إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شاعر المقاومة الفلسطينية: محمود درويش (جميع قصائده )متجدد.

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #91
    سيمتدُّ هذا الحصار ليقنعنا باختيار عبوديّة لا تضرّ، ولكن بحريَّة كاملة!!.

    أَن تُقَاوِم يعني: التأكُّدَ من صحّة
    القلب والخُصْيَتَيْن، ومن دائكَ المتأصِّلِ:
    داءِ الأملْ.

    وفي ما تبقَّى من الفجر أَمشي إلى خارجي
    وفي ما تبقّى من الليل أسمع وقع الخطي داخلي.

    سلامٌ على مَنْ يُشَاطرُني الانتباهَ إلي
    نشوة الضوءِ، ضوءِ الفراشةِ، في
    ليل هذا النَفَقْ.

    سلامٌ على مَنْ يُقَاسمُني قَدَحي
    في كثافة ليلٍ يفيض من المقعدين:
    سلامٌ على شَبَحي.

    إلي قارئ: لا تَثِقْ بالقصيدةِ ـ
    بنتِ الغياب. فلا هي حَدْسٌ، ولا
    هي فِكْرٌ، ولكنَّها حاسَّةُ الهاويةْ.

    إذا مرض الحبُّ عالجتُهُ
    بالرياضة والسُخْريةْ
    وَبفصْلِ المُغنِّي عن الأغنيةْ

    أَصدقائي يُعدُّون لي دائماً حفلةً
    للوداع، وقبراً مريحاً يُظَلِّلهُ السنديانُ
    وشاهدةً من رخام الزمن
    فأسبقهم دائماً في الجنازة:
    مَنْ مات.. مَنْ ؟

    الحصارُ يُحَوِّلني من مُغَنٍّ الى . . . وَتَرٍ سادس في الكمانْ!

    الشهيدةُ بنتُ الشهيدةِ بنتُ الشهيد وأختُ الشهيدِ
    وأختُ الشهيدةِ كنَّةُ أمِّ الشهيدِ حفيدةُ جدٍّ شهيد
    وجارةُ عمِّ الشهيد الخ ... الخ ..
    ولا نبأ يزعج العالَمَ المتمدِّن،
    فالزَمَنُ البربريُّ انتهى.
    والضحيَّةُ مجهولَةُ الاسم، عاديّةٌ،
    والضحيَّةُ ـ مثل الحقيقة ـ نسبيَّةٌ الخ ... الخ ف

    هدوءاً، هدوءاً، فإن الجنود يريدون
    في هذه الساعة الاستماع إلي الأغنيات
    التي استمع الشهداءُ إليها، وظلَّت كرائحة
    البُنّ في دمهم، طازجة.

    هدنة، هدنة لاختبار التعاليم: هل تصلُحُ الطائراتُ محاريثَ ؟
    قلنا لهم: هدنة، هدنة لامتحان النوايا،
    فقد يتسرَّبُ شيءٌ من السِلْم للنفس.
    عندئذٍ نتباري على حُبِّ أشيائنا بوسائلَ شعريّةٍ.
    فأجابوا: ألا تعلمون بأن السلام مع النَفْس
    يفتح أبوابَ قلعتنا لِمقَامِ الحجاز أو النَهَوَنْد ؟
    فقلنا: وماذا ؟ ... وَبعْد ؟

    الكتابةُ جَرْوٌ صغيرٌ يَعَضُّ العَدَمْ
    الكتابةُ تجرَحُ من دون دَمْ..

    فناجينُ قهوتنا. والعصافيرُ والشَجَرُ الأخضرُ
    الأزرقُ الظلِّ. والشمسُ تقفز من حائط
    نحو آخرَ مثل الغزالة.
    والماءُ في السُحُب اللانهائية الشكل في ما تبقَّي لنا
    من سماء. وأشياءُ أخرى مؤجَّلَةُ الذكريات
    تدلُّ على أن هذا الصباح قويّ بهيّ،
    وأَنَّا ضيوف على الأبديّةْ.

    رام الله ـ يناير 2002
    اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

    تعليق


    • #92
      اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

      تعليق


      • #93
        إلـى أمّــي
        محمود درويش - فلسطين

        أحنُّ إلى خبزِ أمّي
        وقهوةِ أمّي
        ولمسةِ أمّي
        وتكبرُ فيَّ الطفولةُ
        يوماً على صدرِ يومِ
        وأعشقُ عمري لأنّي
        إذا متُّ
        أخجلُ من دمعِ أمّي

        خذيني، إذا عدتُ يوماً
        وشاحاً لهُدبكْ
        وغطّي عظامي بعشبِ
        تعمّد من طُهرِ كعبكْ
        وشدّي وثاقي..
        بخصلةِ شَعر..
        بخيطٍ يلوّحُ في ذيلِ ثوبكْ
        عساني أصيرُ إلهاً
        إلهاً أصير..
        إذا ما لمستُ قرارةَ قلبكْ!

        ضعيني، إذا ما رجعتُ
        وقوداً بتنّورِ ناركْ
        وحبلِ الغسيلِ على سطحِ دارِكْ
        لأني فقدتُ الوقوفَ
        بدونِ صلاةِ نهارِكْ
        هرِمتُ، فرُدّي نجومَ الطفولة
        حتّى أُشارِكْ
        صغارَ العصافيرِ
        دربَ الرجوع..
        لعشِّ انتظاركْ..

        اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

        تعليق


        • #94
          اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

          تعليق


          • #95
            فراغ فسيح
            محمود درويش - فلسطين

            فراغ فسيح. نحاس. عصافير حنطيَّة
            اللون. صفصافَة. كَسَل. أفق مهْمَل
            كالحكايا الكبيرة. أَرض مجعَّدة الوجه.
            صَيْف كثير التثاؤب كالكلب في ظلِّ
            زيتونة يابس . عرَق في الحجارة.
            شمس عمودية. لا حياة ولا موت
            حول المكان . جفاف كرائحة الضوء في القمح
            لا ماء في البئر و القلب .
            لا حبَّ في عَمَل الحبِّ... كالواجب الوطنيِّ
            هو الحبّ. صحراء غير سياحيَّةٍ، غير
            مرئيَّةٍ خلف هذا الجفاف. جفاف
            كحرية السجناء بتنظيف أعلامهم من
            براز الطيور. جفاف كحقِّ النساء
            بطاعة أزواجهنَّ وهجر المضاجع. لا
            عشب أَخضر، لا عشب أَصفر. لا
            لون في مَرَض اللون. كلّ الجهات
            رمادٌية
            لا انتظارٌ إذاً
            للبرابرة القادمين إلينا
            غداة احتفالاتنا بالوطنْ

            اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

            تعليق


            • #96
              اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

              تعليق


              • #97
                طباق
                إلى إدوارد سعيد

                محمود درويش - فلسطين
                نيويورك، نوفمبر، الشارع الخامس
                الشمس صحن من المعدن المتطاير
                فوضى لغات
                زحام على مهرجان القيامة
                هاوية كهربائية بعلو السماء
                قصائد ويتمان
                تمثال حرية لا مبال بزوّاره
                جامعات
                مسارح
                قداس جاز
                متاحف للغد
                لا وقتَ في الوقت
                قلت لنفسي الغريبة:
                هل هذه بابل، أم سدوم؟
                هناك التقيت بإدوارد قبل ثلاثين عاما
                وكان الزمان أقلَّ جموحا من الآن
                قال كلانا:
                إذا كان ماضيك تجربة
                فاجعل الغد معنىً ورؤيا
                لنذهب إلى غدنا واثقين بصدق الخيال
                ومعجزة العشب
                لا أتذكر أنّا ذهبنا إلى السينما في المساء
                ولكنْ سمعت هنودا قدامى ينادونني
                لا تثق بالحصان ولا بالحداثة
                لا ضحية تسأل جلادها: هل أنا أنتَ
                لو كان سيفي أكبرَ من وردتي
                هل تسأل إن كنت أفعل مثلك
                سؤال كهذا يثير فضول الروائي
                في مكتب من زجاج
                يطل على زنبق في الحديقة
                حيث تكون يد الفرضية بيضاء
                مثل ضمير الروائي
                حين يصفّي الحساب مع نزعة البشرية
                لا غدَ في الأمس
                فلتتقدمْ إذا
                قد يكون التقدم جسر الرجوع
                إلى البربرية

                نيويورك
                إدوارد يصحو على جرس الفجر
                يعزف لحنا لموتسارت
                يركض في ملعب التنس الجامعي
                يفكر في رحلة الفكر عبر الحدود وفوق الحواجز
                يقرأ نيويورك تايمز
                يكتب تعليقه المتوتر
                يلعن مستشرقا يرسل الجنرال إلى نقطة الضعف
                في قلب شرقية
                يستحمّ
                ويختار بذلته بأناقة ديك
                ويشرب قهوته بالحليب
                ويصرخ في الفجر: لا تتلكأ
                على الريح يمشي
                وفي الريح يعرف من هو
                لا سقف للريح
                لا بيت للريح
                والريح بوصلة لشمال الغريب
                يقول:
                أنا من هناك
                أنا من هنا
                ولست هناك ولست هنا
                ليَ اسمان يلتقيان ويفترقان
                ولي لغتان نسيت بأيهما كنت أحلم
                لي لغة إنجليزية للكتابة طيّعة المفردات
                ولي لغة من حوار السماء مع القدس
                فضية النبر
                لكنها لا تطيع مخيلتي
                والهوية قلت
                قال دفاع عن الذات
                إن الهوية بنت الولادة
                لكنها في النهاية إبداع صاحبها
                لا وراثة ماض
                أنا المتعدد
                في داخلي خارجي المتجدد
                لكنني أنتمي لسؤال الضحية
                لو لم أكن من هناك
                لدربت قلبي على أن يربي غزال الكناية
                فاحمل بلادك أنّى ذهبت
                وكن نرجسيَ السلوك
                لكي يعرفوك إذا لزم الأمر
                منفى هو العالم الخارجي
                ومنفى هو العالم الباطني
                فمن أنت بينهما؟
                لا أعرّف نفسي لئلا أضيّعها
                وأنا ما أنا
                وأنا آخري في ثنائية تتناغم بين الكلام وبين الإشارة
                ولو كنت أكتب شعرا لقلت:
                أنا اثنان في واحد كجناحيْ سنونوة
                إن تأخر فصل الربيع اكتفيت بنقل الإشارة
                يحب بلادا
                ويرحل عنها
                هل المستحيل بعيد؟
                يحب الرحيل إلى أي شيء
                ففي السفر الحر بين الثقافات
                قد يجد الباحثون عن الجوهر البشري
                مقاعد جاهزة للجميع
                هنا هامش يتقدّم
                أو مركز يتراجع
                لا الشرق شرق تماماً
                ولا الغرب غرب تماماً
                فإن الهوية مفتوحة للتعدد
                لا صَدَفا
                أو خنادق
                كان المجاز ينام على ضفة النهر
                لولا التلوث لاحتضن الضفة الثانية
                هل كتبت الرواية؟
                حاولت
                حاولت أن أستعيد بها صورتي
                في مرايا النساء البعيدات
                لكنّهن توغلن في ليلهن الحصين
                وقلنَ: لنا عالم مستقل عن النص
                لن يكتب الرجل المرأة اللغز والحلم
                لن تكتب المرأة الرجل الرمز والنجم
                لا حب يشبه حباً
                ولا ليل يشبه ليلاً
                فدعنا نعدد صفات الرجال ونضحك
                وماذا فعلت؟
                ضحكت على عبثي
                ورميتُ الرواية في سلة المهملات
                المفكر يكبح سرد الروائي
                والفيلسوف يشرّح ورد المغني
                يحب بلاداً
                ويرحل عنها
                أنا ما أقول وما سأكون
                سأصنع نفسي بنفسي
                وأختار منفاي موسوعة لفضاء الهوية
                منفاي خلفية المشهد الملحمي
                أدافع عن حاجة الشعراء
                إلى الغد والذكريات معاً
                وأدافع عن شجر ترتديه الطيورُ
                بلاداً ومنفى
                وعن قمر لم يزل صالحاً لقصيدة حب
                أدافع عن فكرة كسرتها هشاشة أصحابها
                وأدافع عن بلد خطفته الأساطير
                هل تستطيع الرجوع إلى أي شيْ؟
                أمامي يجرّ ورائي ويسرع
                لا وقت في ساعتي لأخط سطوراً على الرمل
                لكنني أستطيع زيارة أمس
                كما يفعل الغرباء
                إذا استمعوا في المساء الحزين
                إلى الشاعر الرعوي:
                فتاة على النبع تملأ جرتها بدموع السحاب
                وتبكي وتضحك
                من نحلة لسعت قلبها
                في مهب الغياب
                هل الحب ما يوجع الماء
                أم مرض في الضباب
                ..إلى آخر الأغنية
                إذا
                قد يصيبك داء الحنين
                حنيني إلى الغد
                أبعد أعلى وأبعد
                حلمي يقود خطاي
                ورؤياي تجلس حلمي على ركبتيّ
                كقط أليف
                هو الواقعي الخيالي
                وابن الإرادة
                في وسعنا أن نعدّل حتمية الهاوية
                والحنينُ إلى أمس عاطفة لا تخص المفكرَ
                إلا ليفهم شوق الغريب
                إلى أدوات الغياب
                وأما أنا فحنيني صراع على حاضر
                يمسك الغد من خصيتيه
                ألم تتسلل إلى الأمس
                حين ذهبت إلى البيت
                بيتك في القدس
                في حارة الطالبية؟
                هيأت نفسي لأن أتمدد في تخت أمي
                كما يفعل الطفل حين يخاف أباه
                وحاولت أن أستعيد ولادة نفسي
                وحاولت أن أتحسس جلد الغياب
                ورائحة الصيف من ياسمين الحديقة
                لكنّ ضبع الحقيقة فرّقني
                عن حنين تلفت كاللص حولي
                أخفت؟
                وماذا أخذت؟
                لا أستطيع لقاء الخسارة وجها لوجه
                وقفت على الباب كالمتسوّل
                هل أطلب الإذن من غرباء
                ينامون فوق سريري أنا في زيارة نفسي
                لخمس دقائق
                هل أنحني باحترام
                لسكان حلمي الطفولي
                هل يسألون:
                من السائل الأجنبي الفضولي
                هل أستطيع الكلام عن السلم والحرب
                بين الضحايا وبين ضحايا الضحايا
                بلا كلمات إضافية
                وبلا جملة اعتراضية
                هل يقولون لي:
                لا مكان لحلمين في مخدع واحد
                لا أنا أو هو
                ولكنه قارئ يتساءل
                عما يقول لنا الشعر في زمن الكارثة
                دم
                ودم
                ودم في بلادك
                باسمي وباسمك
                في زهرة اللوز
                في قشرة الموز
                في لبن الطفل
                في اللون
                في الظل
                في حبة القمح
                في علبة الملح
                قناصة بارعون
                يصيبون أهدافهم بامتياز
                دما
                ودما
                ودما
                هذه الأرض أصغر من دم أبنائها الواقفين
                على عتبات القيامة مثل القرابين
                هل هذه الأرض حقا مباركة
                أم معمّدة بدم
                ودم
                ودم لا تجففه الصلوات
                ولا الرمل
                لا عدّ في صفحات الكتاب المقدس
                يكفي لكي يفرح الشهداء
                بحرية المشي فوق الغمام
                دم في النهار
                دم في الظلام
                دم في الكلام
                يقول: القصيدة قد تستضيف الخسارة
                خيطا من الضوء يلمع في قلب غيتارة
                أو مسيحا على فرس مثخن بالمجاز الجميل
                فليس الجمالي إلا حضور الحقيقي في الشكل.
                في عالم لا سماء له
                تصبح الأرض هاوية
                والقصيدة إحدى هِبات العزاء
                وإحدى صفات الرياح
                جنوبية أو شمالية
                لا تصف ما ترى الكاميرا من جروحك
                واصرخ لتسمع نفسك
                واصرخ لكي تعلم
                أن الحياة على هذه الأرض ممكنة
                فاخترع أملا للكلام
                ابتكر جهة أو سرابا
                يطيل الرجاء
                وغنّ
                فإن الجمالي حرية
                أقول:
                الحياة التي لا تعرّف
                إلا بضد هو الموت
                ليست حياة
                يقول:
                سنحيا
                ولو تركتنا الحياة إلى شأننا
                فلنكن سادة الكلمات
                التي سوف تجعل قراءها خالدين
                على حد تعبير صاحبك الفذ ريتسوس
                وقال: إذا متّ قبلكَ
                أوصيك بالمستحيل
                سألت:
                هل المستحيل بعيدٌ؟
                فقال: على بعد جيل
                سألت:
                فإن متّ قبلك
                قال: أعزّي جبال الجليل
                وأكتب: ليس الجمالي إلا بلوغ الملائم
                والآن، لا تنس
                إن متّ قبلكَ
                أوصيك بالمستحيل
                عندما زرته
                في سدومَ الجديدة في عام ألفين واثنين
                كان يقاوم حرب سدوم على أهل بابل
                والسرطان معا
                كان كالبطل الملحمي الأخير
                يدافع عن حق طروادة في اقتسام الرواية
                نسر يودع قمته
                عاريا
                عاريا
                فالإقامة فوق الأولمب
                وفوق القممْ
                تثير السأم
                وداعا
                وداعا
                وداعا لشعر الألم


                اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                تعليق


                • #98
                  اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                  تعليق


                  • #99
                    لماذا تركت الحصان وحيداً..؟

                    محمود درويش - فلسطين
                    إلى أين تأخذني يا أبي؟
                    إلى جهة الريح يا ولدي …
                    … وهما يخرجان من السهل ، حيث
                    أقام جنود بونابرت تلاً لرصد
                    الظلال على سور عكا القديم ـ
                    يقول أبٌ لابنه: لا تخف. لا
                    تخفْ من أزيز الرصاص ! التصقْ
                    بالتراب لتنجو! سننجو ونعلو على
                    جبل في الشمال ، ونرجع حينَ
                    يعود الجنود إلى أهلهم في البعيدِ
                    ـ ومن يسكن البيت من بعدنا
                    يا أبي ؟
                    ـ سيبقى على حاله مثلما كان
                    يا ولدي !
                    تحسس مفتاحه مثلما يتحسس
                    أعضاءه ، واطمئن. وقال لهُ
                    وهما يعبران سياجاً من الشوك :
                    يا ابني تذكّرْ! هنا صلب الإنجليزُ
                    أباك على شوك صبارة ليلتين،
                    ولم يعترف أبداً. سوف تكبر يا
                    ابني، وتروي لمن يرثون بنادقهم
                    سيرة الدم فوق الحديدِ …
                    ـ لماذا تركت الحصان وحيداً؟
                    ـ لكي يؤنس البيت ، يا ولدي ،
                    فالبيوت تموت إذا غاب سكانها …
                    تفتح الأبدية أبوابها من بعيدٍ ،
                    لسيارة الليل. تعوي ذئاب
                    البراري على قمر خائف. ويقول
                    أب لابنه: كن قوياً كجدّك!
                    واصعد معي تلة السنديان الأخيرة
                    يا ابني، تذكّر: هنا وقع الانكشاريّ
                    عن بغلة الحرب ، فاصمد معي
                    لنعودَ
                    ـ متى يا أبي ؟
                    ـ غداً. ربما بعد يومين يا ابني!
                    وكان غدٌ طائشٌ يمضغ الريح
                    خلفهما في ليالي الشتاء الطويلة
                    وكان جنود يهوشع بن نون يبنون
                    قلعتهم من حجارة بيتهما. وهما
                    يلهثان على درب (قانا): هنا
                    مر سيدنا ذات يوم. هنا
                    جعل الماء خمراً. وقال كلاماً
                    كثيراً عن الحب، يا ابني تذكّر
                    غداً. وتذكر قلاعاً صليبية
                    قضمتها حشائش نيسان بعد
                    رحيل الجنود …


                    اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                    تعليق


                    • اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                      تعليق


                      • عندما يبتعد

                        محمود درويش - فلسطين
                        للعدوّ الذي يشرب الشاي في كوخنا فرسٌ في الدخان.
                        وبنتٌ لها حاجبان كثيفان.
                        عينان بنّيتان.
                        وشعرٌ طويلٌ كليل الأغاني على الكتفين.
                        وصورتها لا تفارقه كلّما جاءنا يطلب الشاي.
                        لكنّه لا يحدّثنا عن مشاغلها في المساء،
                        وعن فرسٍ تركته الأغاني على قمّة التلّ...
                        ... في كوخنا يستريح العدوّ من البندقيّة،
                        يتركها فوق كرسيّ جدّي.
                        ويأكل من خبزنا مثلما يفعل الضيف.
                        يغفو قليلاً على مقعد الخيزران.
                        ويحنو على فرو قطّتنا.
                        ويقول لنا دائمًا:
                        لا تلوموا الضحيّة!
                        نسأله: من هي ؟
                        فيقول: دمٌ لا يجفّفه الليل.../
                        ... تلمع أزرار سترته عندما يبتعد
                        عم مساءً! وسلّم على بئرنا
                        وعلى جهة التين. وامش الهوينى على
                        ظلّنا في حقول الشعير. وسلّم على سرونا
                        في الأعالي. ولا تنس بوّابة البيت مفتوحةً
                        في الليالي. ولا تنس خوف الحصان من الطائرات،
                        وسلّم علينا، هناك إذا اتّسع الوقت.../
                        هذا الكلام الذي كان في ودّنا
                        أن نقول على الباب... يسمعه جيّدًا
                        جيّدًا، ويخبّئه في السّعال السريع
                        ويلقي به جانبًا.
                        فلماذا يزور الضحيّة كلّ مساءٍ ؟
                        ويحفظ أمثالنا مثلنا،
                        ويعيد أناشيدنا ذاتها،
                        عن مواعيدنا ذاتها في المكان المقدّس ؟
                        لولا المسدس
                        لاختلط الناي في الناي ...
                        ... لن تنتهي الحرب ما دامت الأرض فينا تدور على نفسها!
                        فلنكن طيّبين إذًا. كان يسألنا أن نكون هنا طيّبين.
                        ويقرأ شعرًا لطيّار (ييتس):
                        أنا لا أحبّ الذين أدافع عنهم،
                        كما أنني لا أعادي الذين أحاربهم...
                        ثم يخرج من كوخنا الخشبيّ،
                        ويمشي ثمانين مترًا إلى
                        بيتنا الحجريّ هناك على طرف السّهل.../
                        سلّم على بيتنا يا غريب.
                        فناجين قهوتنا لا تزال على حالها.
                        هل تشمّ أصابعنا فوقها ؟
                        هل تقول لبنتك ذات الجديلة والحاجبين الكثيفين إنّ لها صاحبًا غائبًا،
                        يتمنّى زيارتها، لا لشيءٍ...
                        ولكن ليدخل مرآتها ويرى سرّه:
                        كيف كانت تتابع من بعده عمره
                        بدلاً منه؟ سلّم عليها
                        إذا اتّسع الوقت...
                        هذا الكلام الذي كان في ودّنا
                        أن نقول له، كان يسمعه جيّدًا جيّدًا،
                        ويخبّئه في سعالٍ سريع،
                        ويلقى به جانبًا، ثم تلمع
                        أزرار سترته، عندما يبتعد...



                        اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                        تعليق


                        • اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                          تعليق


                          • أنا من هناك
                            محمود درويش - فلسطين أنا من هناك. ولي ذكرياتٌ . ولدت كما تولد الناس. لي والدة وبيتٌ كثير النوافذِ. لي إخوةٌ. أصدقاء. وسجنٌ بنافذة باردهْ. ولي موجةٌ خطفتها النوارس. لي مشهدي الخاص. لي عشبةٌ زائدهْ ولي قمرٌ في أقاصي الكلام، ورزقُ الطيور، وزيتونةٌ خالدهْ مررتُ على الأرض قبل مرور السيوف على جسدٍ حوّلوه إلى مائدهْ. أنا من هناك. أعيد السماء إلى أمها حين تبكي السماء على أمها، وأبكي لتعرفني غيمةٌ عائدهْ. تعلّمتُ كل كلام يليقُ بمحكمة الدم كي أكسر القاعدهْ تعلّمتُ كل الكلام، وفككته كي أركب مفردةً واحدهْ
                            هي: الوطنُ...
                            اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                            تعليق


                            • اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                              تعليق


                              • يطير الحمام .. يحطُّ الحمام
                                محمود درويش - فلسطين
                                يطير الحمام

                                يحطّ الحمام
                                أعدّي لي الأرض كي أستريح
                                فإني أحبّك حتى التعب
                                صباحك فاكهةٌ للأغاني وهذا المساء ذهب
                                ونحن لنا حين يدخل ظلٌّ إلى ظلّه في الرخام
                                وأشبه نفسي حين أعلّق نفسي على عنقٍ
                                لا تعانق غير الغمام
                                وأنت الهواء الذي يتعرّى أمامي كدمع العنب
                                وأنت بداية عائلة الموج حين تشبّث بالبرّ حين اغترب
                                وإني أحبّك، أنت بداية روحي، وأنت الختام
                                يطير الحمام
                                يحطّ الحمام
                                أنا وحبيبي صوتان في شفةٍ واحده
                                أنا لحبيبي أنا. وحبيبي لنجمته الشارده
                                وندخل في الحلم، لكنّه يتباطأ كي لا نراه
                                وحين ينام حبيبي أصحو لكي أحرس الحلم مما يراه
                                وأطرد عنه الليالي التي عبرت قبل أن نلتقي
                                وأختار أيّامنا بيديّ كما اختار لي وردة المائده
                                فنم يا حبيبي ليصعد صوت البحار إلى ركبتيّ
                                ونم يا حبيبي لأهبط فيك وأنقذ حلمك من شوكةٍ حاسده
                                ونم يا حبيبي عليك ضفائر شعري، عليك السلام
                                يطير الحمام
                                يحطّ الحمام
                                رأيت على البحر إبريل
                                قلت: نسيت انتباه يديك
                                نسيت التراتيل فوق جروحي
                                فكم مرّةً تستطيعين أن تولدي في منامي
                                وكم مرّةً تستطيعين أن تقتليني لأصرخ
                                إني أحبّك كي تستريحي
                                اللهم اجمعنا على طاعتك وفي جنتك...

                                تعليق

                                يعمل...
                                X