حبـــل سرِّي _ مها حســـن _ سورية _
" ستقتلك هذه السرعة ذات يوم" بهذه العبارة تبدأ الرواية ، وهي موجهة إلى " صوفي بيران " المرأة الفرنسية التي تكره الثبات و التي تعيش بين مدن أوروبية عدة ،بشرط أن لا تطول إقامتها في كل مرة إلا أياماً معدودة.
أما مكان العيش المفضّل لديها فهو سيارتها "البيجو الكحلية" التي تقضي فيها يومياً أكثر من ثمان ساعات و هي تقود كالحصان الهائج بسرعة جنونية سوف تقودها يوماً إلى الهلاك أو إلى ملكوت آخر ،كما كانت تظن .
لم تكن تحمل معها في تجوالها سوى حقيبة ظهر صغيرة تحوي بعض أدوات الزينة وبضعة روايات تقرؤها أثناء التوقف عن القيادة ،و قليل من الأشرطة الموسقية ،و أحبها إلى قلبها كاسيت "جوان حاجو" ... و لكن ماذا يفعل شريط المغني الكردي "جوان" في سيارة " صوفي" ؟؟
تنتقل الرواية بنا مباشرة إلى "كمال"و هو يقف على شرفة الطابق الخامس يتأمل حي "الشيخ مقصود" في حلب ،يراقب حركة المارين وهم يسيرون في جميع الاتجاهات، ها هي فتاة ترتدي بنطالاً ضيقاً من الجينز ، قال في سره:"إنها مسيحية"و عاد وتذكَّر أن الكرديات والمسيحيات أصبحن يشبهن بعضهن في لباسهن في هذا الحي الذي يحبه كمال كثيراً لتنوع سكانه من عرب وأكراد وأرمن وتركمان. و لكن لو كان له الاختيار لفضّل النزول قليلاً إلى حي السريان القديمة حيث يمكنه شرب العرق في وسط الشارع دون أي اعتراض من أحد.
كمال والد صوفي بيران !!! و لمَ العجب ؟ فــ صوفي هي حنيفة سليمان !!
لا تغضبي يا صوفي يقول زوجها "آلان" هذه هي الحقيقة ،أنت كائن لا يثق بشيء ،تكرهين الثبات و الاستقرار، تخلقين حولك تيهاً مستمراً لتصدقي أنك في متاهة .. من أنتِ في العمق ؟ كفّي عن بحثك عن الوطن ، الوطن هو أنتِ ، هو الإنسان، أما المكان أو الارض فهي لا شيء ما الذي يهمك إن وُجدتْ كردستان أم لا ؟؟.
تنظر إليه صوفي-حنيفة بقسوة وتقول: هذا لأنك فرنسي ،لديك فرنسا ،لك الحق بأن ترمي بها من النافذة ،و عندما تغادرها أنت حرٌ بأن تعود إليها أم لا ،أما أنا فلا أشعر بأني غادرت مكاناً أو اقتلعت منه ، لأني لم أكن مزروعة أساساً ،لم يكن أبي و لاأجدادي ينتمون إلى مكان أو أرض ،كانوا يؤكدون لي في كل تفاصيل حياتي أن تلك الأرض ليس لي ، أن سورية ليست لي ، كنت أحمل أوراق هوية عربية سورية،لا كردية.. لهذا أنا أسيرة للخوف وعدم الأمان.
وهكذا تنتقل الرواية بنا بين باريس و برلين و حلب و عفرين و قرية ماتنلي الكردية و حي الشيخ مقصود وأحياء حلب الجميلة، في رحلة بحث عن جذور أمة مشتتة ،و عن انتماء ناقص يبعث فيك شعوراً دائماً بأنك أبتر، بلا ساقين و بلا أساس. هذه الرحلة لن تقوم بها صوفي التي قتلتها السرعة كما قلنا في البداية ، إنما ابنتها " باولا" التي وجدت "حبل سري" يربطها بهذه الأماكن ، فلحقت بــــــه ..
هل كانت على حق ؟ وهل اللحاق بهذا الحبل السري كان قراراً صائباً ؟
هذا ما يمكننا قراءته في هذه الرواية الجميلة والممتعة .
تقديم الاستاذ جان مصري.
" ستقتلك هذه السرعة ذات يوم" بهذه العبارة تبدأ الرواية ، وهي موجهة إلى " صوفي بيران " المرأة الفرنسية التي تكره الثبات و التي تعيش بين مدن أوروبية عدة ،بشرط أن لا تطول إقامتها في كل مرة إلا أياماً معدودة.
أما مكان العيش المفضّل لديها فهو سيارتها "البيجو الكحلية" التي تقضي فيها يومياً أكثر من ثمان ساعات و هي تقود كالحصان الهائج بسرعة جنونية سوف تقودها يوماً إلى الهلاك أو إلى ملكوت آخر ،كما كانت تظن .
لم تكن تحمل معها في تجوالها سوى حقيبة ظهر صغيرة تحوي بعض أدوات الزينة وبضعة روايات تقرؤها أثناء التوقف عن القيادة ،و قليل من الأشرطة الموسقية ،و أحبها إلى قلبها كاسيت "جوان حاجو" ... و لكن ماذا يفعل شريط المغني الكردي "جوان" في سيارة " صوفي" ؟؟
تنتقل الرواية بنا مباشرة إلى "كمال"و هو يقف على شرفة الطابق الخامس يتأمل حي "الشيخ مقصود" في حلب ،يراقب حركة المارين وهم يسيرون في جميع الاتجاهات، ها هي فتاة ترتدي بنطالاً ضيقاً من الجينز ، قال في سره:"إنها مسيحية"و عاد وتذكَّر أن الكرديات والمسيحيات أصبحن يشبهن بعضهن في لباسهن في هذا الحي الذي يحبه كمال كثيراً لتنوع سكانه من عرب وأكراد وأرمن وتركمان. و لكن لو كان له الاختيار لفضّل النزول قليلاً إلى حي السريان القديمة حيث يمكنه شرب العرق في وسط الشارع دون أي اعتراض من أحد.
كمال والد صوفي بيران !!! و لمَ العجب ؟ فــ صوفي هي حنيفة سليمان !!
لا تغضبي يا صوفي يقول زوجها "آلان" هذه هي الحقيقة ،أنت كائن لا يثق بشيء ،تكرهين الثبات و الاستقرار، تخلقين حولك تيهاً مستمراً لتصدقي أنك في متاهة .. من أنتِ في العمق ؟ كفّي عن بحثك عن الوطن ، الوطن هو أنتِ ، هو الإنسان، أما المكان أو الارض فهي لا شيء ما الذي يهمك إن وُجدتْ كردستان أم لا ؟؟.
تنظر إليه صوفي-حنيفة بقسوة وتقول: هذا لأنك فرنسي ،لديك فرنسا ،لك الحق بأن ترمي بها من النافذة ،و عندما تغادرها أنت حرٌ بأن تعود إليها أم لا ،أما أنا فلا أشعر بأني غادرت مكاناً أو اقتلعت منه ، لأني لم أكن مزروعة أساساً ،لم يكن أبي و لاأجدادي ينتمون إلى مكان أو أرض ،كانوا يؤكدون لي في كل تفاصيل حياتي أن تلك الأرض ليس لي ، أن سورية ليست لي ، كنت أحمل أوراق هوية عربية سورية،لا كردية.. لهذا أنا أسيرة للخوف وعدم الأمان.
وهكذا تنتقل الرواية بنا بين باريس و برلين و حلب و عفرين و قرية ماتنلي الكردية و حي الشيخ مقصود وأحياء حلب الجميلة، في رحلة بحث عن جذور أمة مشتتة ،و عن انتماء ناقص يبعث فيك شعوراً دائماً بأنك أبتر، بلا ساقين و بلا أساس. هذه الرحلة لن تقوم بها صوفي التي قتلتها السرعة كما قلنا في البداية ، إنما ابنتها " باولا" التي وجدت "حبل سري" يربطها بهذه الأماكن ، فلحقت بــــــه ..
هل كانت على حق ؟ وهل اللحاق بهذا الحبل السري كان قراراً صائباً ؟
هذا ما يمكننا قراءته في هذه الرواية الجميلة والممتعة .
تقديم الاستاذ جان مصري.
تعليق