أعـــــــدائـــــــي_ ممدوح عدوان _ سورية
==========================
هذه الرواية لهواة التاريخ ،إذ أنها ترصد الحياة السياسية و الإجتماعية لبلاد الشام(سوريا) مطلع القرن العشرين . فتبدأ الرواية عام 1916 ومحكمة "عالية" العرفية تنظر في قضية " الجواسيس " الذين يطالبون باستقلال سوريا الذاتي عن الدولة العثمانية العليّة، و" الخونة " الذين يتّصلون بالإنكليز و الفرنسيين لطلب المساعدة في تحقيق "مؤامرتهم".
اولئك الذين ستّعرفهم كتب التاريخ لاحقاً بالشهداء الأبطال " شهداء السادس من أيار" و قد أُعدموا على يد السفّاح "جمال باشا" في ساحتي المجد والكرامة بدمشق و بيروت . في تلك الأيام كانت الأمبراطورية العثمانية تلفظ أنفاسها الأخيرة، و جبهات الحرب مفتوحة عليها من كل الجهات ، إضافة إلى أعداء الداخل : المفكرون و الأدباء من جهة والشريف حسين وأولاده ونصيرهم "لورنس" الإنكليزي و ثورتهم العربية التي أعلنوها من الحجاز و انطلقوا بها نحو بلاد الشام من جهة أخرى . و لنضف أيضاً اولئك " اليهود المساكين "الذين لجؤوا إلى بلادنا هرباً من الإضطهاد الدموي الذي تعرضوا له على يد قيصر روسيا في كل انحاء اوروبا الشرقية . فها هم و قد استقبلوا على الرحب و السعة وبكل التسامح المعروف ،يقيمون مزارعهم الخاصة في جنوب سورية برعاية كريمة من الحكام السَمحين، و على رأسهم " جمال باشا" ...
إذاً ما الذي يمكن أن يفعله بضعة ضباط وطنيين كـ عارف بيك و عدنان بيك ؟ وهل يمكنهما إنقاذ ما يمكن إنقاذه ؟وسط هذه الفوضى و الفساد والدمار و انعدام الإخلاق التي نخرت أساسات الدولة و أركان البلاد!!
سأنقل بتصرف بسيط مقطعاً من افتتاحية الرواية ليوحي لكم باجوائها،مع نصيحتي لكل المهتمين بعدم تفويت فرصة قراءة هذه الرواية البديعة و المعّبرة عن حالنا قبل مئة عام .... لا أكثر !!
(( ملعون أبو هذه الدنيا.ملعون أبو هذا العمر الخراء. نظل طوال عمرنا في الذَّنَب. دائماً إلى الوراء. أنا ؟ أنا عارف الإبراهيم أصل إلى هذه المواصيل ؟ أصير مضحكة؟ العمى ..العمى و ألف العمى..
إلى هذه الدرجة يستجحشوننا ؟ إلى هذه الدرجة يستوطئون حيطنا؟ امتلأت الدنيا بالجواسيس . من كل الجنسيات . ومن اولاد البلد أيضاً. لم تكن الجاسوسية ذلك الموضوع الجديد على عارف . فهذه هي معركته الدائمة . لكنه يخسرها شيئا فشيئاً . ولديه انطباع شبه مؤكد أن الجاسوس مطلق الصلاحية في البلد أكثر من ابن الحكومة ، هذا إذا لم يكن الجاسوس هو نفسه ابن حكومة .
أما " ألتر صاموئيل ليفي " هذا اليهودي اللعين جاسوس الإنكليز فإنه يقف في حلقي . و لا أكون من ظهر أبي إذا أفلت مني . ابن الكلب سأعترف بأنه جريء . أن يلبس لباس ضابط عثماني و يتجوّل ثلاثة أيام على الشاطىء السوري ،من مخفر إلى مخفر ،من اسكندرون إلى خلدة ، وعساكرنا الحمير تؤدي له التحية و تتلقى منه الصفعات بابتسام. بدل أن يتجسس علينا من تحت لتحت يأتي من فوق. يلف رجلاً على رجل وهو يدخّن الأركيلة و عساكرنا يرتجفون أمامه كالفئران ويقدمون له المعلومات . لولا أنه يعرف أنها سائبة ما تجرأ . لولا أننا غشم و دواب لما تجرأ على ذلك. تصرَّف مثلما يتصرف ضباطنا تماماً. تخريَّن و زعق و صرخ وخوَّف .فصار الكل يتكتك بين يديه . تعرفون ماذا تعني فعلته ؟ تعني أنه آكلنا و خارينا ، حافظنا عن ظهر قلب . يعرف خريَّنة كل واحد منَّا على من هم دونه . و كيف يخرأ الواحد في سرواله عندما يكون أمام رئيسه . يتحوَّل من جبار إلى فأر لقلوق . وكل واحد يطلب رضاء من هو أعلى ، وخذ على هذا المنوال إلى أن تصل إلى الحاشية القحبة التي تحيط بـــ " جمال باشا ".
أي والله و أي نعم ... كل يوم ألف قصة مثل هذه القصة . ))
تقديم الاستاذ جان مصري .
تعليق