إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فوت اضحاك مع يوميات تشتوش

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فوت اضحاك مع يوميات تشتوش

    حكايتي – بل حكاياتي - طويلة وكثيرة مع ذات العفاف والصون حرمنا، التي جعلت مني وللأسف الشديد أكبر تشتوشٍ في هذه الأنحاء، حتَّى أصبحت أسمع همس الناس الذين يقولون: "ها قد جاء أكبر تشتوش"
    ولا أدري هل كنْتُ السببَ فيما جرى لي، أم شخصيتها المتسلطة التي لا ترحم؟
    بعضكم سيلومني، وبعضكم سيعذرني، والبعض الآخر سيسخر مني، والرابع سيقول :" خسا الرجال" لو كنت مكانه لجعلته يرى الرجولة !!
    والخامس سيقول: " لو قطعت رأس القط من أول ليلة لما جرى لك ما جرى!!"

    على كل حالٍ لا تُكثروا من التكهنات فقط اسمعوا حكاياتي معها ثم َّ احكموا.




  • #2
    التشتوشية الأولى : في دارنا حماتي

    هرعْتُ إلى المنزلِ بعد عكٍّ في الباص الذي ينقلني من مركز عملي في الهيئة التي أعمل فيها في المشروع السابع، فإذا علمتم أنَّني أسكن آخر مشروع الصليبة، فستدركون بُعد المسافة،
    وبالطبع تدركون أنَّك ستنتظر الباص نصف ساعة ثُمَّ هو يسير بسرعةٍ تُضاهي سرعة سلحفاة متعبة تشكو من ألمٍ في ساقيها، أدركتم معاناتي اليومية في وسائل النقل من وإلى الوظيفة...
    المهم وصلْتُ إلى البيت الذي يقع في الطابق التاسع، بعد صعودٍ مضنٍ على السلم بسبب تعطل المصعد وسكَّان البناية يرفضون أن يدفعوا لتصليحه، ودخلْتُ وأنا أُمنِّي نفسي بِحمَّامٍ يُنعش خلايا جسدي المكدودة المرهقة إذ تفاجأت بسلامتها واقفة في الصالة تنظر لي شزراً :
    - لماذا تأخرت؟
    - ( بدهشة) : لِمَ السؤال؟
    - ( بنرفزة) لا تجب عن سؤالي بسؤالٍ.
    - ( أتنهد ) تعلمين المواصلات وغتاتها و ......
    - ( تقاطعني بضيق ) خلاص مليت من الأسطوانة المشروخة كل يوم ...
    توجهت إلى غرفة النوم لأبدل ثيابي فزأرت من خلفي :
    - أين تذهب ؟
    نظرْتُ لها بغيظٍ مكتومٍ : - لأتحمَّم وأبدِّل ثيابي .
    - اذهبْ واشترٍ بعض الخضار والفاكهة ..
    - انتظري للمساء ...
    -( بصوتٍ مرعبٍ ) بل الآن ....
    - ولكن ....
    - أنت تعلم أنَّ أمي ستأتي اليوم لزيارتنا فلا بدَّ من أن تذهب لشراء الأغراض ...
    من العرق الذي ينساب على رأسي ومن قهر المواصلات وعذاب زوجتي ومن تخيلي لنفسي صاعداً هابطاً للطابق التاسع صحْتُ مزمجراً :
    - لا لن أفعل ... ولن أذهب لا الآن ... وليس بعد قليلٍ .... سأرتاح اليوم في البيت ... حرام عليكِ تعبان جداً ... لن أذهب حتَّى ولو زارنا السيد جورج بوش بنفسه !!

    و بعد قليل
    ****************

    قال لي أبو محمد :
    - حسناً يا أستاذ كم كيلو موز تريد !!؟؟






    تعليق


    • #3
      التشوشية الثانية : الغسَّالة

      أطلَّت بسلامتها عليَّ منذ الصباح الباكر وأنا خارج من الحمَّام بعدما حلقْتُ ذقني استعداداً للذهاب إلى عملي، وتفاجأْتُ بِها تتثاءبُ وتفتح فمها كفم فرس النهر، فابتعدْتُ من تيار الهواء الداخل إلى فمها خشيةَ أن تبتلعني ،وما إن رأتنِي حتَّى ابتسمتْ إحدى ابتساماتها الغامضة التي تباري ابتسامات الثعلب المعسولــة.
      وقالت لي بصوتٍ متناعمٍ كنعومةِ الأفعى :" صباح الخير حبيبي " .

      فَبُهِتُ وكأنَّني أمام وزيرٍ أو أميرٍ، فحملقْتُ فيها متعجباً لثلاثة أمورٍ:
      الأول: عهدي بِها لا تستيقظ قبل الواحدة ظهراً فكيف فعلتها اليوم؟
      الثاني : ابتسامتها هذه وإن كانت خبيثة مخادعة، ولكنَّني منذ أنِ انتهى شهر العسل
      الذي لم أعد أذكره أبداً - لم أرها إلا عابسةً كعبوس أبي الهول، أو عبسي في مسلسل (عدنان ولينا).
      الثالث: قولها لي كلمة (حبيبي) وقدْ نسيتُ كلمات الحب والحنان منها ولم أعد أذكرْ إلا كلمة (يا تنبل .. لعمى شو حوبة ) ومثل هذا ..

      فقالت لي بعد دقيقةٍ: " ما بك تنظر لي كأنَّني قادمةٌ من المرِّيخ" .
      هززْتُ رأسي وقلْتُ لها : " لا ... لا شيء ... كنْتُ أفكِّرُ أنَّكِ غلَّبْتِ نفسكِ لتحضير الفطور " .
      فليس من عادتها أن تستيقظ باكراً لتحضير طعامي أو ثيابي من قبل فقط في شهر العسل فعلت هذا وما أقصره وبنفسي أن يجيبَني أحدكم : " ما هو شهر العسل؟ " .

      قالتْ لِي ببرودٍ وقد بدأ صوتها يخشن : " فطور !! نعم .. نعم .. أتريدني أن أستيقظ لأحضِّر لكَ الفطور !! " .
      قلْتُ بتردُّدٍ : " لا ... لا ... يا حياتي ... لم أقصدْ ... قصدْتُ أنَّكِ غلَّبْتِ نفسكِ بالاستيقاظ ولا أدري لماذا ؟ " .

      قالت كلمة واحدةً : " الغسَّالة " ...

      قفزت لذهني غسَّالة ( زيروات ) الآلية الجديدة التي اشتريناها من شهرٍ واحدٍ فقط فقلْتُ لها :
      " لا مشكلة ... اليوم أتصل بجماعة الصيانة وهم يصلحونها " ...
      قالت ببرودٍ أشدَّ : " أعرف فأنا لست جاهلةً " .
      قلْتُ بتوجسٍ : " إذاً ما المطلوب منِّي ؟ " .
      قالت : " أنت تعرف أنَّ التصليح سيستغرق أيَّاماً " .لم أردَّ بل نظرْتُ مستفهماً ..
      فتابعَتْ : " وعندنا غسيلٌ كثيرٌ " .
      وسكتتْ فقلْتُ : " أنتِ تعرفين أنَّنا دفعنا كل ما معنا لشراء الغسَّالة وليس معي فلوسٌ لأستأجر لكِ لفَّاية "

      ( اللفاية : المرأة التي تدور على البيوت لتعمل )


      قالت متلكئةً : " يداي تؤلماني ... "
      قلْتُ بتحدٍ : " نعم .... "
      قالتْ : " خذْ إجازةً عارضةً اليوم من عملك واغسل الثياب " ....

      تفجَّرتْ فيَّ كل معالم الرجولة وصحْتُ بصوتٍ كهدير الشلاَّل :
      " إلى هنا ويكفي ..... لا ..... كفى ذلاً وإهانةً " ...

      وهربتْ من وجهي كالفأر المذعور (جيري) يهرب من ( توم ) ...

      فنفشت صدري كطرزان في الأدغال وسعدْتُ بمنظر هروبها وصرخت من فرحتي ( آآآآآآآآآآآآآآآآآآآ ) وخبطْتُ على
      صدري مثل طرزان !!

      واسمحوا لي بعد إذن التشاتيش
      ( يا هيك الرجال يا بلا ) !!!

      =================================


      رنَّ جرس الهاتف فكان صديقي أبو سليم يسأل عني وعن سبب عدم قدومي، هل أنا مريضٌ
      كفى الله الشر ...

      قالتْ حرمنا المصون وهي تدهن يديها بـ ( النيفيا ) :
      " إنَّه في الشرفة ينشر الغسيل الملوَّن ... عندما يفرغ من الغسيل يكلمك " ..

      تعلمون أنَّ جيري في النهاية يغلب توم ... و .....

      شباب ليس عندي وقت ....

      اعذروني فالماء يغلي بالغسيل الأبيض ...

      عن إذنكم !!!




      تعليق


      • #4
        التشتوشية الثالثة : هواية

        لكل امرئٍ منا هوايةٌ يحب قضاء وقته فيها !!
        وبسلامتها كان لا بُدَّ لها من هوايةٍ ، ولأنَّها متقلبة
        الأهواء فقد كان لها في كل بضعة أيامٍ هوايةٌ مختلقةٌ،
        وآخر تقليعةٍ من تقليعاتها هي هوايتها الأخيرة التي
        أوشكت أن تنقلني فيها للعصفورية (مشفى المجانين) ..

        حدث ذلك في يوم الأربعاء – وبتُّ أشكُّ أنَّ لحرمنا
        المصون (شرشاً) حمصياً فمعظم ما تجود به قريحتها
        من أفكار مرعبة تكون في هذا اليوم – حيثُ عدْتُ
        إلى البيت وبعد حرب المواصلات وعناء تسلق الطابق
        التاسع وصلْتُ مكدوداً منهكاً ... وفتحْتُ الباب، وتفاجأْتُ
        بالصمت المطبق !! بيني وبينكم توقعْتُ أنَّها قد ذهبتْ
        لملاقاة أبيها .... وفرحْتُ جداً بهذا الخاطر، لكون أبيها
        قد سلَّم أمانته لله رب العالمين من حوالي خمس سنوات
        وذلك بسبب جبروت أمها الذي ورثته عنها ... والغريب
        أنَّ أباها توفي يوم الأربعاء، فتفاءلْتُ من أنَّ هذا اليوم
        هو يوم العائلة ..
        ومن باب أداء الواجب صرْتُ أناديها دونما فائدةٍ تُذكر
        فاطمأننْتُ – أو صُدْمتُ – بأنَّها غير موجودة إذن هي
        لم تسلِّمِ الأمانة بعدُ ....
        المهم وكأي إنسانٍ عاقلٍ هرعْتُ لأغتسل، ولم أجدْ أي
        طعامٍ يؤكل ، فتحاملْتُ في سبيل الراحة التي أنا فيها
        وقليْتُ بيضتينِ ......
        بعد الغداء استسلمْتُ لنومٍ لذيذٍ، وأبى النوم أن يتمِّمَ راحتي
        التي عشْتُ لحظاتها قبل النوم ، إذ بدأت الكوابيس ..
        فرأيتها بسلامتها واقفة في الصالة ترفع عقيرتها بصوتٍ
        كهدير (التراكتور) تنادي عليَّ ولكنَّ عقلي الباطن الذي
        يصوِّر لي المنام رفض الاستجابة لها، وصارت تسير
        نحو غرفة النوم تدمدمُ بقدميها الأرض وترعب الجيران
        الذين تحتنا ... ورأتني متمدداً في الفراش فصاحت بي :
        " واللهِ عال ... أناديك وأنت تتظاهر بالنوم ولا تردُّ عليَّ " .
        وتابع عقلي الباطن تطنيشه – إعراضه – عنها فصاحت:
        " قمْ من نومك يا خمخوم – كسول كثير النوم – وانظر مفاجأتي
        لكَ " ...
        ثمَّ رمت عليَّ شيئاً ناعماً خمشني في وجهي .... فاستيقظْتُ
        مرعوباً أتمتم : " بسم الله الرحمن الرحيم .... خير ... اللهمَّ اجعله
        خيراً " ...
        ووجدتها جالسةً على الكنبة في غرفة النوم تقول لي :
        " ما بك استيقظْتَ وأنت مخضوض – مرعوب – " .
        هممْتُ أن أحكي لها ما رأيته لولا أن وجدْتُ في جحرها شيئاً
        ناعماً كالفرو تمسحه بيدها فقلْتُ لها وأنا أشير له : " ما هذا ؟ " .
        قالتْ : " قطة " .
        قلْتُ غير مصدقٍ : " قطة !!! " .
        قالت : " نعم يا حبيبي فقد قررْتُ أن أعتني بهذا المخلوق
        المسكين .. " .
        ردَّدْت وراءها محملقاً بها : " مسكين !! "
        تابعت : " وجدته مكسور القدم عند برميل الزبالة ... "
        قلْتُ مندهشاً : " زبالة !! "
        تابعتْ : " المسكين كان لا يقوى على المسير وباقي القطط
        تناوئه وتناوشه وهو لا حيلة له بينها فأشفقْتُ عليه منها،
        فأخذته عند طبيب بيطري فعالجه، ثمَّ غسلته ونظفته " .
        ران عليَّ الصمت المطلق لهول الفاجعة، وظنت حرمنا المصون
        أنَّ صمتي علامة رضا حيث واصلت شرح الجوانب الإنسانية
        في رعاية الحيوان، ولا أعلم من أين اتسعت ثقافتها لتسرد لي
        تاريخ منظمة حقوق الحيوان .... حتَّى انفجرْتُ قائلاً :
        " لا بُدَّ من وجود منظمة لحماية حقوق الأزواج المقهورين ...
        لا يمكن أن أبيتَ أنا وهذا المخلوق القذر في بيتٍ واحدٍ ... " ..

        ***************************

        قلْتُ لأبي سعيد اللحام :
        " أريدُ نصف كيلو لحم ، وقليل من الجلاميط – بقايا اللحم والأمعاء – "
        قال أبو سعيد : " هل تربي قطاً لتطعمه الجلاميط ؟ " .
        ابتسمْتُ مقهوراً .... فاللحم لحرمنا المصون وقطها العزيز
        والجلاميط لعبد الله المسحوق تحت نير الزوجات المستبدات !!





        تعليق


        • #5
          التشتوشية الرابعة: رجيم

          لزوجتي منطق غريب في فهم الأشياء !!

          فلو قلْتً لها : - فلانة من الناس نالت درجة الدكتوراة في الأدب العربي ...
          انبرت حرمنا المصون تزأر في وجهي : - نعم ... نعم ... هل تقصد أنَّني جاهلة!!!
          ولو قلْتُ لها : - فلانة من الناس توفِّر من المصروف لتهنِّئ نفسها وزوجها في الإجازة، تقول لي بعدوانيتها التي اعتدت عليها : - يعني أنا مبذرة !!

          وهكذا ينعدم منطق الحوار بيننا فكل كلمةٍ أقولها، لها مئة بل مليون تفسيرٍ عندها.

          هذه المقدمة ابتدأْتُ بها لأحدثكم عن ذلك اليوم الي صعدْتُ فيه للطابق التاسع ظهيرة يومٍ من أيام شهر آب شديد الحرارة والرطوبة، وما بلغْتُ المنزل حتَّى جلسْْتُ ألهث وبشدةٍ وكاد الهواء ينقطع من صدري وازرقَّ لون وجهي ولأول مرةٍ في حياتي أراها بسلامتها تخشى عليَّ ... ربَّما تخشى على الراتب من بعدي ... والمهم أنَّها دفعتْني للذهاب إلى الطبيب عصراً ..
          ومن منطق فهمها المقلوب للأمور لما قال لي الطبيب : - أصبحَتْ سميناً أكثر من اللازم ويجب أن تعنيَ بنفسك !!

          فسرتها بقائمةٍ طويلةٍ من المنع والحرمان لكل أنواع اللحوم ومشتقاتها كالبيض مثلاً بداعٍ من أنَّ ذلك يؤدي لارتفاع الكوليسترول والضغط والسكري .... ولو وقف الأمر على ذلك لهان الأمر، بل تراها وقد فرشت أمامها حُمرَ النِّعم ونزلت تنهش بها كوحشٍ مفترسٍ لقيَ فريسته وأنا العبد لله على الطرف الآخر من الطاولة آكل شتَّى أنواع الأكل المسلوق الذي ينأى عنه الملح وخلافه، فكأنِّي آكل المرَّ والعلقم.

          وهكذا لم يقل لي الطبيب سوى أن أخفف كل شيءٍ من طعامٍ وشرابٍ، ولكنَّها فهمتها بالمعنَى القبيح، وتطور الأمر عندما أخبرتني أنَّها قررت أن تعني بصحتي عن طريق الرياضة، وصارت كل يومٍ تأخذني عنوةً إلى الكورنيش وتجلس على كرسي أمام شاطئ البحر وأنا أجري لمدة ساعةٍ كاملةٍ !!

          ولكنَّني أشهد لها أنَّها قد دفعتني لتحسين وضعي الصحي تحسناً كبيراً فقد ذاب كرشي، وتحسنت لياقتي ولم أعد ألهث عند صعود السلم، بل صرت أستمتع بالرياضة ولمَّا راجعْتُ الطبيب سُرَّ جدَّاً من تقدمي الكبير صحياً وطلب مني أن أخفف من عصبيتي وأكظم غيظي ليخفَّ ضغطي!!

          ***** ****** ******
          وبمرور الوقت شعرْتُ أنني إنسان آخر ... وما عدْتُ أبالي يزوجتي ولا بشجاراتها المتوالية بل كنت أبتسم وأصمت، وصارت تغضب أكثر لشرودي وصمتي أمام صراخها المتوالي ... وبدأ الفأر يلعب بعبِّها – كما يقول العوام – وصارتْ تنبشُ في جيوبي لعلها تعثر على ورقةٍ فيها حلٌّ لمشاكل العالم .... و .... عثرت على ورقةٍ اعتبرتها وثيقة إدانة ورمتني خارج البيت بسببها وصرْتُ أنام عند صديقي أبي العبد ...
          و تسألونني عن الورقة وماذا فيها؟ فيها :

          " يجب عليك الحضور في الساعة الخامسة .. فحضورك هام جداً .. حياتي متعلقة بك "

          فسرتها بالغرام والحب، ولكنَّ الواقع أنَّ الرسالة من المدير والحضور ضروري لحاجته لأوراقٍ مهمةٍ في مكتبي ولأنَّ المفتاح معي فحضوري مهم جداً ...
          ولكن من يقنعها فهي تفهم كعادتها بالمقلوب !!

          وأخذت أغراضي ورحلت من البيت سعيداً، وكان من المفروض أن أعودَ لأوضح لها سوء الفهم، ولكنني تأخرت عمداً بضعة أيامٍ لأرتاح منها ومن رياضتها المضنية ....

          عن إذنكم فأنا سألتهم الفروج الذي اشتريته من عند (بروستد أبو شنب) !!






          تعليق


          • #6
            هههههههههههه
            لك شو ها التشتوش ههههههه يخرب بيتووو
            حلووو متابعه معك روحي




            تعليق


            • #7
              تسلمي روحي الاحلى مرورك الزوء
              نورتي حياتي



              تعليق


              • #8
                التشتوشية الخامسة : ( في المصيف )


                بحمد الله لا أملك بيتاً في مصيفٍ.

                صحيحٌ أنَّ المصيف بهوائه العليل، وهدوئه العجيب، ومناظره الخلابة، ينعش الروح، ويريح الأعصاب ... ولكنَّني لا أظنُّ أن أعصابي تستحمل الراحة بوجود سلامتها معي، فنحن مثل البنزين والنار لا يجب أن يجتمعا معاً في مكانٍ واحدٍ وإلا اشتعلت نارٌ هويلةٌ أحرقتِ الأخضر واليابس.
                منذ يومين .. يوم الثلاثاء تحديداً أطلت علي من باب الشرفة حيث كنت جالساً أدخن الأركيلة فارتعبْتُ للحظةٍ لأنَّها قطعت انسجامي النفسي، وقالت لي بِحدَّةٍ :
                - ماذا بك ارتعدْتَ كأنَّك رأيْتَ غولاً؟!

                نظرْتُ لها محتاراً لأنَّني أعتقد أنَّ الغولَ ألطف منظراً، وأرق حاشيةً من حرمنا المصون، ولعلي أسمع بعضكم يتهامس بخبثٍ (لِمَ لا تطلقها وتريح نفسك منها بدلاً من أن تهلكَ آذاننا بأحاديث السخيفة المملة معها) مع أنَّني لا أظنَّ أحاديثي سخيفةً ولكن يجب أن تعلموا أنَّ هذه الوحش – حرمنا – وأمها التي لا تقلُّ فتكاً عن ديناصورٍ آكلٍ للحومٍ جعلتاني أكتب لها مؤخر مهرٍ يبلغ ثلاث ملايين ليرة سورية عداً ونقداً، ومن أين سأدفع لها المؤخر إذا كانت جيبي – بسببها - لا تحتوي أكثر من خمسين ليرةً !!

                قاطعت استرسالي : - لم تجبْنِي ؟
                قلْتُ : - ماذا؟
                قالتْ : - هل تحسبني غولاً ؟
                قلْتُ مداهناً : أنتِ !! أنتِ عندي أجمل من هيلانة !!!
                قالتْ صارخةً : - أنا أجمل من ( ميلانة ) !!
                والميلانة في اللاذقية حب الحمص وهو أخضر طيبٌ جداً لا كحرمنا المُرَّة !!
                قلْتُ لها بسرعةٍ : _ هيلانة ... يا حبيبتي ... هيلانة بالهاء !!
                قالتْ : ومن هيلانة هذه ؟ هل تعمل معكم وأنت .....
                قاطعْتها متضايقاً من جهلها : - هيلانة امرأة أسطورية غير موجودة حقيقةً يُضرب بها المثل في جمالها ...

                قالت ولم تفهم شيئاً كعادتها : - هيلانة وأمثال !! .. ما لنا ومال الناس ... خلينا في حالنا ... المهم يا حبيبي ...

                وسكتتْ ... وأنا بصراحةٍ كما قلْتُ لكم عندما تستخدم معي كلمة ( حبيبي ) أشعر بمصيبةٍ كبرى ستأتيني من قِبلها !!

                تابعتْ : - أختي نغم ...

                تقافزت إلى ذهني صورة أختها سليطة اللسان التي لا تهدأ من زرع الفتن والمشاكل بين من تعرف ومن لا تعرف، وهي من تسبَّبتْ بوفاة زوجها في سن الأربعين بعدما عانى من أمراض السكري والضغط والقلب وانتهاءً بفشلٍ كلويٍّ، لكثرة ما كانت كالذبابة التي تحوم حولك ولا تتركك إلا في أقصى حالات العصبية من كثرة طنينها، المسكين عانى حياةً – بلا مؤاخذة منكم – الكلب لا يرضى بِها !!

                قالتْ حرمنا : - اتصلتْ بي .... (( تقصد نغم )) ..

                وقفْتُ على قدميَّ وأنا ألفُّ خرطوم – مربيج عند العوام – الأركيلة استعداداً للذهاب .. فقالت مستغربةً :
                - أين ستذهب ؟

                قلْتُ لها : ألم تقولي بأنَّ أختكِ نغم قادمة .. فسأترككما ليخلو لكما الجو، و ....
                قاطعتْني فهي تعلم أنَّني لا أطيق أحداً من أهلها وبالذات أختها الحرباء هذه لأنَّ نصف مشاكلنا بسببها والنصف الثاني من البلدوزر الأكبر أمها : - لن تجيء إلينا ...
                قلْتُ : - الحمد لله ..
                زأرتْ حرمنا : - نعم ... نعم ... ماذا تقول ؟
                تلعثمْتُ : - أقول ... الحمد لله ... أنَّها اتصلت ... فقد أوحشتنا ...
                رمقتني بعين صقرٍ يقول لي كلمةً واحدةً – منافق – وواصلتْ :
                - لا أدري لماذا لا تحب نغم التي تعزك وتجلك كالمرحوم زوجها ... ؟!!!

                تخاذلتْ ساقاي لبشاعة التشبيه فجلسْتُ وأنا أنظر لحرمنا متظاهراً بالاهتمام ، فقالتْ :
                - نغم تدعونا لنستجمَّ ونرتاح في مصيف (سلمى) معها نهاية الأسبوع ..
                تخيلتُ نفسي بين هاتين النَّمرتينِ وحيداً في مكانٍ بعيدٍ عن الإنس والجن – فالجن تفر من زوجتي وأختها – فقلْتُ لها :
                - هذا الأسبوع مشغولٌ .... و بالتأكيد سنفعل في وقتٍ لاحقٍ ..

                **********************************
                كنْتُ أصبُّ أواني الماء في الخزان على السطح وأجفف عرقي فهذه هي المرة العاشرة التي أغدو وأروح فيها من وإلى النبع في المصيف حيث مواسير الماء والحنفيات التي ركبتها البلدية لا تعمل إلا خلال الشتاء عندما لا يكون هناك مصطافين، وعندما يبدأ موسم الصيف تنقطع المياه ويتركون المصطافين في عناء نقل الماء وقد صرَّح مدير مياه المنطقة مبتسماً ( نحن نفعل ذلك لإحياء حركة الرياضة وتخفيف الأزمات القلبية على المصطافين لأنهم بحمل الماء يبذلون الرياضة والجهد الذي ينفع أجسادهم المتعبة من هواء المدينة ) ....وليسمح لي مدير المياه فحرمنا تنادينا من تحت :
                - هلِ انتهيتْ ؟
                صحْتُ : - انتهيْتُ من عشر نقلات وامتلأ نصف الخزان باقي عشر نقلات ...
                صاحتْ : - يا لكَ من كسولٍ أسرعْ ... فتنظيف البيت ما زال في أوله !!
                ألم أقل لكم أنني لا أحبُّ المصيف .. فالناس ترتاح به إلا العبد لله فالمصيف شقاءٌ وتعبٌ له !!



                تعليق


                • #9
                  التشتوشية السادسة : الغناء !!


                  آخر تقاليع حرمنا المصون استماعها للأغاني!
                  تقولون لي : " وماذا في هذا ؟ كل الناس تسمع الأغاني ألم يبق غير زوجتك".
                  أقول :" نعم ... ولكن تابعوا الغرابة في الموضوع " ..

                  **** **** ****

                  كان الوقْتُ عصراً عندما استيقظْتُ هلعاً من ارتجاج الجدران في غرفة نومي ،
                  فحسبْتُ زلزال (تسونامي) قد رمى بذيوله على اللاذقية، أو أنَّ القيامة أتت، فقفزت
                  من فراشي كالملدوغ لأفرَّ إلى الشارع وأنا أتمتم بالشهادتين وأستغفر ربي ...
                  إذ وجدتها في الصالة في منظرٍ لا يقلُّ هولاً عن أهوال زلزال (تسونامي).

                  كانت بسلامتها جالسةً أمام (الستيريو) الذي اشتريناه من سوق الجمعة وانخدعنا به
                  فهو جميل المنظر بلونه الأسود وضخم يوحي بالفخامة، وقد باعنا إياه الرجل على أنَّه
                  ماركة (سانيو) ياباني أصلي ولم يرضَ أن يتزحزح عن عشرين الألف ليرةً ولا قرشاً،
                  وهو يغلظ الأيمان بجودته وأصالة صناعته، وعندما رجعنا المنزل وبدأنا بتشغيله لاحظت
                  أنَّ الورقة التي كتب عليها (made in jaban) قد نزعت لنتبين تحتها (made in chaina)
                  أي صنع في الصين لا في اليابان، وبسؤال أهل الخبرة تبين أنَّ سعر التقليد لا يعدو ألفي ليرة
                  وحسب، وعدنا كالمجانين في الأسبوع التالي يوم الجمعة لاسترداد مالنا المفقود دون فائدة..
                  وكعادتها ألقت اللوم عليَّ من أنَّني (غشيم) لا يفقه من أمور الدنيا شيئاً، وتمادت في اللوم فقلت لها :
                  " ألم تكوني معي، فلماذا لم تكتشفي بفهلوتكِ وعبقريتكِ أنها صينية لا يابانية ".
                  قالت ببجاحتها: " أنت الرجل لا أنا !! "
                  نظرْتُ آنذاك إلى الزغب المتكاثر فوق شفتيها وتمتمْتُ : "أشكُّ في هذا " ..
                  فصاحتْ كالذئب في الليالي المقمرة :" نعم ... نعم ... ماذا تقول ؟"
                  قلْتُ متلعثماً : " معكِ حقٌّ ... كان يجب أن أتنبه للخدعة " .

                  **** **** ****

                  عودٌ على بدءٍ ...
                  حيث كانت جالسةً أمام الستيريو، وتخيل المشهد معي :
                  شعرها المنكوش – وهي للعلم شعرها خشن كليف الجلي ومكزبر – وفوق أذنيها سماعات الأذن
                  كالتي يضعها المذيعون على رؤوسهم – ولا أدري من أين جاءت به – وتمسك بيدها مكرفوناً
                  ضخماً كأنَّه عصا الغسيل التي كانت تستخدمها أمي وجدَّتي لقلب الغسيل في البرميل على النار،
                  وهي ترفع بصوتٍ نشازٍ مرعبٍ : " لمَّا بسمع صوتك بنسى كل اللي بدي قولوا ".
                  وفعلاً لما سمعت صوتها وقفت مبهوتاً ممقوتاً مرعوباً ونسيت ما سأقول، إذاً هي سبب الزلزلة
                  في المنزل، ولو سمعتم صوتها لتذكرتم (أبو صابر) مع الاعتذار لأبي صابر من هذا التشبيه
                  الجائر، وأعتقد أنَّ الأستاذ مصطفى يوزباشي لو سمع حرمنا المصون تشوِّه أغانيه بهذه الطريقة
                  لرفع دعوى عليها في أروقة القضاء، أو لتمنَّى أنَّه لم يغنِّها أبداً.

                  وبحاستها السادسة بل السابعة ورغم ارتفاع صوت الستيريو أحست بي أقف في آخر الممر الطويل
                  فأوقفت الأصوات المنكرة، واستدارت لي قائلةً بدلالٍ يذكِّرك برقة النمر مع الغزال قبل أن ينهشه:
                  " ما رأيك ؟ "
                  تظاهرْتُ بعدم الفهم :"قلْتُ لكِ انخدعنا بالستيريو و ..... "
                  زأرتْ: " من جاء بسيرة الستيرو .. أنا أسألك عن صوتي " .
                  قلْتُ متلعثماً : " صوتك هو هو .. اعتدْت عليه .. "
                  قاطعتني : " أقصد صوتي الغنائي " .
                  بدأْتُ أتوجس خيفةً فقلت : " في الحقيقة ... غير طبيعي " .
                  هبَّت واقفةً منتفشة الشعر – رغم انتفاشه أصلاً – والشرر يتطاير من عينيها :
                  " صوتي غير طبيعي ... أنا ... أنا "
                  وبدأْتْ تردد كلمة (أنا) وهي تدنو مني وأنا أتراجع خائفاً وقبل أن أبلغ غرفة النوم وأغلق الباب
                  خلفي انقضت عليَّ تخنقني بيديها وهي تقول :
                  "أنا صوتي قبيح " .
                  وانحبس صوتي في حلقي وأوشكت على الهلاك، وأيقنت بقرب لقاء جدي الذي سبقني للدار الآخرة،
                  وتشاهدت، وفجأةً رنَّ جوَّالها بشكلٍ استثنائيٍّ لينقذني فتراخت قبضتاها عن رقبتي وبدأْتُ أعبُّ الهواءعبًّا شاعراً بجمال الحياة، لأول مرة أعرف أنَّ قبضتيها تضاهيان قبضتي (تايسون) ..
                  وعندما تمالكْتُ قواي قرَّرْتُ الانسحاب لغرفة النوم قبل أن تعاود هجومها ولكنَّها جاءت ضاحكةً
                  وقالت : " أبشرْ يا حبيبي " .
                  توقَّفتُ عن الانسحاب الذي بدأته، فكلمة (حبيبي) كما قلت لكم سابقاً لها وقع سلبيٌّ عندي،
                  تابعتْ : " بارك لي ... فقد رضي المنتج المشهور (شلفون الشلفيني) أن يصدر لي شريطاً غنائياً".
                  اسودَّتِ الدنيا في عينيَّ وأنا أتخيلها وقد وقفت أمام الناس شبه عاريةٍ تتمايل وتتغنج أمامهم ...
                  وانفجرْتُ صائحاً : " تجاوزْتِ كل الحدود .. لن أرضى بهذا ولو على جثَّتي " .
                  جاء دورها لتفرُّ كالفأر من أمامي إلى غرفتها ..
                  جلسْتُ في الصالة بعدما حطَّمْتُ الستيريو وأنا أستشيط غضباً ..


                  ***** ****** *****

                  ولأنَّ هذا الزمان زمان التافهين فقد غزت حرمنا المصون الأسواق التسجيلية وتكاثرت دعاياتها وإعلاناتها في كل مكانٍ ... في التلفاز والراديو والجرائد بل حتَّى في الشوارع على الجدران، وربَّما في البلاليع أيضاً، ولماذا في البلاليع لأنَّها اشتُهرت بأغنية :

                  " بحبك يا صرصور ...
                  ولو عشتِ في الكور ...
                  ولعلمك يا صرصور ...
                  أنا بزعل لما واحد يرشك بالعطور ".


                  ولعلَّ مؤلف الأغنية يقصد بالعطور ( بف باف ).

                  والمدهش تحول شكلها بالمكياج إلى شبيهة بريجيت باردو فقد تحول شعرها المكزبر إلى شعر سابل، ومن خشنٍ إلى ناعمٍ، ومن أسودٍ إلى أصفر، وشفتاها الضخمتان اللتان تشبهان شفاه الغوريلا أصبحتا ناعمتين، و بالمحصلة أنا نفسي لم أعد أعرفها ...

                  رغم اعتراضي الشديد على أن تكون حرمنا في الحركة الفنية لعلمي بما يجري من سلوكيات سيئة في هذه الأوساط فقد شقت طريقها، وتقولون لي ... ما الذي فعلته ؟
                  بالتأكيد تحركت بي النخوة والشهامة والرجولة ....
                  و .......
                  أتاني صوتها : " تعال يا فيفي لنتدرب !! " ..
                  وفيفي اسم الدلع الجديد الذي سمتني إياها الفنانة ( فشفوشة المغنواتية ) – الاسم الفني لحرمنا – و ...

                  تسألونني ماذا فعلت مع حرمنا ؟
                  صرْتُ طبَّالاً في فرقتها براتبٍ يبلغ عشرة أضعاف راتبي في الوظيفة ....
                  و .... سلمولي عالأخلاق ...
                  عن إذنكم .. سأحمل الطبلة لألحق بالفنانة فشفوشة .. فنحن نجهز لأغنيتنا الجديدة ..

                  ( طبِّل ياطبَّال ...
                  واضحكلي عالرجَّال ..
                  قال تشتوش قال
                  هادا زمان المال ) !!



                  تعليق


                  • #10
                    التشتوشية السابعة : الصفعة



                    أجدادنا قالوا : " بعد ما شاب أخذوه على الكُـتَّاب ".

                    والقصد من هذا المثل أنَّ الإنسان عندما يكبر في السن ويريد البدء بشيءٍ لا يناسبه
                    فمن الصعب الابتداء من جديد!!
                    بسلامتها هذه الأيام هادئة ...
                    نعم صدِّقوا ... أو لا تصدِّقوا !!
                    بعد سنين طويلة من زواجنا – وأنا لا أذكر متى تزوجنا ربَّما في عام النكسة أو قبله في عام النكبة أو أي عام من أعوام المآسي على العرب – أشعر بالهدوء العام في البيت ..صرْتُ أدخل وأخرج دون أن أشعر بِها ...
                    وبدأت الراحة النفسية تتسلَّل إلى أعصابي المكدودة معها !!
                    ولم تعد تثير المشاكل والقلاقل ولا حتَّى الفلافل،
                    صارتْ دودة كتبٍ بِمعنَى الكلمة ...

                    كلَّما دخلْتُ عليها وجدْتُها تحمل كتاباً تقرأ فيهِ، وفي البداية ظننْتُها تقرأ في مجلة ( مجلة ميكي) لعلمي التام بجهلها وضحالة ثقافتها !!
                    وذات مرةٍ تطاولْتُ لأقرأ عنوان الكتاب الذي تقرؤه وقد تركته على الطاولة فتفاجأتُ بعنوانه : " دراسات في علم النفس "، وأدركْتُ أنَّ الموضوع جادٌّ، وأنَّ حرمنا قدِ
                    اهتدت للثقافة الحقيقية التي تنفعها في دنياها وأُخراها..

                    وحقيقةً أضحكني منظرها بالنظارة السميكة التي تشبه تلك النظَّارة التي كان يرتديها "أبو سعيد الصريماتي " - رحمه الله - والذي كان يصلِّح الأحذية – أعزكم الله –أمام قوس النصر في الصليبة ..
                    وبدأت أستمتع بانشغالها وباستعادة سلامتي النفسية وأوقن بالمقولة المأثورة :

                    " العلم نورٌ "
                    و " خير جليس في الزمان كتاب "


                    وشرعْتُ أفكر في تقديم الشكر لكل المثقفين رسمياً، لأنَّ كتبهم استطاعت أن تشغل حرمنا عن مضايقة العبد لله.
                    ولكنَّ دوام الحال من المحال ...
                    وكنْتُ أعرف أنَّ هذا هو الهدوء الذي يسبق العاصفة ...
                    كنْتُ جالساً في الشرفة أدخن الأركيلة - تنبك عجمي – عندما وقفت بقامتها الضخمة تسد باب الشرفة وتقول لي بلهجةٍ حافةٍ :
                    " أريد خمسين ألف ليرة " ...
                    غصصْتُ بالدخان وسعلْتُ حتَّى احمرَّ وجهي .. وظلَّت تنظر لي في ثباتٍ حتَّى ارتحْتُ فقلْتُ لها : " خمسين ليرةً " .
                    قالتْ : " بل خمسين ألف !! " .
                    عاودْتُ السعالَ بشكلٍ أشدّ مِمَّا سعلْتُ قبل لحظاتٍ، ولمَّا هدأْتُ ..
                    قالتْ لي : " ما بك ؟ كل هذا لأجل حفنة نقود !! " .
                    قلْتُ : " ولِمَ ؟ "
                    قالتْ : " أريد التسجيل في جامعة ( الشنفرى ) لأتابع دراستي " .
                    لم أناقشها في الطريقة التي استطاعت إقناعهم بصغر سنها، ولا من أين جاءت بشهادة (البكالوريا)
                    التي سيسجلونها بها؟ ولا بالاسم الغريب الذي سمَّوا به جامعتهم وإن كان يناسبها - زوجتي لا الجامعة فشكلها كالشنفرى - فعلاً، بل قلْتُ لها :
                    " من أين سآتيكِ بالنقود ؟ "
                    قالت ببرودٍ : " لا أعلم .. أنت مسؤولٌ عني " .
                    الآن أنا مسؤولٌ عنها!!
                    عندما كانتْ تهزُّ بدني، وتسمِّم حياتي، لم تهتمَّ بأنِّي مسؤولٌ عنها آنذاك ... المهم أنَّني فكَّرْتُ في الراحة التي عشتُها الأيام السابقة، وصوَّر لي خيالي أنَّ هذه الراحة التي مررْتُ بها في الأيام السالفة ستستمرُّ ... ولذا ضحَّيْتُ مادياً لأرتاح نفسياً ... وأنا أدعو على الجامعات الخاصة وأسعارهم المرعبة ...
                    أمَّنْتُ لها المال اللازم وسجَّلتها لأرتاح ...

                    ولكنْ !!
                    وآه مما بعد (لكن) هذه!!


                    بدأت بسلامتها الدراسة على نظام الساعات أو المادة، وصوَّر لها خيالها المريض أنَّها أسرع حفظاً من الشافعي والبخاري والمتنبي ... والمشكلة أنَّني لأول مرة أعلم أنَّها لا تستطيع الحفظ إلا بصوتٍ عالٍ، ولمن لم يقرأ مأساتي معها في (تشتوشية الغناء ) فإنَّ لها صوتٌ يضاهي (أبو صابر) في جماله وعلوِّهَ ..
                    وبدأ صوتها وصداه يملأ أرجاء الدار وجفاني النوم، ولأنَّها تنام حتَّى الواحدة ظهراً، فهي لا تبدأ بالدراسة إلا في الساعة الثانية بعد الظهر ... وقت قيلولتي !! وكذلك تسهر ليلاً حتَّى الرابعة فجراً بزعم أنَّها تدرس، ولو فكَّرْتُ في مناوئتها أو طلب تخفيف صوتها عزفت لي أسطوانة (أنت تكرهني .. وتكره نجاحي ... ).
                    فأسكُت على مضضٍ، ولكنَّ أعصابي لم تعد تحتمل ..
                    وصرْتُ أذهب لعملي متعباً ..
                    ولاحظ زملائي أنَّني بتُّ شبه مريضٍ، فقال لي صديقي صبري :
                    " الخطأ خطؤك ... فأنت لم تقطع رأس القط .. "
                    ويعود ليهمس لي : " يجب أن تكون صارماً معها " ..
                    ولعلَّكم تتذكرون عادل إمام في مسرحية (شاهد ما شفش حاجة) عندما يقول للشرطي :
                    "ما تسكتلوش يا حسين .. أول ما يجي إديلوا " .
                    وظلَّ صبري يزنُّ على رأسي حتَّى قرَّرْتُ وضع حدٍّ لتلك الحيزبون المتصابية كأنَّها طالبة في الجامعة،
                    ولذلك ما إن بدأ زئيرها يعلو وهي تحفظ في بهو البيت، حتَّى وقفْتُ أمامها قائلاً بحزمٍ :
                    " لا أريد أن أسمع صوتك أبداً "
                    نفشت شعرها وكشَّرت عن أنيابها وأبرزت أظافرها – مخالبها وقالت بوقاحتها المعهودة :
                    " نعم ... نعم ... أريد أن أدرس .. افرنقع من أمامي " .
                    حين قالت ذلك غضبْتُ،
                    ثُمَّ رفعْتُ يدي وأهويْتُ على خدِّها بصفعةٍ من قلبٍ محروقٍ
                    أودعتُها غيظ السنين المنصرمة !!
                    ولأول مرةٍ رأيْتُ الدهشة مرتسمة على وجهها ...
                    ونفخْـتُ صدري لإثبات رجولتي أمامها وعقدْتُ ساعديَّ على صدري .. وقلْتُ لها :
                    " اسمعي من الآن فصاعداً ... أنا الرجل هنا ... ولا أريد أي صوتٍ في منزلي " .
                    ظلَّت تحملق بي في هلعٍ ..
                    **** ***** *****
                    ناديْتُ على صبري وأنا على السطح :
                    " هات معك (نارة) لنضعها على الأركيلة " .
                    طبعاً نسيْتُ أن أقول لكم وبسبب مشورته عليَّ التي جعلت حرمنا تطردني من منزلي أو
                    منزلها على قولها ... رضي صبري أن أقيم عنده حيث توجد غرفة فارغة على سطح منزله .
                    حتَّى تجيء حرمنا لمصالحتي ...
                    أو إلى إشعارٍ آخر !!



                    تعليق


                    • #11
                      التشتوشية الثامنة : كرويات



                      بدأت بسلامتها في الآونة الأخيرة تتابع بطولة أوربا 2008 وبشكلٍ عجيبٍ
                      أكثر مني شخصياً ..


                      قبل بدء أي مباراة تكون قد جهزت البزورات والمندرين بالحجم العائلي ،
                      ومن تقاليعها الغريبة أن تلبس ثياب الفريق الذي تشجعه، وتخيلوا منظرها
                      وهي في حجم الفيل وتلبس البلوزة والشورت ..
                      والويل كل الويل لمن يقاطعها خلال المباراة، حتَّى إنَّها لا تُجيب على هاتف أمها
                      لو اتصلت بها خلال المباراة ...

                      ووجدتها فرصة لأجلس في الشرفة وأشرب فنجان قهوة و(نَفَس أركيلة) خلال المباراة،
                      ورغم كوني من محبي الرياضة وخاصةً كرة القدم، وبالذات القدم الأوربية التي أعتبرها
                      أرقى من بقية كرة العالم، ولكنَّها فرصةٌ لأتنفس بعيداً عنها .. ولو سجَّل فريقها هدفاً فإنَّها
                      تملأ الدنيا صراخاً يعدل صراخ فيلٍ متألمٍ، ترتج له جدران البناية..


                      وذات مرةٍ شكا جارنا (أبو النور) الساكن تحتنا من ضوضائها وجلبتها حتَّى ما بعد
                      الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل، وهو رجلٌ يستيقظ باكراً ليذهب لعمله، فقلْتُ
                      له : " إنَّك تعلم أنَّها مؤذية ولا أجرؤ على مخاطبتها في هذا الموضوع فافعل أنت فلربَّما
                      تحترمك لأنَّك جارها".
                      وصدَّق المسكين وذهب إليها وأنَّبني ضميري لأنَّني كنْتُ كمن يلقي بقطعةِ لحمٍ لنمرٍ ضارٍ
                      جائعٍ .. ولحقْتُ بهِ لأرده عنها وقبل أن أدركه عند الباب كان قد عاد مذعوراً وهو يقول لي :
                      " أعوذ بالله ... ما هذه المرأة إنها وحش أعانك الله عليها يا أخي ؟ " .
                      المسكين بدأ يعذرني على بليتي ..

                      وبدا لها أنَّ راحتي لم تعد تروق لها، وجلستْ تقدح زناد فكرها كيف ستقلق راحتي؟
                      وبالفعل بدأت تنظر لي شزراً لو خسر فريقها وكأنَّني المتهم الوحيد بخسارته..
                      بل اتهمتني صراحةً أنني سبب خسارة فرنسا أمام هولندا برباعيةٍ ثقيلةٍ ..
                      فقلْتُ لها : " لكنَّني لا أحب الهولنديين .. ولا جبنهم ولا حليبهم ... "
                      قالتْ : " بل تحبهم وأنت سبب خسارة فرنسا " .
                      الله يخرب بيت ميشيل بلاتيني ومنتخبه وبرج إيفل .. فقلت لها : " وكيف ؟ " .
                      قالت لي : " كنت تدعو في سرك أن يخسر منتخب فرنسا ؟ " ..
                      وهكذا تخلق للمشكلة ألف سببٍ غير حقيقيٍّ ..
                      رغم أنَّني سعيدٌ لخسارة فريقها، فكلُّ ما يغيظها يسعدني .

                      ******* ******* ******* *******

                      رغبتها في احتراف كرة القدم مثل رونالدو آخر صرعاتها رغم أنَّني لم أجد علاقةً
                      بين رونالدو وكأس أوربا من جهة وبين رونالدو وزوجتي من جهةٍ أخرى سوى أنَّ
                      كليهما – رونالدو وزوجتي قبيح وسنهما من الأمام مفتوح (كشرة باللاذقانية)..
                      وبعد اعتراضٍ شديد اللهجة منِّي وشدٍّ وجذبٍ، وأنا أجادلها بأنَّ قوامها الفيلي (نسبةً
                      إلى الفيل) لا يناسب لاعبة كرة قدم..


                      المهم وكالعادة غصباً عنِّي التحقت بمدرسة لتعليم الكرة للسيدات، وتبيَّن لي أنَّني كنْتُ
                      مخطئاً عندما عارضْتُ مسألة لعبها كرة القدم، فقد انشغلت بسلامتها بالتمارين طيلة
                      الفترة بعد الظهر، وبدأْتُ أنام براحتي وأجلس وحدي في الشرفة مرتاحاً، وأتابع التلفاز
                      وأزور أصحابي ....

                      ثُمَّ ...
                      جاءتني بعد شهر وسلَّمتني تذكرة لحضور مباراتها الأولى بكرة القدم، بين فريقها وفريق
                      آنسات منتخب قبرص، ولا أدري لماذا تذكرْتُ المقولة التي اشتهرت في اللاذقية (حمار
                      قبرصي)؟!

                      حاولْتُ التهرُّبَ من الحضور ولكنَّها أصرَّت كإصرار النملة على حمل حبة قمحٍ تسقط منها
                      كلَّ حينٍ ولكنَّها تُصرُّ على حملها..


                      **** **** **** **** ****

                      في اليوم الموعود ...
                      رأيْتُ حشداً كبيراً من الجماهير، واستغربْتُ !!
                      وما إنْ جلسْتُ على المدرجات حتَّى على الدم في عروقي من التعليقات،

                      - " شوف هذه ذات الشعر الطويل " .
                      - " يا سلام على هالقوام الجميل "
                      - " صلِّي عالنبي ... شو هالحلاوة " ..

                      وكيف لك أن تتخيل نملةً تعبر الملعب من أوله إلى آخره، هذا حال فريق حرمنا المصون في سرعته، أمَّا لاعبات قبرص المسترجلات فقد بتُّ أشكُّ من أنَّهنَّ رجال متنكرات بثياب نساءٍ، فقد كنَّ يركضْنَ
                      بسرعةٍ يحسدهم عليها الرجال، وتتالت الأهداف القبرصية ... وشمتُّ بها لأنَّها لم تسمع كلمتي،

                      ولكن تطورت الأمور بشكلٍ غير متوقعٍ ..
                      إذِ انبرى أحد الجماهير يسب حرمنا التي أضاعت كرةً سهلةً أمام المرمى، ولم أتمالك نفسي
                      فبادلته الشتائم، والتحمنا في عراكٍ شديدٍ، وما إنْ عرف الجمهور أنَّ حرمنا هي أسوأ اللاعبات
                      حتَّى تكالبوا عليَّ كالذئاب الجوعى على جيفةٍ هلْكَى ..

                      **** **** **** **** ****

                      في المشفى الوطني وأنا بين الأربطة دخلت عليَّ بسلامتها وتوقعْتُ أن تشكرني على حسن دفاعي
                      عنها ... وتفاجأْتُ بِها تقول لي :
                      " أيُّها الأحمق أفسدتَ سمعتي بين جماهيري العريضة " .
                      نظرْتُ لها عاجزاً عن الكلام لربط حنكي بالأربطة والضمادات ..


                      سبحان الله جماهيرها العريضة !!
                      الجماهير التي رحمتني ولم تقتلني بسببها حين علموا أنِّي زوجها ..
                      وقفزتْ لذهني من جديد مقولة : " حمير قبرص " .
                      ولعلَّه هو جمهورها ..



                      تعليق


                      • #12

                        التشتوشية التاسعة : فافي .. فيفي .. نغنوغة

                        تطوف في بالي هذه الأيام تلك الحكاية التي قرأتها قديماً :
                        وجد ذئبٌ جائعٌ حملاً صغيراً يشرب من ينبوع الماء ..
                        فناداه الذئب : "كيف تجرؤ على تلويث الماء الذي أشرب منه؟ "
                        قال الحمل : "اذا كان الماء ينبع من الأعلى، فكيف أكون السبب في تلويثه
                        إن كان يأتي من الأعلى حيث أنا بالقرب منك إلى الأسفل ".
                        قال الذئب: " سمعتك تسبني قبل شهرٍ " .
                        قال الحمل : " لكنَّني لم أكن قد خُلقْتُ بعدُ " .
                        قال الذئب : " إذن هو والدك " ..
                        قال الحمل : " ولكنَّ والدي ذُبح في العيد من ثمانية أشهر عندما حبلت أمي بي ".
                        قفز الذئب على الحمل ليأكله قائلاً :" مهما بلغت حججك فسآكلك لأنني جائع " .

                        ****** ******* ****** ******

                        على هذا المنوال حرمنا تعاملنِي كأنَّني الحمل الغلبان المسكين وهي الذئب،
                        وستخلق لي أيَّ حجةٍ لتغلبني في أيِّ موضوعٍ بيننا ..

                        فمثلاً ...
                        هي : - أريد فلوساً ..
                        أنا : - لماذا ؟
                        هي : - لأشتريَ فستاناً ..
                        أنا : - لكنَّكِ اشتريْتِ الأسبوع الماضي ..
                        هي : - أصبح قديماً ..
                        أنا : - قديم !! وعمره أسبوع ..
                        هي : - لبست مثله نانا ..
                        أنا : - نانا ؟!! ومن هذه النانا كلبة أم قطة ؟
                        زأرتْ : - قصدك أنَّ ثيابي ثياب كلاب وقطط ..
                        أنا (مرتعداً) : - لا واللهِ ... إنَّما أستفسر عن نانا هذه ؟
                        هي : - ناهد جارتنا ..
                        أنا : - وماذا في هذا ؟
                        هي : - لا ألبس ثوباً لبسته غيري ..
                        أنا : - ولكن ..

                        وهكذا يمضي الجدال والعك وخلق الأعذار لتفترسني فأرمي لها النقود لأرتاح منها.
                        ****** ****** ****** *******

                        قرَّرتْ حرمنا المصون أنَّها ستخوض عالم الإنترنت والحاسوب، وذهبت كلَّ محاولاتي
                        لإثنائها عن حضور الدورة أدراج الرياح، وأعلم أنَّ هذا (الكار) ليس (كارها) ولكنَّكم
                        بتُّم تعلمون أنَّها عنيدةٌ ..

                        المهمُّ أنَّها انتظمتْ يومياً في دورةٍ لمدة أربعة شهور وبواقع أربع ساعات، فإن حسبنا
                        للمواصلات نصف ساعة قبلاً ونصف ساعة من بعدُ يعني خمس ساعات من السلام
                        النَّفسي ..

                        خمس ساعات وأنا متحرِّرٌ من قبضتها منذ أن تزوجنا ...
                        وصرْتُ أرى الدُّنيا بلونٍ ورديٍّ،
                        أنام مرتاحاً،
                        وأصحو على مزاجي،
                        وأدخل وأخرج من غير ( أين تذهب؟ أو هات نقوداً! ).
                        ولكن كما قلْتُ لكم : ( الأحوال دُوَلٌ ... يومٌ يسعدك ... ويومٌ يسوؤك ) ..
                        ويبدو أنَّ يوم سعدي قد ولَّى ..
                        وحلَّ يوم بؤسي .. ولا يوم بؤس النعمان بن المنذر ..

                        وللعلم كان للنعمان في الجاهلية يومان :
                        يوم سعد من جاءه فيهِ أعطاه ما شاء ..
                        يوم بؤس من جاءه فيه – ولو المنذر أبوه – قتله !!

                        ****** ****** ****** *******

                        هي : - مساء الخير !!
                        أنـا : - مساء الخير !!
                        هي : - اليوم في الدورة كانت فافي ترتدي خاتماً جديداً رائعاً ..
                        وكنْتُ قدِ اعتدتُ أنَّ هذه أسماء دلع لزميلاتها ..
                        أنـا : - أليست هي زوجها التاجر الذي يلهف السوق كله ؟
                        هي : - وما لنا في سيرة الناس ..
                        أنـا : - أوضح لك كيف يأتي بالنقود لتشتري فافي خواتمها ؟
                        هي : - آه لو رأيتَ سونيا وثوب الفرو الذي تلبسه !!!
                        أنـا : - زوجها صاحب معارض السيارات .. ليس موظفاً مثلي ..

                        وهكذا بدأت أسطوانتها المشروخة كلَّ ليلةٍ تصدِّع جدار سلامي النفسي وهي تحدثني
                        عن فافي وفيفي ونغنوغة (دلع نغم) وشفشف ..... وماذا تلبس كل واحدة ، ومن أنَّها
                        يجب أن تلبس مثلهنَّ كيلا تبدو أقلَّ منهنَّ، وكل محاولاتي ومحاضراتي في القناعة
                        وعدم النظر إلى ما في يد الآخرين ذهبتْ بدون فائدةٍ ..
                        وأفهمتها أخيراً أنَّني لا أملك مالاً لأحقِّقَ لها رغباتها المجنونة
                        ..

                        ****** ****** ****** *******

                        كنْتُ جالساً بالقرب من نادي تشرين بعد الظهر ...
                        عندما مرَّ بي صديقي أبو خالد ونظر لي مستنكراً ..
                        أبو خالد : - لماذا تجلس هنا ؟
                        أنا : - أعمل ..
                        أبو خالد : - تعمل !! هنا .. ألم تجد غير هنا ؟
                        أنا : - لماذا ؟ هل الشغل عيبٌ ؟
                        أبو خالد : - لا .. أقصد مكانتك الاجتماعية .. لماذا ؟
                        أنا : - من أجل فافي وفيفي ونغنوغة وشفشف !!

                        ودمتم سالمين ...





                        تعليق


                        • #13
                          التشتوشية العاشرة : وليمة

                          ( دموعك يا حبيبي ) !!

                          ارتفع صوتها الرهيب من المطبخ وهي تصدح بهذا الصوت العجيب المرعب (الصابري)
                          - نسبةً لأبي صابر- وكالعادة هرعْتُ وأنا أتعثر لأعلم ما المصيبة التي حلَّت علينا،
                          ووجدتها وهي تبكي، فتفاءلْتُ خيراً من أمَّها الحيزبون الزنَّانة الطنَّانة التي أحالت عيشتي
                          مع حرمنا إلى شقاءٍ وتعاسةٍ ومشاكل لا حصر لها، تفاءلْتُ خيراً من أنَّ أمَّها قد جاورتْ ربَّها..

                          - خيراً ... خيراً يا حبيبتي .. ماذا جرى لأمك ؟
                          نظرت لي بعينين محمرَّتيْنِ والمخاط يسيل من أنفها وشعرها المنكوش وقالت :
                          - أمي بخيرٍ ..
                          ثُمَّ بعدوانيةٍ : - ما بك هل تتمنَّى لها الشرَّ ؟
                          تمتمتُ : - يا ليت ...
                          زأرتْ : - ماذا تقولُ ؟
                          - لا ... لا شيء ... إنَّما أقول : بعيد الشر ..
                          - لماذا تكره أمِّي لهذه الدرجة ؟!
                          - لا .. ولكنِّي رأيتكِ تبكين فخشيْتُ شراً ..
                          - ألا تراني أُقشِّر البصل ..

                          تنبَّهْتُ إلى البصل وأُصبْتُ بخيبة أملٍ، فقد خاب اعتقادي، وكدْتُ أعودُ أدراجي ولفت انتباهي
                          أنَّها تطبخ ولم أعهدها منذ زمنٍ بعيدٍ قد دخلت المطبخ ولبست المريلة، فقلْتُ لها ممتناً :
                          - شكراً لكِ يا حبيبتي لحرصكِ على إعداد الطعام لي .
                          قالت لي وهي تَشْرُقُ أنفها : - أنا أُعدُّ الطعام لصديقاتي ..
                          - صديقاتكِ !!
                          - سيأتيْنَ لزيارتي اليوم عصراً فأُعدُّ لهم تبولة وفطائر وكاتو ...

                          ******** ********* ********


                          تخيَّل نفسك في مدجنةٍ للدواجن وقد دخلْتَ تمشي بينهنَّ وارتفعت أصوات الدجاج وهي تنقنق
                          لهذا الدخيل الذي اقتحم خلوتهنَّ، هكذا كان حال حرمنا وصديقاتها .. كل واحدةٍ تتحدث بصوتٍ
                          أجش رجولي ولا واحدةٍ تستمع للأخرى، وتمنَّيْتُ أن أرى بينهنَّ امرأةً جميلةً ..
                          كلُّهنَّ سمينات .. قبيحات ... بعضهنَّ لهنَّ شارب خفيف ..
                          وأمَّا مواضيعهنَّ فقد بلغت رُقياً يحسدهم عليهِ ابن سينا والفارابي وإينشتاين ونيوتن

                          فهي من طراز:


                          - هل سمعْتِ يا أم فتحي آخر أخبار أم سعيد ؟
                          - ماذا ؟
                          - اشترتْ غسَّالة جديدةً .
                          - من أين وزوجها يعمل آذناً (فرَّاشاً) في مدرسة (التنابل النشيطة)؟
                          - شكلك مسكينة ولم تفهمي الدنيا بعد ..

                          أو من هذا الطراز :

                          - واللهِ بلال ابني يا حرام طول الليل ساهر وهو يدرس ..
                          - المسكين مجد عندي الأساتذة فشلوه فترك المدرسة وصار يشتغل نجَّاراً .
                          - عبودة يا سلام عليهِ المصاري بين يديهِ مثل الرز ..
                          - سليم ابني طلع وسافر بالبحر وللآن لم يرجع من ثلاثة شهور !!

                          أو من هذا الطراز :


                          - بالأمس طبخت لأبو مجد طبخة (كبيبات) مُعتبرة .

                          (( الكبيبات : أكلة لادئانية قديمة تعتمد على البرغل ودبس فليلفلة ودبس رمان)).
                          - أنا ما كان عندي لحمة فعملتلهم (صري صير) .

                          (( الصري صير : أكلة لادئانية قديمة برغل مسلوق مع لبن بارد مخلوط بالثوم )).
                          -
                          عبودة وأبوه رغبا في أكلة (طباخ روحه) .

                          (( طباخ روحه : أكلة لادئانية تعتمد على الباذنجان والبندورة )).
                          - بد ر وأصدقاؤه أُعجبوا بطبيخي (الملقس) .

                          (( الملقس : أكلة لادئانية تعتمد على الكوسا )).

                          ومن هذه الأحاديث العلمية والثقافية الحضارية الممتعة !!
                          وبالتأكيد لم تشارك حرمنا بهذه الأحاديث فآخر شيءٍ يهمها في الكون هو أمر العبد لله !!


                          ******** ********* ********

                          أرى علامات الاستفهام على وجوهكم، وأسمعكم تتهامسون بخبثٍ وتقولون ماذا تفعل بين النسوة؟
                          وكيف تتجسَّس عليهنَّ ؟
                          وبأيِّ وقاحةٍ تنظر لهنَّ ؟
                          نسيْتُ أن أقول لكم ...
                          قالت لي زوجتي قبل قدوم صديقاتها منزعجةً وهي تضع سمَّاعة الهاتف:
                          - رهيب .. شنيع .. غير معقول ..
                          وجلسْت تحدِّقُ بي، فتنسَّمْتُ رائحة ورطةٍ فابتلعْتُ لعابي وقلْتُ لها :
                          - خيراً يا روحي .. ما الرهيب ؟ والشناعة ؟
                          - أم صبحي اللفَّاية مريضة .
                          - ولماذا أم صبحي ؟
                          - لتخدمنا ..
                          - ولماذا تخدمكم البركة فيكِ؟
                          صاحتْ بصوتٍ يشبه مشجعي حطين عند إحراز فريقهم هدفاً على تشرين :
                          - نعم .. نعم .. أتريدني أن أترك صديقاتي وأعمل !!
                          نظرتْ لي نظرة (شرشبيل) وقد استطاع أن يظفر بِـ (أحد السنافر) ..
                          - ما رأيكَ أن تساعدني يا حبيبي ؟
                          لاحظوا قولها (تساعدني) بدلاً من قولها (تخدمني) .. رغم أنَّ معناها تخدمني ..
                          ولاحظوا كلمة (حبيبي) ولا ريبَ أنَّكم قد اعتدتم أنَّه من وراء هذه الكلمة مصيبة.
                          انتفختْ أوداجي، ونفخْتُ صدري:
                          - أنا قد أساعدكِ فيما بيننا، ولكن أمام صديقاتكِ، هزلتْ واللهِ هزلتْ ..

                          ******** ********* ********


                          ولأنَّني كما لاحظتم في يومياتي السابقة مسالِمٌ، حَمَلٌ وديعٌ، لا أحب المشاكل ..فقد قرَّرْتُ
                          أن أساعد زوجتي في عزيمة أصدقائها .

                          صاحت بي حرمنا بلهجةٍ مهذَّبةٍ وكعادتها خرجتْ حادةً لخشونة صوتها:
                          - تعال يا بعلي ووزع الكاتو !!
                          حزمْتُ المريلة وقلْتُ لها :
                          - حاضر يا روحي !! من بعدِ ما أجهز الأركيلة لأمِّ رأفت !!



                          تعليق


                          • #14
                            التشتوشية الحادية عشرة :
                            ضيعة ضايعة


                            كلُّكم يتابعُ هذا المسلسل الذي تبثُّه قناة (أبو ظبِي) تحت عنوان (ضيعة ضايعة)!!

                            رغم مآخذي السلبية على المسلسل إلاَّ أنَّنِي من أكبر المستمتعين بهِ، وأكثر ما يُعجبنِي فيهِ هو دور (جودى) والذي لا يهدأ من تعنيف زوجته (ديبة)، فكلُّ شيءٍ يحدث معه يُحمِّله لزوجتهِ، ولا تنسوا سلسلة الشتائم التِي يُمطر بِها رأس ديبة، والتِي تُنفِّسُ عن معاناتِي ومأساتي مع ذات العفاف والصونِ حرمنا !!

                            ولذلك ما إن تَحيْنُ الساعة التاسعة والنصف حتَّى ترانِي مُتسمِّراً أمام الشاشة، ومعي دفتر صغير لأدوِّنَ عليه بعضاً من موشَّحات جودى التِي فيها من الابتكار والتجديد ما يحسده عليهِ ابن منظور مؤلف معجم (لسان العرب).

                            في بداية الحلقات كانت حرمنا تنشغل على الهاتف مع زميلاتِها أو أمِّها أو تكون في السوق خارج البيت، ولكن بدأتِ الهمسات تـتناهَى إلى مسامعها عن المسلسل.

                            و لم أهتَمَّ بِحضورِها وكانتْ تستمتعُ بالمواقف الطريفة الساذجة التِي يعرضها المسلسل، غير أنَّ فراستها التي تسبق فراسة الثعلب في شمِّ رائحة الأرنب عن بعد عشرات الكيلومترات، بدأت تدرك أنَّ حضوري ليس للمتعة فحسب، بل لأشمت بديبة وكل النساء بسبب ما تقوم بهِ حرمنا من أذيةٍ لِي، وقد أدركتْ ذلك من ضحكتِي التي تمتدُّ من أذني اليُمنَى إلى أختها اليُسرى، والذي لفت انتباهها أنَّني لا أضحك لموقفٍ ما بقدر ما أنا أضحك لشتائم جودى التِي تنصبُّ كزخَّات المطر على رأس ديبة!!


                            وبدأتْ وحشيتُها تتجلَّى عليَّ:
                            - لماذا تضحك؟
                            ولأنَّنِي كنْتُ مندمِجاً في المسلسل قلْتُ لها بشكلٍ عفويٍّ :
                            - (لعمى فعيونِك) ..
                            (أي : أعمى الله عينيك بلهجة اللاذقية)
                            فعوتْ كعواء الذئب في الليلة المقمرة عندما يتحوَّل إلى مذؤوب في الأساطير الرومانية :
                            - أتَجرؤُ أن تدعو عليَّ ؟
                            وتنبَّهْتُ إلى خَطئِي غير المتعمَّد – وإن كان عقلي الباطنِي هو من نطقها – فأدركْتُ قائلاً:
                            - لا ... لا .... لا أقصدُ شيئاً أبداً .. إنَّما أُردِّدُ عبارة جودى في المسلسل ...
                            سكتتْ وإن كانتْ ترمقنِي بنظرةِ الثعبان الذي استكان للانقضاض على فأرٍ غافلٍ عنْهُ..

                            ***** ***** *****

                            وبدأتْ بالفعل أشعر أنَّنِي إنسانٌ آخر متأثراً بشخصيَّة جودى، وبدأْتُ أقلِّد حركاته فلم يعد يغادر المشط من جيبِي، وصار لسانِي كلسانه وإن كنْتُ لم أجرؤْ بعدُ على استخدام سبابه على حرمنا.
                            وفي الحقيقة لم تُبالِ حرمنا بهذا التحوُّل الطارئ على شخصيَّتِي واعتبَرتْها شيئاً عارضاً لا قيمةَ له، بل قالتْ لِي بالحرف الواحد :
                            - أنتَ كالبالون مهما نُـفِخَ فإنَّه في لحظةِ النِّهاية سينفجر ..


                            ولكنَّ الخبثاء من صديقاتِها اللواتِي لا يتركْنَها إلاَّ وهنَّ كالبنـزِيْنِ الذي يُلقَى على النَّارِ، صرْنَ يوسوِسْنَ لها :

                            الوسواس ( وهو تسمية لصديقةٍ لها ): انتبهي فشخصيةُ جودى تطغى على زوجك..حرمنا: لا عليكِ هو مثل الكر (الكر :صغير الحمار) في أوِّل طلوعه، فلن يبلغَ آخر الطَّلْعةِ.
                            الوسواس: لكنَّهُ سريع التأثُّر.
                            حرمنا: وسريع النسيان.
                            الوسواس: وقدْ يقوم يوماً بردِّ فعلٍ سيِّئٍ.
                            حرمنا: إنَّه أوهَى من بيت العنكبوت.
                            الوسواس: لكنَّ العنكبوت قد تصطاد الحشرات.
                            حرمنا (تضحك): ولكنَّ أنثَى العنكبوت تأكل ذكرها في النهاية.
                            الوسواس: على مسؤوليتك !!

                            ويبدو أنَّ صديقاتِها كُنَّ على حقٍّ، ولأنَّها لا تَهتمُّ بِي ولا بِمشاعري كانتِ النتيجةُ الحتميَّةُ.

                            ***** ***** *****

                            تتوقعون منِّي أنَّنِي ضربْتُها، أو شتمْتُها ..
                            بالعكس ..
                            فأنا أَعْقل من جودى ..
                            و .............
                            أُهديكم تَحيَّاتِي وأنا أقضي شهر العسل مع زوجتِي الجديدة في قريةٍ اسمها (سومة) ..
                            ألا تعرفونَها ..
                            إنَّها (ضيعةٌ ضائعةٌ) !!



                            تعليق


                            • #15
                              التشتوشية الثانية عشرة :
                              رحلة


                              كأنَّنِي في قصَّةٍ من قصص (ألف ليلةٍ وليلةٍ) ولذلك لم أُصدِّقْ عينَيَّ !!
                              بدأت الحكاية حينما عِدْتُ إلى البيْتِ من عملي مكدوداً منهكاً، وأنا متوقِّعٌ ضغطاً عصبياً من حرمنا المصون يفوقُ ضغط العمل والمواصلات والحر الشديد الذي هجم مُبكراً في شهر حزيران هذا العام.
                              وعلى غيْرِ العادة وجدْتُ البيتَ هادئاً مُرتَّباً، ورائحة النظافة تفوحُ منهُ، وعهدي أنَّها تنتظرنِي كي أرتِّبَ البيتَ وأنظِّفه مساءً بعدما أفيق من قيلولتِي، ووجدْتُها على أجمل هندامٍ وهي تقول لي بابتسامةٍ معسولةٍ :
                              - مساء الخير يا حبيبِي، الحمَّامُ ساخنٌ وفي انتظارك!!
                              خبطْتُ رأسي بالحائط لأتأكَّدَ من أنَّنِي في عِلْمٍ لا فِي حِلْمٍ، لا يُمكن أن تكون هذه حرمنا !!
                              الماءُ ينهمرُ على رأسي وأنا في الحمَّامِ وآلاف الأفكار السوداء تغزونِي، ماذا جرى ؟!...
                              هل قامتِ الحرب العالمية الثالثة؟
                              هل غزت كوريا الشمالية أمريكا وتغيرت خريطة الكون؟
                              هل انتحر الصرصور الذي في بلاعة المطبخ؟
                              من الممكن أن يحدث أيَّ شيءٍ إلاَّ أن تتغيَّر حرمنا المصون فجأةً إلى طرف النقيض من تصرُّفاتِها السيئة إلاَّ ولا بدَّ من أن يكونَ هناك مصيبةٌ من وراء هذا التغيُّرِ ..
                              المهم قرَّرْتُ أن أستمتع بِهذه اللحظات الهانئة معها ولو كانتْ لمدة دقائق!!
                              جلسْتُ على طاولة الطعام غيْر مُصدِّقِ أنَّ هذهِ الخبيثة قادرةٌ على طهوِ كلِّ هذا الطعام، وأدركْتُ أنَّها يُمكن أن تكونَ (ست بيتٍ) ممتازةً، ولكن عندما تُريدُ!!
                              وجدْتُ نفسِي وكأنَّنِي الأمير (شهريار) والأميرة (شهرزاد) تصبُّ لي الطعام..
                              - ما رأيك يا حبيبِي بِهذه القطعة من اللحم ؟
                              - همممم (بفمٍ مليءٍ) ..
                              وفهمَتْ أنَّ هذهِ الـ (همممم) تعنِي استحساناً فصارتْ تحشو فمِي بِما يصلُ إلى يديها من طعامٍ حتَّى أوشكتْ أن تضع كل ما في الأواني بفمي، وصار فمي يشبه بالون المنطاد لولا أنَّنِي أبعدْتُ يدها عنِّي.
                              رمتْنِي بنظرة النسرِ الأخيْرةِ قبل الانقضاض من أعالي السَّماء على فريستهِ، ثمَّ قالتْ لِي :
                              - ما رأيك لو نسافر إلى رومانيا ؟
                              كنْتُ أشربُ الماء فلمَّا سمعْتُ اقتراحَها غصصْتُ وسعلْتُ كلَّ الماء الذي في فمي على وجهها وقد احمرَّ وجهي وبالكاد استطعْتُ أن أستعيدَ نَفَسِي الضائع، وفي الوقتِ نفسهِ كانتْ تمسح الماء عن وجهها، وتَخيَّلوا منظرها وقد كشَّرتْ عن أنيابِها كالضَّبعِ الجائعِ وتشوَّهَ من كثرة الأصباغ التِي قلَّما تضعها لأجلي، فصار وجهها أشبه بلوحةٍ يرسمها طفلٌ في السنة الأولى من عمرهِ، وهي تتمتمُ بعباراتٍ من طراز :
                              - الله لا يعطيك العافية ... الله لا يوفقك ... الله يخرب بيتك .... حمـا....
                              صحْتُ في وجهها : - على مَهْلِكِ !! ماذا فعلْتُ حتَّى تتطاولِي عليَّ ..
                              وتذكَّرَتْ على ما يبدو غرضها من استعداداتِها غيْر الطبيعية في استقبالي، فعاودتِ النَّظَرَ إلى وجهي وهي ترسم ابتسامةً متكلِّفةً وقالتْ:
                              - ما رأيُكَ يا حبيبِي ؟
                              - رأيي بِماذا ؟
                              - السَّفر إلى رومانيا ...
                              - (ببرودٍ) ولماذا ؟
                              - (بضيقٍ) يعنِي لماذا نسافر ؟ نسافر للسياحة.
                              - (بِمكْرٍ) هل تبرَّعَتْ أُمُّكِ بِمصاغها لكِ حتَّى تمنحنا هذهِ الهديةَ السياحيةَ .. (وبسرعةٍ) أنا موافقٌ على كرم حماتِي الحاتِمي ..
                              - (بصبرٍ نافذٍ وقد وضحت عصبيتُها) ما علاقةُ أُمِّي ومصاغها برحلتنا؟ هل من المنطقي أن تتبرَّع بِمصاغِها لنسافرَ بِمالِها ...
                              - (غيَّرْتُ الحديثَ) ولِماذا رومانيا ؟
                              - أريدُ السَّفرَ لأزورَ "هالماجيو" !!
                              - (وجدْتُ صعوبةً في نطق الاسم) هلا ماجي .. ومن هذهِ الماجي التي سنرحِّب بِها قائلين لها "هلا"..
                              - "هالماجيو" يا بنِي آدم .. مَنْ ماجي وهلا ..
                              - (باستفهامٍ) لم أفهمْ شيئاًََ!!
                              - هذه مقاطعةٌ في رومانيا، وقدِ اشتهرتْ بالكونت (دراكيولا) مصاص الدماء، والرجل المذؤوب!!
                              سبحان الله يبدو لِي أنَّها ستذهبُ إلى مسقط رأسها حيث مصاصو الدماء والمذؤوبون من أجدادها، قاطعتْ استرسالي :
                              - ما رأيك؟
                              - كنْتُ أعرف أنَّ هذا الدَّلالَ ليسَ للهِ تعالَى !!
                              - (بغضبٍ) دعْنِي من موشحاتِكَ ..
                              - من أينَ لِي بالمال ؟
                              - لكنَّك تملكُهُ ..
                              - (رفعْتُ حاجبِيَّ بدهشةٍ) سبحان الله أقول لكِ: ليس عندي مالٌ، وأنت تَجزميْنَ بأنِّي أملكه!!
                              - (ابتسمتْ بغموضٍ) هل نسيْتَ الأرض التِي ورثتَها عن أبيكَ في قرية "سلمى" ؟
                              - مُحالٌ هذه الأرض ليست للبيع سأبنِي عليها يوماً ما بيتاً للمصيف!
                              - (بدلالٍ زائفٍ) أتحرمنِي السياحة لسببٍ تافهٍ كهذا؟!
                              - (بنرفزةٍ) لا .
                              - (بِحدَّةٍ) بحياتك لن تبنِيَ بيتاً فأنت لا تملك مالاً..
                              - صحيحٌ .. ولكنَّنِي لن أبيعها ..
                              - (بعصبيةٍ) بل ستبيع ..
                              - لن أبيعَ ..
                              - سأبيع ..
                              - لا ... لا ... لا ...
                              - نعم ... نعم ... نعم ...
                              **** **** **** ****


                              مصيبةٌ أن تجد نفسك مع هذه المرأة – حرمنا – بين قومٍ لا يفقهون لغتكَ، ونحن لا نفقه لغتهم الرومانية..
                              ولأنَّنِي بعدما بِعْتُ أرضِي غصباً عنِّي فقد قرَّرْتُ الانتقام منها شرَّ انتقامٍ، فقد تظاهرْتُ أنَّنِي لا أفهم الإنجليزية بتاتاً وحينما قالتْ:
                              - أعرفك تحسن الإنجليزية ..
                              - هذا أيَّام المدرسة والجامعة .. أمَّا الآن فلا ..
                              وتركتُها وحدها في الليل مع قليلٍ من المال يكفي الإقامةَ وحاجتها من المصروف الذي يسد رمق جوعها، لأثبتَ لها أنَّنِي لسْتُ بالنذالةِ التِي سترميْنِي بِها فيما بعد، وبعد أيَّامٍ اتصلْتُ بِها، فقالتْ جزعةً:
                              - أين أنتَ قد أبلغْتُ الشرطة خوفاً عليكَ ؟
                              - خوفاً عليَّ أم على مالي أم على نفسكِ ..
                              - (لِخوفِها من وحدتِها في بلدٍ لا أحد يفهم عليها فيها) ماذا تقول ؟ أنت تعلم أنَّنِي أخاف عليك أنتَ..
                              - لا تخافِي ..
                              - لكنَّك تركْتنِي وحدي !!
                              - ما شاء الله عليكِ وهل يجرؤ أحدٌ على الدنوِّ منكِ؟!
                              - (بوحشيةٍ) أينَ أنتَ الآن؟
                              - أقوم بِجولةٍ سياحيَّةٍ، أتعرَّفُ على قطاع السياحة في "هالماجيو" وخاصةً دراكولا ..
                              - ( بغضبٍ شديدٍ) أتذهب وحدك؟
                              - وحدي !! لا .. لا .. برفقتِي ليليث ..
                              - ليليث !! من ليليث ؟
                              - مصَّاصة دماء من طراز دراكولا !!
                              - كفاكَ مزاحاً ..
                              - أنا لا أمزح !!
                              - كيف تقيم معها ليلاً نَهاراً بدونِي !!
                              - عفواً نسيْتُ أن أقولَ لكِ : إنَّ ليليث قد أصبحتْ زوجتِي ... نياهاهاهاهاهاه !!




                              تعليق

                              يعمل...
                              X