو عصام.

    وشفعت حرمنا القول بالفعل وبدأت تتصل، وكادت عيناي تقفزان من محجريهما لأنَّ قيمة الاتصال على حسابي، ولا أدري أي حيزبون منهنَّ أعطتها رقم القناة، ودعوْتُ الله سراً ألاَّ ينجح الاتصال.
    وبِما أنَّكم تعلمون سوء حظي !
    فقد نجح الاتصال من أول مرةٍ وبدأت الحديث..
    فخرجْتُ قبل أن أصاب بسكتةٍ قلبيةٍ.

    بعد نصف ساعةٍ بالتمام والكمال وأنا واقف في الممر أصغي لحديث التفاهة على الهاتف ودموع الغيظ تنهمر من عيني، وضعت حرمنا السمَّاعة وهي تغلي غيظاً وتقول:
    - الأوغاد رفضوا الاستماع لمطلبنا.
    ناغي : ماذا قالوا لكِ؟
    حرمنا : قالوا لي لو شئت أن تتابعي المسلسل دون أبي عصام فافعلي أو لا تشاهدي المسلسل، وبعد جدالٍ أغلق الهاتف في وجهي.

    ارتسمت على شفتي ابتسامة قهرٍ فقد عرف الرجل كيف يخرسها؟
    وأجفلتُ على صياح حرمنا : لا لن نسكت !!
    فافي : ماذا سنفعل؟
    ماكي: الأفضل ألاَّ نشاهد المسلسل.
    أم سعيد : لن نرضخ لهم.
    ناغي : أنا مع أم سعيد لن نرميَ سلاحنا أمامهم.
    ماكي : ما الحل؟
    حرمنا : سنجمع تواقيع كل من نعرفه ثمَّ نرفعها لإدارة المسلسل لإعادة أبي عصام.

    لم أتحمل كل هذه البلاهة فدخلْتُ وقلْتُ :
    - آمل ألاَّ تنسيْنَ أنَّ المسلسل انتهى تمثيله وعملكم لا قيمة له.

    تنبهن إلى هذه النقطة ووجمن وهن ينظرن لي كأنَّهنَّ يردْنَ ضربي، وهل أنا السبب في موت أبي عصام ؟!

    ولأنَّ حرمنا حمقاء فلم يخطر ببالها حل، ولكن الداهية ماكي قالت:
    - على الأقل يرجعونه الجزء القادم .

    *************************************


    بدأت أغرب وأتفه عملية إحياء شخصية تمثيلية !!
    وكأنَّ الكون سيتوقف على هذا المدعو أبي عصام ..
    ولتفاهة الناس –كما قلت في البداية حيث يهتمون بأشياء لا قيمة لها- نجحت عصابة المافيا بزعامة أم سعيد في جمع أكثر من خمسين ألف توقيع بالاسم الكامل لكل صاحب أو صـــاحــبة توقيع..

    كل واحدةٍ منهنَّ كلَّمتْ أصدقاءها ومعارفها وأقاربها، وكل واحدٍ من هؤلاء فعل الشيء ذاته بحماسٍ منقطع النظير ..
    حتَّى صرت أحسد أبا عصام على هذه المحبة ..

    وتساءلْتُ لِمَ لا يقوم الناس بالشيء ذاته عندما يُقتل شخصٌ ما على يد عصابة الصهاينة أو الأمريكان؟!
    ولكنَّكم تعلمون انشغال الخلق بتوافه الأمور.

    بل امتدَّ نشاط العصابة – وبغرابةٍ - للمحافظات الأخرى من خلال أقارب لهنَّ في معظم المدن، وتفاعل أبناء المحافظات الأخرى معهنَّ، حتَّى جمعن نصف مليون توقيع..

    *******************


    وضعت حرمنا مجلداً ضخماً من الأوراق يعادل في ضخامته معجم لسان العرب المكون من عشرة أجزاء في مكتبة منزلنا، ذلك الكتاب الذي علاه الغبار واصفرَّت أوراقه ..

    قالت ماكي: بقي أن نوصل التواقيع للتلفاز في الشام.
    واختلفن فيمن تذهب للشام؟!

    علا صياحهنَّ وكل واحدةٍ ترمي على الأخرى وأنا أضحك من فشل مهمتهنَّ.
    ثم اقتربْن
    وتهامسْنَ
    وعبسْنَ
    ثم نظرْن لي بمكر صويحبات يوسف عليه السلام..

    زأرت حرمنا: استعدَّ للسفر غداً للشام.
    قلت : محال ... وعملي ..
    قالت : خذ إجازة ..
    قلت : استهلكت جميع إجازاتي بسبب أعمال المنزل..
    قالت : خذ إجازة عارضة..
    ارتفع الدم لرأسي : سافرن أنتنَّ ..
    قالت ماكي : رمضان صعب علينا، وأزواجنا يريدون منا كل يوم طبخ طعام.. وطعام موائد رمضان يحتاج وقتاً طويلاً منَّا.

    صحت بزوجتي الخائبة : يخفن على شعور أزواجهنَّ وأما أنا يا أم سعيد فلا تهتمين بي..
    قالت أم سعيد : ستعود قبل الإفطار وأجهز لك أحلى فطور.

    انتفخت أوداجي وأنا أصرخ :
    - لن أذهب ولو قامت القيامة.. حلو والله.. أنا لا أهتم بأبي عصام ولا غيره من أموركن السخيفة أبداً.. وتلزمنني بالذهاب لأجله.. عجب !!

    ***********************


    كنت نائماً عندما اقترب مني سائق الباص وقال لي :
    - يا أستاذ وصلنا الشام.
    أجفلْت محملقاً به بدهشةٍ ، للوهلة الأولى لم أعرف لماذا أنا في الشام؟
    ولأنني كنت طوال الوقت أحلم بأم سعيد وهي توصيني ألاَّ أعودَ خائباً.

    ونزلْتُ من الباص متثاقلاً عندما لحق بي السائق:
    - يا أستاذ نسيت هذه الأوراق !!
    ناولني إياها فكدْتُ أقع من ثقلها وقال لي :
    - هل أنت دكتور في الجامعة لتحمل كل هذه الأوراق معك ؟
    قلْتُ وأنا أتثاءب وأنوء بحملي :
    - هذه الأوراق للتلفزيون .
    ابتسم وقال : حضرتك كاتب سيناريو.
    قلْتُ : كاتب سيناريو.. أنت تمزح.. هذه تواقيع لإعادة أبي عصام إلى مسلسل باب الحارة.
    نظر لي برهةً ثم استدار عائداً وهو يقول :
    - الله يشفيك ..

    ******************************


    تعامل معي أهل التلفزيون بلباقةٍ وأفهموني أنهم لا علاقة لهم بالمسلسل، فكدت أعود أدراجي إلى اللاذقية لولا تذكُّري أم سعيد وغضبها الذي قد يعدل غضبة ثورٍ في حلبات مصارعة الثيران لو عدت خائباً ..
    ألححت عليهم ورفضت المغادرة ..
    وذهبت محاولاتهم أدراج الرياح ..

    ****************************


    صاح بي ذلك الرجل الجالس في طرف الغرفة :
    - يا ولد تعال لمشاهدة التلفاز ..
    جئت لابساً الثوب الأبيض وقلت :
    - أولاً لست ولداً ...
    قال لي : بل ولد لأنك لم تضع على رأسك طنجرةً مثلي ..

    نظرت إلى طنجرة الضغط التي وضعها على رأسه، وتعجَّبْتُ كيف يحتمل ثقلها؟ وقلت :
    - لم جاؤوا بك هنا؟
    قال لي : حزنْتُ لموت الإدعشري من سنتين وصرت ألطم وأصرخ وأطلب بإرجاعه للحياة،فجاؤوا بي إلى هنا ..
    ولم أعرف من هو الإدعشري !!
    ولكنني تذكرت حكايتي .

    قال لي : وأنت يا ولد لم جاؤوا بك هنا دون أبيك؟
    قلت : أبي ميت.

    مسحْتُ دمعتي وأنا أتذكر أبي الذي نصحني ألا أتزوج من العقرب حرمنا وتابعْت:
    - كنت أريد إعادة أبي عصام إلى مسلسل باب الحارة.. وتحت إلحاحي في مبنى التلفزيون لم يجدوا إلا إحضاري إلى هنا ..
    سكت برهةً وكأنه لم يستوعب ما قلته له ثم قال: هل مات أبو عصام ؟
    قلْتُ: نعم ، أرأيْت الحماقة التي سبَّبتْ مجيئي إلى هنا؟
    نزع طنجرة الضغط بغتة عن رأسه ورماني بها ولو لا لطف الله لأصابتني وقتلني، وأصابت التلفاز -الذي كان قد بدأ بعرض مسلسل باب الحارة – وكسرته، وهو يصيح ويبكي:
    - يا حرام يا أبو عصام ..
    وطفق يبكي كالأطفال.. وإذا بكل من كان في الغرفة لمشاهدة التلفاز وعددهم فوق الخمسين يبكون معه والأصوات تصم أذني..
    وانزويْت في الغرفة خائفاً منهم.
    الله ينتقم منك يا أم سعيد وفافي وماكي وناغي ونصف المليون توقيع!!



    تعليق


    • #32
      التشتوشية التاسعة والعشرون

      معلمة

      ****************************

      - هاتِ مسَّاحة اللوح يا أبا سعيد.
      كنْتُ أضعُ لها أقلام الطباشير على الطاولة، فبدأْتُ أمسح اللوحَ الأسود الذي علَّقته حرمنا على حائط غرفة النومِ، واستدارتْ تقولُ لهم:
      - لا تنسوا أنَّ الفاعل مرفوع بالفتحةِ.

      ****************************


      لم تخطئوا القراءة أو السمع – إن كان أحدٌ يقرأ عليكم يومياتي – فجأةً أصبحت بسلامتها معلمة، وأيَّ معلمة، فإذا تغاضيتم عن الأخطاء الشنيعة التي تقع فيها
      كالفاعل المرفوع بالفتحة لا الضمة،
      ومحيط المربع – لا المستطيل – هو الطول في العرض،
      ومن أنَّ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام هاجر إلى الحبشة لا المدينة المنورة،
      ومن أنَّ رئة الإنسان – لا الكلية – تقع أسفل الظهر،
      وما شئت من فيضٍ من المعلومات الخاطئة،
      أقول: فإذا تغاضيتم عن كل هذا عجبتم كيف سلَّم أولياء الأمور رقاب أبنائهم لها؟
      بل قل لي: العجب من طوابير التلاميذ الواقف بالدور على باب بيتنا ليأخذ دوره في التسجيل لديها!

      ****************************


      بدأ احترافها لمهنةٍ ليس لها فيها ناقةُ ولا بعيرٌ قبل شهرين، في بداية أيلول حيث دارت عجلة السنة الدراسية الجديدة، وكانت في مجلس صديقاتِها اللواتي يتعوذ منهنَّ أخوهنَّ إبليس – عليه اللعنة – لأنهَّ حين يبدأْن بالغيبة والنميمة والمكائد فإنَّه يأخذ استراحة من عمله الشيطاني، ويتفرج على ألاعيبهنَّ ليتعلَّم منهنَّ كيف يكيد للبشر؟
      إي واللهِ لا يستطيع إبليس الملعون مجاراتهنَّ، ولو فعل لوجد نفسه في القاووش أو العصفورية حيث وجدتُ نفسي ذات يومٍ؛ كما تعلمون.

      فافي: سجَّلت أختي ابنيها عند المعلمة وصال بثلاثة آلاف ليرة شهرياً.
      ماكي : أمَّا ابني الذي وصل لشهادة الإعدادية فيحتاج ألفي ليرة شهرياً لكل مادةٍ.
      ناغي: صدقْن نحتاج أنا وزوجي أكثر من عشرة آلاف ليرة في الشهر لتعليم أبنائنا في التدريس الخصوصي.
      أم سعيد: لماذا لا يكتفون بما يأخذونه في المدرسة؟
      ناغي: ما عاد أحدٌ يا أم سعيد يعمل بتقوى الله.
      ماكي: أحسدك يا أم سعيد لأنه ليس عندكِ أولاد ولا تحملين عبء مصاريف شهرية إضافية.
      نظرتْ لهنَّ بضيقٍ وقالت: حتَّى هذه تحسدونني عليها، ليت لي أولاد وأخسر على تعليمهم.
      أحسَّت فافي بألم زوجتي – وقلَّما تجد لديها إحساساً – وناولتها الأركيلة وقالت تغير الموضوع:
      - يضطر زوج أختي ليعمل عملاً إضافياً بعد الظهر ليوفِّر لأبنائه النقود لمعلميهم..

      ****************************


      يبدو أنَّ فكرة التعليم هجمت على رأس زوجتي فقضت ليلتها تفكِّر وتخطِّط على الورق حساب الربح، وحين استيقظت صباحاً لأذهب إلى عملي وجدتها في الصالة بشعرها المنكوش وعينيها الحمراوين كعيني دراكولا حبن يبدأ بمص دماء ضحيته، وكانت تمسك بالأوراق مذهولةً، فتمنيْتُ أن تكون قد فقدت عقلها لتذهب للعصفورية وتشعر بِما سبَّبته لي من ألمٍ هناك.

      - خيراً يا أم سعيد لِم لمْ تنامي.
      - تصور أنَّنا سنربح مليون ليرة سنوياً دون جهدٍ يُذكر ودون مصاريف .

      جلسْتُ قربها مشفقاً على حالتها الجنونية وربَّتُّ على كتفها وقلْتُ مجارياً لها فأنا أعلم أنَّ المجانين –بحكم خبرتي معهم- يفعلون أيَّ شيءٍ لوِ استفززتهم:
      - كيف؟
      - التعليم !!
      - أيُّ تعليمٍ؟
      - سأبدأ بالتعليم.
      - لم أفهم .
      - يا بني آدم لو علَّمْتُ بعض التلاميذ فسأربح منهم الكثير.
      - لكنَّكِ لا تحملين شهادةً، فآخر شهادةٍ نلتِها هي محو الأمية.
      نظرت بغيظٍ: هل تسخر منِّي؟
      قلت صادقاً: لا واللهِ .. لكنَّنِي أحاول تنبيهكِ على خطأ ما ستقومينَ بهِ.
      - بالعكس .. سأدرِّس تلاميذ ابتدائية وهؤلاء لا يحتاجون شهاداتٍ ولا غيرها..

      ولعلمي بأنَّها متى ما اقتنعتْ بفكرةٍ فلن تثنيَها قوى الأرض عن قرارها، تركتها وذهبْتُ إلى عملي..

      ****************************


      عدْتُ ظهراً متعباً، فرغم كون اليوم من أيام شهر تشرين الأول لكنَّ حرارة الشمس العالية ذكرتني بأيام الصيف الكئيبة، وكنْتُ أتصبَّبُ عرقاً، وأنا أُمنِّي نفسي بحمَّام ماء ينعشني، وطعام غداءٍ يسكت جوعي، وقيلولةٍ تريح بدني، وما إن دخلْت غرفة النوم حتّى تفاجأْتُ بأنَّها خاليةٌ من الأثاث، وليس فيها إلا لوح على الحائط وطباشير، والأرض مفروشة بالحصير، فارتعبْتُ وصحْتُ:
      - يا أم سعيد ... يا أم سعيد !!

      جاءت وهي تضع نظارةً تضاهي نظارة طه حسين في حجمها وسوادها، وتضع قلماً على أذنها كالنجارين، وتحمل كتاب القراءة للصف الثالث الابتدائي، وقالت لي متبرِّمةً:
      - ما بك تقطع استمتاعي في تحضير الدروس؟
      قلْتُ: أين الفراش والخزانة؟
      قالت : وضعتهم في غرفة الجلوس.
      قلْت: لكن لماذا؟
      نظرتْ لي طويلاً وقالت: أليس عندك نظر؟
      نظرْت للغرفة وقلْت : لماذا؟
      قالت: حوَّلت غرفة النوم إلى صفٍّ دراسيٍّ لأبدأ تعليم التلاميذ.
      قلْتُ مهتاجاً: ألم تجدي غير غرفة النوم؟
      قالت بهدوءٍ: هي أكبر غرفةٍ في منزلنا.
      قلْتُ ثائراً: أين سأنام؟
      قالت بهدوئها المثير: في الصالة.
      صرخْت : ماذا؟
      حينها انفلتتْ من عيار الهدوء وصاحت :
      - ماذا بك تعترض منذ مجيئك؟ دعني أحسِّن دخلنا الضئيل، بدلاً من الفلوس القليلة التي تأتينا بِها..

      خفْت من ثورة جنونها وقلت: حسناً افعلي ما تشائين.
      ذهبْتُ للصالة وأنا موقنٌ بفشلها ..وقلت لنفسي :
      - دعها تجرِّب طعم الخيبة.

      ****************************


      استيقظْتُ عصراً على أصوات أولاد يملؤون المنزل، وخرجت من الصالة بقميص النوم الداخلي وشورتي البرتقالي لأجد أغرب منظرٍ، أكثر من عشرة أولادٍ يجلسون في الممر ويحملون دفاترهم، وحين رأونني ضحكوا من منظري، وسرت همهماتٌ عاليةٌ جعلت حرمنا تخرج لهم لابسةً رداءً أبيض كرداء أستاذنا في العلوم والفيزياء أيام كنت طالباً، وصاحت فيهم بِحدَّةٍ:
      - اخرسوا .

      رغم أنَّ جيل هذه الأيام لا يقدر عليه أحدٌ، ولكنهم – ويا للغرابة – إذ صاحت بهم سكتوا، وقالت لي:
      - استحِ على وجهك أمام الأولاد تلبس هذا اللباس المخزي.
      تواريْت في الصالة على استحياءٍ وناديتها قائلاً:
      - لكن أين ثيابي؟
      قالت : في الخزانة.
      قلْتُ: كانت في غرفة النوم فأين نقلتها؟
      قالت: إلى غرفة الجلوس.
      قلْتُ: من هؤلاء الأولاد؟
      قالت: تلاميذي.
      قلْت: من أين جئتِ بِهم؟
      قالت: من معارفي...
      تركتها وارتديْت ثيابي لأهرب من البيت فأنا أكره الأولاد، وذهبْتُ إلى مقهى الطابوشة.

      ****************************


      لم يكن الحوار مع أصحابي إلا عن معاناة التعليم ومصاريفه، وأبلغت أصحابي بما فعلته زوجتي من تحويل بيتنا إلى مدرسةٍ مصغَّرةٍ، وتفاجأْتُ بأصحابي يرجونني أن أتوسط لهم عند أم سعيد لألحق أولادهم بمعهدها، وألا تطلب منهم نقوداً كثيرةً، وعبثاً أفهمتهم أنَّها متطفلةٌ على مهنة التعليم، ولكنَّهم أصرُّوا على وساطتي عندها..
      ولمَّا أبلغتها برغبتهم وافقت فوراً وقالت:
      - أنت وأصدقاؤك في عيوني!
      كدْتُ أقول لها : وكم عين لكِ يا أم أربعة وأربعين؟

      ولكنني عدلْتُ، فهي أول مرةٍ تسمعني كلاماً فيه الرضا عنِّي، غير عالمٍ أنَّها مسرورةٌ لاشتهارها بين الطلبة وآبائهم، وأنَّها تفكر بالنقود التي ستجنيها منهم.
      وهكذا صار البيت أشبه بغابةٍ استوائيةٍ تعيث فيها القرود.

      ****************************


      أعودُ فأقول: سبب تقاطر وفود الطلبة على بابِها هو الأسعار الرخيصة التِي اكتسحت بِها سوق المعلمين والمعلِّمات، فلو كان المعلم يأخذ ألفي ليرة كانت حرمنا تقول:
      - يكفينِي خمسمئة ليرة على الرأس الواحد.

      نعم يا إخوتي صارت تتكلَّمُ بمنطق تاجر الغنم وحسب، كل همها الربح فقط، وبتُّ أصدق أنَّها قد صارت خبيرةً في التعليم، لعشرات التلاميذ الذين يدخلون ويخرجون غرفة نومي التي جعلوا حيطانها دفتراً لكتاباتهم السخيفة، ولا تهدأ الجلبة والضوضاء إلا في الساعة العاشرة ليلاً.

      ****************************


      ودارت الأيام ... ومرت الأيام
      على رأي أم كلثوم..
      زوجتي تحصي أرباحها التي بدأت تزداد وبكثرةٍ، وصارت تعطيني مصروفاً يومياً يعدل مئة ليرة غير راتبِي !!

      ولكن...
      وكما أقول لكم مراراً : آهٍ من لكن ..
      بدأت الامتحانات ..
      وظهرت نتائج تلاميذها..
      وانكشف جهلها التام بمهنة التعليم، ورسب تلاميذها كلهم بدون استثناءٍ، بل كانت نتائجهم أسوأ نتائج فهي تحوم حول الصفر أو تزيد بدرجةٍ، وثار أولياء الأمور..
      وعاتبني أصدقائي بل بعضهم سبَّنِي ..
      وأفهمتهم أنِّني حذرتهم بجهل حرمنا، ولكنهم لم يصغوا إليَّ.
      وشمت بها المعلمون والمعلمات ..

      ****************************


      قال لي المقدم في قسم الشرطة:
      - كيف تمارسون التعليم دون رخصة؟
      قلت مغلوباً على أمري : هي زوجتي يا سيدي .
      قال : أنت صاحب البيت.. وفيه افتتحتم معهداً غير مرخَّصٍ من مديرية التربية.
      قلت : أعلم هذا يا سيدي .. ولكنها لم تقتنع بنصائحي ..
      قال : تعترف إذاً بممارسة التعليم غير المرخَّص في دارك ..
      فكِّرْت بِما ستناله زوجتي من عقاب فقلت : نعم ..
      قال للشرطي: اكتب في المحضر، وبعد اعتراف المتهم يُحال إلى النيابة العامة لتنظر في أمره، ويُوقف على ذمة التحقيق أربعة أيام.

      صحْتُ : لكنني لم أُعلِّم ..
      قال : هذا الكلام تقوله في المحكمة ..

      ****************************


      من جديدٍ عدت للسجن في انتظار المحكمة !!
      الله يخرب بيتك يا إبليس مثلما تركت زوجتي تلعب عليَّ وعليك !!
      طبعاً كانت أم سعيد تنفق ما جمعته من أموالٍ على صديقاتها في سومر وسوار ورحلات ترفيهية .. وأنا أقضي السجن مع زملائي من المجرمين بعد أن حكمت عليَّ المحكمة بالسجن ستة أشهر لممارسة عمل غير مرخَّصٍ ..

      زارتني البلدوزر مع حرمنا وقالت لي شامتةً :
      - السجن للتشاتيش ليكونوا رجالاً !!




      تعليق


      • #33
        التشتوشية الثلاثون

        مندوبة إعلان !!

        ================

        ألا تعرفون (شفشف) ؟!!
        والتي أسميها (شرشف) فتنظر لي حرمنا بعين الذئب الحمراء التي ترقب الحمل الوديع في المرعى، ولو استطاعت لفعلت مثله ولبادرت بالتهامي لأنني أسخر من أفضل صديقاتها على حد قولها !!

        رغم أنَّها لم تعرفها إلاَّ من شهرٍ أو أقل ..
        ونمت صداقتهما كالنار في الهشيم ..

        ******************

        ألا تعرفون (شفشف) ؟!!

        هو اختصارٌ لاسمها (شريفة)، وما أدراكم ما شفيقة هذه؟

        ورغم كونني أكره السخرية من الناس، ولكنَّ هذه (الشفشف) كما تدلعها –كعادتها- حرمنا، انضمت إلى الطرف المعادي لي، أي إلى طرف حرمنا ..
        هي أقصر من (أبو كليب) الذي كان يلازم لاعبي حطين وتشرين في مباريات الدوري السوري..
        أحسن وصفٍ لها (مسمار الكبس)..
        وهو مسمار عريض من الأعلى وقصير من الأسفل..
        وشفشف كذلك!!
        رأسها كبيرٌ غائرٌ بين كتفيها، وجسمها عريضٌ، فكأنَّما القابلة القانونية جذبتها من بطن أمها من خاصرتيها فمطتها واستطالت، ونمت بالعرض بدلاً من الطول..

        ******************
        ألا تعرفون (شفشف) ؟!!
        لربَّما رأيتموها على أبواب الشركات ..
        أو في المكاتب ..
        أو عند العيادات ..
        أو في سوق التجار ..
        بل في سوق الداية ..
        لا هي ليست شحاذةً كما توهم بعضكم..
        بل هي مندوبة إعلان !!
        نعم .. يا للسخرية .. مندوبة إعلان!!!!
        تروج لجريدتها الإعلانية والتي سمتها (المسمار)..

        نعم سمتها (المسمار) وقالت في افتتاحية جريدتها في عددها الأول :

        (سميناها المسمار لأنَّنا نهدف أنَّ ندقَّ الإعلانات في أذهانكم كالمسمار في الحائط لا يمكن له أن يتزحزح ولو بعد مئات السنين)..

        ولو استطعت الكتابة لقلت على لسانها:

        (سميناها المسمار لأنَّنا نشبه المسامير في إزعاج النائمين، عندما تُدقُّ في الحائط الصلد فتصدر المطرقة صوتاً دوياً).

        ******************

        ألا تعرفون (شفشف) ؟!!
        عرفتها حرمنا عند المزينة المشهورة بلقب (فزَّاعة)..
        تلك المزينة التي تقلب القرد إلى غزالٍ، إلاَّ حرمنا التي تعود من عندها مطليةً بالأصباغ، وكأنَّك تركت ابنك الشقي يعبث بالألوان فيشوه الجدران في منزلك، فبدلاً من أن تصير قردتي غزالاً تصبح غوريلا لتهجم عليَّ في النوم بأبشع الكوابيس ..

        وتوثقت عرى الصداقة بين شفشف وأم سعيد، حتى نست حرمنا شلتها الإبليسية التي تعرفونها..

        وبدأت الزيارات المطولة بين الداهيتين،
        ثم عندما تفترقان تتحدثان على الهاتف ساعاتٍ أطول،
        وقد كنت أعجب كيف يسمح زوج شفشف لها بالبقاء ساعاتٍ طوالاً على الهاتف..
        أهو متسامحٌ مثلي؟
        حتَّى علمت أنَّ زوج شفشف يملك مزرعة زيتون ضخمة في ريف اللاذقية، يقضي معظم أيامه فيها، فتتفرغ شفشف لحرمنا ولإيذائي بدفع الفواتير، حيث أم سعيد هي التي تتصل بها!!

        ******************

        ألا تعرفون (شفشف) ؟!!
        عرفتها مرةً وهي تمسك جرائد الإعلان في بيتنا، وتتهامس مع زوجتي كلَّما رأتني في المنزل، فأعلم أنَّها تبغضني..
        ولم أقصِّر في مبادلتها الشعور فكنت بدوري أنظر لها متعالياً باشمئزازٍ، وكأنني أرى فأرةً مع فيلٍ، وقد كنت متأكداً من عداوة الفيل للفأر حتى رأيت أم سعيد وشفشف، فتغيرت القناعات العلمية في ذهني..
        ويبدو أنَّ شفشف التي ناصبتني العداء من دون سببٍ جوهريٍّ أخبرت حرمنا عن نظرتي المليئة بالقرف لها ..

        فقد دار هذا الحوار بيننا ذات ليلةٍ..

        أم سعيد: لماذا لا تتأدب في حضرة صديقتي العزيزة.
        أنا (باستخفاف): أية صديقة؟ فصديقاتك أكثر من القطط الشاردة حول المزابل.
        صاحت صيحةً ارتعد لها الفرقدان في السماء:
        - هل تقصد أنني مزبلة وأنَّ صديقاتي قطط شاردة؟ أيها الوغد !!

        لأول مرة أنظر لحرمنا بإعجابٍ فهي – رغم غبائها – قد فهمت مقصودي:

        - حاشا لله !! هو مجرد تشبيهٍ.
        نظرت لي بحقدٍ مطولاً وقالت: انتبه لألفاظك جيداً يا صعلوك!!


        وأدرات رأسها بعيداً عني منهيةً الحوار بيننا..
        فأدركت أنَّ شفشف قدِ اتحدتْ مع الدولة العظمى حرمنا وأعلنتا الحرب العالمية الثالثة عليَّ، ولأنني من الشعوب المقهورة الضعيفة شعوب العالم العاشر لا الثالث رفعت رايتي البيضاء وانهزمت دون قتالٍ.
        وصرت أتحاشى لقاء شفشف هذه !!

        ******************

        ألا تعرفون (شفشف) ؟!!
        لقدِ استطاعت أن تقنع حرمنا أنَّها بارعة في حسن التواصل مع الآخرين،
        وأنَّ لها منطقاً يفوق منطق ابن رشد، رغم كونها لا تعرف أن تتمَّ جملتين مفيدتين معاً!!
        كما أقنعتها بالعمل معها في جريدتها الجديدة (المسمار) ..

        ولأنَّ كل مشروعٍ لا بدَّ له من رأس مالٍ فقد أوعزت شفشف لمرؤوستها –التي صدقت نفسها إعلاميةً ناجحةً- لتنال مني ما تستطيع من مالٍ..

        ولأنكم صرتم تملون من مثل هذه المناقشات العقيمة بيني وبين أم سعيد في الأمور المالية، فقد أقنعتني – عفواً أجبرتني- على الاستدانة ممن أعرف ولا أعرف لأؤمن لهما مبلغ نصف مليون ليرة..

        ورزحت تحت الدَّيْن بينما أخذتا النقود لتدفعا إلى الجهات المسؤولة كي تنالا رخصة الجريدة، وأم سعيد تعدني بالتعويض المضاعف..

        ولأنَّني أعرف مواعيدها أسوأ من مواعيد عرقوب، فقد بادرْت للعمل مع أبي شاكر جار أهلي القديم، لأسدِّد ما أستطيع من ديونٍ وإلا عدْتُ للقاووش مرةً ثالثةً..

        وأبو شاكر لمن لا يعرفه منكم، عنده محل في سوق (الصفن) لدرز الأحذية القديمة وإصلاحها، وعلَّمني الصنعة وصرت أحسن (صريماتي) في المنطقة.

        وطبعاً يبدأ عملي بعد الساعة الرابعة حين أنتهي من وظيفتي..

        وأنا أدعو بخراب بيت شفشف التي حوَّلتني لصريماتي!!
        ولكن بيني وبينكم سعدت لخلاصي من مرأى العقربتين –أم سعيد وشفشف- حيث لا أعود إلا في العاشرة متعباً، لأغتسل وأنام!!


        ******************

        ألا تعرفون (شفشف) ؟!!
        ها هي ذي وبعد مليون توقيعٍ وواسطةٍ قدِ استطاعت مع حرمنا إقناع المسؤولين بالموافقة على مضضٍ لهما..

        وطارتا من الفرح وصارت كل واحدةٍ تضع وراء آذانهما الضخمة كآذان الفيل أقلام ريم الملونة، ولأنَّكم تعرفون جودة صناعة أقلام ريم فقد كانت الأقلام تفور على رأسيهما فتشابهانِ (الطرِّيشة) بعد نهارٍ مليءٍ في عمل الديكورات!!

        والأدهى أنَّ شركة (ريم) للأقلام كانت أول من وافق –وبقوةٍ- للإعلان في جريدتهما (المسمار)!!

        وصدر العدد الأول ..

        العدد الذي أحدث ضجةً شعبيةً كبيرةً!!

        لا لبراعته وإتقانه بل لسذاجته وطرافته ..

        العدد الذي لو تصفحته لانفجرت ضاحكاً وأنت تظنه مجلة فكاهية؛ لا مجلة إعلانية، واستمتع الناس بهذا الفاصل المرح كل شهرٍ، باعتبار أن جريدة (المسمار) شهرية..

        وصارت شفشف تتصدر الصفحة الثانية مع زوجتي تحت عنوان رئاسة التحرير، وليتك رأيت صورتهما..

        شفشف في صورةٍ كاملةٍ تظهر منظرها المقزز بقصرها وسمنها كبرميل الزبالة في حارتنا، وهي تلبس جاكيت طويلة وتضع يدها في صدرها كأنَّها نابليون بونابرت!!

        وحرمنا برأسها الضخم كرأس الفيل وهي تضع يدها على جانب رأسها مطرقةً وكأنَّها تمثال المفكر لمن رآه منكم !!

        ولم تعلم الحمقاوتان أنَّهما صارتا فاكهة الناس في التندُّر والغيبة!!

        وصارتا تدوران على المحلات والشركات لإقناع التجار والباعة بالاشتراك معهما، والإعلان في جريدتهما..

        ولخوف التجَّار منهما ومن شكلهما المرعب، وسلاطة لسانهما، وافقوا على المشاركة في الإعلان عندهما..

        ولأنَّ الناس صاروا يسخرون من جريدة (المسمار)، فقد تضايق التجار من شفشف وحرمنا، لأنَّ نسبة المبيعات قد قلَّت بعد الإعلان في جريدتهما وبشكلٍ فظيعٍ..

        وسبب ضحك الناس هو أسلوب الإعلان الذي يجعلك تغرق في نوبةٍ من الضحك الهستيري الذي ينسيك هموم الدنيا!!

        فمثلاً هذا الإعلان عن زعتر ماركة ( الحسناء) للتاجر المشهور عبد الواحد عبد الودود الموجود..

        الصورة لبريجيت باردو في إحدى صور الإغراء التي تروق للرجال وتزعج النساء..
        وحولها كُتب (وانسوا الأخطاء) :

        "بدك مرتك تغار من النساء..
        وتبكي صباح مساء ..
        اشتريلها زعتر الحسناء.."


        والنتيجة رفضت النساء في اللاذقية شراء هذا الزعتر نكايةً بالعقربتين!!
        والتاجر عبد الواحد كاد ينتحر لأنَّ شركته أوشكت على الإفلاس، فلا أحد يشتري من بضاعته، والزعتر تلف في المستودعات..

        * مثال آخر عن إعلان لنظارات (حنفي) المشهورة بفروعها في اللاذقية:

        صورة لفتاة بالبكيني على شاطئ البحر تضع نظارةً سوداء !!
        وحول الصورة :

        إذا كنت أحول فلا تتردد..
        وإذا كنت ما بتشوف أكثر من سنتيمتر واحد، فلا تبعد ..
        وإذا كانت عيناك قبيحتان (بدلاً من قبيحتين) فلا تحزن بل اسعد..
        ما لك إلا حنفي
        فهو يحمي ويشفي
        ويجعل نظرك (ما إشبو شي) أي لا بأس بهِ !!



        وكثير من هذه السخافات التي أسعدتنا وأغضبت التجار !!

        ويبقى أن تعلموا أنَّ مصممة الإعلانات المضحكة هو شفشف التي أكثرت من صور العاريات لتجذب الرجال غير عالمةٍ بغضب النساء منها..

        وكاتبة كلمات الإعلانات هو أم سعيد التي ظنت نفسها أديبةً تضاهي الهمذاني في عباراته المسجوعة في مقاماته، فكانت تكتب ما يعنُّ لها.

        وحينما قرأ التجار هذه المهازل الإعلانية قدموا شكاوي كثيرة عليهما، الأمر الذي جعل وزارة الداخلية تختم بالشمع الأحمر مقر جريدتهما، وتتحفظ عليهما لدفع تعويضاتٍ للتجار..

        ******************

        ألا تعرفون (شفشف) ؟!!

        تستطيعون رؤيتها لابسةً ثياب السجن مع أم سعيد في زنزانةٍ لا تدخلها الشمس، مع نسوةٍ أدمنَّ على المخدرات، أو قمْن بارتكاب جرائم قتلٍ !!

        رغم ضياع نصف المليون فقد كنت سعيداً جداً لأنَّ أم سعيد ذاقت لوعة السجن، كما أذاقتني إياها ظلماً وعدواناً،
        ولأنَّني ارتحت منها ومن شفشف!!

        *****************

        قالت البلدوزر على الهاتف وهي تنوح وتتمخط:
        - ألن تزور أم سعيد غداً معي؟

        تذكرْت شماتتها بي سابقاً وأنا في السجن فقلت لها ساخراً:
        - السجن للأغبياء كي يتعلموا الذكاء !!

        نياهاهاهاهاهاهاهاه !!



        تعليق


        • #34
          التشتوشية الحادية والثلاثون

          أبو أسعد

          أبو أسعد خالي العزيز مديرٌ كبيرٌ في شركة الحديد والإسمنت، بلغ رتبة المدير العام قبل تقاعده، حين تراه بوجهه الجهم ومشيته المنتصبة، وكرشه المندلق أمامه تحسبه هتلر وهو يطلق أهم أوامره على الإطلاق للطابور الخامس باجتياح أوربا !!

          لم أكن أراه إلا في الأعياد ولمدة لا تتجاوز نصف الساعة، فهو وأسرته مقيمٌ في دمشق بالقرب من مكان عمله الذي انتُدبَ إليهِ، ولأهمية منصبه كان كثيراً ما يرتحل إلى أوربا الشرقية ليقيم الشهور في دوراتٍ تدريبيةٍ، و.....

          لا أعرف لماذا أحدثكم بحياته الخاصة وهي لا تهمكم في شيءٍ؟
          فلا أعرف شيئاً مميزاً يجعل منه محوراً هاماً أو شخصيةً يُشار لها بالبنان، فهو مدير من جملة المدراء الذين يأتون ويرحلون وكأنَّهم نسمةٌ عابرةٌ في صيفٍ قائظٍ!!


          كنت كثيراً ما أتساءل عن الزيارات شبه المعدومة فيما بيننا وبينه، علماً أنَّ العلاقة بين الخال وأبناء أخوته يُفترض أن تكون متينةً، ولكنَّنا لم نكن نراه –كما أسلفت- إلا في العيد وحسب، وحتَّى الاتصالات الهاتفية منقطعة بيننا، ولمَّا كنت أسأل أمي رحمها الله عن سر الجفوة بيننا وبين خالي كانت تكتفي بعبارتها المشهورة:
          " زوجة خالك أصلحها الله هي السبب".
          ومهما حاولْتُ مراراً وتكراراً أن أحصل من فمِ أمي عن كلام آخر، بلا فائدةٍ!!


          وأخيراً بعدما تقاعد قرَّر خالنا أبو أسعد الانتقال إلى مهد الآباء والأجداد اللاذقية ليستقرَّ فيها صرنا نراهُ..

          ولكنَّكم تعرفون أم سعيد التي تبدي وجهاً بشوشاً وكلاماً معسولاً لكل من يكون من طرف عائلتها، وتكشِّر عن أنيابِها وتفيض بكلامٍ قبيحٍ كوجهها لكل من يزورني... ولذا لمَّا زارني خالي مرةً كانت الأولى والأخيرة لِما رآه من الحيزبون من عبوسٍ وتقطيبٍ وكلامٍ يقطر سماً، كل ما أذكره على وجه خالي وهو يذهب علامات الحزن والبؤس وهو يقول لي عند الباب:
          " لا أدري يا بُني لِم عائلتنا منحوسة؟!"
          لم أفهم فحوى عبارته آنذاك حتَّى قرَّرْتُ زيارته ..


          كان ذلك صباح يوم السبت حيث العطلة الأسبوعية، تأنَّقْتُ ولبسْتُ بذلتي الأرجوانية التي أدَّخرها للزيارات الهامة، والكرافتة الصفراء التي أعتزُّ بِها كثيراً فقد دفعْتُ فيها مئة ليرة بالتمام والكمال من (البالة)، وانتعلْتُ حذائي البُني الجديد الذي اشتريْته من سنتيْنِ، وتضمَّخْتُ بالطِّيْبِ حتَّى أوشكت زجاجة الكولونيا أن تفرغَ على ثيابِي ..

          ولخوفي على أناقتِي ضحِّيْتُ بثلاثين ليرة وركبْتُ التاكسي لأتوجه بها إلى الشيخ ضاهر حيث يسكن خالي في بيت العائلة القديم، وحين نزلْتُ ودخلْتُ (الزاروبة) ووصلْتُ إلى آخرها وجدْتُ منظراً مهولاً، كان خالي قد شمَّر عن ساقيهِ المشعرتينِ وهو يمسك بخرطوم الماء ويشطف الدرج المؤدي إلى بيته، وقفْتُ مصعوقاً وأنا أسمعه ينادي :
          " يا أم أسعد أرسلي المكنسة الخشنة، لأكنس الوسخ عن الباب ".
          فجاءني صوتها الذي ذكرني بأم أربعة وأربعين:
          "أنا مشغولة بتجفيف شعري بالسشوار تعال أنت وخذها".
          فردَّ عليها ولم يرني بعد :
          " حسناً سآتي أنا " .


          وتمتمْتُ لنفسي: "أهذا هو المدير العام؟".
          وحانت منه التفاتةٌ فرآني، فعبس وبسر، وكلح وجهه وتكدَّر، وسرعان ما غالب تأثيره السريع ورسم ابتسامةً متكلفةً على وجهه وقال:
          " أهلاً بك يا أبا سعيد ".
          أسرعْت أرحِّب به لأبدِّد شعوره المخجل وأنا أتذكر سيرة حياتي مع أم سعيد، وقال لي: " هل جئت لزيارتي؟".
          ولسان حاله يقول :" إن شاء الله لا يدخل".
          فقلْتُ له :" كنْتُ ماراً بالصدفة من هنا".
          ويبدو أنَّه أحس بقلة ذوقه –رغم أنني عذرته- فما عندي أشدُّ شراً مما عنده، وخاصةً هي أول مرةٍ أزوره فيها، فتدارك قائلاً:
          "لا بدَّ أن تصعد لنشرب فنجان قهوةٍ".
          قلْتُ له :" خيرها في غيرها".
          فأصرَّ على حضوري ولمَّا وافقْتُ قال لي :
          " صبراً حتَّى أفرغ من تنظيف الدرج".
          وصعد ليجلب المكنسة ووجدت من سوء الأدب ألاَّ أساعده، ورغم محاولاته المتكررة في منعي، تناولْتُ المكنسة وقلْتُ له:
          "صُبَّ الماء وأنا أكنس".
          ولا تسألوني عن حال حذائي الجديد ولا بذلتي التي أعتز بها، المهم بعد نصف ساعةٍ فرغنا، ولمَّا صعدنا إلى الطابق الأول حيث بيته طلب مني في خجل خلع حذائي عند الباب، وما إن دخلنا حتَّى رأيْتُ أم أسعد!!


          نسخة طبق الأصل عن البلدوزر وابنتها!!
          شعر منكوش، ووجه مليءٌ بالأصباغ والمكياج، وشفتان طُليتا بأحمر الشفاه وكأنَّهما غُمستا في نهر دمٍ قانٍ، وعينانِ تفوقان الحمار اتساعاً والثعلب خبثاً، وترتدي فستاناً مزركشاً بآلاف الأشكال والألوان، وقلبت شفتيها الضخمتيْنِ وقالت لزوجها:
          " من هذا الفزَّاعة؟"
          تصوروا لم تستحِ مني، واحمرَّ وجه خالي وقال لها في خنوعٍ:
          " أبو سعيد ابن أختي ".
          ودون كلمةٍ ولا تحيةٍ استدارت بهيكلها الضخم وانصرفت لداخل المنزل وتوقفت فجأةً وقالت دون أن تلتف إلينا:
          " عليك بغسل الصحون وتجهيز طعام الغداء " .
          قال لها : " حاضر ".
          ونظر لي فبادرته قائلاً:
          " لا بأس عليك يا خال سأعود لزيارتك في وقتٍ آخر".
          قال بنبرة المقهور: " تشرفنا في أي وقتٍ يا بُني".
          كدت أبكي وأضحك من كلمة (أي وقتٍ) هذه، فمن الواضح أنني غير مرغوبٍ به في (أي وقتٍ)!!


          قصدْتُ دار أخي الكبير سليم وجلسْتُ عنده، كان يتأمل في ثيابي ثم قال لي:
          " ما هذه الثياب؟"
          قلت بفخرٍ: "أعجبك ذوقي".
          بلع تعليقه وقال: "لِم أنت مبلَّلٌ بالماء؟".
          فرويْتُ له زيارتي المبتورة لخالي فانفجر ضاحكاً وقال:
          " سامحك الله هلاَّ أخبرتني قبل ذهابك".
          قلْتُ في غيظٍ: "هل ارتكبْتُ جريمةً في زيارة خالي؟"
          ابتسم بحزنٍ وقال لي أخي الذي يشفق عليَّ كأنَّني ابنه:
          "لا يا أبا سعيد فزوجة خالك هذه تفوق أم سـ....".
          وبتر عبارته حفاظاً على شعوري فتابعْتُ:
          "قلها ولا تخف لقد تأكدت من تشابه الثعلبتيْنِ".
          قال سليم: "يا أخي زوجة خالك هي من أبعدته عنَّا، اللهم لا تجعلنا من أهل الغيبة، ولكنَّها داءٌ عُضالٌ لا يُرجى منه برءٌ".
          قلْتُ: "هي إذاً لخناء رعناء ".
          قال : "ألصق بها ما شئت من صفات السوء فلن تفيها حقها".


          وبعد تنهيدةٍ قال: "أنت لا تعرفها لم تكن قد خُلقْتَ بعد عندما تزوجها خالك وأقامها في بيت العائلة بيت جدك رحمه الله، وكنَّا هناك قبل أن يشتري أبوك بيتنا في الأشرفية ليفرَّ منها، وللأسف لم يكن خالك ذا شخصيةٍ قويةٍ كما كان يظهر أمام الناس في عملهِ، وكان يلبِّي طلباتِها كما تريد، وكثيراً ما اصطدمت بجدتك وكان خالنا يقف معها".

          تابع أخي : " حدث ذات يومٍ أن تخاصمت جدتي مع أم أسعد فكالت لها الأخيرة سباباً اقشعرَّ له بدني، وبكت جدتك بكاءً مُراً منها، ولمَّا عاد خالي وعلم بما فعلته زوجته الشريرة، غضب لأجل أمه التي كان يحبها حباً كبيراً وقاطع زوجته في غرفتها، وصار ينام في الصالة وتفاءلنا بأنَّه سيقهر زوجته فإمَّا ينصلح حالها وإمَّا يطلِّقها، وبقيت على هذه الحال ثلاثة أيام ملازمةً غرفتها لا تخرج منها إلاَّ إلى الحمَّام، وكانت أمك لطيبتها تقول: (حرام المسكينة ماذا ستأكل؟)!!
          وحدث في الليلية الثالثة أن جفاني النوم فخرجْتُ للشرفة والساعة بعد الواحدة ليلاً فسمعْتُ همساً وضحكاً خافتاً فمضيْتُ على رؤوس أصابعي إلى آخر الشرفة الكبيرة في بيت جدتك لأجد منظراً أرعبني بمعنى الكلمة!!
          فبينما كنَّا نظن خالك مخاصماً لزوجته كان في الليل يذهب لنافذتها المطلة على الشرفة ليعطيها الطعام ويحادثها ويسليها، قبل أن يعود للصالة وينام متظاهراً أنَّه مخاصمها، فأيقنْتُ أنَّ خالك هذا ..."


          نظر لي سليم وقال بحزنٍ كبيرٍ :
          " أيقنْتُ أنَّ خالك زعيم التشاتيش".
          لم أُعلِّقْ على ما أسمعه من تاريخ عائلتنا المجيد لأول مرة، بل تركت أخي يشيعني بنظرات الإشفاق..


          كنْتُ أسير في الشارع متذكراً كلمة أمي رحمها الله:

          " زوجة خالك أصلحها الله هي السبب".

          ورآني الناس أضحك كالمجانين لأنني رددت كلمة خالي لما زارني:

          " لا أدري يا بُني لِم عائلتنا منحوسة؟!"



          تعليق


          • #35
            نكتة: أراد رجل أن يتزوج بامرأة ففكر أن ينصحها بذكر سيرته لها قبل أن يتزوجها ويقعان في أحد النتشتوشيات فقال لها:
            - يا امرأة إن كنت ترغبين في الزواج مني فلابد أن تعرفي سيرتي قبل أن أتزوجك. فقالت له:
            - وما هي سيرتك؟
            أجابها:
            - إنني إنسان حقود، وجائر، وكذاب، وسارق، وفمي لا ينطق إلا بالسوء، و....
            قالت له:
            - لا حرج عليك، إنني أكثر منك بكثير.



            تعليق


            • #36
              التشتوشية الثانية والثلاثون

              من سيربح المليون؟
              ------------------------------------------------------

              كلكم تتابعون هذا البرنامح القائم على السؤال والاختيار الرباعي للجواب، وأنت وحظك فقد تصبح من أصحاب الملايين بين عشية وضحاها، وخاصة أن الجائزة الكبرى أصبحت بحدود المليوني ريال أي ما يدنو من 25 مليون ليرة سورية.




              وكنت دائماً أتساءل لماذا لم يتم اختيار شخصية ثقافية موسوعية لقيادة مثل هذا البرنامج لتتم به الفائدة لعامة الناس، ولكن دعوكم من خواطري الخاصة ولندخل فيما لن تصدقوه بعد قليل، ولم أصدقه أنا حتى رأيته بأم عيني وأبيها وأختها وسمعته عبر غشاء طبلة أذني !!!!




              لسببٍ من الأسباب الشخصية – التي قد أخبركم بها فيما بعد - تغيبت عن المنزل يومين كاملين، تخيلوا معي يومين من الراحة النفسية والهدوء، ورجعت وأنا مستعد للمشاكل والهموم..




              فتحت الباب


              لم أسمع صوتها..


              أهي عند أمها؟


              أم نائمة؟


              أم ميتة؟


              قد يكون ظن البعض منكم لؤماً مني أن أُسعد للاقتراح الأخير، ولكن من يعرف سيرة حياتي معها سيعذرني.




              المهم دخلت المنزل وتسللت إلى الصالة لأجدها بسلامتها جالسةً وأمامها عشرات الكتب المدرسية والجامعية، على اختلاف تنوعها ما بين الجغرافيا والتاريخ والعربي والرياضيات، وموسوعة المعرفة، ومعجم لسان العرب، والمئة الأوائل وغير ذلك، كانت تقرأ فيها وتطالع وهي ترتدي نظارتها المرعبة التي تذكرك بنظارة طه حسين، تنحنحت قائلاً: "إحم .. إحم".


              لم ترد علي.


              فرفعت صوتي قائلاً: "أنا هنا".


              قالت دون أن تكلف خاطرها وترفع عينيها نحوي: "أحسست بك لما دخلت".


              قلت لها: "ألن تسأليني عن الهدايا التي جلبتها لك؟".


              قالت بانشغال: "فيما بعد".




              كدت ألطم رأسي بحذائي الجديد الذي اشتريته من سنتين من البالة لأتأكد أنني غير نائمٍ، أهذه أم سعيد التي تنقب كل شبرٍ في ملابسي وحقائبي بحثاً عن المال والهدايا حين أعود من السفر؟!




              يبدو لي أن أنفلونزا الطيور أصابت مخها !!




              قلت لها : "هل ستقدمين الابتدائية فالإعدادية فالثانوية؟"


              نظرت لي باشمئزازٍ وقالت: "أنا حاصلة على الثانوية فرع علمي".


              قلت لها: "بنفسي أن أرى شهادة الثانوية هذه".


              قالت وهي تعود لمجلة (العربي): "أنا مشغولة ولا تهمني مهاتراتك".


              ثم بدأت تكتب على دفتر ضخم يذكرك بدفتر أبو أحمد البقال الذي يدون عليه ديونه.


              قلت لها :"ماهذا؟".


              قالت وهي تدون شيئاً عليه :"دفتر!"


              قلت لها بغيظ : "يعني فتحتِ الأندلس!! أعرف دفتراً، ولكن لماذا؟".


              قالت : "أسجِّل عليه معلومات".


              نظرت للكتب وقلت :"ما هي ؟ وما هذه الكتب الخليط بين عربي وديانة وجغرافية".


              زفرت بضيق وقالت : "يا بني آدم اتركني بحالي صار لك ساعة من وقت مجيئك من السفر وأنت تتكلم تسأل وكأنك ضابط شرطة يحقق في جريمة قتل".


              قلت بضيقٍ أشد : "أريد أن أفهم".


              قالت : "اشتركت ببرنامج من سيربح المليون".




              لبرهةٍ من الوقت استرجعت في ذهني معلومات عن البرنامج، ثم انفجرت قائلاً:


              "يعني ستسافرين و .... ".


              قالت لي : "لا تقفز كالقرود .. اتصلت بهم ورشحوني لأذهب إلى لندن والتذكرة عليهم والإقامة عليهم، يعني رائحة وراجعة على حسابهم".


              هدأ قلبي وبالي وقلْتُ :


              "مع من ستسافرين؟".


              قالت : "سأسافر مع أمي".




              البلدوزر تسافر إلى لندن وأنا لا فقلت بغضبٍ :"ولماذا لا أذهب أنا؟".


              أدارت وجهها بتنمرٍ وقالت :"اسمع .. أنت لن تدفع قرشاً واحداً، فلا تتدخل".


              قلت بغلٍّ: " لماذا اخترتِ أمكِ؟ لِمَ لم تختاريني؟".


              قالت : " هل من الحرام على المخلوقة أن ترى الدنيا ؟".




              قلت في نفسي :"الله يخرب بيتك وبيتها".


              ولعلمي بأنني خاسر في النقاش أدرت ظهري وانصرفت..




              **** **** **** ****




              وهكذا استمرت راحتي النفسية بعد سفرها، وصرت أستقبل أصحابي في المنزل، وعشت أياماً أحلى من شهر العسل، ولكن من غير عروس!!






              **** **** **** ****




              وجاء يوم المسابقة، وجلسْتُ مع نفس أركيلة وفنجان قهوة، فقد طلبت مني الانتظار فلعلها تتصل بي، وتربعت على الأريكة وأنا أشاهد جورج قرداحي يقول:




              "نبقى مع الست أم سعيد... نتعرف عليك".




              قالت وهي تعدل ربطة العنق – حيث كانت تلبس بذلة رجالية لحماقتها!! - وتعدل جلستها على الكرسي الذي كاد ينوء من ثقلها:




              "منتهى تاسومة، من اللاذقية في سوريا، متزوجة".
              (تاسومة في اللاذقية: حذاء!!)




              قال جورج قرداحي:"بالتأكيد جئت مع زوجك".




              غلا الدم في رأسي وهي تقول:


              "زوجي طيب جداً وقد تنازل لأمي كي تحضر معي بدلاً منه لأنه يحب أمي حباً شديداً".




              ووضعوا الكميرا على وجه البلدوزر،




              ولجهامة وجهها فقد تراجع المصور إلى الخلف ليستوعب وجهها، وابتسمت بقباحتها وتغنجت كأنَّها بنت عشرين، وتخيلوا منظر الشمبانزي في عالم الحيوان وهو يضحك، هكذا منظرها، ويبدو أنَّ الجمهور الحاضر قد رأوا وجهها هناك على الشاشة الكبيرة وقد نست الحمقاء أن تلبس طقم أسنانها، - انظروا لصورتها تحت - فتعالت الشهقات


              وأغمي على البعض من هول المنظر،


              وبعضهم اسودَّ وجهه من الفاجعة،


              وبعضهم كان يستغفر ويحوقل ويبسمل معتقداً أنه يرى ملك الموت عزرائيل !!




              ومعروف عن جورج قرداحي ذكاؤه الشديد في معالجة المواقف لذا انتقل إلى أم سعيد وقال لها:


              "ما هي مؤهلاتك الجامعية؟".




              كنت أعض على خرطوم الأركيلة وأنا أسمعها تقول كاذبةً:


              "ليسانس في آداب اللغة العربية".




              ولأنها كاذبة قال لها جورج ليوقعها في شر أعمالها:


              "ستكون معظم الأسئلة من اختصاصك في اللغة العربية".




              ورأيْتُ وجهها يتلون .. وقهقهت شامتاً وعدَّلْت قطعة الفحم على الأركيلة، ورشفْتُ القهوة.




              وبدأت المسابقة..




              (سؤال مئة الريال:


              تقع مدينة البصرة في :


              العراق – الكويت – السعودية – سوريا).




              ولأنَّها أجهل من حمار أبو بسام في قرية (أبي) رحمه الله بدأت تفكر وجورج يحملق فيها ثم قالت:


              "الكويت".




              فقال لها : "عندك ثلاثة وسائل : حذف إجابتين، ورأي صديق، ورأي الجمهور".


              فقالت :" أستعين بالجمهور".




              بينما كان جورج قرداحي يعض بأسنانه غيظاً على شفته وهو يسأل الجمهور كنت أضحك من جهلها رغم الكتب التي قرأتها، ولكنها كمثل الحمار يحمل أسفاراً !!




              وانتقلوا للسؤال الثاني بمئتي ريال، وكان كالآتي :




              جورج قرداحي:


              " عملية صنع الطعام تُسمَّى :


              نفخ – طبخ – رفخ – بزغ".




              كعادتها ظنت السؤال فخاً فوجمت ثم طلبت حذف إجابتين وجورج قرداحي يقول لها :


              "يُفترض أنَّ كل ست بيت تعرف الإجابة عن هذا السؤال".


              فقالت له بإباء :" هذا السؤال من اختصاص أبي سعيد".
              يخرب بيتك على الفضائح!!




              لم يجادلها بل نظر لها بغيظٍ مكتومٍ وأنا أتابع ضحكي لأنني - أصلاً - لن أستفيد من جائزتها شيئاً، ستصرفها مع أمها، أمها الغوريللا التي كلما اتجهت الكميرا نحوها تبتسم ابتسامة بلهاء بفمها النظيف من الأسنان كأنَّه مغارة في الجبل.




              وجاء دور السؤال التالي سؤال ثلاثمائة الريال.




              جورج قرداحي:


              " عند موت الإنسان فما يجري هو :


              التهنئة – التعارف – التعزية - التفرقة".




              لو اعتقدتموها أجابت فسأشك بعقولكم، قال لها جورج قرداحي:


              "يمكنك الاستعانة بصديق".




              ولأنه لا صديق لها فاستعانت بي، ورنَّ جرس الهاتف وأنا أشاهد التلفاز، وجاءني صوت جورج قرداحي:


              "أستاذ أبو سعيد معك المدام تريد الاستعانة بك معكما ثلاثين ثانية".




              كنت أرى وجهه وهو يقول : "كان الله في عونك".




              قالت لي بنعومة الثعبان: "أبو سعيد حبيبي عند موت الإنسان عند موت الإنسان فما يجري هو :


              التهنئة – التعارف – التعزية - التفرقة".




              قلت لها قوراً: "التهنئة".


              قالت لي ::متأكد".


              قلت لها: "مئة بالمئة".



              طبعاً كنت أريدها أن تخسر وأشفي غلِّي بها، وأنا أتذكر سنوات القهر والعذاب معها، رغم أنه كان يعز علي أن يتهمني جورج قرداحي بالغباء، ولكنه كله في سبيل ذل أم سعيد يهون !!




              وانتهت ثلاثين الثانية وجورج قرداحي يشد شعره وهي تجيب بالتهنئة ويقول :


              " يعني الواحد لما يموت نهنئ بوفاته".




              وانتهت الحلقة وجورج يقول : "هذه آخر مرة أقدم البرنامج".



              وانتهى المشهد بصورة أم سعيد ببذلتها الرجولية وهي تبتسم كالمجانين بفمها الكبير لأنها على الهواء مباشرة، ثم صورة أمها الغولة تبتسم بدورها ابتسامتها المفزعة، وجورج قرداحي يكلِّم نفسه،


              وأنا أضحك ملء أشداقي!!






              تعليق


              • #37
                التشتوشية الثالثة والثلاثون :

                خاطرة تشتوشية
                *************


                كثيرون يسخرون مني

                ويضحكون مني

                ويقولون لي : أنت تشتوش !!

                البعض يلوي عنقه ويخفي ضحكته حين يرى وجهي ،

                والآخر يحدق بي وكانني مخلوق قادم من المريخ ،

                والثالث يحدِّث أولاده عني ..

                دعوني أترنم بالتششة :

                ==============


                أنا تشتوش أي نعم ، والله لا أخفي عليكم

                لكنني أعمل تحت النور

                وأما انتم فتشاتيش يعملون في الخفاء !!

                كم واحد منكم طوى ذيله تحت ثوبه أمام حرمه وخرج أمامنا نافشاً صدره ورافعاً ذيله!!

                ==============

                أنا تشتوش ولا فخر

                وأنتم مدَّعون متسترون ولا قهر

                أنا لا أبالي بابتساماتكم الساخرة

                ولكنني أضحك عليكم ملء أشداقي حين أراكم ما وراء الكواليس !!

                ==============

                أنا تشتوش

                وأنتم رجال

                ولئن اعتبرتموني آخر تشتوش

                فأنتم آخر الرجال المحترمين

                ولكن أنا حين أعترف بتشوشيتي أكون أول المحترمين الذين يعرفون أنفسهم !!

                على الأقل أنا أعرف مكاني !

                أعرف أين أنا ؟

                وأمَّا المدَّعون المتحذلقون فلا يعرفون أين هم ؟

                ==============



                تعليق


                • #38
                  التشتوشية الرابعة والثلاثون
                  ================


                  جرة غاز !!

                  ======


                  وقفت بسلامتها على رأس الدرج المؤدي إلى شقتنا وهي تراقبني عائداً من عملي منهك القوى، مكدوداً من صعود السلم المرعب، وكاد قلبي يقف من تسارعه ونبضه المتوالي حينما رأيت ذلك المنظر المخيف على قارعة السلم، وكأنَّها من جنود الطابور الخامس الهتلري الذي لا يعرف شفقة ولا رحمةً بعباد الله من المساكين أمثالي.
                  قلت بعفوية : - بسم الله الرحمن الرحيم .
                  هرشت رأسها كما يستعد الكلب بهرش رأسه بقائمته الخلفية استعدادً للقتال وقالت بصوت أقرب للسلاقي (من الكلاب) :
                  - ما بك كلما رأيتني تستعيذ بالله أو تبسمل؟
                  قلت لها وأنا أعب الهواء عباً بسبب تسارع قلبي ونَفَسي:
                  - خير .. الكلا .. م .. ذكر .. الله.
                  قالت لي بصوتها الذي جعل جارنا أبو النور المجاور لبيتنا يفتح الباب ليستطلع الخبر، وما إن رآها واقفة مثل تمثال أبي الهول حتى أغلق الباب بسرعة حفاظاً على روحه:
                  - أعلم أنك تناورني بهذا القول أيها الـ - ولم تجد تعبيراً مناسباً لشتمي فقد انتهى قاموسها الفاحش فتابعت - .... المهم .. انتهت جرة (أسطوانة) الغاز..
                  واسودت الدنيا في عيني فأن تحمل جرة الغاز في هذا اليوم الحار والعرق يغمرك وحر الشمس عند الظهيرة يحرقك فكن واثقاً من أن الموت يدنو منك بخطواته السريعة !!
                  قلت لها بيأسٍ : لماذا لم تغيريها ؟!
                  قالت لي : أنت الرجل لا أنا .
                  طبعاً عندما يتعلق الأمر بالعمل فأنا الرجل، وأنا المسؤول عنها، وأنا الذي يجب أن أعمل لها المستحيل، ولو تعلق الأمر بالراحة ومستلزماتها فهي المسؤولة و ....
                  ما علينا ..

                  ****************


                  ولأنكم بتم تدركون استسلامي لنقاشها العقيم، ولكونها منتصرةً دائماً عليَّ ...
                  ترونني أحمل الجرة وآلامي وشقائي ..
                  وصلت إلى محل أبي إدريس الواقع في أول الحارة عند الطريق الصاعد باتجاه حي الطابيات، ووجدت سيارةً كبيرةً تحمِّل الأسطوانات... ووقفت لاهثاً بعدما أنزلت الجرَّة عن كتفي، ونظر لي مستفهماً..
                  - الله يعطيك العافية يا أبو إدريس.
                  - الله يعافيك يا أبو سعيد.
                  - من فضلك أريد استبدال الجرة الفارغة.
                  - لا يغلى عليك يا أبو سعيد، ولكن ليس عندي اليوم تعال غداً.
                  - ولا واحدة.
                  - آسف .. أبداً .
                  وهكذا ترونني أحملها عائداً للمنزل، وما إن دخلت حتى استقبلتني بعاصفةٍ من اللوم والتقريع من طراز:
                  "كنت أظن نفسي متزوجة من رجل".
                  أو "بعمري ما اعتمدت عليك بشيء وأفلحت".
                  أو "حوبة ومليون حوبة".
                  وبعد ذلك طلبت مني أن أنزل الشارع مع الجرة وأنتظر مرور بائع الغاز، وفشلْتُ في إقناعها أن أبقى في الشرفة أنتظر بائع الغاز حتَّى إذا رأيته أناديه ليحضر عندي، فرفضتْ.

                  ******************



                  ومن جديد ترونني حاملاً الجرة وواقفاً في الشارع أنتظر!!
                  وأنتظر ....
                  وأنتظر ....
                  وتعبت من الوقوف
                  فجلسْتُ على الجرة!!
                  ومر أبو النور وهو ذاهب إلى عمله بعد الظهر ورآني في حالتي التي عليها من عرقٍ وغبارٍ وتعبٍ بادٍ على ودهي فأشفق عليَّ وقال:
                  - خيراً أبا سعيد.
                  - زوجتي أصرت على أن أنتظر بائع الغاز و ألا أعود إلا ومعي جرة غاز ..
                  اقترب مني وهمس قائلاً : سأساعدك عندي حل.

                  ************************


                  رجعت بعد قليل إلى البيت وحين أغلقت الباب، صاحت بي من غرفة النوم حيث كانت تتمدد كعادتها في الفراش:
                  - هل أحضرت الجرة ؟
                  قلت لها : - حللتُ المشكلة.
                  قالت لي بنرفزةٍ وضيقٍ : - جهز الغداء فقد كدت أموت مت الجوع .
                  تمتمتُ : -ومنذ متى لم تكوني جائعة؟
                  أعماني الدخان المتصاعد وأحرق عينيَّ وفتحت النافذة ليخرج إلى الخارج، ولم أفلح من طرده من البيت..
                  وبعد قليل جاءني صوتها وهي تسعل كصفارة القطار :
                  - ما هذا الصوت؟ وما هذه الرائحة؟
                  قلت لها : أي صوتٍ ورائحةٍ؟
                  لم تردَّ ولكنني رأيت هيكلها الضخم يسد باب المطبخ فعوت كالذئب في الليلة الباردة :
                  - ما هذا ؟

                  ***************


                  كانت من المرات القلائل التي تغضب وتفارقني تاركة البيت إلى جهنم – أقصد بيت أمها – وما فتئت تردد بين الناس عني :
                  - إنَّه مجنون .. ليس فيه عقل .. يريد أن يتسبب بهلاكي !!

                  وفي هذه الأثناء كنت جالساً مع أبي النور نشرب الأركيلة بتنبك عجمي وفنجان قهوة ونضحك ونتسلى.. عندما جاء صوت صديقي يوسف من المطبخ وهو يقول :
                  - أين سأضع ركوة القهوة ؟
                  قلت له : - على موقدة النار التي جعلتها في زاوية المطبخ ..

                  ****************


                  ودمتم بود
                  وتسألونني ماذا حصل ؟
                  لا شيء يُذكر ...
                  اقترح أبو النور أن أجعل في زاوية المطبخ موقدة خشب بدلاً من الغاز، فظنت حرمنا أنني أريد إحراقها والخلاص منها إما خنقاً برائحة الخشب المحترق، وإما بالنار التي يوماً ما ستحرقها برأيها..
                  ففرت مذعورة غير مأسوفٍ عليها إلى بيت البلدوزر !!

                  من فضلكم
                  دعوني أستمتع بأيامي القليلة قبل أن تعود !!




                  تعليق


                  • #39
                    التشوشية الخامسة والثلاثون :
                    -----------------------------------
                    أبو بريص
                    --------[/



                    لا يخفى على أحدٍ منكم ما تعنيه هذه الكلمة في قاموس اللواذقة خصوصاً والسوريين عموماً.
                    إنَّه ذلك المخلوق الضئيل الذي ما إن تراه حتَّى تشمئزَّ نفسك من مرآه، لشبهه بالضب، وهو مخلوق مؤذٍ ينسلُّ من النوافذ المفتوحة على الجدران!!
                    وقد اعتاد اللواذقة – للأسف – أن يسخروا من الرجل الذي يكون باهت اللون أو مسكيناً باسم أبو بريص .

                    ============


                    كعادتكم تتساءلون عن سبب مقدماتي
                    فاسمعوا حكاياتي
                    وارحموا آهاتي

                    ============


                    لعلع صوتها في الصالة:
                    - أبا سعيد ... أبا سعيد .. تعال هنا !
                    كنت في المطبخ أعد لها فنجان القهوة، فتعوذت بالله حين سمعْتُ صوتها الصابري، وتجاهلتها ..
                    ولكنَّها عاودت زئيرها بصوتٍ أعلى :
                    - يا أبا سعيد .. لماذا لا ترد عليَّ .. يا أبا بريص !
                    وحين سمعْتها تناديني بأبي بريص – ولأول مرة في حياتها – غلى الدم في عروقي، وانسكبتِ القهوة على الغاز، فنظرْتُ لها متحسراً لأنني سأقوم بتنظيف الغاز بعد قليلٍ ..
                    سدَّتْ بهيكلها الضخم باب المطبخ وهي تقول بغضبٍ :
                    - من ساعة وأنا أناديك .. ما بك هل طرشْتَ؟
                    نظرْتُ لها بغيظٍ وقلْتُ لها :
                    - بالتأكيد سمعتك .. ولكنني كنت أجهز القهوة ..
                    نظرت للقهوة المسكوبة على الغاز وقالت بسخرية :
                    - ومن سيشرب القهوة أنا أم الغاز ؟
                    قلْتُ لها : - سأحضر فنجاني قهوة وآتيك .

                    ============


                    احتوانا الصالون في جلسةٍ قلَّما تتكرَّر ، وكانت على غير عادتها هادئةً لا توجِّه لي اللوم، فأدركْتُ أنَّه الهدوء الذي يسبق العاصفة.
                    قالت لي : - غداً سأسافر إلى (صلنفة) في رحلةٍ علميةٍ .
                    قلْتُ لها مندهشاً : - علمية !!! أنتِ !!
                    قالت لي متضايقةً : - ماذا بك ؟ ألسْتُ على هذا القدر من مقام العلم ؟
                    قلْتُ : - العفو .. لكنني لا أعرف أنَّكِ باحثة علمية ، هذه موضة جديدة.
                    قالت وهي تلوح بيدها : - لا موضة ولا غيرها ، ولكنني سأذهب برفقة (نوني) لأساعدها في بحثها.
                    قلْتُ: - ومن (نوني) هذه؟
                    قالت بضجرٍ : (نبيهة) ابنة عمي التي تريد أن تقدم بحثاً في السنة الرابعة للعلوم الطبيعية، وطلبوا منها أن تجريَ بحثاً عن (أبو بريص) وقالوا لها: إنَّه موجود بكثرة في (صلنفة).
                    تذكرْتُ تشبيهي لها بأبي بريص، فقلْتُ غاضباً:
                    - لماذا كنتِ تنادينني باسم أبي بريص ؟
                    انتهبتْ لي ثمَّ أغرقت في الضحك وقالت :
                    - لا لشيءٍ سوى تغيير جو .
                    سكتُّ عالماً أنَّ مناقشة الجاهلين مثلها غباء ما بعده غباء، وابتلعْتُ غيظي !!

                    ============

                    وفي اليوم التالي أصرَّت على أن أرافقها مع ابنة عمتها (نوني) فأحجمْتُ قائلاً:
                    - لكنَّني لم أخبرهم في العمل أنني سأغيب.
                    - أنت معك سيارة وستريحنا من عناء (الميكروباص).
                    - لكنَّكِ تملكين رخصة قيادة فخذي السيارة وسافري بها .
                    - أخشى من الطريق فهو صعبٌ .
                    - ولكن ....
                    قاطعتني بحزمٍ : - من غير (لكن)، ستأتي .. يعني ستأتي..
                    وهكذا ترونني جالساً مع العقربتين آخذهما إلى (صلنفة) وأنا ألعن الجامعة وأبو بريص وأم بريص – حرمنا- والسحلية – نوني ابنة عمها.
                    طوال الطريق لم تكفَّا عن غيبة الناس من العائلة وغيرها، حتَّى كاد عقلي ينفجر في هذه الساعة المشؤومة التي فُرضت عليَّ لمرافقتهما.

                    ===========


                    وصلنا إلى غابةٍ من الصنوبر خارج (صلنفة), وقد وقفت المرأتان حائرتيْنِ فالعثور على أبي بريص لم يكن سهلاً كما توقعتا .
                    ولكنَّهما عنيدتان –كما بتم تعرفون عن هذه العائلة المنحوسة التي صاهرتها- وواصلتا البحث عنه، صاحت أم سعيد صيحةً أجفلت لها كل الحيوانات الأليفة في الغابة لو قسناهما بالمصيبتين اللتين أمامي، لقد وجدت أبا بريص على شجرةٍ بالقرب من حمارين ربطهما صاحبهما ليرعيا العشب والشوك في هناء، وقد قطع هناءهما صوتها المرعب الذي يذكرك بصوت طرزان في الغابة بعدما يقضي على عدوه.
                    وقالت أم سعيد بنعومة الأفعى :
                    - تعال يا أبا سعيد لتمسك به.
                    - لماذا أنا ؟
                    - لأنك الرجل هنا .
                    وكانت نوني غارقة في نوبة ضحكٍ عنيفةٍ من شيءٍ همست به أم سعيد في أذنها، حيث قالت لها كما علمت فيما بعد (انظري لأبي سعيد كم يشبه أبو بريص)، فقلت لها وقد بدأ الفأر يلعب في عبي من أنَّهما تسخران مني:
                    - لا لن أفعل ..
                    صرَّت على أسنانها وقالت :
                    - خذ العلبة وضعه بها .
                    تمتمتُ : - حسناً .. هذه آخر مرة أصاحبك فيها لمكانٍ ما ..
                    واقتربْتُ منه بهدوء، والمعروف عن أبي بريص أنه يقف كثيراً وينظر حوله بعينيه السوداوين على جانبي وجهه، وما إن بتُّ على بعد ذراعٍ منه حتَّى أسرع يتسلق الشجرة، وتبعته على مهلٍ وأوشكت أن أضعه في العلبة، ولكنني لم أنتبه إلى أنني بِتُّ وراء الحمار الذي أجفل من صوتها سابقاً ولم ينس غيظه منها، ولأنه مربوط لم يصل إليها، وقد أجفلته حركتي السريعة لمحاولة اقتناص أبي بريص، فرفسني رفسةً على قفاي، ولشدة هول الرفسة طرْتُ في الهواء، ولأنني مواجه للشجرة التي كان أبو بريص يتسلقها ارتطمت بها وسحقْتُ أبا بريص وسقطْتُ مغشياً عليَّ.


                    =============


                    استيقظْتُ وأنا أشعر أنَّ جسمي مكدودٌ كمن مرَّ فوقه قطار، وحاولْتُ تحريك أطرافي فلم أستطع، ونظرْت بعينيَّ لأجد أنني في المشفى،وقد رُبطت ذراعاي وساقاي التي ترضرضت وانكسرت من هول رفسة أبي صابر.
                    أدرْتُ رأسي بجهدٍ كبيرٍ لأجد أم بريص – حرمنا – جالسةً، وحين رأتني أنظر لها قالت لي :
                    - خيَّبك الله، ألا أستطيع الاعتماد عليك بشيءٍ، لقد سحقْت أبا بريص الوحيد الذي وجدناه بعد تعبٍ شديدٍ.
                    ووجدْتُ (نوني) قربها ممسكةً بالإناء الزجاجي وفيه أبو بريص، فأشرْتُ له برأسي لأنني عاجز عن الكلام بسبب الأربطة.
                    فقالت نوني : - بعد أن أسعفناك أحضر أخي لي واحداً من حديقة الجامعة حيث يوجد منه الكثير.
                    نظرْت لهما، ثمَّ انفجرْتُ في البكاء، لماذا يا سحلية لم تفعلي هذا من البداية؟
                    وقالت نوني مندهشةً : - لماذا يبكي؟
                    قالت الحيزبون لها : - لعله حزين على أبو بريص الذي قتله في الغابة!
                    لكنني كنت أبكي من غفلتي وسذاجتي، وأدركْتُ فعلاً أنني أسوأ من أبي بريص لأنني استجبْتُ لهذه الحيزبون وابنة عمها السحلية وذهبْتُ معهما ..




                    تعليق


                    • #40
                      التشتوشية السادسة والثلاثون :

                      --------

                      ما كدو نالدز

                      ------


                      لعلع صوتها كأبي صابر في البرية وهي تصيح :
                      - أبا سعيد.

                      ولهول صوتها وقع الصحن الذي كنت أغسله من يدي وانكسر، فتوجهت إليها ساخطاً لاعناً بيدٍ مجروحةٍ، وما إن رأت الدم في يدي حتَّى جحظت عيناها وبرزت حدقتاها لتشبه عمنا الجاحظ وكانت تشهق وتقول:
                      - ما هذا ؟
                      نظرْتُ لها بغيظِ وأنا أجفف الدم بالمنشفة :
                      - وماذا سيكون عصير بندورة؟ دم بالطبع!!
                      - ولماذا؟
                      - من صوتك العالي الذي أجفلني ..

                      توقعْتُ أن تبدأ مباراةً بالشتائم والخض ولكنها أغضت طرفها وعادت تتابع التلفاز ومنظر الصهاينة الذين يقتلون الأبرياء من الشيوخ والنساء والأطفال والآمنين، ثم قالت وبحزمٍ:
                      - سنقاطعهم..
                      - نقاطع من؟
                      - الصهاينة والأمريكان ..
                      - الحمد لله ليس في بلدنا بضائع لهم ..
                      تابعت وكأنها لم تسمعني:
                      - سنقاطع المنتجات الأمريكية وخاصة ماكدونالدز التي خصصت إيراد يوم السبت لمساعدة الصهاينة !!
                      - قلتُ لكِ : لا يوجد في بلدنا بضائع أمريكية و ...
                      تركتني وحدي وذهبت لتلبس ثيابها وتتابع مهمتها !!

                      *********


                      عقدت أم سعيد اجتماعاً خطيراً في اليوم التالي مع شلتها من البلهاوات اللواتي لا هم لهنَّ سوى ترويع الآمنين من الأزواج أمثالي، وهنَّ يتصايحن كما لو كنْتَ في قن دجاجٍ دخل عليهنَّ البائع لينتقيَ واحدةً للذبح!!

                      أم سعيد - سنري الأوغاد من نحن؟
                      ناغي - سنجعلهم يفلسون..
                      شفشف (هي صديقتهم الجديدة بعد المجلة الإعلانية الفاشلة):
                      - لا بد من قيادة حملة واسعة لتنبيه الناس على خطر البضائع التي تساند الصهاينة.
                      أم سعيد : لن يهدأ بالي حتَّى أرى الناس كلهم يقاطعونهم.
                      دخلْتُ عليهنَّ بأقداح القهوة وقلتُ :
                      - لو سمحتنَّ لي بكلمةٍ.
                      نظرت شفشف لي شراً وقالت :
                      - ماذا تريد أن تقول؟
                      قلْتُ : - من الجميل هذا الشعور لديكنَّ، ولكن ألا تعلمن أنه لا يوجد في البلد -والحمد لله - أي منتج لأمريكا، ولا مطاعم مكدونالدز.
                      شفشف: - وما أدراك يا جاهل؟
                      وهكذا تركتهنََّ لمخططاتهنَّ الفاشلة من بدايتها.

                      ***********


                      جاءت أم سعيد في اليوم التالي تحمل مناشير تم طباعتها على الكمبيوتر الذي تملكه شفشف، وكان من الواضح سذاجة الإخراج الفني المضحك، ناهيكم عن العبارات المضحكة مثل :

                      (أز ..أز
                      إن كان بدك تعتز
                      قاطع ماكدونالدز)


                      أو:

                      (ما بدنا لحمة ولا بطاطا
                      طلقناهم بالثلاثة
                      إذا كان من عند ماكدونالدز المجرم
                      نحن والله رح نحرم )


                      قلت لها : - والخطوة التالية.
                      - صورنا مئات منها وسنوزعها على الناس.
                      ولأنني يئست من كثرة ما قلت لهم بعدم جدوى الحملة عن شيء غير موجود فقد اكتفيْتُ بهز أكتافي والخروج.

                      *************

                      وبدأت حملتهنَّ على كل المحلات والشركات والمؤسسات الحكومية والخاصة والمدارس والجامعات..
                      وصرت ترى مناشيرهنَّ في كل مكان، والناس تتعجب فالبعض لم يسمع بمكدونالدز من أساسه، حتَّى زبَّال حارتنا قال لي وأنا أستعد لركوب سيارتي:
                      - يا أستاذ ما معنى (ماكدونالدز) هل هو صابون جديد؟
                      قلْتُ له وأنا أكاد أنفجر من القهر :
                      - بل حماقة من حماقات شلة العقارب.
                      وتركته محتاراً في التفكير بالصلة بين العقارب وماكدونالدز!!

                      وحين بلغْتُ الإشارات عند مفرق (الرمل الشمالي) ووقفْتُ بانتظار أن تفتح الإشارة، تفاجأْتُ بيدٍ تمتدُّ لي من نافذة السيارة وتعطيني ورقةً من ورقات شلة العقارب، وحين نظرْتُ لها كانت حرمنا ترتدي ثياب مراسلي التلفزيون بنظارةٍ سوداء زادتها قباحةً، وهي توزع الأورق من سيارةٍ لسيارةٍ، وحين هممْتُ بفتح الباب لأجرَّها إلى السيارة فقد تجاوز الأمر حده، ارتفعت أبواق السيارات خلفي تطلب مني المسير فالإشارة صارت خضراء.


                      ************


                      رجعْتُ إلى البيت وأنا في قمة الغضب، هذه الامرأة ألا تستحي من مسح شرفي بالأرض، ما لها وأعمال الرجال؟
                      وقرَّرْتُ أن أمارس سلطتي عليها للمرة الأولى في حياتي ربَّما.
                      ولكنَّ انتظاري طال..
                      وبعد ثلاث ساعات دق الباب أبو النور وحين فتحْتُ الباب له، وجدتُ سحنته متغيرةً، فقلْتُ له:
                      - خيراً يا أبا النور.
                      قال لي متجهماً: - افتح التلفاز.

                      وحين فتحْته وجدت المذيع يعرض صورة شلة العقارب لابساتٍ الثياب البيضاء وهو يقول:
                      - وقد ألقت الشرطة القبض عليهنَّ بعد أن ثبت جنونهنَّ فهنَّ لم يقتنعنَّ مع رجال الشرطة أنَّ مكدونالدز غير موجودٍ في بلدنا، وبعد التحقيقات وإصرارهنَّ على رأيهنَّ تمَّ تحويلهنَّ إلى مشفى المجانين..

                      رغم فداحة الموقف انفجرْتُ ضاحكاً، فهنَّ يستحققْنَ ما جرى لهنََّ.

                      ************


                      - يا سيادة العقيد لا دخل لي في الموضوع.
                      - آسف يا أخ أبو سعيد أنت المتهم الأول بترويج إشاعات كاذبة.
                      - ولكنني لم أكن معهنَّ.
                      - اعترفت زوجتك بأنَّك المحرِّض الرئيسي لهنَّ في طباعة المناشير وترويجها.
                      ورغم أيماناتي المغلظة قال لي:
                      - متأسف رغم أنني أميل لتصديقك ولكن الاعتراف من زوجتك وصديقاتها يضطرني لأحبسك.

                      وها أنا في السجن ألعن الصهاينة والماكدونالدز وأم سعيد وشلة العقارب.....، في انتظار المحامي
                      !!




                      تعليق


                      • #41
                        التشتوشية السابعة والثلاثون
                        ---------
                        نـهفات أبو سعيد 1
                        **********



                        نؤمن جميعاً أن الزواج خُلق ليكون شراكةً بين الرجل والمرأة، ليكملا بعضهما البعض في رحلة الحياة..
                        إنَّها رحلة مشاركة بين الاثنين..
                        لكنَّها عند أم سعيد رحلة اغتنام فرص لصالحها على حسابي!!
                        بربكم هل سمعتم من قبل امرأةً اتخذت من زوجها عدواً له لتحاربه؟!
                        هي ذي ذات العفاف والصون حرمنا.. جعلتني مني مسخرة الناس في الحي وخارجه..
                        أصغوا إلى هذه الحوادث،
                        ثم احكموا ..


                        ****************
                        سخرية الحلاق :
                        ---------


                        كنتُ عند (شفيق) حلاق حارتنا، فقال لي وهو يتأمل شعري:
                        - راحت عليك أبو سعيد!
                        - لماذا؟
                        - بدأ شعرك يتساقط تدريجياً.
                        - هذه عقوبة المتزوج بأم أربعة وأربعين..
                        - ألم تقم بعمل شيءٍ لوقف تساقط شعرك؟
                        - (تنهدت) هناك أدوية لكنها كلها كاذبة.
                        - جرِّب يا أخي ..
                        - سأحاول بدواء اسمه الطلاق ..
                        - (مستغرباً) الطلاق أول مرة أسمع به!!
                        - هو دواء صعب يا عزيزي فالمهر غالٍ ولا أملك منه شيئاً.
                        - الرجل لا يهمه أما التشـ.....
                        ويقطع كلامه فأنظر له وقدِ انفجر ضاحكاً، وتابع عمله وهو ينظر لي نظرةً من معنى (تشتوش لأبعد حد!!).
                        أرأيتم كيف يسخرون مني ؟


                        +++++++++++++++


                        ضعيف النظر :
                        --------


                        قلت ليوسف ونحن نشرب الأركيلة في مقهى (الطابوشة) وكنت أقرأ في الجريدة:
                        - اسمع إلى هذه الكذبة.
                        ينظر لي فأتابع: - أحدهم يقول لمحبوبته أنتِ تشبهين القمر..
                        قال يوسف : - يبدو أنَّه ضعيف النظر..
                        ويضحك وهو يشير لي ..
                        فأغضب وأنصرف، لقد صرت بسببها أضحوكة الناس..


                        +++++++++++++



                        عيد ميلادي :
                        -------------


                        مرةً أصرت على أخذ خمسة آلاف ليرة، وبعد نقاش شديد حول سبب طلبها، أصرت على الكتمان وأنَّها تخفي لي مفاجأة، فأعطيتها صاغراً، وحين رجعت إلى المنـزل مساءً ، وجدتها في الصالة تناديني، وجرى بيننا هذا الحوار:
                        - كل سنة وأنت بخير يا حبيبي.
                        - (بفزع لأنني أعلم ما وراء ذلك) وأنتِ بخير، ما المناسبة؟
                        - اليوم عيد ميلادك.
                        - ميلادي أنا!!
                        - إذا كنت تنسى فأنا لا أنسى..
                        - لأجل هذا طلبت خمسة آلاف ليرة مني صباحاً.
                        - طبعاً فأنت غالٍ عليَّ، جهَّزت لك مفاجأةً.
                        - (وقد بدأت أغيِّر فكرتي عنها) ما هي ؟
                        - انتظر قليلاً سأذهب لغرفة النوم وألبسها لتأخذني إلى المطعم ونحتفل؟!
                        أرأيتم من مالي ولا تأتي لي بِهديةٍ؟!


                        +++++++++++


                        شريف المسكين :
                        ------------------



                        ألطف موقف قابلته حين غاب زميلنا (شريف) في العمل أسبوعين ولم أعلم السبب، ولم أسأل فليس من عادتي التطفل، وحين عاد قلت له:
                        - اشتقنا لك يا شريف، أين كنت؟
                        - تزوجت!!
                        - ألف مبارك.
                        - هل أنت أصم ؟ أقول لك تزوجت وتُهنئني .
                        فانفجرتُ ضاحكاً لأنه يعاني مما أعانيه رغم نصحي الدائم له ألا يتزوج!!
                        الحمد لله هذه المرة لم آكل أنا المقلب بل غيري ..
                        يستحق لأن الذي لا يتعلم من أخطاء الآخرين فهو غبي !!
                        أليس كذلك؟


                        ++++++++++++


                        روماتيزم :
                        -----------


                        أحد الخبثاء قال لصديقي يوسف :
                        (لو كان أبو سعيد رجلاً لضرب زوجته وربَّاها)..
                        فقال له يوسف: (مسكين إنه مصاب بالروماتيزم في يديه فلو ضربَها تأذَّى أكثر منها)!!
                        يا لكم من خبثاء!!


                        ***********

                        ثقافة البلدوزر
                        --------------



                        مرةً غضبت أم سعيد وتركت لي المنـزل لأرتاح منها، وحين جاءت البلدوزر تستفسر عن سبب خصامنا، قلت لها:
                        - أبداً في صباح العيد قالت لي : ماذا تتمنَّى اليوم هديةً بمناسبة العيد؟ فقلت لها: قليلاً من السكوت!!
                        فزأرت البلدوزر وهي تصيح:
                        - أصابك الله بمئة صرماية (حذاء) على رأسك يا بن ......
                        فقاطعتها كيلا تسب أمي وأبي وقلت لها :
                        - كنت أمزح معكِ .
                        ثم أطرقْتُ ساكتاً، وحين رأتني مهموماً قالت لي :
                        - أنت تشعر بالشوق لزوجتك أليس كذلك؟
                        نظرت لها بحزنٍ وقلْتُ : - أعلم أنه بعد زيارتك ستعود، وهذا ما يحزنني..
                        فتابعت موشح سبابِها السوقي و ....
                        آسف على عدم استكمال الموقف، فقد صار الحوار من قبل البلدوزر المثقفة يليق بالزعران لا بكم ..


                        +++++++++++


                        تهنئة ونصيحة :
                        ----------------


                        قررتُ مرةً زيارة شريف لأهنئه بالزواج، فوجدته في المطبخ منشغلاً بحلي الصحون وهو يرتدي بذلته التي تزوج بِها، ولما تكررت زياراتي له وهو مرتدٍ البذلة نفسها قلت له:
                        - يجب أن تكون حازماً مثلي مع زوجتك؟
                        نظر لي بقرفٍ وقال : - وكيف؟
                        قلت له : - يجب أن تأمرها بشراء (مريولة) لتلبسها فوق ثيابك وأنت تجلي!!
                        صاح بي : - تباً لك ولأفكارك!
                        أرأيتم جزاء النصيحة عند من لا يقدرها؟!!



                        تعليق


                        • #42
                          التشتوشية الثامنة والثلاثون
                          ---------
                          نـهفات أبو سعيد 2

                          **********



                          غفلة:
                          ---

                          مرةً ذهبت إلى السوق لتشتري سجادةً، ودفعت ثمنها بحدود عشرة آلاف ليرة، والبائع يقسم أغلظ الأيمان أنَّها سجَّادة عجمية أصلية، وحين عدنا إلى البيت وفرشناها، قالت أم سعيد وهي تحملق بِها:
                          - يبدو أنَّنا كنا أحمقين حين صدقنا البائع فالسجادة ليست عحميةً؟
                          قلت لها وأنا أكاد أنفجر من الغيظ لأنَّها جعلتني أدفع كل هذا المال:
                          - لو سمحْتِ تكلمي بصيغة المفرد.
                          قالت لي : - معك حق، (تثاءبت كفرس النهر) يبدو أنَّكَ كنت أحمقاً حين ضحك البائع عليكَ!
                          يا لسواد حظي!
                          تخطئ وأنا الملام كالعادة!!

                          ---------

                          اللفاية
                          ----


                          استأجرنا (لفايةً) –المرأة التي تدور على البيوت لتنظيفها- ومرةً رجعت إلى البيت فوجدتها تبكي واعتقدت أنَّ أم سعيد شتمتها كعادتها، ولكنَّها قالت لي:
                          - أنا غاضبة منك أنت يا سيدي!
                          - (بتعجب) أنا خيراً إن شاء الله!!
                          - منذ ساعة رددت عليك على الهاتف فشتمتني.
                          - ( بدهشة) وهل كنتِ أنتِ؟ كنت أظنها أم سعيد؟

                          -----------

                          آخر خبر
                          -----


                          تفاقم الخلاف بين بديعة ابنة خالتها من جبلة وزوجها ربيع وهما في شهر العسل، وجاءت بديعة عندنا تبكي كالتماسيح، ولا أدري لماذا يلجأْن إلى البلدوزر رغم انها مخربة لا مصلحة ، وحين سألتُها عن سبب بكائها، قالت لي:
                          - ربيع يا عمو أبو سعيد!
                          وانخرطت في البكاء وتمخطت بمنشفتي فقلت لها بضيق على المنشفة وعلى تشبيهها لي بعمو وهي أكبر مني بسنتين:
                          - عمو !! أنا عمو !! ما علينا !!وماذا به ربيع؟
                          - جاهل.
                          - جاهل !! على قدر علمي انَّه محامٍ مشهور في البلد.
                          - جاهل بأعمال المنـزل..
                          نظرْتُ لها بقرفٍ وتمتمت في سري:
                          (عائلة فظيعة وحق من رفع السماء وسوَّاها !!).

                          ----------

                          خصام:
                          ----


                          تخاصمنا مرةً –وما أكثر ما تخاصمنا- وحلفت ألا تكلمني لمدة عشرين يوماً- وكنت مع يوسف في مقهى الطابوشة حين قال لي:
                          - ما بك يا أبا سعيد مكتئباً؟
                          - تخاصمت مع العقرب حرمنا، وحلفت ألا تكلمني عشرين يوماً.
                          - وهل أنت مكتئب لهذا السبب؟
                          - لا .. لا .. غداً هو آخر أيام العشرين..

                          --------

                          قلة أدب:
                          ------


                          كل جنس حواء سواء، وستسألني كيف؟
                          مرةً قررت أن أغازل الفتيات ونزلت إلى شارع (بغداد)، وحين رأيت فتاةً جميلةً قررت معاكستها – للمرة الأولى في حياتي – فذهبْتُ أمشي وراءها وقلت لها:
                          - الحلو مشغول أم يتعرف على سيادتنا؟
                          فأدارت وجهاً مكفهراً كالسماء في الشتاء، فخشيْتُ أن تبلغ الشرطة عني فأشرعت أعتذر قائلاً:
                          - آسف يا آنسة ظننتكِ زوجتي ..
                          اكتفت بالقول: - سافل ، وقليل أدب.
                          قلتُ لها : - سبحان الله هي أيضاً تسبني مثلك فلا تلوميني إذِ اعتقدتكِ زوجتِي!

                          ---------

                          نقاش:
                          ----


                          قلت لها مرةً : - ما هي السعادة؟
                          قالت لي : - أن تفعل ما تريد دون أن يقاطعك أحدٌ.
                          قلت لها : برأيي السعيد هو الغبي لأنه لا يحمل هم شيءٍ.
                          فقالت لي الحيزبون : - أدام الله عليك السعادة!!

                          -------------

                          غباء :
                          ----


                          كنت مرةً في سهرة مع الحيزبون عند أهلها، حين تذكرت انني تركت الغاز مولعاً فقلت خائفاً لأم سعيد:
                          - لنذهب إلى المنـزل فقد نسيت الغاز مولعاً؟
                          قالت لي بمكرٍ : - رأيته فعرفت أنك ستخلق منه حجةً لتعود إلى المنـزل.
                          فارتاح بالي وقلت لها:
                          - لا بد أنك أطفأتهِ.
                          قالت لي : - أنت تمزح.
                          قلت لها مندهشاً : - لماذا؟
                          قالت بذكاء : - تركت حنفية الحمام مفتوحةً من اجل ان تطفئ النار لو امتدت إلى المنـزل !!
                          يار بي ما هذه العائلة الذكية جداً؟!

                          ---------

                          شكراً يا عزيزي:
                          --------


                          في سهرةٍ قالت لي :
                          - سرقت اليوم خمسة آلاف ليرة.
                          - الويل لكِ هذا حرام، وقد تسجنين لو علم صاحبها واشتكى للشرطة.
                          - حسناً ساعطيك إياها.
                          - قلت لكِ هذا مال حرام وأنا أرفضه، يجب أن ترديها لصاحبها.
                          - أعطيتها له فلم يقبل استردادها.
                          - في هذه الحالة تصبح لكِ.
                          قامت مبتهجةٍ وهي تقول:
                          - شكراً يا عزيزي إنَّما أخذتها من محفظتك!!
                          وذهبت لتتركني أكاد أنفجر من القهر والغم.



                          تعليق


                          • #43
                            التشتوشية التاسعة والثلاثون
                            ---------
                            نهفات أم سعيد 1
                            -------


                            كثيراً ما رماني أبو سعيد بتهمٍ مبالغٍ فيها، حتَّى نفر معظمكم من زوجاتِهم لو كان متزوجاً، أو كره الزواج لو كان عازباً..
                            حتَّى إني سمعت بجمعيةٍ تُدعى (جمعية الشاب الحزين)، أسسها بعض العزابية –من المثقفين يا للكارثة! - لمناهضة الزواج..
                            ولكن... هل أنا المُلامة دائماً؟
                            حسناً كما قال لكم أبو سعيد في حلقته السابقة أقول لكم:
                            أصغوا إلى هذه الحوادث،
                            ثم احكموا ..
                            ****************
                            سهرة :
                            ----

                            مرةً عاد أبو سعيد من (القهوة) –المقهى- متأخراً بعدما وعدني بالذهاب لنسهر عند أمي، ولكونكم بِتم تعلمون كرهه لأمي الحمل الوديع فإنَّه تعمَّد أن يجرح جبهته بجرحٍ خفيفٍ وعاد متاوهاً متأخراً.
                            - خيراً يا أبا سعيد!
                            - أنا مجروح ... آه ... أكاد أموت من الألم ... أريد أن أنام..
                            - هل نسيت سهرتنا عند امي؟
                            - ألا ترينني مصاباً مريضاً.
                            - كيف جُرحت؟
                            - (تظاهر بالتفكير) يبدو أنني عضضْتُ نفسي.
                            أرأيتم حجته التافهة؟ يستخف بي!! فقلت بغيظٍ:
                            - كيف يمكن أن تعض جبهتك وهي أعلى من أسنانك؟
                            - (تنهد) يبدو أنني صعدْتُ على المقعد.
                            وهرب مني قبل أن أعضَّه حقيقةً!!
                            ******************
                            عيد ميلادي:
                            -------
                            حان عيد ميلادي وأبو سعيد يتظاهر بعدم معرفته، وأنا ألمِّح له عن صديقاتي اللواتي أقمن عيدهنّ في مطعم (لا ليتش) عند الكورنيش الجنوبي، والذي كلَّما ذهبْتُ مع أبي سعيدٍ إليه يقول لي بغيظٍ ونحن خارجون من المطاعم:
                            - أريد أن أعرف من الوغد الذي سماه الكورنيش الجنوبي، كان من المفترض أن يشموه الكورنيش الجنوني..
                            كان في الصالة يقرأ في جريدة (الوحدة)، حين اقتربْتُ منه أبتسم في دلالٍ، فنظر لي مرعوباً..
                            - أبو سعيد ألا يذكرك هذا اليوم بشيءٍ؟
                            - نعم اليوم توفي (لال نهرو).
                            - (بغضب) هل تعرف فتاة اسمها (لالا) وتلتقيان عن النهر؟
                            - (بدهشةٍ) نهرو قائد الهند.
                            - ومن هند هذه ؟
                            - (يصرخ) اللهم ارحمني من هذا الغباء!
                            - (أتدارك الموقف) لا بأس عليك.. اليوم عيد ميلادي.
                            فيقول الوغد : (عظم الله أجركِ).
                            فأصيح بدوري: - فأل الله ولا فألك!!
                            - أقصد كل عام وأنتِ بخيرٍ..
                            ويتابع القراءة في الجريدة.. ولكنني لم أيأس فأمد له يدي..
                            - يدي ... أصابعي ... رقبتي ... أذني ... تطلب هدية..
                            - حسناً .. حسناً .
                            ثم يخرج ، فأطير من الفرحة يبدو أنني أسأت الظن به، ويعود بعد قليلٍ ومعه كيس ويقدمه لي فآخذه فرحةً، فإذا به صابون، فأقول :
                            - ما هذا؟
                            فيقول لي : - صابون (فا).
                            أجيب بغيظٍ : - أعلم.
                            فيقول لي : - هذا لرقبتك وأذنك وأصابعك!!
                            ويهرب مني قبل أن أضربه بِها..
                            أرأيتم وقاحته؟!
                            ============
                            قطيعة:
                            ---

                            هل تصدقون أنَّني لشهر قاطعت ناغي، رغم صداقتنا المتينة، وذلك انني شعرت بِها تقف مع حزب الرجال ضدي؟
                            قلت لها : - أريد أن أدهش أبا سعيد بِشيءٍ مفاجئٍ، فبِمَ تنصيحنني؟
                            فقالت بِهدوء : - أخبريه حقيقة عمرك ...
                            الحيزبون في عمر أمي وتتفاصح عليَّ ..
                            ++++++++++++++++
                            النافذة:
                            -----

                            اعتاد أبو سعيد الوقوف في الشرفة كلَّما أردت إسماعه صوتي بالغناء، ولما تكرر ذلك منه، قلت له:
                            - لماذا تذهب إلى الشرفة وتجلس هناك حين أغنِّي؟
                            - ليراني الجيران .
                            - ما علاقة الجيران بغنائي؟
                            - كيلا يظنوا الأصوات المنبعثة من شقتنا أصوات استغاثة، فيتوهمون أنني أضربكِ..
                            أرايتم سفاهته وتجاهله لمواهبي ؟!



                            تعليق


                            • #44
                              التشتوشية الأربعون
                              ---------
                              نهفات أم سعيد 2

                              -------




                              مساء الخير:
                              -------

                              كان أبو سعيد في بداية زواجنا كلَّما زارتنا امي صباحاً أو مساءً يقول لها: (مساء الخير)، وحينما لاحظته يكررها دائماً، قلت له:
                              - لماذا تقول لأمي (مساء الخير) حتَّى في الصباح؟
                              - (بنرفزةٍ) ألا تريدينني أن أحييها؟
                              - لا .. لا .. ولكنني أتساءل فقط..
                              اسمعوا أوقح جواب تسمعونه:
                              - لأنني كلَّما رأيتها اسودت الدنيا في عينيَّ!!
                              ألم أقل لكم : إن الرجال لا أمان لهم ؟!
                              --------------

                              شهر العسل:
                              ------

                              بدأت مشاكلنا منذ أن تزوجنا، أذكر أنه في شهر العسل قلت له:
                              - ما رأيك أن نقضي شهر العسل في تركيا كما فعلت ابنة خالتي؟
                              فقال بفظاظةٍ : - لا مانع عندي، وباعتبار أنَّك استهلكتِ كل النقود في عرسكِ بالمريديان، ولم يبق إلا ما يكفي لسفر واحدٍ فقط، فسأسافر وحدي..
                              بالله عليكم هل هذا رد رجل لعروسه في شهر عسلهما؟!

                              ------------

                              زوجة المرحوم:
                              --------


                              أراد أبو سعيد أن يغيظني بعدما خاصمني لسبب تافه، وذلك حينما طلبت منه ثلاثة آلاف ليرة لأذهب عند (الكوافير)، وبعد جدالٍ شديدٍ رماها بوجهي وهو يقول:
                              - سترين ماذا سأكتب على قبركِ حين تموتين؟
                              - اكتبْ (زوجة المرحوم أعلاه).
                              وانفجرْتُ ضاحكةً، فعض أسنانه من الغيظ وانصرف.
                              وهل يقدر على كيدنا؟

                              ------------

                              منافق:
                              ----


                              كل الرجال منافقون، مداهنون، ولتعلموا صدق قولي، اسمعوا :

                              كنَّا جالسيْن في الصالة نشاهد التلفاز وأصرَّ على متابعة قناة (طيور الجنة) ليغيظني، فقلت له:
                              - غداً سأذهب إلى السوق.
                              فقال شارد النظرة: - حسناً.
                              قلتُ : - وربَّما أسافر إلى القمر.
                              قال : - سفراً ميموناً.
                              صحت فيه: - أتفكر بامرأةٍ غيري؟
                              قال مبهوتاً : - أعوذ بالله وهل يتكرر الخطأ؟ ولكن لماذا؟
                              قالت : - لأنك منافق كلما أقول لك شيئاً توافقني عليه.
                              فانفجر في وجهي: - حيرتيني معكِ إن صدقتك بما تقولين كنت منافقاً وإن كذبتُكِ تقولين عني قليل أدب..
                              وترك الصالة!!
                              أرأيتم عذابي معه؟!

                              --------

                              الغلاء
                              ----


                              تعرفون موجة الغلاء الجديدة التي سات العالم كله.
                              كنتُ جالسةً مع زوجي العزيز حين عرضوا برنامج (حول العالم) وقال المذيع:
                              - ومن الغرائب عند بعض القبائل في إفريقيا أنَّ الرجل يقوم ببيع زوجته بعشرين ليرة فقط.
                              فصحت : - يا للهول!
                              وصاح أبو سعيد : - يا للفاجعة!!
                              قلت له: - وما المفجع في الأمر؟
                              قال : - تصوري الغلاء وصل عندهم أيضاً..

                              سحقاً لك يا أبا سعيد!

                              ----------

                              غرور :
                              ----


                              أردت مغازلته مرةً فقلت له:
                              - تصور حين أنظر المرآة أرى القمر أمامي.
                              نظر لي طويلاً، ولعله أدرك شحوبي لقلة مستحضرات المكياج عندي، ثم قال لي :
                              - لا بد لكِ من زيارة الدكتور (وليد عوينات).
                              قلت له : - ومن يكون؟
                              قال: - صديقي.
                              قلت بصبرٍ نافدٍ : - أعلم صديقك، ولكن ما تخصصه؟
                              قال : - طبيب عيون!
                              فهل يستحق أبو سعيد مغازلتي له؟

                              ----------

                              عنيد:
                              ---


                              قلت لأبي سعيد مرةً وقد أصر على عدم شراء بيت في (كسب) لنصيف فيه رغم أن سعره بخس قياساً على أسعار البيوت:
                              - يا لك من عنيد ولا تسمع نصيحة أحد؟
                              نظر لي طويلاً وقال : - احمدي ربك أنني لا أسمع نصائح الناس، وإلا ما تزوجتكِ أبداً !!
                              منطق الرجال أخرق دائماً .



                              تعليق


                              • #45
                                التشتوشية الحادية والأربعون :
                                إنفلونزا التشاتيش

                                سمعتم بإنفلونزا الطيور، وجنون البقر، وأخيراً إنفلونزا الخنازير، أبعدها الله عنَّا وعنكم،
                                ولكنَّكم لم تسمعوا بإنفلونزا التشاتيش!!


                                ----------------------

                                إنفلونزا التشاتيش:
                                عَرَضٌ اجتماعيٌّ نَفْسِيٌّ يصيبُ من كانت حالته كحالتي،
                                إذاً نستنتج أنَّه خاص بالرجال المقهورين من نير النساء المستبدات كأم سعيد، والتي لم تترك لي مجالاً لإثبات شخصيتِي.

                                معظمكم حمَّلنِي المسؤولية، ولكنَّكم لو رأيتموها، لأقسمتُمْ أنَّها تحلق شواربها وذقنها عند الحلاَّق (الحبق) في الصليبة.
                                فإذا كانت هذه صفاتُها الجسدية فلا تلوموني.
                                فما بالكم بصفاتِها الاستبدادية التي بذَّتْ (نيرون) و (فرعون) و (هتلر)؟!

                                صحيحٌ أنَّها لم تحرق روما كنيرون، أو قتلت أبناء بني إسرائيل كفرعون، أو بطشت بأهل أوربا كهتلر، لكنَّها فعلتْ أفظع من ذلك...

                                لقد أحرقتني نفسياً واجتماعياً فصرْتُ مسخرة الناس.
                                وقتلتْ فيَّ كل المشاعر العذبة والحلوة، وحرمتنِي من الخَلَف.
                                وبطشتْ بأهلي فصار يرهبون زيارتي.
                                نعم هي ذي سفَّاحة السفَّاحين الحيزبون أم سعيد.

                                --------------------

                                اعذروني لهذا الاستطراد فهو دائي في الكلام، ولكنَّه يظهر لكم معاناتي، ومتنفسي الوحيد لأظهر لكم شخصيتي!!

                                --------------------

                                بتُّ أراها مُوْلعةً بمتابعة قناة (الجزيرة) للأخبار - لا للأطفال يبدو أنَّها كبرت عليها - ولا يهمها الأخبار السياسية، بل كل التقارير التي تتحدث عن كل أنواع الإنفلونزا بدءاً من الرشح العادي وانتهاءً بإخوانِها الخنازير!!

                                وحين تفرغ الجزيرة تبحثُ عن قناةٍ إخباريةٍ أخرى تتحدث عن ذات الموضوع.

                                صباحاً تلتقف جرائد الوحدة وتشرين والبعث والثورة فقد تعاقدت مع طفلٍ صغيرٍ ليحضرها لها مقابل بقشيشٍ سخيٍّ - على حسابي طبعاً - وتبدأ في القراءة بشغفٍ عن الموضوع ذاته، ويستحوذ عليها اهتمامها بالقراءة بحيث تضع لقمة الخبز في كوب الشاي بدلاً من اللبنة، وتمسك بطاسة الزيت وترشفها على أنَّها شاي دون أن تدرك ذلك، وطبعاً العبد لله مستمتعٌ بما يراه من غبائها الذي ليس له حدود، فأتركها تفعل ذلك وأضحك في سري!

                                ---------

                                على الفطور ذات يومٍ وأنا أتناوله سعيداً فقد كفت عن الكلام منذ بدأت متابعة الموضوع إياه، وكنتُ شارداً أفكِّر إلى متى ستستمرُّ سعادتِي هذه، عندما خبطت بيدها التي تعادل يد (هالك : الرجل الأخضر) فطارت طاسة الزيت على ثيابي الجديدة التي سأذهب بِها إلى عملي، وانسكب الشاي على الطاولة وسال بسرعة على ساقي ليحرقها، فنهضْتُ ساخطاً وأنا أصيح:
                                - تباً لكِ!
                                نظرت لي نظزة ثورٍ في حلبة مصارعة الثيران وهو يستعد للانقضاض على المصارع، وخارتْ:
                                - نعمْ ... نعمْ ... ماذا تقول؟
                                قلتُ مرتبكاً: - لا شيء.
                                قالت بعنفٍ وهي تتأهب للوقوف ومصارعتي: ولمن قلْتَ :تباً.
                                قلْتُ: لطاسة الزيت يا روحي !!!!!
                                نظرت لي بقرفٍ، وقالت لي :
                                - حسبْتُكَ تخاطبنِي، اذهبْ وغيِّرْ ثيابك والحق بي إلى الصالون.
                                ونهضت تتركني في غيظي أغلي.

                                ------------------

                                قالتْ لي وهي متمددةٌ على الكنبة في الصالون فكان حجمها كالفيل الصغير:
                                - سنسافر إلى المكسيك.
                                تجمدْتُ في مكاني، فهذا آخر شيء توقعته منها، فقلْتُ مبهوتاً:
                                - المكسيك!!
                                قالت: نعم.
                                قلْتُ بدهشةٍ: أمتأكدةٌ أنتِ؟!
                                قالتْ: وهل مزحْتُ معك من قبل؟
                                قلْتُ : لماذا؟
                                قالتْ: لنزور ابنة بنت عم خال جد أبي التي هاجرت إلى المكسيك.
                                ثُّمَّ تهانفتْ في البكاء وجرى مخاطها من أنفها، وكظمْتُ غيظي من هذا التمساح الذي يبكي كذباً، ثمَّ مسحت مخاطها بكم يدها وقالت:
                                أخشى أن تكون إنفلونزا الخنازير قد أصابتها، فكما تعلم أنَّ المكسيك هي البلد الأول الذي ابتُلِي به.
                                قلْتُ: - ومن أين لكِ هذه القريبة التي لم أسمع بها من قبل؟!
                                قالت: هاجر أبوها من ستين سنة، وانقطعت أخبارهم.
                                قلْتُ بصبرٍ نافدٍ: بدلاً من تكاليف السفر اتصلي بِها واطمئني عليها.
                                صاحت: يا بني آدم أقول لك انقطعت أخبارهم.
                                قلْتُ بجرأةٍ: من ستين سنة ولم تعرفي شيئاً عنهم، والآن تريدين أن تتسقطي أخبارهم، وتسألين عن هذه القريبة!!
                                قالت وقد جلست في وضعية الإقعاء استعداداً للهجوم:
                                - سنسافر، يعني سنسافر..
                                تراجعْتُ إلى الباب الخارجي وفتحته وأنا أقول:
                                - نجوم الظهر أقرب لكِ.

                                ---------------------

                                (على ركاب الطائرة مكسيكو هوب هوب التوجه إلى البوابة رقم 4 )
                                ودَّعْتُ أم سعيد التي ترافقها أمها المريضة، حتّى غابتا عن عيني، فعدْتُ أدراجي إلى الباص لأركبه إلى الشام ثم اللاذقية.
                                تعلمون أنَّ لها الغلبة، وهكذا اشتريْتُ تذكرتي سفرٍ إلى المكسيك ولا يعلم إلا الله كما تداينْتُ لأشتريهما، ولمَّا عدْتُ إلى المنزلِ كانت البلدوزر المصابة برشحٍ شديدٍ عندها، ولمعت عيناها كبريق البرق حين رأت التذكرتين وجحظتا كعيني الجاحظ، ثمَّ أرعد صوتها قائلةً:
                                - أتسافرانِ بدوني؟!
                                عبثاً حاولنا إثناءَها - والشهادة لله أنَّ أم سعيد وللمرة الأولى كانت معي - ولكن من يقف في وجه البلدوزر، وهكذا سافرتا وحدهما، لأنَّني لا أملك سعر تذكرة ثالثةٍ، وادعت البلدوزر الفقر والعوز والفاقة حين طلبنا منها المال، فلم يبقَ لي مجالٌ.

                                ------------------

                                الحق أنَّ هذا الحل راق لي فالوحدةُ مطلبي بعيداً عن البلدوزر والحيزبون، وقد عدْتُ إلى المنزل بعد سفر عشر ساعات من الشام للاذقية، ولسوء حظي تعطل الباص، واستغرق إصلاحه ست ساعات، وما إن وصلْتُ إلى البيت حتَّى اغتسلْتُ، وتعشيْتُ، وجهزتُ أركيلة تنبك عجمي، وجلسْتُ بقرب الهاتف أنتظر مكالمتها، وبعد ساعات مللْتُ من الانتظار والقراءة في الجرائد، فقررْتُ أن أتسلى بالتلفاز.
                                وأول قناة طالعتنِي هي (الجزيرة) حيث كانت بسلامتها لا تتزحزحُ عنها، ولأول مرة أجد أخبار (جمال ريان) مذيع الجزيرة رائعة، وهو يقول:
                                - خبر عاجل، احتجزت السلطات المكسيكية امرأتيْنِ قادمتيْنِ من سوريا، فقد اعتقدت السلطات أنَّ الأم المصابة بالزكام مصابة بمرض إنفلونزا الخنازير، وحجزوا الابنة معهما.
                                ووضعوا صورتيهما فدخلْتُ في نوبة ضحكٍ متواصلةٍ لِما حلَّ بالبلدوزر بما كسبت يداها من شر أعمالها معي.

                                -----------------

                                حضر يوسف من فوره - وللعلم يدرك أنهما مسافرتان وإلا ما جرأ على الحضور - يستفسر عن الخبر، فابتسمْتُ وقلْتُ:
                                - كان الله في عون الخنازير !!!
                                وغرقنا في الضحك معاً
                                .



                                تعليق

                                يعمل...
                                X